كان العروسان مغرمان بشراء الأواني الفخارية الثمينة والأثرية.
. في إحدى رحلتهما إلى أوربا، ذهبا إلى متجر خاص بالأثريات. لفت نظر العروس إناء فخاري ثمين موضوع في إحدى زوايا المتجر وكان حوله زينة جذابة. انطلقت العروس إليه وأمسكت به في إعجاب. نادت عريسها وهى تقول: "لم أرى في حياتي مثل هذا الجمال الرائع. يا لصانعه من فنان رائع"!
صمت الإناء قليلًا ثم قال لها:
"ألا تعرفين أنى كنت حفنة من تراب،
لو لمستيني لغسلت يديك، إذ كنت أجعلهم متسختين. ولكن أمسك بي سيدي ووضع على ماء وصار يعجنني، كنت أصرخ:
"اتركني على الأرض،
لماذا تعجنني بهذا العنف؟
ماذا فعلت لك؟!".
نظر إلى سيدي وهو يبتسم قائلًا:
"ليس بعد"!
شعرت بمرارة وقلت: "ماذا يفعل بي بعد؟". وضعني في دولاب الفخار، وصار يحركه بقوة، شعرت كأن الأرض كلها تدور حولي.
وصرت أصرخ: كفى، كفى، فإني أشعر بدوار شديد. إني أموت. ارحمني". هز سيدي رأسه وهو يبتسم ويقول: "ليس بعد!". أمسك بي وصار يتأمل فيَّ، وإذ به يضعني في الفرن، كانت الحرارة مرتفعة للغاية، لم أختبر مثلها قط. قلت له:
"لماذا تحرقني بالنار؟
ماذا فعلت بك لتقتلني.
يا لك من قاسى القلب!".
صرخت: "افتح لي باب الفرن. كفى".
بعد فترة فتح الباب
ورأيت على وجهه ابتسامة وهو يقول:
"ليس بعد!".
حملني من الفرن ووضعني على رف، فتنسمت الهواء، وبدأت الحرارة تزول. أمسك بي من جديد وإذ به يضرب بالفرشاة ليرسم علىّ أشكالًا جميلة، لكن رائحة الألوان صعبة للغاية. أحسست بحالة قيء شديد. قلت له:
"كفى. كفى. إني لا أحتمل رائحة الألوان". أما هو فهز رأسه وقال: "ليس بعد!". كدت أموت وهو يمسك بي ليضعني ثانية في الفرن ليثبت الألوان ويغير من طبيعتي. كانت حرارة الفرن مضاعفة. توسلت إليه ألا يضعني فيها، لكنه أصر. كنت أتطلع إليه وأنا أبكى. أما هو فكان يرد: "ليس بعد!".
فتح الباب وحملني من الفرن، ووضعني على الرف حتى أبرد. بعد قليل قدم لي مرآة وقال لي: "يا حفنة التراب المتألمة انظري!" دهشت حين رأيت نفسي في هذا الجمال الباهر. قلت له: "إني لست أنا! إني لست حفنة التراب المُداسة بالأقدام". قال لي: "هذا ما فعلته بك مدرسة الألم".
"سيدتي العروس، لا تخافي من الألم، فإن سيدك يدخل معك في طريق الآلام. لو تركتك بدون أن يعجنك تصيرين ترابًا بلا قيمة.
وإن لم يحملك إلى دولابه الفخاري، تصيرين قطعة طين بلا شكل. إن لم يدخل بك إلى الفرن تجفين وتتشققين. إن لم يلق بالألوان برائحتها الصعبة لا تحملين صورًا جميلة. إن لم تدخلي الفرن ثانية ما تستحقين أن تكوني في مركز رائع محوطة بالمجد. لتصرخي معي قائلة:
"مرحبًا بمدرسة الألم، مرحبًا بمدرسة الأمجاد الأبدية".
"إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه." (رومية 8:17)