كان المسيح يسير على الطريق
وطال به السير وامتد به الطريق . وتعب البعض ورجعوا ، لم يستطيعوا تكملة المشوار ، وخف الزحام حوله ُ . وتلفت المسيح ونظر ورائه ورأى حفنة ً قليلة من الناس تتبعه . وتقدم اليه واحد ٌ من السائرين خلفه ُ . وسّع خطوته حتى اقترب من المسيح . وقال بحماس ٍ وصوت ٍ عال ٍ :
" يَا سَيِّدُ ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي " ( لوقا 9 : 57 )
اينما تمضي ... وحوّل المسيح رأسه ُ اليه ونظر الى عينيه ورأى وفهم ما بقلبه ِ . رأى حماسه ُ وانفعاله ، أحس ّ بعاطفته ومشاعره ، أدرك تعجله واندفاعه . اينما أمضي ؟ اينما أمضي ؟ هل تعرف يا بني الى اين أنا ماض ٍ وذاهب ؟ هل تعرف ُ اني في طريقي الى جثسيماني ؟ هل تعرف انني ذاهب ٌ الى الجلجثة ؟ هل تصاحبني حين أمضي حيث التقي بتلميذ ٍ خائن آت ٍ بقلبه الأسود وقبلته المسمومة ؟ هل تمضي معي وتقف امام قيافا و حَنَّانَ وبيلاطس وهيرودس ، هل تتبعني ؟ هل تواجه معي الصفعات والبصق والاهانة ؟ هل تعتلي معي الصليب ؟
اينما امضي ؟ هذا ليس اتّباع فكر ، ليس اتّباع عقيدة ، هذا ارتباط ٌ مصيري .
تصور الرجل في حماسه ان اتّباع المسيح طريق ٌ مفروش ٌ بالورود والزهور . يُمسك بيديه خمسة ارغفة يُطعم بها خمسة آلاف ، يقول كلمة ً فتهرب الشياطين ، يلمس عيني الاعمى فيُبصر ، يأمر الأبرص فيطهر ، يصيح في الميت فيقوم .
ألم تسمع يا بني قولي :
" إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي " ( متى 16 : 24 )
اتّباعي انكار ٌ للنفس ، لا راحة ٌ للنفس . اتّباعي تنازل ٌ عن الحقوق ، لا حصول ٌ على حقوق .
ثم قال له بكل حزم :
" لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ " ( متى 8 : 20 )
مهما ابتعدت الثعالب وجرت ، لها أوجرة . مهما طارت الطيور وارتفعت ، لها أوكار . أما انا فليس لي مكان ، لا في ولادتي ولا في حياتي ولا في مماتي . ليس لي مكان ٌ في العالم . العالم ليس بكاف ٍ . لا مكان اسند فيه رأسي واستريح .
وانزعج الرجل وفزع ... لا مكان في العالم ؟ هو يريد العالم ، يريد مجد العالم . يريد السلطة والسطوة ، يريد النجاح والشهرة ، يريد المال والراحة ... هبط حماسه / ثقلت خطواته ، تباطئت ، ضاقت ، توقفت ، تراجعت . لم يتبعه ُ خطوة ُ أخرى .
" مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا ، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا . لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ ؟ " ( متى 16 : 25 ، 26 )
كل ما تتنازل عنه ُ في سبيل المسيح تربحه ُ وتربح الحياة الابدية .