هل إذا اشتعلت الكنيسة في مجال الخدمة الاجتماعية ، تكون قد دخلت في مجال عمل الدولة ، وقدت عملها الروحي - كما قرأت لأحد الآباء الرهبان - وقد تكون قد خرجت عن نطاق السيد المسيح الذي قال " مملكتي ليست من هذا العلم ، ولا توافق تعليم الإنجيل ؟
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
أن السيد المسيح كان يعمل العملين معاً .
كان يهتم بالروح و بالجسد أيضا . يقول الكتاب " وكان يسوع يطوف كل الجليل ، يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب "( متي 4: 23) . كان يعظ علي الجبل ، وفي البرية ، وعلي شاطئ البحيرة ، هذا هو العمل الكرازي . وأيضاً يقول الإنجيل " وعند غروب الشمس ، كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه ، فكان يضع يديه علي كل أحد فيشفيهم . وكانت الشياطين تخرج من كثيرين وهي صارخة …" ( لوقا 38: 40) . أذن شفاء المرضي ، ليس خارجاً عن عمل المسيح ، ولا يتعارض مع قوله " مملكتي ليست من هذا العالم ".
وإذا اهتمت الكنيسة بشفاء الكنيسة بشفاء المرضي ، وبتأسيس المستشفيات و المستوصفات و الخدمات الصحية ، ولا تكون قد خرجت عن رسالتها الروحية . فرسالتها ليست مجرد كلام نسميه الكرازه ، إنما أيضاً تخفيف آلام الناس . وقد قدم لنا السيد المسيح مثل السامري الصالح ، الذي وجد إنساناً معتدي عليه في الطريق فضمد جراحه ، وحمله علي دابته ، وأودعه فندقاً ريثما يستعد صحته ، وأنفق عليه ( لو 10: 30-37) . والسيد المسيح في هذا المثل وجه لومه إلي الكاهن واللاوي واللذين لم يهتما بهذا الإنسان في مرضه وفي حاجته . واعتبر هذا الأمر عملاً من اعمال الرحمة و المحبة .
فهل تبعد الكنيسة عن اعمال الرحمة و المحبة ، وتحتج بأن هذا من أعمال الدولة ، وتعمله الكنيسة أيضاً ، ويعمله كل فرد .
ونحن لا ننظر إلي هذه الأمور ، علي اعتبار أنها خدمة اجتماعية ، وأنما ننظر إليها كعمل من اعمال المحبة التي هي أولي ثمار الروح القدس ( غل 5: 22) . والتي بها يتعلق الناموس كله والأنبياء ، كما قال المسيح ( متي 22: 40) .
والسيد المسيح ، كما اهتم بالكرازة ، أهتم أيضا بإطعام الناس .
ومعجزة الخمس خبزات و السمكتين ، هي التي ورد ذكرها في كل الأناجيل الأربعة. وما اجمل قول السيد المسيح لتلاميذه " أعطوهم انتم ليأكلوا " ( لو 9: 13) . وفي هذه الوصية أمر للكنيسة ان تعطي للجائع . لأن السيد المسيح في ذلك اليوم كان يعظ الجموع ، ولكنه لم يكتف بمجرد الوعظ ، علي اعتبار ان هذه هي مملكته إنما لا طلب إليه تلاميذه أن يصرف الجموع إلي القري المحيطة ، ليبتاعوا لهم طعاماً ، أجاب السيد في حزم أنه لا يستطيع ان يصرفهم جائعين " لئلا يخوروا في الطريق "( مر 8: 2،3) . أنه تعليم للكنيسة ، ألا تكتفي بالوعظ و الكلام ، وأنما تطعم الجائع ، ولا تظن أن هذا يخرج بها عن رسالة الملكوت ، أو عن رسالة الدين ، أو عن العمل الروحي .
هوذا يعقوب الرسول يقول :" الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه : افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم "( يع 1: 17).
فهل إذا اسست الكنيسة الملاجئ ، للأيتام ، أو اهتمت بمساعدة الأرامل و الفقراء في ضيقهم تكون عن رسالتهم ؟ أم أن هذه " هي الديانة الطاهرة النقية عند الله "؟ إن هذا هو تعليم الكتاب المقدس ، لاتعليم الناس . وحفظ الإنسان بلا دنس من العالم ، لا يكفي ، أن كان يغلق أحشاءه عن العناية بالفقير و اليتيم ، والأب الكاهن لا يستطيع أن يري أسرة فقيرة ويهمل العناية بها ، محتاجاً بأن هذا هو عمل من أعمال الدولة أن يريي أسرة فقيرة ويهمل العناية بها ، محتاجاً بأن هذا هو عمل من اعمال الدولة أن الدولة نفسها لا تقول هذا … هوذا يعقوب الرسول يوبخنا قائلاً " إن كان أخ واخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي ، فقال لهما احدكما أمضيا بسلام ، ، استدفئاً واشبعا ، ولكن لم تعطوهما حاجات الحسد ، فما المنفعة " ( يع 2: 15، 16) .
لهذا نري الكنيسة قد اهتمت بهذا المر منذ العصر الرسولي ،
كما حدث في سيامة الشمامسة السبعة ، إذ وجدوا ان بعض الأرامل " كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية "( اع 6 : 1) . فلكي يتفرغ الرسل لخدمة الكلمة ، رسموا سبعة شمامسة واضعين عليهم اليادي ، لكي يقوموا بهذه الخدمة ، ولم يقولوا ان عمل الكنيسة لا علاقة له بخدمة الموائد بل أوجدوا له طغمة داخل الكنيسة تقوم بهذا العمل . ولم يقل أحد إطلاقاً أن هذا العمل ، ليس عمل الله ، وإنما هو عمل قيصر إن سفر اعمال الرسل ، لم يقل فقط " وبقوه عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع .." وإنما ذكر أيضاً بعدها مباشرة " … ولم يكن فيهم أحد محتاجاً لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول او بيوت ، كانوا يبيعون ويأتون بأثمان المبيعات ، ويضعونها عند أرجل الرسل . فكان يوزع علي كل واحد كما يكون له احتياج "( أع 4: 33-35) . هذا هو التعليم النقي السليم الذي في الإنجيل .
ولا تستطيع الكنيسة أن تمتنع عن مساعدة الفقراء و اليتامى والأرامل والمرضي والجياع ، بأسم مجاملة للدولة . فليس هذا للدولة ، وأنما هذا عدم تعاون مع الدولة .
وهذا أيضاً عدم طاعة لوصايا الإنجيل وخروج عن وصية المحبة ، التي قال الكتاب إنها أعظم الفضائل ( 1كو 13) . بل هذه محاربة واضحة للكنيسة ولرسالتها ، ومحاولة لايجاد وقيعة بينها وبين الدولة في هذه الأيام ، والكنيسة من أخلص الهيئات للدولة ، والدولة تشجع أعمال الخير التي تقوم بها الكنيسة .
وهنا نسجل أن السيد المسيح قد جعل عمل المحبة هذه التي يسمونها بالعمل الاجتماعي من قواعد الدينونة في اليوم الدين
فسيقول للذين يقفون عن اليسار ، في اليوم الأخير :
" اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لابليس وملائكته لأني جعت فلم تطعموني ،ى عطشت فلم تسقوني ، كنت غريباً فلم تأووني . عرياناً فلك تكسوني . مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني " ( متي 25: 41-43) . هل يقولون له نأسف ، لن هذا عمل يصر ، وليس عمل الله ، وأنت قلت أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله أم يقولون له : ما شأنك يارب بهؤلاء ، ومملكتك ليست من هذا العالم ؟ أم يذهبون فعلاً إلي النار المعدة ، لأنهم أغلفوا عمل المحبة التي يسميها المجتمع حالياً بالخدمة الاجتماعية .
فإن كان كل إنسان ، من واجبه هذه الخدمة ، فكم بالأولي الكنيسة التي ضرب لها تلاميذ المسيح مثالاً تبعوا فيه خطوات سيدهم ومعلمهم ؟!
أن هذه الخدمة التي نقدمها للفقراء ، إنما نقدمها للمسيح نفسه ، لأنه قال " الحق أقول لكم ، بما انكم ، بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر ، فبي قد فعلتم " ( متي 25 : 40) . وفي رسالة بولس الرسول إلي أهل رومية ، تحدث عن خدمة الكنيسة للفقراء وتعاون كنائس مكدونية وأخائية واورشليم في هذا الأمر ، فقال " الآن أنا ذاهب إلي أورشليم ، لأخدم القديسين ". لأن أهل مكدونية وأخائية استحسنوا أن يصنعوا توزيعاً لفقراء القديسين الذين في أورشليم … لأنه إن كان الأمم قد اشتركوا في روحياتهم ، يجب عليهم أن يخدموهم في الجسديات أيضاً ( رو 15: 25-28) . وقال أيضاً " مشتركين في احتياجات القديسين " ( رو 12: 13) .
وخدمة الفقراء و المحتاجين ، ليست مجرد عمل اجتماعي ، وإنما إلي جوار عمل الحب فهي صيانة للفقير من الخطأ .
وهنا يكون لها عمل روحي ، هو من صميم عمل الكنيسة . فالفقر إلي السرقة ، أو ألي الكذب والاحتيال ، أو إلي التذمر و التجديف علي الله وعلي الله وعلي الكنيسة ، فيضعف علي الله الكنيسة ، فيضعف إيمانه . والكنيسة حينما تعطي للفقير ، إنما تشعره بمحبة الله له ، وأن الله هو الذي أرسل إليه من يعطيه فيقوي إيمانه .
ولهذا فإن العمل الإجتماعي الذي تقوم به الكنيسة ، له طابع روحي يميزه ، تدخل فيه روحانية الوصية ، ويمتزج بكلمة التعليم .
وغالبية الكنائس تسمي الفقراء ( أخوة يسوع ) ، لأنه سماهم هكذا ( متي 25: 40) وتتعامل معهم في العطاء علي هذا الأساس . والكنيسة نجد بركة في هذه الخدمة وتقوم به بروح أمومة الكنيسة لابنائها ، وبروح أبوة الكهنوت . والكنيسة تمارس هذه الخدمات وتنظمها من أقدم العصور ، حتى الآن ، وفي كل آوان إن شاء الله .
والبلاد الشيوعية فقط ، هي التي تقيد الكنيسة في خدماتها ، وتقصرها علي الصلاة فقط ، وتحصر كل شئ في يد الدولة ، لأنها لا تريد أن تكون هناك صلة بين المؤمنين والله .
الفكر الشيوعي لا يوافق ان يأخذ المحتاج من بيوت الله ، لئلا يتذكر الله ، ورجال الله ، فيبعد عن إلحاده وأيضاً لكي لا يشكر الله فيما يأخذ ، أو يشعر أن ما أخذه هو من نعمة الله ، بينما يجب أن يشعر - حسب الفكر الشيوعي - أن الشكر هو للدولة وحدها ، بينما يختفي الله ولا يكون الله منافسان للدولة … أردنا أن نحذر من أمثال تلك الأفكار ، لئلا تندس في كتابات ، دون أن يشعر بها صاحبها ، ويرددها البعض ، أو يعجب بها البعض ، وهم لا يدركون خطورتها . ونحن نشكر الله أننا في بلاد تري أن كل نعمة وكل عطية ، مصدرها الله ، لذلك نشجع ارتباط الناس بالله . أن الكنيسة لا تدخل إطلاقا في عمل الدولة ، فالكنيسة لا تشتغل بالسياسة والسياسة من عمل الدولة . ولكن العمل الرعوي ، له طابع آخر والكنيسة تقوم بعملها الرعوي ، وتهتم بأبنائها . ولا تري الدين مجرد عقائد وأفكار ، أو مجرد عظات وكرازة . غنما الدين هو الحب قبل كل شئ . والحب هو أن نعتني بأبنائنا في كل ما نستطيع ان نقدمه لهم من خير.