رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قصة رجل خاف من الغرق فركب «تايتانيك» «أخيرًا سأستطيع أن أسافر، بل وقبل كل شيء سأنام هادئًا. غرق سفينة أمريكا كان مريعًا، الكوابيس تستمر في مطاردتي، حتى في أكثر الرحلات هدوءً. أصحو في منتصف الليل بكوابيس مرعبة وتتردد في أذني دائمًا كلمة حريق، حريق، حريق. لقد وصلت إلى مرحلة أجد نفسي فيها واقفًا على سطح السفينة مرتديًا سترة النجاة»، بحبر قلمه كتب رجل مسن بلغ من العمر 71 تلك الكلمات لابن عمه، عام 1912، ملخصًا فيهم مآساة حياته، إنه الخوف الذي لازمه كظله لأكثر من أربعة عقود من عمره، حان الوقت ليتخلص منه، وكما ينهي رسالته بنقطة ستكون هي نفسها نقطة النهاية لقصته الحزينة، فلا مكان للخوف على السفينة التي قرر أن يصعد على متنها هذه المرة، فهي السفينة الأعظم في التاريخ.. إنها «تايتانيك». صعد الأرستقراطي الأورجواني العجوز، رامون أرتاجافيتا، سلم تيتانيك ببطء، ممسكًا بعصاه المميزة، والمشاعر تتصارع بداخله، هل حقًا قهر الخوف، مازال لا يستطيع أن يطرد من ذهنه ذكراه الأليمة قبل 40 عامًا، على متن السفينة «أمريكا»، حين اندلعت النيران بها فجأة في عرض البحر. برودة الماء، لحظات الهلع، وجه الموت الذي طل عليه ورحل، كلها أشياء لا يستطيع أن ينساها ولو عاش فوق عمره آلاف السنوات، كان شابًا حينها، سبح لشاطئ بلاده القريب ناجيًا بحياته، ليكن واحدًا من 65 فقط من أصل 164 راكبًا لم تبتلعهم المياة. «تيتانيك» لا تبدو كـ«أمريكا»، رغم ذلك، بل تبدو وحشًا عملاقًا يستطيع أن يشق المحيط دون أن يهتز به شعرة، وحشًا استطاع أن يقنعه أن ينفض عنه الخوف، الذي لازمه منذ تلك الحادثة، لم يخف أبدًا من البحر قبل تلك الحادثة، فعائلته كانت دائمًا من رواد البحر، حتى أن جده أعطاه مجداف قبل وفاته قائلًا له: «إذا تعلمت كيف تستخدمه فلن تجوع أبدًا، أجدادك استطاعوا أن يعيشوا بفضل البحر، وهذا هو مصيرك، فاتبعه». «سأتبعه يا جدي»، هكذا قال العجوز في نفسه وهو يحضر نفسه للمغامرة في رحلة طويلة من قلب الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس إلى أرض الأحلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وكم من الأحلام بقى لرجل في عمره ليضيعها في كوابيس أردته قتيلًا يوميًا في فراشه، منذ حادثه الأليم. أعطى «أرتاجافيتا» تذكرته رقم PC 17609، �49 10s 1d لعامل السفينة الذي حمل له حقائبه وقاده إلى كابينته في الطابق الثالث. «أغمضت عيناي وصعدت على متن هذه السفينة العملاقة.. كابينتي مريحة للغاية، ومدفأة بالكهرباء، هي تعمل مساءًا لأن الجو بارد جدًا»، بهذه الكلمات طمأن الأروجواني صديقه «أدولفو» على حاله في «تيتانيك»، في 11 أبريل 1912. وفي أبريل 1912، جلس الأرجواني العجوز في غرفته يكتب «مررت من كل الطرقات لأرى جميع الغرف، بعض الأثاث هنا مصنوع من الأشجار، الكراسي الخضراء جميلة جدًا، أستطيع الآن أن أرى أيرلندا، والآن اختتمت كتابة هذه الرسالة»، لم يدرك حين كان يكتبها أن عمره مضى كقطرات هذا الحبر على الورق، بقى منه فقط بضع ساعات، قبل أن يجد أسوء كوابيسه تتحول إلى حقيقة. كان يجلس على سطح تيتانيك برفقة أصدقاء أرجوانيين، تعرف عليهما على السفينة، حين رآه لآخر مرة أحد ركاب الدرجة الثانية، اصطدمت السفينة العملاقة بالجبل الجليدي العملاق، وسن البحر أسنانه لابتلاعها، وابتلاعه، «هذا هو مصيرك»، كلام الجد يتردد في أذن «أرتاجافيتا» والخوف يعتصر قلبه، والماء المثلج يخترق جسده الهزيل، لا نجاة هذه المرة، الموت مصير محتوم.. يتذكر فرحته بتكنولوجيا رسائل التليجراف التي قال عنها لابن عمه أنها ستجعل تكرار مآساة «أمريكا» مستبعدة، يسخر بداخله من نفسه، كم كان غبيًا، فالموت لن توقفه رسالة تيليجراف، هل هي النهاية حقًا، تبدو كذلك، فيغمض عينه ويذهب إلى عالم اللا رجعة دون أن يعلم أنه سيصبح مثالًا يضرب لأكثر من قرن من الزمان، على أن أسوء كوابيس الإنسان قد تتحقق فعلًا، وأن المثل القائل «اللي يخاف من العفريت يطلعله»، ليس من فراغ. |
|