الصيت خير من الدهن الطيّب ويوم الممات خير من يوم الولادة.
جامعة( 7 : 1 )
اقتناء اسم أو صيت حسن أو شهرة طيبة أفضل من اقتناء ثروة عظيمة أو طيب ثمين. فالإنسان الجاهل إما أن يكنز ويجمع فلا ينتفع هو أو بنوه أو قريبه بما لديه وإما أنه يبدد أمواله في عيش مسرف، فيعيش في حياة اللهو والاستهتار. أما الحكيم ففي اعتدال يعرف كيف يستخدم العالم الباطل دون أن يستعبده العالم. يستخدمه دون أن يطلق لنفسه العنان في محبة المال أو في محبة الملذات، إنه يهتم بيوم مماته ليترك شهادة حقة على الأرض رائحتها أفضل وأبقى من الطيب الكثير الثمن.
إن كان الدهن هنا يُشير إلى الخيرات الزمنية، فإن الصيت لا يعني حب شهوة أو طلب المجد الباطل وإنما ترك شهادة حيَّة لحياة تقوية، كما حدث مع المرأة التي سكبت الطيب على رأس السيِّد المسيح، إذ قال: "الحق أقول لكم حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها"
(مت 26: 13).
هذا هو الصيت الذي نقتنيه حين نسكب حياتنا مبذولة كقارورة طيب كثير الثمن.
يهتم الحكيم بيوم الممات لا يوم الولادة، فلا ينشغل بأموره الزمنية كمن يبقى في العالم إلى الأبد، إنما يرتفع بفكره إلى ما بعد الموت، مقدمًا حياته قارورة طيب مبذولة، تفوح رائحتها على الأرض وفي السماء.
تفكيرنا في يوم الولادة هو نكوص إلى الطفولة غير الناضجة. وعيش في أحلام الماضي، أما تفكيرنا في يوم الممات فهو تقدم نحو شركة أعمق مع السيِّد المسيح الذي يلهب أعماقنا نحو السمويات، فنحتمل الموت معه كل يوم بفرح
(1 كو 15: 13).
الإنسان الطبيعي يفرح بيوم ميلاده ويحتفل به كعيد سنوي، ويخشى مجيء يوم موته ويبذل كل الجهد ليؤجله ما استطاع، أما الإنسان الروحي فيرى في يوم ميلاده عطية إلهية، فيشكر الخالق الذي أوجده في العالم كي يعبر به خلال يوم موته إلى ميلاد جديد، فيه يلتقي معه وجهًا لوجه. يوم ميلادنا دخل بنا إلى الآلام التي نقبلها بشكر من أجل الرب، أما يوم الممات فيدخل بنا إلى كمال حرية مجد أولاد الله.
لقد أخبرنا سليمان قبلًا أن هذا العالم باطل والآن يخبرنا عن أحسن السبل لنحصن أنفسنا ضد شروره وأخطاره، وهنا يبدأ بأن نحرص على سمعتنا، وبعد هذا سيكلمنا أن نحيا بجدية وبهدوء الروح والحكمة، ونخضع لإرادة الله متجنبين التطرف في كل شيء. وطالما كنا نهتم ونسعى بصيت حسن لا نهتم بكلام أحد ضدنا. والإنسان الحكيم الذي يعرف كيف يسعى بإعتدال لا يكنز ويبخل ، ولكن أيضا لا يبدد ماله في عيش مسرف وفي خطايا ولذات، يعرف كيف يستخدم العالم ولا يستعبده العالم. هذا يترك شهادة حسنة على الأرض رائحتها أفضل وأبقى من الطيب الكثير الثمن. وراجع قول السيد المسيح للمرأة التي سكبت الطيب على رأسه (مت13:26) "حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها". فإذا سكبنا حياتنا مبذولة كقاروة طيب نقتني صيتاً حسناً. يوم الممات خير من يوم الولادة= فالولادة هي بداية حياة مجهولة قد تكون سعيدة وقد تكون تعيسة، أما الموت فيحملنا للراحة وهو نهاية الجهاد. ولذلك تحتفل الكنيسة بأعياد نياحة وإستشهاد القديسين وليس بيوم ميلادهم "ناظرة إلى نهاية سيرتهم"
(عب13: 7).
القمص تادرس يعقوب ++++++++ القس أنطونيوس فكري