في يوم جمعة الآلام تمتلأ الكنائس من حشود المؤمنين بالرب أكثرمن أي يوم في السنة لكي يتاملوا معاً في بيت الرب في عمل الرب على الصليب المقدس من أجل خلاصهم . خشبة الصليب التي أتخذها الرب مذبحاً له فقدم للآب نفسه ذبيحة كفارية مرضية من أجل دفع أجرة الخطيئة الموروثة . وبهذا العمل العظيم الملىء بالمحبة لكل البشر قدم يسوع أعظم هدية الى بني العالم دمه الثمين للغاية ونبع الماء الحي من جنبه المبارك لكي يكون لهم الخلاص والفرح . فهل هذا اليوم هو يوم الحزن أم الفرح ! ؟ . هل نسمي هذا اليوم جمعة الآلام أم الجمعة العظيمة لما تحمل من المحبة العظيمة والتضحية والفداء من أجل المؤمنين به . هكذا نجد في عمل الصليب معاني عميق ودروس كبير تتغذى بها النفوس . وعمل الصليب لم ينتهي بحمل المسيح الذي حمله هو أولاً بل على كل مؤمن أن يحمله هو الآخر . فمن يحمل الصليب ، سيرفعه الصليب الى العُلا لكي يتحول الى سلم يرفعه الى السماء . لهذا طلب يسوع من المؤمنين به أن يحملوا صليبهم كل يوم . وحمل الصليب هو هدية من الرب لكل من يحمله ، لأن حمله هَيّن وخفيف ، وهو الذي يقرب حامله نحو الخلاص . ومن لا يحمله في حياته لا يستحق المصلوب وكما قال ( من لا يحمل صليبه ويتبعني ، فلا يستحقني ) " مت 38:10" . هكذا صار الصليب علامة الخلاص وسلاح يستخدم ضد عدو الخير الذي يرتعد منه . لا نكتفي من حمله فقط بل نرسمه كل يوم على صدورنا لأنه شعار خلاصنا . هناك أسرار وغايات مخيفة في الصليب وقوة تسند ضعفنا البشري . الصليب رايتنا نرفعها بإيمان فتهزم كل الأرواح المعادية . برسم الصليب نذكر الثالوث الألهي المقدس فنتحرر من قوى الشر في حياتنا .
في الصليب حكمة يجهلها الهالكون ، أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله " 1 قو 8:1 " . إذا الصليب هو جوهر أيماننا والطريق الأقرب الى الحياة الأبدية . على الصليب التقت الرحمة والعدل الألهي من أجل خلاص العالم . فالصليب هو مركزعقيدتنا المسيحية . من على الصليب جاءت هذه الكلمات النابعة من قلب يسوع المحب حيث قال ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) " لو 34:23 " هنا تظهر عظمة المصلوب بمنحه الغفران لألد أعدائه في ساعة تحمله عذاب الصليب المؤلم . في وقت ضعفه كان قوياً ومتحدياً ومتضعاً ومحباً للجميع لكي يغفر للشعب الذي قادوه الى الصلب ولرؤساء الكهنة والحاكم الروماني الظالم الذي حكم على البرىء بالصلب فأطلق سراح المجرم . أنه بيلاطس البنطي المدين الذي حاكم الديان . ذلك المجرم الذي حكم على قاضي الكَون وخالقه . هذا الأثيم الذي أذنب البار رغم أعترافه ببرائته ، ورغم أنذار وشهادة زوجته له . يسوع البار لم يعمل ظلماً في حياته ولم يكن في فمه غش " أش 9:53" حقاً قال الرب ( أنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) وهكذا لم يكن يعلم رئيس الكهنة والشيوخ والكتبة ماذا فعلوا ! الرب يسوع هو الذبيحة المجرد من كل عيب . هكذا يجب أن تكون الذبيحة المقدمة الى الله " تث 1:17 " لهذا تم فحص هذه الذبيحة من قبل الكثيرين فأعلنوا صلاحيتها . نعم يا رب لقد فحصه رئيس الكهنة وتنبأ قائلاً ( خير أن يموت رَجل واحد عن الشعب ) " يو 14:18 " ولكي يدعم شهادته جاء بشهود زور كثيرين فلم تتفق شهاداتهم " مر 56: 14" . وأخيراً فحص الذبيحة الوالي الأممي وأعترف قائلاً ( أنني لا أجد عِلّة واحدة في هذا الرجل ) " يو 38:18 " نعم أنه ذبيحة بلا عيب واحد . أما هو فتحداهم جميعاً بأنه فعلاً ذبيحة بلا عيب ، فقال ( من منكم يكبتني على خطيئة ) " يو 46:8 " الجواب لا يوجد أحد يا رب لأنك قدوس بار مجرد من كل دنس . رغم ذلك اتفقوا لصلبك فأقتادوك الى مذبح الجلجثة بعد الجلد وأنت الذي تستر خطاياهم وجرائمهم وتقول للآب ( لا يعلمون ماذا يفعلون ) سمروك على صليب العار وسقوك خلاً وأنت ينبوع الماء الحي " يو 14:4" عَيّروك بأستهزاء لكي تكل على أفواههم نبوءة المزمور" 22: 6-8" لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . أما المصلوب على يمينك فقد أدرك خطة الخلاص وتدبير الله بك " لو 23: 39-43" وهو الذي اعترف باتضاع أنه المجرم وأنت البار الذي تذبح من أجله ومن أجل كل أثيم . أعترف أمامك بخطاياه موبخاً صديقه قائلاً ( أما نحن فعقوبتنا عادلة لأننا ننال الجزاء العادل لقاء ما فعلنا . وأما هذا الإنسان ، فلم يعمل شيئاً في غير محلهِ ! ) . أنه اعتراف آخر بأنك الذبيحة الطاهرة من كل دنس . وهكذا رأى نور الخلاص فيك من كل الجموع المحتشدة فطلب منك الرحمة قائلاً ( أذكرني يا رب إذا جئت في ملكوتك ) فسمع منك صوت محبتك الألهية لمغفرة كل خطاياه بقولك ( اليوم تكون معي في الفردوس ) أما قادة الكهنة الجالسين على كرسي موسى فتمادوا في تعييرك وذاقوك المر في التعذيب والأهانات قبل الموت أما بعد القيامة فذقت العسل أمام مختاريك " لو 14: 39 – 42 " ورغم حقدهم وأفعالهم وأنت كعظيم رحمتك طلبت لهم من الآب المغفرة قائلاً ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ) " لو 34:23" .
هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ) " يو 16:3"
لك كل الحب والمجد والتسبيح أيها المصلوب الغافر والمحب
وردا أسحاق عيسى