رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ثلاثة صُلبان رُفعت على الجُلجُثة، فوقها ثلاثة أجساد عارية، مزَّقها الجلد والضرب والجوع والعطش... وغمرها الطين والدم والدموع... ثلاثة أجساد بشريّة لا فرق بينها، فكلَّها مُلطّخة بالألم والجروح، وكلَّها تنزف الحياة قطرة قطرة، صليبان صُلب عليهما لصَّان ويسوع كان وسطهما فتم قول الكتاب: " وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ " (إش53: 12). أمَّا اللصان فكان كلاهما يُجدِّفان عليه في أول الأمر (مت44:27)، ولكنَّ أحدهما وهو اللص اليمين لم يعُد كذلك، بل آمن بالمصلوب ربَّاً وإلهاً، أمَّا الآخر فظل أثيماً كما هو رافضاً الخلاص إلى النهاية ولمَّا كانت يداه ورجلاه موثوقة كان يضرب بلسانه مُجدِّفاً: " أَلَسْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ؟ إِذَنْ خَلِّصْ نَفْسَكَ وَخَلِّصْنَا! " لكنّ الآخر كان ينتهره قائلاً: " أَمَّا نَحْنُ فَعُقُوبَتُنَا عَادِلَةٌ لأَنَّنَا نَنَالُ الْجَزَاءَ الْعَادِلَ لِقَاءَ مَا فَعَلْنَا وَأَمَّا هَذَا الإِنْسَانُ، فَلَمْ يَفْعَلُ شَيْئاً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ! ثُمَّ قَالَ: يَا يَسُوعُ اذْكُرْنِي عِنْدَمَا تَجِيءُ في مَلَكُوتِكَ! فقال له يسوع بنغمة مفعمة بحلاوة الغُفران، وقد لاحت على وجهه أشعة شبيهة بذلك النور البهيّ الَّذي ينبثق من أجفان الأطفال: " الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: الْيَوْمَ سَتَكُونُ مَعِي في الْفِرْدَوْسِ! " (لو23 : 39-43). أيّة قوّة أنارت هذا اللص حتى آمن بالمسيـح؟ أو من أعلمه أن يعبــد ذلك المحتقــر المرذول الَّذي ينزف الحيـاة قطرة قطرة على الصلــيب؟ًََُِّّّّ ربَّما كانت صلاة يسوع المؤثّرة من أجل الغفران لصالبيه لها أكبر تأثير، فاعتقد اللص أنَّ الَّذي يغفر لقاتليه، لا يمكن أن يكون قد ارتكب ذنباً يستحق عليه الموت! ولابد أنَّه كان يرغب حياة التوبة، ولهذا عندما كشف الله له القناع، استخدم هذا النور لخلاصه، فقد استطاع من خلال هذا النور أن يرى مجد الفادي وسط الظلام الَّذي كان يُحيط بالصليب! ولهذا لم يقل اللص يا مُعلِّم أو يا سيِّد، ولكنَّه نادى المسيح بلقب الجلال " يارب " وبذلك أعلن للواقفين أنَّ الَّذي يظهر كدودة داستها الأقدام هو ملك المجد السماويّ! فصرخ وتضرّع في ثقة كاملة لكي يذكره الرب في ملكوته! فياله من بشير للسيِّد المسيح في ظُلمة ليل الآلام، ياله من نجم ساطع يُرشد الَّذين يُريدون ميناء الراحة في بحر الحياة العاصف، ياله من إيمان جديد يُعطينا برهاناً جديداً على أنَّ أعمق أسرار السماء تتكشف لأيّ إنسان تنبّه ضميره فجأة وأحس بحاجته للخلاص، ولو كان يلفظ أخر الأنفاس! أنت بحقٍ سارق ماهر أيها اللص استطعت أن تسرق الجوهرة الثمينة، ولكن هذه المرّة بإيمانك وليس بمكرك وخِداعك.. لقد تعوّدت النهب والسرقة فلم تشبع بما سرقت، فجاهدت لتسرق الملكوت الَّذي لا يُقدّر بمال.. لم يكفك غِنى العالم الَّذي سرقت ونهبت منه الكثير، فسعيت لتسرق الحياة الجديدة الَّتي غِناها لا يُحدْ، وها أنت قد نِلت. فطوباك ثم طوباك أيها اللص الطوباويّ، وطوبى للسانك الحسن المنطق، الَّذي به تأهَّلتْ بالحقيقة لملكوت السموات وفردوس النعيم. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
زجرِ اللص اليمين بعُنف واحتقار زميله اللص اليسار |
مع اللص اليمين |
اللص اليمين |
هل الذى جدف على الرب وقت صلبه اللص الشمال فقط أم جدف معه أيضاً اللص اليمين ؟ |
اللص اليمين |