لاضطراب العقلي أو المرض النفسي كدفاع امام المحكمة
في معظم الحالت يقدم المضطرب عقليا أو نفسيا الى المحاكمة، وإذا اعترف بانه مذنب أو حكم عليه بذلك فانه يتقدم بدليله على أنه مريض نفسياً مثلاً وذلك أملاً في تخفيف الحكم عليه . وقد تحوله المحكمة الى مستشفى للامراض النفسية على أن يبقى محجوزاً به لغاية الشفاء التام . وفي بعض الحالات تكتفي المحكمة بالشفاء الاجتماعي حيث يستمر المرض أو الحالة عند الجاني لكنه لا يشكل خطراً على السلامة العامة . وفي بعض البلدان يمكن أن يخرج تحت الكفالة أو الوصاية (probation) مع أو بدون شرط العلاج في العيادات النفسية الخارجية . وقد يكون من المفيد أن نتطلع على الإجراءات المتبعة في بعض البلدان المتقدمة مثل انكلترا حيث يتقدم المريض في بعض الحالات بدليل يثبت اضطرابه العقلي وذلك لأحد الأسباب التالية :-
1- لكي يعفى من المحاكمة - لعدم صلاحيته لذلك.
2- لكي يطلب التخفيف من المسؤولية بالرغم من اعترافه بالقيام
بالعمل .
1- عدم الصلاحية للمحاكمةUnfit to plead)
يعتبر المتهم غير صالح للمحاكمة اذا توفر عنصر على الاقل من العناصر التالية :-
أ - لا يستطيع إعطاء تعليمات أو توضيح الأمور المتعلقة بالقضية
لمحاميه.
ب - لا يستطيع تمييز أو تقدير أهمية طلب عدم الصلاحية هذا.
جـ - لا يستطيع مناقشة أو تحدي المحلفين.
د - لا يستطيع تفحص الشاهد ومناقشته(examine a witness ).
هـ - لا يستطيع تفهم ومتابعة مجريات المحاكمة.
لا يطلب من المتهم أن يكون قادراً على تقديم الدليل شفوياً .
ان طلب عدم الصلاحية للمحاكمة نادراً ما يلجأ اليه أحد ويتم قبوله عادة في حالات المرض العقلي الشديد أو فيمن لديهم توهمات ضد هيئة المحكمة وفى بعض حالات المرض العضوي الشديد .
وإذا وافقت المحكمة على الطلب فقد يصدر القاضى قراره بناءً على الحقائق المتوفرة .
الحكم بعدم الذنب (غير مذنب) بسبب الجنون (insanity)
(المرض العقلي الشديد):
يدعى الجاني هنا بأنه غير مذنب بمعنى أنه لا يستحق العقاب بسبب المرض العقلي واذا ثبت للمحكمة بعد حساب توازن الاحتمالات أن الجاني كان ينوء تحت وطأة اضطراب العقل وقت ارتكابه للجناية بحيث تنطبق عليه احكام مكنوتن (Mc Naughten Rules) وهي :
- أنه بسبب هذا الإضطراب العقلي لم يدرك طبيعة أوكنه عمله
(الطبيعة المادية للعمل).
- لم يعرف أن ما قام به من عمل هو خاطئ (غير مسموح به قانونياً )
وإذا كان الفرد يعاني من توهم (delusion) فإنه تحكم على أعماله حسب علاقتها مع هذا التوهم فمثلا اذا توهم ان حياته في خطر داهم
فإنه يحق له أن يدافع عن نفسه وليس غير ذلك .
من الناحية النظرية يمكن أن يتقدم بهذا الطلب لأي جناية ولكن العادة أن يتقدم في حالة القتل فقط وحتى في هذه الحالة نادراً ما يقدم مثل هذا الطلب . ويطلب من طبيبين أو أكثر أن يقدما دليلاً على الاضطراب العقلي وأن يكون أحد الأطباء معتمداً لهذا الغرض .
ولا يسجل أي حكم ضد الجاني بل يترك للقاضي اصدار القرار الذي يعتبره مناسباً بإدخال الجاني الى المستشفى أو غير ذلك .
المسؤولية المخففة :
بالرغم من احكام مكنوتن في بريطانيا لم ينج الكثير من المرضى
العقليين من حبل المشنقة مما أثار الرأي العام ونشأت حركة تطالب بالمسؤولية المخففة ونجحت في اصدار قانون القتل لعام 1957 والذي يتيح لمرتكب جريمة القتل بأن يستدعى بأنه اثناء اقترافه الجريمة كانت مسؤوليته عن عمله غير كاملة أو مخففة وعليه أن يثبت أنه أثناء القيام بالقتل كان عقله غير طبيعى بسبب التخلف العقلي أو توقف نمو العقل وبسبب متأصل فيه أو ناتج عن إصابة رضية أو مرض تسبب في نقص كبير في مسؤوليتة عن أفعاله .
إن القول بأن العقل غير طبيعى هنا(mental abnormality) ليس مترادفاً مع معنى المرض العقلي أو النفسي بل هي حالة يترك للجاني أو مستشاره الطبي أن يحدد معناها وكلمة نقص كبير (substantial ) يترك أمر تقديرها للقاضي بالرغم من أنه يمكن للطبيب أن يعطى رأيه في ذلك .
وإذا نجح الاستدعاء هذا فان جريمة القتل تخفف من القتل العمد (murder) إلى القتل القصد (manslaughter) حيث يحكم على الحالة الأولى بالسجن المؤبد بينما يترك للمحكمة في الحالة الثانية حرية الحكم بأي شيئ تشاء دون ذلك بما فيه الادخال للمستشفى أو الخروج تحت الكفالة أو الوصاية (probation) وقد عرفت محكمة الاستئناف الحالة العقلية غير الطبيعية قانونا بأنها حالة عقلية تختلف عن حالة الانسان العادى لدرجة أن الأنسان العادي يعتبرها غير طبيعية وفي وقت اقتراف القتل أثرت على إدراكه للأمور وحكمه عليها (judgement) أو سيطرته الأرادية على أفعاله.
يلجأ الدفاع الى المسؤولية المخففة عندما يكون اللجوء الى المرض العقلي الشديد أو الجنون كدفاع غير ممكن مثل حالات القتل الرحيم، أو عندما يقتل أحد الزوجين الآخر اثناء حمى الغيرة أو الهيوجية العصبية المرافقة لحالة اكتئاب أو الشخصية السيكوباثية.
وقد حلت الآن محل الاستدعاء بالمرض العقلي الشديد أو الجنون في وسائل الدفاع في المحاكم البريطانية . في الواقع فإن أحكام مكنوتن عفا عليها الزمن لأنه يبدوا من المستحيل تقريباً أن تجد شخصاً تنطبق عليه شروط الجنون التي تتطلبها هذه الأحكام حتى مكنوتن نفسه! ولا بد أن ننوه أن الذين يصدر لهم قرار بالأدخال والحجز في المستشفيات يقضون فترة أطول تحت الحكم من الذين يصدر ضدهم حكم بالسجن المؤبد حيث يقضون ما متوسطته 11.5إحدى عشر ونصف سنة .