كيف أن أشخاصاً أختارهم الرب من طفولتهم ، أو من بطون أمهاتهم ، أو دعاهم أن يكونوا رسلاً أو أنبياء أو مسحاء أو ولدتهم أمهاتهم قديسين ، أو صنعوا معجزات … أذن ما ذنب الذين لم يكن لهم هذا الاختيار الإلهي ، ولم يولدوا قديسين كغيرهم ؟!
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++
أريد أن أقسم الاختيار إلي نقطتين أساسيتين : الاختيار للنبوة أو الكهنوت ، والاختيار للحياة المقدسة والخلاص .
أما الإختيار للخلاص و للحياة المقدسة ، فهو لكل أحد .
فالكتاب يقول إن الله يريد أن الجميع يخلصون ، وإلي معرفة الحق يقبلون " ( 1 تي 2: 4) . حتي الخطاة ، لا يسر الله بهلاكهم ، بل برجوعهم إليه . وهكذا يقول في سفر حزقيال النبي " هل مسرة أسر بموت الشرير – يقول السيد الرب – إلا برجوعه عن طرقه فيحيا "( حز 18: 23) .
ولم يقل الكتاب أن الله احب مجموعة معينة .
بل قيل " هكذا أحب الله العالم "( يو 3: 16) .
ونحن نقول عن الرب في ختام كل ساعات الصلاة بالأخبية " الداعي الكل إلي الخلاص من أجل الموعد بالخيرات المنتظرة . إذن الدعوة للخلاص هي لجميع الناس . ولكن البعض يرفضونها وقد قال الرب لأورشليم الخاطئة " قاتلة الأنبياء ، وراجمة المرسلين إليها ": كم مرة أردت .. ولم تريدوا "( مت 23: 27) .
ولكن في حياة القداسة : ليست الأهمية في نقطة البداية ، بل في كيفية النهاية .
وهكذا يقول الكتاب " انظروا إلي نهاية سيرتهم ، فتمثلوا بإيمانهم "( عب 13: 7). ولهذا في اعياد القديسين ، نحتفل بيوم نياحتهم أو إستشهادهم ، وليس بيوم ميلادهم ، إلا لو كان ذلك الميلاد محاطاً بمعجزة معينة … لأن المهم هو كيف انتهت حياة الإنسان . فقد يولد الإنسان شريراً ، وينتهي بالقداسة ، مثل القديس موسى الأسود ، والقديس اوغسطينوس وغيرهما . وقد يولد إنساناً وثنياً ، ويعيش في منتهى القسوة والاضطهاد للكنيسة ، مثل اريانوس وإلي أنصنا ومع ذلك أنتهت حياته كقديس وشهيد …
وقد يولد إنساناً قديساً من بطن أمه ، ويتعرض للهلاك .
مثل شمشون الجبار الذي كان نذيراً للرب من بطن أمه ( قض 13: 7) . وكان " روح الرب يحركه " ( قض 13: 25 ) . ومع ذلك عاش فترة طويلة في الخطية مع نساء زانيات ( قض 16: 1) ، كانت اخرهن دليلة التي علي يديها وبسببها كسر نذرة ( قض 16: 19 ). وفارقه الرب ( قض 16:20) . وعاش في الذل باقي أيام حياته ، لولا ان رحمة الرب أدركته يوم وفاته . ولكنه خلص في موته ( عب 13: 32) .
إن مثال شاول الملك يعطينا برهاناً آخر .
لقد اختاره الرب مسيحاً له ، وارسل صموئيل النبي فمسحه ( 1 صم 10: 1) . وأعط الله قلباً آخر ، وحل عليه روح الرب فتنبأ ( 1 صم 10:9- 11) . ومع كل ذلك عاش شاول في معصية الله ، وفي الحسد و الحقد و القتل " وفارق روح الرب شاول ، وبغته روح ردئ من قبل الرب "( 1 صم 16: 14) . ومات شاول هالكا …
والأختيار ليس في كل حالة دليلاً علي الخلاص .
فقد اختار الرب يهوذا الإسخريوطي كواحد من الأثني عشر ( مت 10: 4) . وخانه يهوذا ومات هالكاً . وكان بلعام واحداً من الأنبياء . ونطق روح الله عليلا فمه بنبوءات ، كما قيل في الكتاب " فوافي الرب بلعام ، ووضع كلاماً في فمه "( عد 23: 16) وأيضاً فكان عليه روح الله ، فنطق بمثله "( عد 24: 2، 3) مع كل ذلك هلك بلعام ، كما شهد الرب بذلك في سفر الرؤيا ( رؤ 2: 14) ، وكما ورد في رسالة بطرس الثانية ( 2 بط 2: 15) وفي رسالة يهوذا ( يه 11) .
أم الكهنوت فهو إختيار من الله .
وهكذا يقول القديس بولس الرسول " لا يأخذ أحد هذه الكرامة من نفسه ، بل المدعو من الله كما هارون أيضاً "( عب 5: 4) . وهكذا اختار الله رسلة الإثني عشر ، وقال لهم " لستم أنتم أخترتموني ، بل أن أخترتكم ، واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر.." ( يو 15: 16) . ومع ذلك فليس الإختيار دائماً دليل علي الخلاص . فالكهنة في أيام السيد المسيح أخطأوا ، وحكموا عليه ظلماً في مجمع السنهدريم ، وقدموه للصلب . وبعد قيامته قاوموا القيامة بكل وسائلهم التي وصلت إلي الكذب والرشوة وشهود الزور ( مت 28: 11- 15) . واضطهدوا الرسل وسجنوهم وجلدوهم ( أع 4: 1-3) أع 5: 40) .
أذن لا تفكر في الأختيار لوظائف معينة ، بل اهتم بنقاوة القلب التي بها سوف تعاين الله ( مت 5: 8) .
ولا تحسد الذين نالوا مواهب ، فكثيرون نالوا مواهب وهلكوا ، كما ورد في ( مت 7: 22- 23) . وقد سبق أن كتبنا كلم مقالاً طويلاً في هذا الموضوع في ( كتاب سنوات مع أسئلة الناس ج5 من ص 45ألي 52) . والسيد المسيح وبخ تلاميذه علي فرحهم بإخراج الشياطين وقال لهم " لا تفرحوا بهذا ، إن الإرواح تخضع لكم . بل افرحوا بالحري ان أسماءكم قد كتبت في السموات "( لو 10: 20) .
هنا وأتعرض لسؤالك الخير الذي تقول فيه :
ما ذنب الذين لم يولدوا قديسين ؟
فاقول لك : أن الذين لم يولودا قديسين ، أمامهم الفرصة ان يصيروا قديسين ، وسيكون أجرهم أعظم ، لأنهم بذلوا مجهوداً في ضبط أنفسهم وتغيير حياتهم ، وفي الإنتصار علي الخطية ، كما فعل موسي الأسود ، وأوغسطينوس ، مريم القبطية وساره التائبة .
وحسب جهد الإنسان في الوصول إلي القداسة ، سيكون جره .
لأن الكتاب يقول إن الله " سيجازي كل واحد حسب تعبه " ( 1كو 3: 8 ) . فالذي ولد وديعاً ، ولا يمكن أن يكون أجره عند الله ، مثل الذي جاهد بكل قوة لكي يصير وديعاً .
حتي الذين نالوا الإختيار ، قد دخلوا في الإختبار لتختبر إرادتهم .
اختيارهم لا يمنع حرية إرادتهم ، ولا يمنع حروب الشياطيين لهم ، ولا يمنع سقوطهم وقيامهم ، وجهادهم للبقاء فيما وهبهم الله أياه من نعمة . فبعض الذين اختبروا من بطون أمهاتهم عاشوا قديسين ك حياتهم ، مثل يوحنا المعمدان ( لو 1: 15) الذي شهد عنه الرب أه اعظم من ولدته النساء ( مت 11: 11) ز
وبولس الرسول علي الرغم ممن ان الله اختاره من بطن أمه ( غل 1: 15) . إإلا انه قضي فترة مضطهداً من للكنيسة ومفترياً ومجدفاً ( 1تي1 : 13 ) . ثم دعاه الرب ثانية ( أع 9) وصار إناه مختاراً ورسولاً من أعظم الرسل …
المهم أن الإنسان المختار تتفق إرادته الحرة ، مع أرادة الله في اختياره ، وتكون إرادته الحرة خيرة .