2- وكما أشرنا، ففي سياق التاريخ المسيحي الطويل، لم يكن الموقف تجاه الحضارة ذات اتجاه واحد. فعلى خط موازٍ مع المشاغل التي تضطلع بها الحضارة، والتي مفادها أنّ الله خلق الإنسان على صورته، وأعاد خلقه بفعل إخلاء الابن القدوس لذاته، يمكن للمرء أن يجد رفضاً للحضارة. لقد صرّح ترتليانوس وعلى نحو جذري فقال: “في الواقع ما هي العلاقة بين أثنيا وأورشليم؟ أيّة صلة تقوم بين الجامعة والكنيسة؟ تعليماتنا تأتينا من الهيكل الذي يعلّمنا أن الرب ينبغي أن نطلبه ببساطة القلب… ولا حاجة لنا إلى نقاش أو جدال بعد أن اقتنينا يسوع المسيح، ليس من استفسار حول الاستمتاع بالإنجيل. بإماننا لا يعود لنا رغبة بأي معتقد آخر، وبسبب إيماننا بالمسيح ليس من حاجة إلى أي شيء آخر”. ورفض مماثل للحضارة يمكننا أن نجده أيضاً في بعض الأوساط المسيحية اليوم. وأسوق مثالاً واحداً على ذلك: جماعة الـ Mennonites يمثلون منذ الإصلاح وإلى الآن موقفاً مضاداً للحضارة. فهم يقصون تعاطي الشأن السياسي ليس فقط من نظامهم الاجتماعي، ونشاطاتهم، بل إنما يتبعون أنظمة ومبادئ للثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، متميّزة عن عقليّتهم وفهمهم للإنجيل. ويمكن للمرء أن يجد أمثلة مماثلة أقر بريقاً وإشراقاً في ابتاع التقويم القديم، وفي روسيا، وعند أتباع التقويم القديم في اليونان. في هذه الأوساط تُفهم الحياة المسيحية على أنها حياة بعيدة عن الحضارة.