الدعوة الإلهية دائماً تُقدَّم في فرح لقاء خاص ومُميز للغاية، والفرح الدائم لا يأتي فيها بتمنيات أو مجرد حالة نشوة عابرة، بل لا يأتي الفرح الدائم إلا بخلع جسم خطايا عتيق ولبس ثوب جديد، أي فيها تخلي عن حياة قديمة وأمر بالتبعية والسير – فعلياً وواقعياً – وراء الرب في رعايته الخاصة بدون وسيط لأن روحه الخاص هو قائد النفس وساكنها، وهو يُعلِّم ويرشد ويوجه لأنه مسحتنا الخاصة صارت لنا منه:
+ أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم (1كورنثوس 3: 61)
+ وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء (1يوحنا 2: 02)
+ وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يُعلمكم أحد، بل كما تُعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء – وهي حق وليست كذباً – كما علمتكم تثبتون فيه (1يوحنا2: 72)
ويلزمنا هنا أن نقف وقفة صحيحة جادة، لكي نفرق ما بين سماع التعليم من الذين نالوا موهبة التعليم من الله، وعمل الروح القدس من جهة نقل هذا التعليم إلينا، لأن لو سمعنا فقط دون أن تتحوَّل فينا المعرفة لحياة، أي تنزل المعرفة من العقل للقلب بقوة الروح القدس نفسه، فأننا سنفشل ونحيا في حالة وهم عظيم بأننا نحيا لله، مثل إنسان فقير يحلم في الليل أنه غني جداً، وحينما يستيقظ يجد نفسه فقير عريان كما هوَّ.
فبكون الروح القدس هو روح التعليم، فهو يُعطي البعض موهبة التعليم ليسمعها الجميع لينتبه لعمل الله ويعرف نفسه ويُصلي عن حاجة لكي يتغير ويتشكل حسب التعليم الصحيح الذي سمعه، وبكونه هو (الروح القدس) روح التعليم فأنه يحفر ويُشكل مثل النحات الماهر، فهو يُشكلنا بقدرته الخاصة حسب التعليم الذي نسمعه ونقبله، لأن هذا هو عهد الرب لنا:
+ هذا هو العهد الذي أعهده معهم بعد تلك الأيام يقول الرب: أجعل نواميسي في قلوبهم وأكتبها في أذهانهم (عبرانيين 01: 61)
فالله يحفر تعليمه في قلب تلميذه الخاص ويكتبها في ذهنه ليتشكل عليها بروحه، فتنطبع الصورة الإلهية فيه، لذلك نحن كمدعوين تلاميذ الله الأخصاء، علينا أن نسمع – بانتظام وتأني وصبر عظيم بمثابرة دون كسل أو إهمال – التعليم المُلهم منه للمُعلمين الحاصلين على هذه الموهبة الإلهية، ونقبل التعليم ونطلب قوته، فيعمل الروح القدس فينا عمله الخاص إذ يشكلنا حسب هذا التعليم ويزيدنا استنارة طابعاً فينا صورة مسيح القيامة والحياة فنصير نور للعالم وملح الأرض عملياً وفعلياً، فيتمجد الله فينا فنصير حقاً أشجار برّ غُرس الرب للتمجيد.
ولنعلم يقيناً أن الذي لا يسمع ويُطيع التعليم المُعطى من الله للمعلمين الأتقياء فأن الروح القدس لن يعمل فيه، لأنه أهمل التعليم الذي من الله وانفصل عن الجسد الواحد أي الكنيسة وعاش منفرداً مكتفياً بذاته، وبالطبع لا أتكلم هنا عن الكنيسة من جهة الشكل بل عن الذين يعيشون الدعوة الإلهية كما تكلمنا عنها هنا؛ لذلك الرسول الملهم يقول عن التعليم:
+ فشكراً لله انكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها (رومية 6: 71)
+ ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا (2تسالونيكي 3: 6)
ولا يكلم الرسول ويوجه الكلمات فقط للمتعلمين، بل للخُدام أيضاً والمدعوين أساقفة قائلاً:
+ لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضاً (1تيموثاوس 4: 16)
+ لأنه يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله، غير معجب بنفسه ولا غضوب ولا مُدمن الخمر ولا ضراب ولا طامع في الربح القبيح. بل مُضيفا للغرباء، مُحباً للخير، مُتعقلاً، باراً، ورِعاً، ضابطاً لنفسه. مُلازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين (تيطس 1: 7 – 9)
+ وأما انت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح؛ مقدما نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة ومُقدماً في التعليم نقاوة ووقاراً وإخلاصاً وكلاماً صحيحاً، غير ملوم لكي يخزى المضاد إذ ليس له شيء رديء يقوله عنكم (تيطس 2: 1؛ 7 – 8)
+ أنا أُناشدك إذاً أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يُدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته. أكرز بالكلمة، أعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب، وبخ، أنتهر، عِظ بكل أناة وتعليم. لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم مُعلمين مستحكة مسامعهم. (2تيموثاوس 4: 1 – 3)
ولننتبه ونحذر لأن هناك من يصنعون تشويشاً وينصبون فخاخاً في الطريق لأجل العثرة، وهما عاشقين الجدل، عائشين لا حسب التعليم بل حسب ما يظنون حسب أهواء قلبهم في شكل وصورة حرية زائفة يخدعون بها المبتدئين في الطريق الروحي، ويجمعون لأنفسهم أناس لم يعرفوا الدعوة الإلهية بعد ويعيشون تحت سلطان الموت:
+ ولكن الروح يقول صريحاً: أنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مُضلة وتعاليم شياطين. في رياء أقوال كاذبة، موسومة ضمائرهم. مانعين عن الزواج وآمرين أن يُمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق. لأن كل خليقة الله جيدة ولا يُرفض شيء إذا أُخِذَ مع الشكر. لأنه يُقدَّس بكلمة الله والصلاة. أن فكرت الإخوة بهذا تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح مُتربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذي تتبعته. وأما الخُرافات الدنسة العجائزية فارفضها وروض نفسك للتقوى. (1تيموثاوس 4: 1 – 7)
+ أن كان أحد يُعلِّم تعليماً آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوى. فقد تصلف وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات ومُماحكات الكلام التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون الردية. ومُنازعات أُناس فاسدي الذهن وعادمي الحق يظنون أن التقوى تجارة، تجنب مثل هؤلاء. (1تيموثاوس 6: 3 – 5)
وهذه هي توجيهات بولس الرسول لإنسان الله، فكل من دخل في الطريق وصار إنسان الله عليه ان يسمع ويصغي ويطيع من القلب:
+ وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البرّ والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين. أوصيك أمام الله الذي يُحيي الكل والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البُنطي بالاعتراف الحسن. أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح. الذي سيبينه في أوقاته، المُبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب. الذي وحده لهُ عدم الموت ساكناً في نور لا يُدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية آمين. (1تيموثاوس 6: 11 – 61)