منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 12 - 10 - 2014, 12:21 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

حياة القديسة فيرونيكا جولياني

حياة القديسة فيرونيكا جولياني




نقرأ في "يوميّات" قدّيستنا العظيمة أنّ الربّ يسوع جعلها ترى، ذات يوم، في لحظة انخطاف، نفوسًا ترتاح في قلبه الأقدس؛ وفهمت أنّها أنفس الذين سوف يجتهدون في المستقبل لتعريف العالم إلى سيرتها وكتاباتها.

فطوبى، إذًا، لكلّ الذين سيتعبون في نشر التعبّد والإكرام لهذه النفس المختارة، لأنّهم لن يذيعوا مجدها فحسب،
بل مجد ذاك الذي طابَ له أن يُظهر بواسطتها عظته، وكم هو قديرٌ وسخيّ في عطاياه، إلى حدّ التميّز والفرادة.


فالطوبى لك يا ربّ لأجل قدّيسيك! وكم أنت أنت عظيمٌ يا الله في ابنتك المختارة فيرونيكا جولياني! لقد ردّدت لها مرارًا أنّك ترغب في أن "يعرفها العالم بأسره لمجد اسمك، لتثبيت الإيمان ولانتصار المحبّة". فسعيدٌ من له نصيب في تحقيق رغبتك المقدّسة هذه، فهو يُقدِم على ذلك بنعمةٍ واختيار منك؛ لأنّ الأزمنة أزمنتك يا ربّ،
"وألف سنة في عينيك كيوم أمس الذي عبر" (مز 90/4) لكيما "ترفع المتواضعين" (لو 1/52) وتجعل "العاقر أم بنين كثيرين" (مز 113/9).
كان الكاردينال بيترو بالاتسيني، أحد أكبر المتعمّقين في دراسة القدّيسة، يقول: "ليس ثمّة مبالغة في الإقرار بأنّ القدّيسة فيرونيكا لا تزال غير معروفة تقريبًا.

فعلى رسالة القدّيسة أن تؤتي ثمارها في الكنيسة.


وإنّ الأب ديزيره دي بلانش، أحد أشدّ الكتّاب شغفًا بالقدّيسة فيرونيكا، كان يردّد في مقدّمة كتابه اللاهب "الآلام المتجدّدة":
"قيل أنّكِ لستِ قدّيسة فحسب، بل أنتِ عملاقة في القداسة (البابا بيوس التاسع)، مع أنّك غير معروفة.
"قيل عنك إنّه ما من خليقة بشريّة، ما عدا أم الله، ازدانت بمواهب فائقة الطبيعة مثلكِ (البابا لاوون الثالث عشر)، حتّى أنّكِ جمعتِ في ذاتكِ النِّعَم العظمى الموزّعة على أكثر القدّيسين شهرة. ومع ذلك فأنتِ غير معروفة.
"قيل، بأصواتٍ علويّة (اليوميّات)، أنّكِ قاهرة الجحيم ومُحرّرة المطهر وموزّعة ثروات السماء. ومع ذلك فأنتِ غير معروفة.


"وقيل، في "أصوات إلهيّة": إنّ اليوميّات سيرة حياتكِ يجب أن تشتهر في العالم كلّه لتثبيت الإيمان، لانتصار المحبّة. ولا تزالين غير معروفة.


"بأمر الطاعة كَتبتِ عشرة مجلّدات ضخمة، حتى ليمكن أن يحّسُدكِ عليها كبار المعلّمين. ومع ذلك لا تزالين غير معروفة.


"لقد حان إذًا الوقت..."
لقد حان فعلاً الوقت!
فمنذ هذه الصرخة العميقة، بدأت دراسات جديّة حول "اليوميّات" والرسائل التي بقيت طيّ الكتمان لأكثر من مئتي سنة تقريبًا،

ثمّ ظهرت على شكل سيرة حياة جميلة، وافية، وبطبعات أجدّ وأكمل. "مركز للدراسات الفيرونيكيّة"، وقد دفعت كتابات القدّيسة، بما فيها من مضامين سامية، أساقفة إيطاليا الوسطى، ورهبنة الأخوة الكبّوشيّين، كذلك مؤسّسات وشخصيّات رفيعة أخرى، إلى التوسّل الحارّ لقداسة الحبر الأعظم ليعلن القدّيسة فيرونيكا "معلّمة الكنيسة".


ولا شكّ أنّ هذه الكتابات تملك في داخلها إمكانيّة تحقيق ذلك. إنّما، الواجب يقضي بإلقاء المزيد من الضوء على هذه القدّيسة.


فهذا ما يهدف إليه فعلاً هذا الكتيّب: التعريف بالقدّيسة فيرونيكا (القسم الأوّل)، إظهار أهميّتها الكبيرة في عالم اليوم (القسم الثاني)، التضرّع إليها وتوسّل شفاعتها (القسم الثالث). لذا، فالقسم الأوّل سيقدّم نبذة سريعة من حياتها، على أمل التوسّع فيها في كتب أخرى، وترجمتها إلى لغات أخرى.


وقد ساعدنا في ذلك، إضافةً إلى "اليوميّات" وكتاب "الآلام المتجدّدة" المذكور آنفًا، مجلّد الأب "لازارو أيريارتي" حول "اختبارات القدّيسة فيرونيكا وتعاليمها الصوفيّة"، وهو أحد الكتّاب الأكثر تعمّقًا في روحانيّة القدّيسة.


وقد جزأنا القسم الأول إلى أربعة فصول:
1. 1660-1677: الطفولة (من الولادة إلى ارتداء الثوب).
2. 1677-1697: التطهّر (حتّى نيلها السمات).
3. 1697-1717: الاستنارة (حتّى انتخابها أمًّا مسؤولة).
4. 1717-1727: تحت قيادة مريم الكليّة القداسة (حتّى وفاتها).
رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:21 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

القدّيسة فيرونيكا في محطات تاريخيّة


حياة القديسة فيرونيكا جولياني
1660، 27 ك1 : وُلد في "ميركاتلّو" إقليم "بيزارو"


1667 : نالت سرّ التثبيت في "ميركاتلّو".


1670، 2 شباط : المناولة الأولى في "بياتشنـزا"


1674-1676 : عانت صِراعات مصيريّة بخصوص دعوتها الرهبانيّة


1677، 28 ت1 : ارتداؤها الثوب الرهبانيّ وحمل اسم فيرونيكا


1688 : انتخابها معلّمة في السابعة والعشرين من عمرها


1697، 5 نيسان : نَيْلها السِمات بعمر السابعة والثلاثين، والمصادف يوم الجمعة العظيمة.


1702، 24 ك1 : حملت إسم "فيرونيكا ليسوع ومريم"


1705، 2 تمّوز : قلوب يسوع، مريم وفيرونيكا الثلاثة تتّحد في واحد


1710 : السيوف السبعة لآلام مريم الكليّة القداسة في قلبها.


1712، 6 ك2 : كأسان، أحدهما لدم يسوع والآخر لدموع مريم.


1712، 15 ك2 : مريم تمنحها ملاكًا حارسًا آخر.


1715 : اتحاد صوفيّ بمريم.


1716، 5 نيسان : انتخابها رئيسة للدير بالإجماع.


1720، 14 آب : بدأت تكتب بإملاء من مريم الكليّة القداسة.


1727، 6 حزيران : اليوم الأول من مرضها الأخير الذي دام ثلاثةً وثلاثين يومًا.


1727، 9 تمّوز : وفاتها في الساعة الثالثة والنصف صباحًا لوها من العمر سبع
وستون سنة، خمسون منها في الحياة الرهبانيّة.



1773، 22 أيار : تحوّل البيت الذي ولدت فيه إلى دير للكبّوشيّات.


1804، 17 حزيران : "البابا بيوس السابع" يعلنها طوباويّة.


1839، 26 أيار : "البابا غريغوريوس السادس عشر" يعلنها قدّيسة.


1882، 27-31 ت1 : مؤتمر دراسات دوليّ في روما: "شهادة ورسالة القدّيسة فيرونيكا".


1993، 16 أيار : تطويب نائبتها الأخت فلوريدا شيفولي.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:23 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني


الطفولة (1660 – 1677)
حياة القديسة فيرونيكا جولياني




وُلدت من أبوين إيطاليّين، والدها فرنسوا جولياني، كان ذا شخصيّة مرموقة مميّزة بالذكاء وبطموح قاده ليصبح ذات يوم ناظرًا لماليّة دوقية "بارما".
إمّها بنوات منشيني، زوجة عميقة التقوى، كانت تسهر بغيرة على نفوس بناتها السبع (اثنتان منهنّ توفّيتا بسن مبكرة). كانت تبثّ فيهنّ رهبة كلّ ما هو عالميّ، وتنشئتهنّ على مخافة الله.
عُمّدت أورسولا الصغيرة، في اليوم التالي لولادتها، لا بكاء، لا صراخ، بل هدوء طوباويّ. إنّ طبعها الحيويّ ملأ المنـزل فرحًا وحياة. كانت تلعب، تركض، تبكي، تحتدّ... ستقول عن ذاتها في اليوميّات:

"كنت الأصغر، لكنّني كنت أبغي أن أكون فوق الجميع، وكنت أرغب بأن يعمَلْنَ جميعهنّ بحسب ذوقي. وبالفعل كُنَّ يرضينني في كلّ شيء... وكان الجميع يدعوني لهيبًا.
على الرغم من حيويّتها وطبعها المتأجّج كانت تائقة بكلّيتها نحو الله. كانت تُحبّ أن تلعب في بناء المذابح، مُمضية في ذلك ساعاتٍ طوالاً.

لقد تجلّى في باكورة حياتها ما هو فوق الطبيعة البشريّة. من علامات ----
أ - رفضها للحليب الأموميّ أيّام الأربعاء والجمعة والسبت، وهي، في الحقيقة الأيّام المكرّسة تقليديًّا للتوبة.
ب – انزلاقها من ذراعيّ أمّها وهي في الشهر الخامس من عمرها، نحو صورة الثالوث الأقدس المعلّقة على الحائط، في يوم عيده، وركوعها أمامها منتشية.
ج – تأنيبها لبائع زيت غشّاش، في السنة الثانية من عمرها، وقولها له: أقم العدل! الله يرنا"!
د – ظهور الطفل يسوع لها وهي تلعب وسط حديقة قائلاً لها: "أنا هو زهرة الحقول".
كم من مرّة حملت الطعام للطفل يسوع في لوحة يُرى فيها محمولاً من العذراء: "تعالَ، خُذْ إن لم تأكل، فلن آكل أنا أيضًا".


ومن ثمّ تتوجّه نحو العذراء: "أيا مريم، أعطني إيّاه، أستحلفك بذلك، أعطني إيّاه، فلا أستطيع أن أحيا دونه. سأغذّيه كما لو كنتِ أنت". وقد أضحى حيًّا بين يديها بضع مرّات. وقد قال لها مرّة: "سوف أكون فعلاً عريسك"، ثمّ خاطب أمّه الإلهيّة: "هذه أورسلتنا! ستكونين أمًّا ومرشدة لها"!

رؤيتها الطفل يسوع مرّات عديدة في القربانة المكرّسة، وهي في سنواتها الأولى، وشعورها بعطر يخرج من أفواه أخواتها بعد المناولة: "آه يا لرائحتكنّ العَطِرة"!
توفّيت والدتها وهي في الخامسة من عمرها، فجاء الكاهن يحمل إليها الزاد الأخير.
فصرخت الطفلة: "أريده أريده!". "إنّه لأمّك"، قال لها الكاهن بجديّة. فألحّت الطفلة: قطعة صغيرة فقط وسآخذه بأكمله، شأن أمّي". استمع الجميع للاّهوتيّة الصغيرة، وقد أبْكَمَهم الذهول.

وقبل أن تسلم الروح، عانقت أمّ أورسولا بناتها الخمس، موصية إيّاهنّ بتنمية وتهذيب الحبّ الإلهيّ فيهنّ، وخصّت كلّ واحدة منهنّ بإحدى جراحات المخلّص. واستبقت لأورسولا جرح الجانب الأقدس. يا للرسم الإلهي: سوف تسكن أورسولا فعلاً في قلب يسوع.

في الثاني من شباط 1670، وبعد انتقال العائلة إلى بياشنـزا، اقتبلت أورسولا المناولة الأولى وهي في سنتها العاشرة. لم تستطع النوم في الليلة السابقة. كان يتردّد في داخلها دويّ صوت عذب: "أنا هو! أنا معكِ! أحسّت نار أحرقتها بعد المناولة. فلمّا وصلت إلى المنـزل، سألت بسذاجة أخواتها: "كم من الوقت نحترق؟"

لكنّ الناحية الأبرز منذ ذلك الحين هو حبّها للألم. فقد كان يُتلى في البيت حياة وأعمال القدّيسين. تُقرأ ويُقْتدى بها. فصدى عمليّات جَلْد أخواتها كان يطال أذنيها.

وكأنّ الله يدعوها بذلك إلى التوبة. وقد رسّخ في نفسها علم التكفير: "سأتألّم؛ سأكفّر". صنعت مِجْلَدة. فاجأتها أمّها يومًا وهي تجلد ذاتها. لم تقل شيئًا، بل انسحبت وهي تذرف دموع العزاء.
عزيزتها القدّيسة روزا من ليما، كانت قد سحقت طوعًا إصبعًا من أصابعها، أمّا أورسولا فقد سحقت أصابعها مجتمعة، بينا كانت إحدى أخواتها دون علم منها، تغلق الباب بعنف.

فنفرت الدماء... لم تهتمّ أورسولا بالأمر؛ أسرع الطبيب الجرّاح يعمل المِبْضع في اللحم. "لماذا تعتنون بي؟ يجب أن نتألّم"! قالت الطفلة.

كانت رغبتها أن تقضي حرقًا على خطى العذارى الشهيدات! ها هي تُدخل يدها في مجْمرة متّقدة. وقد تمّ إنقاذ اليد في اللحظة الأخيرة بوصول إحدى أخواتها.
"يجب أن نتألّم" كانت تردّد. فبعد أنّ دعاها، من خلال العائلة، لتُضحي ذبيحة، ها هو يسوع يظهر لها مصلوبًا، مُثْخنًا بالجراح الدامية:
"أنتِ عروستي، شريكتي في التكفير: الصليب ينتظرك".

أخذت تعتاد على التضحية، وإماتة اللذة والأباطيل. فإماتة اللذة تجلّت عندما طلب منها يسوع أن تعطي الفقراء كيسًا من الحلوى، ذاقت إحداها،
فشعرت على الفور أنّها اقترفت خطيئة الشراهة، فقرّبت التكفير عنها. أمّا إماتة الأباطيل، فقد تجلّت فيها عندما ابتيع لها حذاء جديد، وقد جاءها فقير يطلب الحسنة حُبًّا بالله، فتذكّرت الطفلة كلمات يسوع.. فأهدته الحذاء... وقد علمت لاحقًا بأنّ المتسوّل كان يسوع نفسه.

غدت صبيّة الآن. إنّها جميلة. العالم يتودّد لها، يجذبها. كان الأب يفرط بتدليلها لحبّه الزائد: "كان يريدني دومًا إلى جانبه". كان يُرغِّبها بأزياء جميلة بحسب الموضة، آخذًا إيّاها إلى الحفلات؛ كان الشبّان يتملّقونها بكلام معسول، "لكنّها كانت ترمي باقات الورود من الشبّاك"... إنّها حرب بين العالم والله. قلبها الله، لكنّ الأصوات الإلهيّة أضحت خافتة تحت تأثير إغراءات هذا العالم.

دخلت سنّ المراهقة، جاهلة أسرار الحياة، ولكم تساءلت دون خبث هل جرحت يسوع؟ كم ستقمع بزيّها الرهبانيّ نزوات طفولتها وتهوّر سنّ المراهقة! ستذرف دموعًا من دم، ذاكرةً إلى ما لا نهاية ما سوف تدعوه خطايا".
إنّه صراعٌ تصفه اليوميّات جيّدًا، تختبره كلّ الدعوات تقريبًا، ولو بمستويات مختلفة؛ لَمِنَ المفيد التعمّق به وتأمّله لكيما نعي كم يمانع الشيطان والعالم والجسد تحقيق دعوة حقيقيّة.

كانت تشعر بجانب دومًا أكبر نحو الصلاة. وبقدر ما كانت تسترسل بها، بقدر ما كانت تشعر بفراغ كلّ الإغراءات البشريّة.

ثلاث من أخواتها أصبحن راهبات. "سأصبح راهبة" كانت تجيب الجميع... وفي النهاية، ستنتصر على والدها الذي كان يُعيقها علنًا، ويريدها دومًا معه قائلاً:

"إنّي أحبّك. لكن عليّ أن أُحبّ الله أكثر منك. سأذهب إليه، وبتركي إيّاكَ أقودُك إليه".

عندما فشل والد فيرونيكا في تدمير دعوتها الرهبانيّة، أوكل هذه المهمّة إلى أخيه أثناء إقامتها لديه وقعت فريسة المرض، لدرجة أنّ أعلن الطبيب أنّ شفاءها مرهون فقط بتلبية رغبات قلبها.

اختارت الدير الأشدّ فقرًا والأكثر تقشّفًا، وهو دير الكبّوشيّات اللواتي ينذرن قانون القدّيسة كلارا. وهؤلاء كنّ قد استوطنّ منذ فترة قليلة في شيتا دي كاستلو. كانت فيرونيكا تزورهنّ من حين إلى آخر، بغية الالتحاق بهنّ، وقد أبدت الراهبات إعجابهنّ بشخصها وكلامها.

غير أنّ عدد الأخوات المثبت في السلطات الكنسيّة كان مكتملاً، ما حال دون قبولها في الدير. نُصحت بزيارة الأسقف المسؤول، فوجدها فتيّة، وهي ابنة السادس عشرة، فرفض قبولها بحجّة اكتمال العدد.
تنـزل الأدراج آسفة.

لكنّها ترجع بعد ذلك بعزم: ها هي من جديد عند قدَمَي الأسقف. تُقبّل ثوبه وترجوه بحرارة أن يقبلها.
يبدأ فورًا بالفحص المعتاد، معجبًا بإيمانها وتصميمها.

يقدّم لها كتاب الفرض: "اقرأي". تقرأ دون خطأ، دون تردّد أو تلعثم، فترتسم ملامح التعجّب على وجه العمّ الذي يعلم بأنّ ابنة أخيه لا تعرف اللاتينيّة! تجيب عن بعض الأسئلة بتواضع ودقّة متناهية. ثمّ تخطّي كلّ العوائق. عُيّن موعد دخولها في 28 تشرين الأول 1677.

واستمرّ الشيطان في هجومه: أورسولا تعاني اضطرابات وقلقًا شديدًا. أبوها لن يشارك في الاحتفال... لكنّها تحدّت كلّ العواصف والعوائق.
حلّ النهار الموعود. تمّ إلباسها كعروسة المسيح. الأسقف يترأس. تتمّ المراسيم بفخامتها المهيبة. يسقط الشعر أمام المقصّ.
يمنحها الأسقف إسم "فيرونيكا" ويتنبّأ عن قداستها المستقبليّة. يُفتح باب الحصن... ويشنّ العالم هجومه الأخير عبر شبّانًا متملّقين، لتثبيط عزيمتها.

وقد روت فيرونيكا ذلك في "يوميّاتها": كانوا يخاطبونني: أيّتها السيّدة العروس، ما يزال لديك مُتّسع من الوقت؛ إن كنتش تريدين أن تقولي لا، فما زلتِ تستطيعين ذلك".
كرّروا ذلك مرّات عديدة، فكان بمثابة تجربة كبيرة لي، لكنّي بنفس سخيّة استدَرْتُ وقلتُ:
"لق فكّرت جيّدًا، وإنّي لآسفة بأنّي لم أُتمّم هذا منذ عدّة سنوات".

"بدأتُ أنتـزع عنّي كلّ الحلى والزينة. لم تُرِد ذلك السيّدات اللواتي يرافقنني، فقلتُ: "لا أريد تقبّل الصليب مع هذه الأباطيل. فانزعوها عنّي بكلّيتها".
"هكذا فعلت؛ وبينما كنت أتخلّص منذ ذلك كلّه، كنت أسعى جاهدة لأبقي فكري في الله، مكرّرة تقديم ذاتي للربّ. لم أُرِد رؤية أحد من الذين كانوا في الكنيسة. فما فتحتُ عينيّ إلاّ عندما وَطئتْ قدماي الحصن".

هنا ستعيش سنواتها الخمسين ببطولة فائقة.
طوبى لها، طوبى لشيتا دي كاستلّو، طوبى لدير الكبّوشيّات الذين سيعاين السماء منفتحة فوقه بفَيضٍ لم يُرَ قطّ، الأمر الذي دفع الأسقف إلى القول:
"لو أنّ المواطنين يعلمون ماذا يجري خلف جدران هذا الدير، لقبّلوا حجارتها من الخارج".
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:23 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

التطهير (1677 - 1697)
حياة القديسة فيرونيكا جولياني


ما إن دخلتُ الدير حتّى بدأت المعركة: "في الليلة الأولى بعد ارتدائي الثوب،
كنتُ مرتبكة بسبب هذا الواقع الجديد والتغيير الذي طرأ على حياتي. فحينما رأيت ذاتي ضمن تلك الجدران، لم تعرف بشرّيتي الاطمئنان؛ لكنّ الروح من الجهة الأخرى كان فَرِحًا بكلّيته... كلّ شيء كان يبدو له قليلاً حبًّا بالله".

نجد في هذه الكلمات الوجيزة شبه مختصر لحياتها المستقبليّة:

صراع بين ما ستدعوه "بشريّتي" التي هي "القسم السفلي"، عدوّة الخير، مُحبّة لما يُريحها، متشكّية، متأفّفة، مقاومة للتألم، للحرمان، للإماتة، للإتضاع، للطاعة"، وبين "الروح" الذي هو "القسم العُلوي الذي ينفتح على النور، وعلى الفعل الإلهيّ الذي يجتذبه، يَسوسُه ويَبثّ فيه القوّة والسخاء؛ يتوق دومًا نحو العلاء ويرغب في التقدّم دون توقّف في درب العذاب النقيّ، واقتبال إرادة الله النقيّة".


مع "البشريّة" تلتقي الحواسن حُبّ الذات، الحكمة البشريّة، وكلّ المشاعر الناجمة عن إثبات الذات. أمّا مع الروح، فتظهر رغبة عميقة في التعزية، في الهدوء المحبّ.

وفي المقابل، ترتجف هذه الروح وترفع الصراخ حتّى النجوم، في كلّ مرّة تقدّم إليها كأس --- بالجفاف، وبالدعوة إلى هجر الله، والاستجابة للتجارب.


بين الروح والبشريّة يبدو الوفاق مستحيلاً. في الحقيقة، ليس ذلك سوى وجهٍ للثنائي جسد ? روح لدى القدّيس بولس: "إنّ رغبات الجسد مُضادة لله، لأنّها لا تخضع لشريعته، ولا يمكنها حتّى ذلك" (روما 8/6).
الجسد هو مجموع الميول الأنانيّة لدى "آدم العتيق"؛ الروح: الإنسان الجديد اللابس المسيح، "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فابتغوا ما فوق ... لا ما هو على الأرض" (كولسيّ 3/ 1-3).


لقد كرّست فيرونيكا لهذه المعركة الدراماتيكيّة صفحات وصفحات مليئة بالحيويّة، وبـ "خفّة الظلّ"، محتفلة بتمجيد مقاومة المغريات،
ولجم التذمّرات وكفكفة الدموع التي كانت تصدر من بشرّيتها، وذلك تحت وطأة متطلّبات الروح الصارمة. نجدها تردّد مرارًا: "كانت بشريّتي تبكي بينما الروح يتهلّل.


بدأت النعمة عَمَلها فورًا: فما أن وطئتْ عتبة الدير حتّى رأت فيرونيكا الربّ "يعيد" مع البلاط السماوي قائلاً: "لقد أصبحت هذه خاصّتنا منذ الآن" وسألها: "قولي لي ماذا تريدين؟"
فطلبت فيرونيكا ثلاث نِعَم: "الأولى أن يمنحني نعمة أن أحيا بحسب متطلّبات حالتي (الرهبانيّة) التي ابتدأتها؛ الثانية ألا أبتعد أبدًا عن إرادته القدّوسة؛ والثالثة أن يُبقيني مصلوبة دومًا معه.


وقد وعدني بمنحي كلّ ذلك قائلاً لي: لقد اخترتُك لشؤون عظيمة، لكن يتوجّب عليك التألّم كثيرًا لأجل اسمي". وبقيت هذه الجملة الأخيرة منطبعة في عقلي لدرجة أنّها كانت عونًا لي طوال سني حياتي".


وكان ذلك ضروريًّا فعلاً، فبينما كانت تُقبّل الثوب والجدران شاكرةً الربّ على النعمة الكبيرة، نعمة ارتدائها الثوب، بدأ الشيطان وبشريّتها فورًا هجومها الشرس:
لقد بدأت تشعر بنفور من المكان: فالدير والقلاّية، بديا لها قبرًا، سجنًا. كلّ شيء بات ثقيلاً عليها، لدرجة أنّها فكّرت بالهروب من السقف.


نفور من العمل الديري واليدوي، لكونها غير معتادة على ذلك.


نفور من الصلاة: فهي معتادة على البحث بعفويّة عن إلهها، وجدت ذاتها الآن بوتيرة نظام مشترك مملّ، معدّ مسبقًا بأدقّ تفاصيله، حيث أنّ وحدة الأسلوب هي قيمة أوليّة، بينما العفويّة تُعتبر تفرّدًا.
ستكتشف فيما بعد قيمة الحياة النظاميّة، والعيش المشترك، اللذين ستتفانى في المحافظة عليهما فرديًّا وجماعيًّا.


أمّا النفور الأقوى، فكان من الأشخاص. فقد دفعت ثمن تأقلمها مع حقيقة الحياة المشتركة غالبًا ... أخذت تسمع أنّ بعض أسرارها تُذاع.. فقدت الثقة... انغلقت على معلّمتها، على المسؤولة والمعلّمة، بل حتّى عن المعرّف. بقيت ثلاثة أشهر دون اعتراف.


"كنتُ أكشف نقصًا أو هفوة ما فقط، أمّا التجارب والإزعاجات، فلم أكن أتفوّه عنها بكلمة، متحمّلة صراعات ليلاً نهارًا... آه كم عانيتُ بسبب ذلك! كان الشيطان يجرّبني كلّ مرّة، خصوصًا في الكتمان عن المعرّف...". وكانت تبكي طويلاً خلال الليالي...
سندرك فيما بعد أنّ الشيطان قد توصّل، حتّى إلى اتخاذ شكل المعلّمة، فنصحها بعدم الانفتاح على المعرّف، آمرًا إيّاها بأن تُبقي ذلك سرًّا... كذلك توصّل إلى لبس شكلها لكي يحرّض أخواتٍ أخريات ضدّ الأم الرئيسة، التي، لتصديقها ذلك، أضحت معادية لها، مقابلة إيّاها بالبرودة والصمت.
أخذ الشيطان يتلمّس حقيقة عدوّته المستقبليّة الكبيرة، وبدأ الهجوم عليها.


وما القول عن الحواس؟ كم من الجهد للتغلّب على ذاتها في وجه معاكسات وحسد بعض الأخوات: "كانت حواسي تشعر بذلك بقوّة، غير راغبة في كبح ذاتها. فكنتُ أبحث في التفكّر بآلام الربّ، وأقول لنفسي:
"يا فيرونيكا تذكّري بأنّك أتيتِ للتألّم، لذا أصمتي...".
وكنتُ أشعر ذاتي تثور، راغبةً القيام بردّات فعل؛ لكنيّ كنت أتخطّى ذلك بمعونة لله. كنتُ أحاول عدم إظهار شيء، وأعمل عكس ما كان يوافق بشريّتي وحواسي... وكنت أشعر بأنّ معدتي تتمزّق من تعنيفي لذاتي..." وكان في "يوميّاتها" تتّهم ذاتها بقلّة التواضع: "وكان سبب كلّ ذلك عدم امتلاكي روح التواضع والفضيلة الحقيقيّين..."،
وتضيف: "كنتُ أذهب لأصلّي لأمثال تلك الأخوات، عندما لم أكن أستطيع القيام بغير ذلك...".


كم من التعاليم الثمينة يمكننا أن نتعلّمها!؟
هكذا ابتدأت سنوات تكرّسها الأولى. وسوف تسير كلّ حياتها على درب الصليب، العذابات، حبًّا بالله وبخلاص النفوس. وستردّد مرارًا: الصلبان والآلام هي أفراح وإنعام".


وكم مرّة سوف تُردّد: "يا إلهي! نفوس! أطلبُ منك نفوسًا" وكان صوت يجاوبها: "إشتريها بنقود الألم". وكانت فيرونيكا، باسطة ذراعيها، مُظهرَةً يديها ورجليها وقلبها، تقول: "يا ربّ، لقد اشتريتها. إنّني ضحيتك. اصلبني"!


هذه الفترة التي تلي سنوات التنشئة الأولى، حدّدتها ظاهرتان جسديّتان مميّزتان:
التكليل بالشوك (4 نيسان 1681) ونَيْل السِمات (5 نيسان 1697).

خلال هذه الفترة أدّت فيرونيكا خدمات ووظائف عدّة: نقل الماء من البئر، ممرّضة، طبّاخة... وقد جرى انتخابها مرّتين كمعلّمة الابتداء.
وتتميّز، إلى ذلك، بكون فيرونيكا، في عنفوان غيرتها الشبابيّة، ذهبت باحثة عن الإماتات الطنّانة للتجاوب مع هذا المقدار الكبير من الحبّ الذي سيملؤها به الله.
ستقول هي نفسها: "... وهكذا غير عالمة بما أقوم به، بدأتُ بجَلَد ذاتي..."، معتبرة ذلك ضروبًا من الجنون كان الحبّ يجعلني أقوم به:

تصرخ، ترتّل، تقرع الأجراس خارج وقتها، تدعو الأخوات تركض في البستان في ساعات الليل الحالكة، تتسلّق الأشجار لتدعو الخطأة إلى التوبة... خارجة عن ذاتها، دون أن تتمّن من قَمْع اندفاعها وحماسها.


وحيث أنّنا سنشير إلى إماتاتها الاختياريّة في القسم الثاني من هذا الكتيّب، فلنلقِ الآن نظرة سريعة على ما سألها العريس المصلوب، ومنحها إيّاه ليشابهها وليجعلها أكثر اتحادًا به، داخليًّا وخارجيًّا.

سيكون من المستحيل علينا ذكر حتّى الحدّ الأدنى الضروري لجعل القارئ الورع ينغمس في أهميّة الثنائي "حبّ ? ألم" في حياتها، ستردّد مرارًا:

"إنّ مدرسة الحبّ، الحبّ الحقيقيّ، هي الألم... والكتاب ليس سوى يسوع المصلوب". لذا ستثبت فقط لائحة ببعض النقاط، داعين إلى قراءة كتب أكثر إسهابًا حول حياة القدّيسة:
- سألها يسوع ألاّ تغتذي سوى به، (وسمح لها بالمناولة يوميًّا، في حين كان المسموح مرّتين في المسموح). وأمام رَفْض المسؤولين، عدّلها إلى خبز وماء.
ولمّا لم يتمّ الحصول حتّى على ذلك، جعل معدتها ترفض وتتقيّأ أي طعام آخر، إلى أن وافق الرؤساء.


- طلب منها السَيْر حافية القدمين؛ وأمام رفض السلطة التي كانت تخشى التفرّد، انتفخت قدماها بشكل غير قابل للتفسير. وقد أقرّ الطبّ بعجزه عن شرح هذه الظاهرة، سقطت الموانع، ونالت الموافقة...


- جعلها تشرب عدّة مرّات كأس مرارة بستان الزيتون، وكان مُرًّا لدرجة أنّ كلّ ما يحيط بها أضحى مُرًّا بشكل مميت: الطعام، الماء، الهواء... حتّى إنّها غابت عن الوعي... ووصلت إلى ذرف دموع من دم... وارتفاع حرارتها إلى مستوى يهدّدها بالموت.


كلّلها يسوع بالشوك مرّات عدّة، مُسبّبًا انتفاخًا غير طبيعيّ في الرأس، لم يستطع الأطبّاء سوى زيادة خطورته بأساليبهم الطبيّة المؤلمة... أشواك دخلت الجمجمة، الرأس، الصَدْغين، الأذنين، العينين... حتّى إنّها سقطت أرضًا كالمائتة: "ستشعرين بهذه الأشواك طيلة حياتك تقريبًا" قال لها يسوع وهو ينْهِضُها.
- تحمّلت جَلْدًا بأيدٍ غير منظورة حتّى سالت دماؤها أرضًا...


- وضع يسوع صليبه الثقيل للغاية على كتفها، حتّى إنّ العظم بقيت ملتوية مدى حياتها، كما سيؤكّد التشريح...
- تكرار "الاعتراف العام" الصوفيّ الرهيب، حيث كان قلبها ينفطر لرؤية كلّ إهاناتها لله بقلق مميت كانت تُقدّمه لارتداد الخطأة خاصّة الذين يجدون صعوبة بالتقدّم من سرّ الاعتراف... إنّها صفحات تستحقّ أن تُقرأ، ويتمّ التأمّل بها.


- وفي لائحة من النِّعَم الخاصّة التي نالتها من الربّ نفسه، في رؤية تمّت في 8 أيلول 1701، نجد في ما نجده:
خمسمئة مرّة جدّد لها يسوع ألم القلب المطعون بالحربة، جارحًا إيّاها مئة مرّة بجرحٍ خفيٍّ (وأحيانًا منظور، بشهادة الأسقف، الطبيب....).
ثلاثًا وثلاثين مرّة جعلها تنال عذابات الآلام بكليّتها، جاعلاً إيّاها تشعر وترى الأوجاع التي قاساها هو، وهي نعمة لا يمنحها إلاّ للنفوس المختارة المميّزة.


عشرون مرّة ظهر لها بالجسد، وهو مُثْخَن بالجراح، والدم ينـزف منه.
لكنّنا نجد أيضًا التعزيات:
ستين مرّة جدّد لها الاحتفال بالأعراس الإلهيّة.
حرّر يده عن الصليب ليضمّها إليه ثلاث مرّات.
ألصق فمها على جرح قلبه تسع مرّات.
أعطاها شرابًا مُنعشًا من جنبه الأقدس خمس مرّات.
غسل قلبها بدم قلبه خمس عشرة مرّة.
نزع منها قلبها اثنتي عشرة مرّة ليُطّهره من الهفوات الأكثر دنسًا.
ضمّ نفسها مئتي مرّة إضمامة حُبّ، ما عدا الإضمامات الأخرى المنيرة التي هي شبه دائمة.
وقد نوّرها مرّات لا تحصى بأنوار داخليّة حول الفضائل والأسرار، وحول معرفة ذاتها ومعرفة الله.
وتنتهي هي إلى القول: "لِمَ إحصاء النِّعَم الممنوحة؟ لن ننتهي من عدّها".


هذا وما يزال لديها ستّ وعشرون سنة تعيشها!
ولكيما نقدّرها حقّ التقدير، نذكر أنّ أعظم القدّيسين والقدّيسات المتصوّفين قد عاشوا فقط، لبضع مرّات، ما كانت تحياه هي بتواتر وبإلفة.


وبالرغم من هذا التألّم المتواصل، ومن عدم استطاعة الأسقف والمعرّف احتمال متابعة شهادتهما العيانيّة، وقد اضطرّ للهروب أمام هَوْل بعض مشاهد الآلام التي تجدّدت فيها، فإنّ يسوع فادينا ومخلّصنا المحبوب واللطيف للغاية قد قال لها:
"إنّ آلامك ليست سوى شرارة من أتون آلامي".


يا لعظمة الحبّ الإلهيّ! علينا فعلاً أن نبقى صامتين ومُنسحقين أمام هذا المقدار من حبّ الله لنا، مظهرًا لنا الألم العظيم الذي أراد يسوع المسيح، الإله الحقّ والإنسان الحقّ، أن يتألّمه من أجلنا.

فلنسأل ولنتوسّل الله، باستحقاقات مريم المتألّمة والكليّة القداسة، وبحقّ عذابات القدّيسة فيرونيكا، أن يمنحنا نعمة النِّعَم: "أن نمقت الخطيئة بتأمّلنا نتائجها الفظيعة فينا وفي البشريّة بأسرها.
ونذكر بأن الأب بستينالي، مُعرّف الدير حينذاك، كان قد أعطاها خلال هذه الفترة، في نيسان 1693، أمر الطاعة ببدء كتابات "اليوميّات"، طاعةٍ سوف يعيد الأسقف تثبيتها.
لقد بلغت تلك النِّعم الخاصّة ذروتها في الخامس من نيسان من عام 1697، يوم الجمعة العظيمة بنيلها السمات الظاهرة: خمس شعاعات تخرج كسهامٍ مشتعلة من يسوع المصلوب وتخترق يديها، رجليها وجنبها، فتجعلها مصلوبةً مع عريسها المصلوب.


إنّها الموسومة الأولى والوحيدة في الفرع النسائيّ
من رهبنة القدّيس فرنسيس
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:25 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

الاستنارة (1697 – 1717)
حياة القديسة فيرونيكا جولياني


إنّ نَيْل السِمات المشروح بالتفصيل في اليوميّات، قد سجّل لدى فيرونيكا جولياني ذروة مسيرة التشابه المشغوف والمحسوس بالمسيح المصلوب؛
وسجّل في الوقت عنيه نقطة انطلاق مسيرة ثانية، معاكسة نوعًا ما، مسيرة تعمّق داخليّ، أو بالأحرى "التجوهر"
(Intrinsecazione)، وقد ساعدها في ذلك دون شك الكهنة المعرّفون في الدير.
كذلك ساهم بشكل فعّال في إحداث التبدّل، التذليلات التي سمح بها الله منذ تدخّل محكمة التفتيش (بعد ظاهرة السمات). سيقول لها الربّ:
"تهيّئي للعذاب الكبير" (آب 1697).
فرأت ذاتها تُخضَع لامتحانات وفحوص مزعجة. وقد حُرِمَت في شهر تمّوز من سنة 1699 من حقّ التصويت، وتمّ سجنها في المستوصف لمدّة 50 يومًا بعد انقطاع كامل عن أي اتصال.
وقد أضحت تدابير محكمة التفتيش أكثر تطلّبًا سنة 1700، ومن جديد سنة 1703. لا يمكن لعقل أن يعي تقريبًا ما اضطُرّت لتحمّله خارجيًّا وداخليًّا.
لكن كلّ شيء سيتّضح ويسكن شيئًا فشيئًا بفضل تواضعها واتضاعها الكبيرين. وقد كان هدوءها في قبول استجوابات واختبارات مزعجة للغاية، ما أقنع الجميع بأنّ الله هو الفاعل فيها، حتّى ولو بشكل يُربك العقل.

لمن يكن من الصعب إثبات استقامة وصِدْق الأخت فيرونيكا، لكن بقي الشكّ في كَوْن كلّ شيء من فِعْلِ الله العجائبيّ، أم هو من فعل الشيطان وخداعه. فالعلامة الأكثر اطمئنانًا التي أعطت الضمانة بأنّها أمور من صُنع الله، كانت دون شكّ نور معرفتها لذاتها، والتألّم من خطاياها الشخصيّة، الأمران اللذان كان يُضحيان دومًا أكثر تعمّقًا لديها بعد كلّ ظاهرة صوفيّة.

أخذ كلّ شيء "يتجوهر" (intrinscedando) تدريجيًّا بفضل دعوة مُلحّة كانت تشعر بها فيرونيكا في داخلها. أوّلاً أسلوبها في التأمّل بآلام المسيح ومشاطرته إيّاها، حيث أخذت تتّجه نحو الآلام الداخليّة أكثر منه نحو آلام الفادي الجسديّة.. ثمّ أسلوبها في التألّم، دون الهبوط في درجته: فقد أضحى الآن هذا "العذاب الجديد" عذابًا مُرْفقًا بالشعور، أكثر حميميّة، أكثر خفاء، مُرْفَقًا بمقدار أدنى من التعزيات، حتّى الروحيّة منها.

وسيتجوهر التَوْق إلى تعذيب الجسد القاسي حتّى الاضمحلال كليًّا، بعد بضعِ سنوات من نَيْل السمات. لن يبقى سوى بعض الحنين الذي ستسيطر عليه دون صعوبة.

كتبت القدّيسة في شهر أيار 1699: "أردتُ الخروج من القلاّية للقيام بإماتة ما، لكنّني أُلمتُ بعدم الخروج". وعندما أصبحتُ الأمّ المسؤولة، سهرتُ على أن تَعرف الأخوات الشابّات "التوازن والفطنة لرغبتهنّ في الإماتة".

ستنحصر إماتاتها من الآن فصاعدًا في رفض واعٍ وتنبّه من الإرادة الذاتيّة، لحبّ الذات، لأي إرضاءٍ شخصيّ، وفي هبة الذات السخيّة للأخوات المشكّلات الجماعة من خلال أعمال الخدمة.

فبينما كانت قبلاً تضاعف الصرامة في وجه متطلّبات "بشريّتها"، تُفاجئنا الآن أحيانًا بتعابير كهذه: "كنتُ أشعر ببشريّتي مُرْهقة ومحتاجة للراحة لكيما تتمكّن من القيام بمهام وظيفتها".

طيّعة للتوجيه الروحي المُعطى لها من قِبَل المعرّفين، أخضعَتْ كلّ كيانها الروحيّ لإعادة نظرٍ شاملة مبتدئةً لحياة الأسرار والصلاة، لتصل من ثمَّ إلى الضائل الأساسيّة.

ففي يوميّاتها لسنة 1699-1700 نجدها تردّد عبارات كهذه:

"لم أعرف يومًا أن أصلّي...". "أجد ذاتي مجرّدة من كلّ الفضائل... ليس فيَّ ظلّ فضيلة... لم أمارس المحبّة الحقيقيّة قط... لم أمارس يومًا التألّم الحقيقيّ... لا للمحبّة بالكلام بعد اليوم، بل الأعمال والأفعال... أريد تبديل حياتي".

إنّ الاستنارة بنقائصها الشخصيّة عمل متواصل، ومُلحّ، وهو ضروريّ للتجدّد الجذريّ.

في هذا التطهير، سنرى الأهميّة المتصاعدة التي تعطيها لسرّ الاعتراف؛ وسنراها تعترف أيضًا أكثر من مرّة خلال بعض الأيام.

كانت تقعد خلوات غير اعتياديّة ذات طابع صوفيّ، تستمرّ الواحدة عشرة أيّام. فخلوة شباط 1700، تناولت في كلّ يوم فضيلة.

وخلوة أيار 1701، تطرّقت إلى موضوع التصرّف العام بنور إرادة الله. لقد شعرت مرارًا بدعوة داخليّة للقراءة في كتاب ذاتها وحياتها.
وإلى جانب العطايا لسيطرة أكبر للخير الأعظم، نجد تزامنًا لمسيرة تعمّق في معرفة ذاتها وفي التطهير السلبيّ الذي يُبقي الأنا مُذلَّلة ومعدومة.

في الحقيقة، ليس ذلك سوى تطهير لكلّ ما يمكنه أن يُعيقها عن درب الاتحاد بالله. كانت قد حصلت دومًا على اختبارات اتحاد، لكنّها لم تكن قد بلغت يومًا، كما في نهاية هذه المرحلة الثالثة، ما تدعوه "الغَرَق في الله"، الـ "كينونة في الله". كانت تشعر قبلاً بأنّها "مخطوفة"، "مجذوبة"، "مُعطاة" فيضًا من الاتصالات التي لا يمكن وصفها..."؛
أمّا الآن فالخير الأعظم يهب ذاته لها، يُماهيها به، يمنحها صفاته الخاصّة، يؤلّهها. يجعلها تختبر مُسْبقًا الاتحاد الأبديّ للطوباويّين بالمجد السماويّ.
كان الأمر يستحقّ غَسْلاً عميقًا كهذا للروح!

إنّ القسم الأعظم من الاختبارات الكبيرة والحميمة للقدّيسة تتمحور حول القلب: تأجّج، نبضات متسارعة، اندفاعات؛ جراحات، سهام، مسامير؛ "تعشيق" أدوات الآلام، آلام مريم الكليّة القداسة، الأحرف التي ترمز لبعض الفضائل. هذه الاختبارات هي خير معبِّر عن ظاهرة تبديل "القلب الجريح" (قلبها)، "بالقلب المغرم" (قلب الربّ).
إنّه حقًّا "لعب" صوفيّ سوف يملأ مرارًا الصفحات الأكير حيويّة في يوميّاتها... يستحيل التصديق: أحيانًا ينتـزع قلبها من صدرها من أجل تنقيته! ينتـزع حقًّا!..
أحيانًا أخرى يكون لديها قلبان في صدرها: قلبها وقلب يسوع؛ الأوّل يقرع بشكل اعتياديّ، بينما الثاني يرفع لها قفصها الصدريّ، تسمعه الأخوات من بعيد، ويشعرنَ بأنّها تحترق من جرّاء نار الحبّ المتملّك في هذا القلب الإلهيّ (الثاني): لإراحتها، يغمسن يديها في الماء: يا للأمر الذي يعجز تصديقه! تبدأ المياه فورًا بالغليان.

ألا نزال ضمن إطار المنطق، أم يتوجّب علينا بالحريّ أن نجثو أمام "الألوهيّة" المتدفّقة، شاكرين الله والقدّيسة فيرونيكا على هذه الشهادات التي تساعدنا على تقوية إيماننا، والخروج من إطار أفكارنا البشريّة المسكينة، المحدودة والناقصة جدًّا أمام الله وقدرته؟

لكن الأبرز، هو الموقع الجديد الذي تحتلّه العذراء مريم، ليس فقط في تقوى القدّيسة فيرونيكا، بل في كلّ ما تحياه من أمور صوفيّة، وهذا بطريقة متزايدة، بحيث "تحتلّ تقريبًا مكانة يسوع المسيح"، بصفتها أمًّا تقود الكنيسة، إلى حبّ ابنها والأمانة له، كما إلى السجود والتأمّل بالثالوث الأقدس.

هذا الحضور المحوري لمريم الكليّة القداسة، كان قد ابتدأ سنة 1700، تمامًا خلال أشهر العزلة والإحباط الكبيرين، حيث لم يكن حول الموسومة سوى شكوى وتحفّظات، وهي عينها كانت تشكّ بذاتها.

فكانت "الأم العزيزة" تقّدم لابنتها المُمتحنة ليس فقط عذوبة حضنها المُضياف، بل أيضًا ضمانة --- أكيد، ذات تعليم مُنير.

في التاسع والعشرون من نيسان 1700 وجدت فيرونيكا ذاتها مقبولة مباشرة من مريم الكليّة القداسة كتلميذة لها. ومنذ 24 كانون الأول 1702 تلقّت اسمًا جديدًا:
فيرونيكا ليسوع ولمريم. سنة 1703، تمّ إعادة انتخابها كمعلّمة الابتداء، باشرت ابتداءها الجديد كـ "مبتدئة مريم"، وفي تموز 1705 شكّلت قلوب يسوع ومريم وفيرونيكا قلبًا واحدًا. في 21 تشرين الثاني 1708، كتبت فيرونيكا إعلانًا علنيًّا تؤكّد فيه وَهْب ذاتها لمريم كخادمة.

سنة 1711، أخذت "الأمانة" التي كانت تربطها قبلاً بالعريس الإلهيّ تتّجه نحو العذراء كنقطة وصول مباشرة...

وأخيرًا سنة 1715 اختبرت نِعَم الاتحاد الصوفيّ من خلال التداخل مع نفس مريم. سوف نقرأ شيئًا من ذلك في القسم الثاني.

وختامًا لهذا الفصل، لا يمكننا اغفال الأهميّة التي استحوذها في هذه الحقبة "المطهر" سواء في مجال التأمّل أم الشفاعة التكفيريّة لدى القدّيسة،
لدرجة أنّه استحوذ تقريبًا الأولويّة على الغيرة السابقة لخلاص الخطأة.
أخذت تشعر نفسها مدعوّة دومًا أكثر، وحتّى مُلزمة من قِبل المعرّف، على أن تكفّر بذاتها عن عذابات المطهر، لأنفس موتى حقيقيّين،

كان يتمّ توصيتها بهم، قابلة المطهر في حياتها. إنّه نوع جديد من التألّم، وهو نوعٌ جديد من الحبّ أيضًا.
من أجل حثّها على خلاص الخطأة، كان الله قد أظهر لها الدينونة وجهنّم، ولتشجيعها على تحرير الأنفس، ها هو يريها الآن المطهر.
تراه وتذهب إليه كلّ ليلة تقريبًا، كما تشهد بذاتها: "لقد أمضيتُ هذه الليلة كالمعتاد في المطهر، وسط النار، الجليد، العذابات، الآلام، مهجورة ودون أي سند. لتكن مباركة إرادة الله...".


لنسمعها تُخبر شيئًا ما، غير ناسين مع ذلك بأنّ في المطهر أيضًا أفراحًا، وهي حقيقيّة كالعذابات:
"إنّ عذابات المطهر مهولة، لدرحة أنّ ما من عقل بشريّ يمكنه فهمها. النار مُحرقة للغاية، قويّة بحيث يمكنها بلحظة تدمير العالم مذيبة إيّاه كالشمع. الأنفس تُضحي وكأنّها ملتحمة بالنار... ما من راحة: فما أن ينتهي عذاب حتّى يبدأ آخر، أقسى من الأول. نموت من الألم؛ نولد من جديد لنتألّم أكثر.
ما هي آلام الشهداء إذا قيست بآلام المطهر؟ لا شيء. فلو افترضنا إمكانيّة عودة نفس ما إلى الأرض لكانت مستعدّة لمواجهة كلّ الاستشهادات تجنّبًا للمطهر...
آه لو أنّي أستطيع أن أجوب العالم وأصرخ للجميع التوبة! التوبة! لا للخطايا، نعم للفضيلة والإماتات! تجنّبوا نار جهنّم... لقد تكلّمت ولم أقل شيئًا... آلام الجسد لا تُقاس بآلام النفس... كلّ دقيقة هي بمثابة أبديّة.

وتُفهمنا القدّيسة في موضع آخر، أنّه ليس الله من يرسل بقساوة الأنفس إلى المطهر، بل إنّ النفس عينها، ناظرة بوضوح في الدينونة الشخصيّة صلاح الله اللامتناهي، والإهانات المُلحقة به من جراء خطايانا، تهرب بطيبة خاطر إلى المطهر، مستعدّة لكلّ شيء وراغبة في التطهّر، لكي تستطيع التقرّب من جديد من هذا الإله الصالح، لأنّ ما من شيء دنس يمكنه ولوج السماء.
تتقدّم بإرادتها لتتحمّل العذابات لأجل الأنفس، وبدلاً عنها: "إصعدي إلى السماء، أبقي أنا لأعوّض عنك"؛ وسيُسمح لها بذلك.
ستقول لها السماء: "أنت معونة الأنفس المطهريّة".
ستأتي النفوس ليلاً تقرع باب غرفتها: "ارحموني ... فإنّ يد الله قد مسّتني" (أيوب 19/21). بالغ المعرّفون في جعلها تكفّر عن العديد من نفوس الأهل والأصدقاء، وغيرهم:

لقد كفّرت مثلاً عن والدها فرنسوا جولياني، عن الحبر الأعظم إكليمنضوس الحادي عشر، عن العديد من الآباء المعرّفين، عدّة راهبات معاديات لها، كالأخت أنجليكا عدوّتها غير القابلة للإصلاح... يطول بنا الأمر في نقل هذه الأخبار المذهلة المنتشرة بتواتر في اليوميّات.

كانت تكفّر بدلاً عنهم، فتخرج الأنفس ناصعة البياض، مُشعّة بالنور وتطهير نحو السماء، بينما هي، رغم عيشها على الأرض بين الراهبات، تبقى تتألّم في المطهر.
كانت أخواتها ترينها في اصفرار مميت، دائخة، مُرهقة:
"آه، كم كنت أبغي الصراخ لدرجة تجميد العالم لشدّة الهول".
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:25 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

تحت قيادة مريم الكليّة القداسة

(1717 - 1728)

حياة القديسة فيرونيكا جولياني

روحها أضحت الآن في السماء، بينما قدماها راسختان في الأرض دومًا أكثر، بفضل ذلك التناغم الذي ينتج عندما يكون اجتياح الله للنفس كاملاً.
فظهرت مزيّنة بنعمة المشورة وبحسّ واقعيّ، ما كان بإمكان أحدٌ توقّعه لديها.
الراهبات أرَدْنها أُمًّا مسؤولة، وحَصَلْنَ على ذلك من محكمة التفتيش، بعد امتحان غير إنسانيّ حقًّا، مرفق بإذلالات فرضها عليها الأب كريفللي، تحت سلطان الأسقف سنة 1714.

مع ذلك أبقت محكمة التفتيش على الحظْر من الخروج إلى "الشعريّة"، سوى لفحص طالبات الترهّب. إنّه تدبير يُعجبها لكونها رغبت منذ زمن عدم التواصل مع الخارج.
انتُخبت في الخامس من نيسان 1717 مسؤولة، والأخوات لم يندمن على ذلك، بل سوف يُعِدن انتخابها تكرارًا حتّى موتها.

وأخذت الدعوات تهطل فورًا بأعداد كبيرة، اضطُرِرْنَ معها إلى ر فع العدد المحدّد في نصّ التأسيس؛ وازدادت أيضًا التقادم، حتّى أنّه بدأ الشروع قبل نهاية السنة المباشرة، بأعمال بناء قسم جديد من الدير. وقد تمّ تسديد كلّ النفقات من قِبَل العناية الإلهيّة وحدَها.

إنّ حبّها الكبير للفقر، الذي أدّى، في البداية إلى اضطهادها بوصفها بـ "المُصلحة"، لم يمنعها من تمييز أهميّة تحقيق إمدادات توزيع المياه، رغم معارضة الراهبات المُسنّات.

وهكذا وضعت حدًّا لحَمْل سُطول المياه المستمرّ... وحتّى اليوم، نستطيع أن نقرأ في كابيلا القدّيس فرنسيس الكتابة اللاتينيّة المعلّقة على أحد جدرانها، وفيها تدعو الأخوات إلى "سكب صلواتهنّ للمحسنين بالتواصل عينه الذي يستمرّ تدفّق المياه في النبع".

وإلى ذلك، فإنّ نجاحاتها الباهرة كانت في مضمار سياسة الجماعة الداخليّة. فإنّ فريقًا من الراهبات، بدأ صغيرًا، وانتهى بسواده الأعظم، متأثّرًا بتعليقها الروحيّ. نذكر من بينهنّ: الأخت كلير – فيليس التي لبست معها حَبْل الرهبانيّة، والتي فاجأتها في اليوم ذاته منخطفة أمام القربان الأقدس. الأخت ماريان كانت تحبّ الصلاة معها على نيّة ارتداد الخطأة؛ الأخت أنّا مازوكي، إحدى المؤسّسات، رفيقتها المألوفة في الزياحات الليليّة.
الأخت مادلين بوسكاريني رفيقتها في الجَلْد في كابيلا القدّيس فرنسيس؛ الأخ هياسنت المكلّفة برَبْطها ليلاً على الصليب؛ والأخت فلوريدا شيفولي، (وقد أعلنت اليوم طوباويّة)، نائبتها والمقتدية بفضائلها.

بحضور القدّيس فرنسيس والقدّيسة كلارا، أعطتها العذراء خاتمًا مطبوعًا عليه اسم مريم ودعتها

"ابنتها الأعزّ بين جميع بناتها" (28 تشرين الأول 1711).
بناتها" (28 تشرين الأول 1711).

حياة القديسة فيرونيكا جولياني
رأت ذات يوم، بينما كانت في حالة انخطاف، نفوسًا ترتاح في قلب يسوع الأقدس، فسألته مندهشة عن معنى ذلك، ففهمت بأنّها أنفس الذين سيجتهدون في المستقبل لتعريف العالم على سيرتها... وقد قال يسوع: "يجب أن تُعرَف حياتك في العالم لانتصار المحبّة وتثبيت الإيمان" (اليوميّات).

يجب على رسالة القدّيسة فيرونيكا أن تؤتي ثمارها في الكنيسة. إنّ موقفًا علنيًّا واحتفاليًّا من قبل السلطة الكنسيّة، يمكنه أن يعود ويمنح رسالة القدّيسة الخلاصيّة الزخم الذي تستحقّه" (الكاردينال بيترو بالاتسيني).
جميع المبتدئات اللواتي مَرَرْن تحت يدها، حفظن لها الثقة البنويّة، وسِرْنَ ببطولة في الدرب الذي خطّطته لهنَّ.

كانت فيرونيكا تعزو كلّ النجاحات إلى قيادة العذراء المباشرة، فهي التي وعدتها بأن تكون الأم الرئيسة؛ فإنّ القدّيسة، بالفعل، كانت قد وضعت أمام تمثالها، فورًا بعد انتخابها مسؤولة، مفاتيح الدير، القانون، وخَتْم الرهبنة، قائلة للأخوات: "ها هي، ها هي أمّنا الرئيسة".

"يا ابنتي اطمئنّي: أنا المسؤولة، لن ينقص شيءٌ ضعي كلّ رجائك بشيء، اثبتي في الإرادة الإلهيّة، عيشي باطمئنان... سأحمل أنا المسؤوليّة، بحسب رغباتك؛ سيؤول كلّ شيء نحو الأفضل".

إنّها مقتنعة بأنّ مريم كليّة القداسة هي من تُرسل الدعوات، من تحرّك إرادة المحسنين، من يمنح الطواعية للأخوات، وفوق كلّ شيء، من يُلهِمها كيف يجب عليها أن تتصرّف في كلّ الشؤون.
تشعر بها حاضرة بشكل مميّز، عندما تترأس "مجمع الاستغفار"، الذي كانت فعاليته ملحوظة للغاية تمامًا، لأنّ مريم الكليّة القداسة، كانت تطرح عليها ما يجب أن تقوله لكلٍّ من الأخوات، وتلقّنها التحريضات الحارّة الموجّهة للجميع. وستعي الأخوات ذلك مرارًا، كما يتبيّن من المقطع التالي:
"... هنا، عند أقدام مريم الكليّة القداسة، لنقصد جميعنا تبديل حياتنا، لنَصِل إلى حياة الراهبات الحقيقيّات والقدّيسات؛ وصلّين من أجلي أنا المسكينة.

"قلت للنائبة بأن تلجأ مرارًا إلى جراحات يسوع، وإلى قلب مريم المتألّم؛ وبأنّ تفكّر بمن جَرَّح الابن وألمَ الأم".

"من المؤكّد أنّ كلّ خطايا العالم تسبّبت بذلك، لكن بالأخصّ خطايانا. فلتتمرَّ كلّ واحدة منّا في جراحات يسوع وفي قلب مريم. ولنقصد تبديل سيرتنا. آمين.

"لدى ابتدائي بالنشيد الليتورجي، وعيْتُ أنّي قد أتممت المجمع. ليكن كلّ ذلك لمجد الله ومجد مريم الكليّة القداسة! فهي من قال وصنع كلّ شيء".
وإنّ مريم أحيانًا تكون حاضرة جسديًّا وحقًّا بدلاً عنها. وإنّ الراهبات ستشهدن بأنّ نبرة صوتها كانت عذبة لدرجة أنّها كانت تسحر قلوبهن.

"فيرونيكا لإرادة الله، ابنة ومبتدئة مريم الكليّة القداسة" تحيا منذ الآن وصاعدًا محتفلة كلّ يوم بانتصار الحبّ. تجد ذاتها متوطّدة في "النِّعَم" وفي "اللا": نعم للإرادة الإلهيّة بأمانة أبديّة؛ لا لبشريّتها، ولا لكلّ نزوة وميل أناني.

إنّ اختبار "نعمة الثلاث النِّعَم" اتحاد، تحوّل، أعراس سماويّة – التي حصلت عليها بعد كلّ مناولة، منذ سنة 1714، بلغت بالفعل الإلهيّ في نفسها إلى حدّ الذروة. إنّ تذوّقًا مسبقًا لمائدة الحبّ الأزليّة، هو تذوّق حميم يفوق كلّ ما اختارته حتّى الآن، ويُستحال وصفه...
إنّ اليوميّات بأسرها مملوءة بهذا الإله المجنون بالحبّ"، "بحر السلام والحبّ" حيث كانت تسبح، عندما كان يختطفها إليه هذا الإله المالك، المسيطر، الفاعل، الذي لا يمكن وصفه ولا إدراكه، الإله المتناهي... يجب أن نقرأ حقًّا هذه الصفحات السماويّة!

ومن جهة أخرى، وفيما هي تكتب اليوميّات بالطاعة، تجد أنّ كلّ شيء يغيب عن ذاكراتها، هي التي كانت تستطيع قبلاً وصف كلّ التفاصيل. لذلك لجأت بعد سنة 1720، إلى معونة مريم الكليّة القداسة: ويا للأمر الذي لم يُسمع قطّ، فإنّ الأم السماويّة أخذت تملي عليها ما يجب كتابته... إنّها صفحات مليئة بالنور، ستبلغ نهايتها في 25 آذار 1727 عندما قالت لها مريم للمرّة الأخيرة: "ضعي نقطة!".
لدينا بذلك سبع سنوات من الكتابات الصادرة من شفتَي والدة الله!"
ومع ذلك، فلا نعتقدنّ بأنّ حياتها اقتصرت حينها على العذوبات الفردوسيّة.
فقد مضت فيرونيكا في الألم حتّى النهاية. تتألّم بتجرّد شامل، دون أن تتيقّن من إتمامها إرادة الله.

إنّه تألّم جديد غير واعٍ، مختلف جدًّا وأعمق بكثير من ذلك "التألّم مع الشعور". هذا هو التألّم العاري! لكن وعيها لرسالتها التكفيريّة لا يغيب، بل يأخذ دفعًا جديدًا في قولها الثلاثيّ "نعم، نعم، نعم! أكثر، أكثر!".
مصلوبة حتّى النهاية، سيظلّ سيتدفّق من جراحاتها، دم حتّى 17 أيلول 1726، عيد جراحات القدّيس فرنسيس. لنستفد هنا من هذا العيد الفرنسيسيّ للتطرّق إلى نقطة بالغة الأهميّة، حول حبّ القدّيسة فيرونيكا للقدّيسين، حيث كانت تلتجئ باستمرار، بتواضع متوسّلة كلّ شيء لشفاعتهم. من الطبيعيّ أن يكون للقدّيس فرنسيس "الأب القدّيس" وللقدّيسة كلارا "الأم القدّيسة" المنـزلة الأولى. ستنال كلّ سنة في عيدهما نِعَمًا خاصّة.
وكان لديها منـزلة خاصّة للقدّيس يوسف، للقدّيسة تريزيا الأفيليّة، للقدّيسة كاترينا السيانيّة، للقدّيسة روزا من ليما، ولعديد من القدّيسين الآخرين كالقدّيس فيلبّس النيري، القدّيس أغناطيوس من لويولا، القدّيس فرنسوا سافيريو، القدّيس أنطونيوس البادواني، القدّيس بوناونتورا، القدّيس فلوريدو شفيع شيتّا دي كاستيلّو، القدّيس يوحنّا الحبيب،
القدّيس أندراوس الرسول الذي كان يطيب لها سلامه للصليب: "أيّها الطبيب الصالح". وكان للقديس بولس الرسول الذي كانت تدعوه "قدّيسي الرسول بولس"، منـزلة فريدة لديها، كما سنرى لاحقًا.

ولا نستطيع أيضًا إهمال دور الملاك الحارس الهامّ، الذي لم يغب أبدًا عن القدّيسة فيرونيكا:

هو من كان ينهضها عندما كانت تسقط تحت ثقل الصليب؛ يحامي عنها عندما كانت الشياطين تهاجمها؛ يعاونها في ساعات الدينونة الخاصّة الرهيبة، كما في ساعات الأعراس المفرحة؛ أحيانًا كان يناولها باسم يسوع؛ كان رسولَ مريم الكليّة القداسة لدى القدّيسة، عندما كانت الطاعة تفرض عليها أن تتواجد في موضعين في الوقت نفسه: كان يأخذ شكل نور أبيض، يعمل في غرفة المونة، يطهو الأطعمة...

وعندما شارفت على نهاية حياتها، وقد وصلت إلى قداسة أرفع، بعث لها بعدّة ملائكة حرّاس يسهرون عليها، لكونها أضحت عرضة لهجومات جهنميّة أفزع من أي وقت آخر: "ملائكتي"، كانت تسمّيهم في كتاباتها؛ هم من كانوا يرافقونها في زياراتها لجهنم.

كانت كثيرة التعبّد وعرفان الجميل للملائكة الحرّاس، حتّى أنّها استحقّت أن يكشف الله لها الحقيقة المذهلة التالية: عند انتخاب كلّ حبر أعظم جديد، تمنحه السماء عشرة ملائكة حرّاس آخرين لإعانته. إنّه خبر أبكى من الفرح والتأثّر الطوباوي يوحنّا الثالث والعشرين، عندما رغب قراءة ذلك بنفسه.

وإنّ مسك ختام عمليّة الصلب هذه نجدها في الأيام الثلاثة والثلاثين التي هيّأتها للموت، بدءًا من 6 حزيران، مرفقة بأوجاع لا توصف. كان ذلك بمثابة نزاع متواصل حتّى 9 تموز 1727 عندما طارت نفسها إلى السماء، فقط بالطاعة. بالفعل، فإنّ الأخوات والمعرّف كانوا يرافقونها دون أن يدركوا كيف أنّها لا تزال قيد الحياة، تنظر بتوسّل إلى الأب المعرّف. وكانت قد أوصتهنّ بحفظ قانون الرهبنة العزيز، وبالطاعة للمحبّة الإلهيّة، وبمحبّة بعضهنّ البعض؛ ثمّ جعلتهنّ يقبّلن المصلوب.

فَهِم في النهاية الأب المعرّف، باستنارة داخليّة، أنّ هذه النفس التي عاشت دومًا بالطاعة، لا تستطيع أن تموت سوى بالطاعة. فمنحها إيّاها متأثّرًا، بين نحيب الأخوات اللواتي رأينها تبتسم للمرّة الأخيرة.
وطارت نفسها المباركة إلى السماء فورًا، بيضاء كالحمامة!
وقد كانت كلماتها الأخيرة: "الحبّ كشف عن ذاته! هذا هو سبب تألّمي. قولوا ذلك للجميع، قولوه للجميع!".

لقد ماتت القدّيسة! لقد ماتت القدّيسة!" هذا ما أخذ يتردّد في المدينة، وسط هروع الناس على دويّ الأجراس. كلّ المدينة نزحت؛ وعندما استطاع أخيرًا الشعب دخول الكنيسة، حدثت فوضى كبيرة لدرجة أنّه اضطرّ إعادة الجثمان إلى داخل الدير.


وفي الغد خلال الدفن الاحتفالي، تواجدت كلّ طبقة النبلاء، الحاكم، الإكليروس... كان ذلك تمجيدًا حقًّا. فبالرغم من حياتها الخفيّة، فإنّ صيتها وشهرتها كانا قد أضحيا شبه عالميّين منذ حينها:
يكفي أن نذكر بأنّ دوق توسكانا والأمبراطور كارلوس الثاني اضطرّا أن يكتفيا ببعث موفدين ليتوسّلا معونتها وأنوارها؛ فقط "فيولند دو بافيير" حصلت على إذن دخول الدير، فشفيت عيناها فور ما نظرت السمات.

وبدأت سريعًا دعوى التطويب، مع شهادات شفهيّة من الأخوات، المعرّفين، الأطباء... شهادات غير اعتياديّة لا مثيل لها تقريبًا. في 25 نيسان 1796 تمّ إعلان المرسوم البابويّ لبطولة فضائلها.
في 17 حزيران 1804، تمّ تطويب فيرونيكا على يد البابا بيوس السابع، وقد احتفلت شيتّا دي كاستيلّو بهذا الحدث بتهافت كبير من المؤمنين المبتهجين بإكرام تلك التي كانوا يعتبرونها فخر الكنيسة ومجد الكنيسة.

وبعد تأخير طويل، سببه كلّ تلك العداوات في الحقل الاجتماعي، تمّ تقديسها في 26 أيار 1839، من قبل البابا غريغوريوس السادس عشر، لمجد الله الآب والابن والروح القدس.

وبما أنّ إنسان اليوم العقلانيّ، يمكنه أن يعتقد، بأنّ كلّ هذه الظواهر الصوفيّة الفائقة الطبيعة، المذكورة في اليوميّات، ليست سوى توهّم نسائيّ، فلنستمع لما تقوله الوقائع العلميّة والتاريخيّة:

قبل الدفن جمع الأسقف الحاكم "طوريجياني" الرسام "أنجيلوشي"، الطبيب "بورديكا"، الجرّاح "جنتيلي"، ناظر الماليّة "فابري"، كاتب العدل الرئيسيّ، معرّفي الدير ونبلاء المدينة للبدء بعمليّة التشريح. فاستخرجوا قلب المائتة وفتحوه. كان الجرح عميقًا لدرجة أنّه كان يخترقه من جانب إلى آخر. كان متواجدًا منذ ثلاثين سنة، وقد بقيت حيّة بخلاف كلّ نواميس الطبيعة؛ وبدل النتانة التي كان يمكن انتظارها، خرجت منه رائحة فردوسيّة.

فحصوا القلب: فماذا رأوا؟ رأوا في اللحم مطبوعة، صورة ذلك الرسم الذي كانت قد رسمته القدّيسة منذ سنوات؛ وقد طُبع فيه: الصليب إكليل الشوك، الرمح والقصبة مترابطين، الكتابة، المطرقة، المسامير، راية المسيح الملك، الشعلتان اللتان ترمزان إلى محبّة الله ومحبّة القريب، سبع سيوف العذراء المتألّمة، والحرف الأول من كلّ من اسميّ يسوع ومريم، مع تلك التي للفضائل الكبرى. وأظهر التشريح أمورًا أخرى فائقة الطبيعة علاوة على الالتواء العجائبي لعظمة الكتف...
هل سجّل التاريخ رائعة مماثلة لهذه؟
أضحت الأعجوبة الحيّة الآن في السماء. وبقيت معنا شفاعتها القديرة جدًّا، جسدها المقدّس، العديد من الأدوات العجائبيّة والتذكارات المقدّسة، وبالأخصّ يوميّاتها الفريدة، المدعوّة بحقّ "الكنـز الخفيّ".
أيّها القرّاء، اعملوا على زيارتها، على معرفتها، على الصلاة لها ومحبّتها! إنّها مستحقّة ذلك فعلاً!.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:26 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

تعاليم القديسة فيرونيكا جولياني
حياة القديسة فيرونيكا جولياني

الآن وقد استطاع القارئ الورع، بحسب اعتقادنا، أن "يلمس لمس اليد" مستوى القداسة الفريدة الذي بلغته هذه القدّيسة الساروفيميّة، وأن يتبيّن عظمة وغنى الكنوز الإلهيّة المختبئة في طيّات سيرتها، وفي "يوميّاتها"، فلا شكّ أنّ القارئ العزيز يوافق الأب "أرياتي"
في قوله بأنّنا "أمام ظاهرة فيرونيكا جولياني، لا يمكننا أبدًا أن نقف موقف ذوي الروحانيّة الزائفة" الذين يركضون باحثين دومًا عن الفائق الطبيعة، وأيضًا موقف رجل العلم الذي لا يمكنه تخطّي الأطر التحليليّة، بل موقف موسى أمام العلّيقة المشتعلة دون أن تحترق:
"أريد أن أقترب لأرى هذا المشهد العظيم" (خروج 3/3)؛ ومن المؤكّد أنّ القارئ أيضًا يوافق الأب المذكور في إعلانه أنّ متصوّفة شيتّا دي كاستيلّو الكبّوشيّة هي حالة فريدة من نوعها بين القدّيسين.
إنّها كذلك أوّلاً لأجل تعدّد وفرادة اختباراتها الصوفيّة! فليس هنالك من ظاهرة روحيّة أو جسديّة من الظواهر المسجّلة في سير القدّيسين، إلاّ واختبرتها ووصفتها؛ وقد امتازت بظواهر أخرى غير معروفة إطلاقًا.
أفليس في دعوتها للمشاركة في عذابات السيّد المسيح أو في سرّ الآلام، وفي سوى ذلك، خروج عن المألوف؟ فما من أحد تألّم على هذا الحدّ، أو تمتّع بالألم بمقدار ما تمتّعت به قدّيستنا.


نعلم إنّنا نستطيع الآن أن نتقبّل بجديّة أكبر قول الكاردينال بلاتزيني: "لا مناص من يصبح لرسالة القدّيسة فيرونيكا شأن في الكنيسة؟ وهي رسالة قد أعلن الربّ نفسه أنّها ستكون "لانتصار المحبّة وتثبيت الإيمان".

ولنستمع إليه وهو يقول أيضًا: "إنّ رسالة القدّيسة فيرونيكا هي رسالة نبويّة كبيرة، يبدو وكأنّها أُعدّت خصّصيًا لزمننا هذا:
لتصحيح التواءات خطرة، للذين يجدّون السعي في البحث عن مسيحيّة دون صليب،

والذين يتأقلمون بطيب خاطر في فيض الخيرات الاستهلاكيّة التي دعا السيّد المسيح الجميع إلى الاكتفاء بالضروري منها، والأقوياء إلى التجرّد عنها".


لكنّها أيضًا، وفوق كلّ شيء، رسالة نبويّة بوجه "العقلانيّة" التي تبحث عن معرفة أو عن جهل، عن تفريغ الإيمان من بُعده الفائق الطبيعة:
لأنّ العقل يبقى مذهولاً ومرتبكًا أمام تدفّق العنصر الإلهيّ في الأحداث اليوميّة التي كانت تحياها القدّيسة في ظواهر جسديّة متكرّرة، غير قابلة للنكران ولا للتفسير.

إنّه الله الذي يريد، منذ ذلك الحين، وبقدرة لا مثيل لها، إرباك العقلانيّة من خلال امرأة ضعيفة، وإخجالها، والسخرية منها، من خلال الوقائع الثابتة.
فإن كان صحيحًا أنّ الإيمان والعقل لا يتضادّان، فمن الصحيح أيضًا أنّ على العقل أن يعترف بمحدوديّته، حانيًا رأسه أمام الإلهيّات.
لذا، ونحن نتأمّل التعاليم المستقاة من قراءة اليوميّات"، لا بدّ من التأكيد على الحقائق الآتية:


أوّلاً:الطاعة لله وللكنيسة المقدّسة. فعندما كانت لا تزال معلّمة ابتداء، كانت تعلّم المبتدئات "التعليم المسيحيّ"، حتّى قبل الروحانيّة الخاصّة. كانت تكتب بحزم:
"أؤمن بما تؤمن به الكنيسة الرومانيّة"؛ وبالأخصّ الطاعة لممثّلي الله: رؤساء، معرّفين، سلطات كنسيّة، كانت تدعوها كلّها: "نائب الله على الأرض": إنّ جرح قلبها، على سبيل المثال، كان ينفتح ويلتئم بحسب رغبة الطاعة، وإنّ مشاهدة الآلام كانت تتجدّد بحسب رغبة الرؤساء...
بالطاعة وحدها، بلغت فيرونيكا درجة الشفاء والموت. فبالنسبة إليها، أضحت الطاعة للمعرّف كـ "ختم الأمانة لله ولمريم الكليّة القداسة"، حتّى أنّها غدت توقّع تحت هذا الاسم: "ابنة الطاعة".


ثانيًا: التواضع: ليس أجدى من التعمّق في تواضع القديسة: فرغم قداستها الجليّة، كانت تلتجئ لشفاعة القدّيسين، متوسّلة إليهم، متأمّلة ---- أمام الله، كانت تعتبر ذاتها غير أهل للعيش مع أخواتها، فكيف بالحريّ أن تكون أمًّا رئيسة.

كم كان يصعب عليها الكتابة عن ذاتها في "اليوميّات"، وكم كانت تخجل من تلك العلامات الخارجيّة"، أي من "السمات"، طالبة من الله إخفاءها: كانت تبحث حقًّا عن درب الخفاء...
فالطوبى لها! كم من العِبَر لإنسان اليوم المتكبّر، المحبّ الأباطيل، الذي يذهب باحثًا عن السلطة، والشهرة، والمجد الباطل!!


ثالثًا:حبّ الفقر: إنّ حبّ فيرونيكا للفقر وعيشه بأمانة وقداسة، سببّا لها عناء كبيرًا، وأحدثا سوء فهم مع الآخرين. وعندما كانت تستشفّ تجاوزات من قبل أخواتها، غالبًا ما كانت تسترجع تأنيبات القدّيس فرنسيس والقدّيسة كلارا:
تستعمل الرقّة حينًا، والحزم أحيانًا، مرفقين دومًا بالفطنة، وكانت تنتصر...

كانت تعتبر الفقر الشرط الضروري للوصول إلى الحبّ، وقد باتت مثلاً حيًّا لتوبيخ الساعين إلى الرفاهية والرخاوة التي يحيا العالم بها في أيّامنا هذه، حتّى في ما بين المكرّسين والرهبان أحيانًا كثيرة.


رابعًا:التعبّد للثالوث الأقدس: منذ طفولتها، تعبّدت القدّيسة فيرونيكا للثالوث الأقدس تعبّدًا شديدًا، وقد استحقّت عن جدارة أن تدعوها مريم الكليّة القداسة:

"ابنة الآب، وعروسة الابن، وتلميذة الروح القدس".


خامسًا: القربان الأقدس: اختراع الحبّ الكبير: هذا ما كانت القدّيسة فيرونيكا تطلقه على القربان الأقدس.
ولطالما كانت تلتجئ إليه طالبة النعم الأكثر صعوبة، وقد حصلت على إذن اقتباله كلّ يوم، وكم من المرّات اقتبلته على أيدي الملائكة... أو مريم الكليّة القداسة... بات لزامًا علينا أن نقرأ "اليوميّات"، لندرك مدى قلّة احترامنا للقدوس"، وقلّة إيماننا بالحضور الحقيقيّ والفاعل لله في هذا السرّ العظيم، حتّى ملامسة حدود هتك الأقداس. وبالعودة إلى القربان الأقدس، فهو مصدر جميع الثمار الروحيّة: "في كلّ مرّة تقتبله فيها في سرّ القربان الأقدس، يعود الله ويولد من جديد في الأنفس البارّة التي تخدمه من قلبها، وتتقبّله بطهارة". يكفينا أن نذكر بأنّها كانت تُختطف متّحدة بالله بعد كلّ مناولة تقريبًا...


سادسًا: الصلاة: كان هاجسها الأساسيّ تحسين الصلاة وتطويرها، ويكفي أن نذكر أنّها رأت، في إحدى الليالي، الربّ جالسًا قربها في الخورس، مصلّيًا مع الجماعةة فرض نصف الليل؛ وكانت تراه هي وحدها؛
لقد قدّم يسوع هذه الصلاة تعويضًا عن النقائص والهفوات التي كانت القدّيسة قد ارتكبتها في الصلوات الطقسيّة... يا لها من مرآة تعكس حاجتنا القصوى لتقديم العبادة.


يطول بنا الأمر كثيرًا لو تابعنا تعداد فضائل القدّيسة فيرونيكا، غير أنّنا في استقرائنا "لليوميّات"، وإمعانًا في سبر أغوار محبّتها وفضائلها،

سنتوقّف عند بعض التعاليم الواردة فيها، لما فيها من كشف للتصدّي للعقلانيّة، إضافة إلى أنّها تكتسب أهميّة بالغة في حياتنا المعاصرة. هذه التعاليم يمكن إدراجها في أربعة فصول:
1. حبّ الله اللامتناهي.
2. الواقع المخيف لجهنّم وللأرواح المتمرّدة (الشياطين)
3. علم التكفير.
4. دور العذراء مريم الكليّة القداسة الذي لا يُستغنى عنه.

  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:27 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

حياة الله اللامتناهي
حياة القديسة فيرونيكا جولياني





الله محبّة (1 يو 4/8). إنّها الحقيقة الأكثر "حقيقة" (بمعنى الأكثر بديهيّة)، والأجمل والأكثر بعثًا على الطمأنينة.
إنّها أساس البناء الروحيّ والإيمانيّ المسيحيّ بأكمله، لا بل للبشريّة بأسرها.
الله محبّة! الله صالح: "لا صالح إلاّ الله" (لو 18/19) لقد خلق كلّ شيء بمحبّة، ولأجل المحبّة، "لأنّك تحبّ جميع الأكوان ولا تمقُت شيئًا ممّا صنعت" (الحكمة 11/25).
إنّ نظرة حقيقيّة إلى الله، خصوصًا بعد مجيء السيّد المسيح، الكلمة المتجسّد، الإله والإنسان الحقّ، المولود طفلاً والمائت لأجلنا، غافرًا لنا ومبرّرًا إيّانا على الصليب. لا يمكن أن تؤدّي أبدًا إلى الارتياب كون تاريخ البشريّة بأكمله، وتاريخ كلّ إنسان، يُقرأ بالمنظار التالي: لديّ في السماء أب صالح، هو المحبّة بذاتها، وهو أبي الذي يسهر عليّ ويحوّل كلّ الأمور إلى ما يؤول لخيري، إن كنت أؤمن به، وألجأ إليه، وأضع ثقتي فيه، إن كنت أدعوه للقيام بذلك.



لا يمكن دخول الملكوت إلاّ عبر براءة الأطفال وثقتهم العامرة بالله: "إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 18/3).
والحقيقة أنّ ذلك الملكوت هو الحبّ بالذات، هو النور بالذات، هو السلام بالذات.
هذا ما نتعلّمه من حياة القدّيسة فيرونيكا. فهي باستسلامها ووعيها العميق لصغرها بل لصغر كلّ خليقة أمام "كلّ" الخالق،
قد أعطيت أن تسبّح في الله "وتذوب في الله"، في الحبّ، وقد ختمت حياتها الطوباويّة بهذه الكلمات التي سبق ذكرها:
"المحبّة كشفت عن ذاتها! هذا هو سرّ تألّمي! قولوا ذلك للجميع! قولوا ذلك للجميع!"


نعم، لا يتمّ فهم الألم والقبول به إلاّ عن طريق الحبّ. لماذا؟
لأنّ الله قدّوس؛ والحياة الأبديّة هي الاتحاد بالله، بـ "القدّوس"، بالقداسة عينها. فلن نستطيع الاتحاد به إن كنّا ما زلنا ملطّخين.
هوذا سرّ تحمّل الألم، الذي يطهّرنا ليجعلنا نتّحد بالله، كي نذوب ونفرح به إلى الأبد، بدءًا من هذه اللحظات، بمقدار قبولنا وتحمّلنا هذا التطهّر الذي استدعته الخطيئة.


بهذه النظرة المتواضعة والصائبة، نفهم أنّ حكم الله على الإنسان الأوّل، بعد الخطيئة الأصليّة، لا ينظر إليه كعقاب، بل كعلاج: إنّه الدرب التي لا مفرّ منها للتطهّر من أوزار الخطيئة الهائلة.
هذه النظرة "التطهّريّة" بواسطة الألم، تقدّم خير تفسير لواقع المطهر، فالقدّيسة فيرونيكا تؤمن بأنّ النفوس تسرع مسرورة إلى مطهرها، رغم ما ستلقاه من العذابات، كي تتطهّر، وتتمكّن من التمتّع بعناق إله جميل للغاية، نقيّ وقدّوس للغاية. وتتصرّف الأنفس المطهريّة على هذا النحو، لأنّها قد عاينت، خلال الدينونة الخاصّة بعد الموت فورًا، حقيقة هذا الإله الصالح، الرحوم، المهان من كثرة خطاياها، كما قد عاينت أيضًا، بوضوح، هول الخطيئة التي تلطّخ النفس، مانعة إيّاها من الاقتراب من "القدّوس"، ولهذا تسرع إلى العلاج.


هذا ما تكشفه لنا القدّيسة فيرونيكا بما خبرته في حياتها. فطوبى لنا إن آمنّا بذلك ولو لم نعاين: "طوبى للذين آمنوا ولم يعاينوا" (يوحنّا 20/29).
أمّا النظرة إلى جهنّم، فتنبثق من المنطق نفسه، فجهنّم ليست عقابًا، بل نتيجة حتميّة للذين يرفضون هذه المحبّة، الذين لا يؤمنون، الذين لا يقبلون أن يتمّ تطهيرهم،
الذين لا يبتغون "النظام" الذي وضعه الله للحياة الأبديّة، من خلال وصاياه وشرائعه التي هي شرائع حياة، محبّة، وبمخالفة الشرائع، نفقد الحياة لكوننا نرفض قبول شرائع الفردوس.
فالله، بمحبّته اللامتناهية، لا يلزم الإنسان الذي خلقه بأمر ما. وفي المقابل، لا يبتغي حرمانه من الحياة التي وهبه إيّاها "فمواهب الله ودعوته هي بلا ندامة" (روما 11/29)،

لكن بكشفه الحقيقة للإنسان، إنّما يدعوه إلى اختيار الحياة:

"لقد وضعت أمامك الحياة والموت؛ اختر الحياة" (تث 30/19)؛ وفي خضمّ هذه الحقيقة، يُظهر له أيضًا جهنّم، لا لتهديده، بل ليجعله يعي نتيجة اختياره، نتيجة عصيانه؛

لكي يساعد على رفض الخطيئة، لكي يحثّه على الجهاد، لما فيه خيره وخلاص نفسه، فالله إذًا، يُظهر جهنّم للإنسان بدافع الحبّ والرحمة والعدل، لئلاّ يلوم الإنسان الله يوميًّا، متّهمًا إيّاه بعدم إعلامه بذلك، وبكونه أبقاه في الحيرة، دون نور الحقيقة كاملةً.


هذا هو الدور الفائق الأهميّة للقدّيسة فيرونيكا الذي أسهم في "انتصار محبّة الله للإنسان".
نعم! الله محبّة، وفردوسه رائع، لكن جهّنم معدّة في الوقت نفسه، لمن يرفض هذه المحبّة التي هي أيضًا نظام، وطاعة
"من أحبّني حفظ وصاياي" (يو 14/23). "من لا يحبّني لا يحفظ وصاياي؛ والكلمة التي تسمعونها ليست لي، بل للآب الذي أرسلني" (يو 14/24).
لكن الشيطان وطبيعتنا المتكبّرة يريدان منّا أن نرى الأمور على عكس حقيقتها.لماذا؟
فالشيطان لكونه "أبا الكذب" (يو 8/44)، يكرهنا، ويريد منّا أن نعتقد بأنّ الله ليس محبّة لأنّه خلق جهنّم، وأسوأ ما في كذبه، أنّه يريد خداعنا بأنّ الله غير صادق، وجهنّم غير موجودة.


أمّا لماذا طبيعتنا البشريّة تحذو حذو الشيطان: فإمّا لكونها متكبّرة، متغطرسة، فوضويّة، تبحث عن حريّة كاذبة لا تبتغي الخضوع لنواميس الله... وإمّا لكونها مجروحة، وضعيفة، ترفض التخلّي عمّا يطيب لها من "ملذّات"، وأفراح، وما شاكلها.


لا شكّ أنّ الله خلق الإنسان لأجل أن يكون سعيدًا، لذا هو يبحث عن السعادة تلقائيّا. غير أنّنا، من خلال تأمّلنا لكتابات القدّيسة، ونحن منذهلون أمام الله، هذا الإله المالك، المسيطر، الفاعل، بحر الحبّ اللامتناهي، النور اللامتناهي، السلام اللامتناهي. سوف ندرك بأنّ ما نعتبره "أفراحًا وملذّات"، هو مجرّد أوهام،

بل أكثر من ذلك، سوف نعي خطورة السُمّ الذي يدسّه لنا الشيطان فيها، تمامًا كما في ثمرة جنّة عدن التي بدت "جميلة وشهيّة" (تكوين 2/6).

عند ذلك، سنقتنع ببطلان هذا العالم الزائل، مردّدين مع القدّيس فرنسيس "عظيم مقدار الخير الذي ينتظرني، حتّى أنّ كلّ عناء هو لذّة لي".
كم هي صحيحة هذه الكلمات! وكم عاشتها قدّيستنا بحذافيرها!
فالقدّيسة فيرونيكا، بفيضً من معرفة الله ونوره ومحبّته، كانت تبكي كالقدّيس فرنسيس لكون "المحبّة غير محبوبة". كانت لترغب أن تجوب العالم بأسره صارخةً بأنّ الله محبّة، إله خالق، فادٍ، لا يستطيع بطبيعته سوى العطاء والمحبّة حتّى الجنون، جنون الصليب، الذي لامسته القدّيسة فيرونيكا وأجادت في وصفه.
إنّها تدعونا بكلّ قوّة إلى التوبة والارتداد عن الخطيئة لكي نستطيع تذوّق تلك النِّعَم: "توبوا فإنّ ملكوت الله قريب!" (متى 3/2).


لنقرأ بعض المقاطع من أنشودة الحبّ الرائعة المنتقاة من يوميّات قدّيستنا هذه "المختارة بين المختارين":
- ... بقدر ما أنّ هاوية عدمي عميقة، بقدر ما أرتاح في التأمّل بالأوصاف الإلهيّة وأتوقّف عند الرحمة، وأرى، كما في مرآة، بأيّة محبّة أحبّني الله ولا يزال يحبّني. رجائي في هذا الحب...".
- "لقد اختبرتُ الحبّ. نفسي منغمسة في رحابة هذا البحر؛ يحوّل الحبّ نفسي إلى الحبّ نفسه. نفسي في الله. الله في نفسي.
يتكلّم الله بصوت الصمت، وتجيب النفس، لكنّ جوابها هو صدى لصوت الله الذي يحبّ ذاته فيها. نفسي، بالحبّ تبدو وكأنّها تعرف الله في ذات الله، وتشاطره سعادته الأبديّة. الله يجذبها نحوه بفعل انجذابات، واندفاعات، وانخطافات، هي من ثمار الحبّ. إنّ معرفة الله الجديدة تنتج تحوّلاً جديدًا في الله".


- "أيا أبا حياتي، عروس نفسي، قلب قلبي، عد إلى قلبي! أيّتها النجوم التي تسطعين أمامه، قولي له بأنّي أذوب من الحبّ...".
كان الله يتمتّع بتلهّب القدّيسة فيعود ويعزّيها:
"أنا الحبّ بشخصه؛ إنّني أحبّك وأحملك في قلبي. قلبي هو حياة قلبك.أنت عروسة قلبي! فيسألها:

"هذا القلب الذي أراه في صدرك، لمن هو؟. "لكَ يا ربّ". "إذًا سوف آخذه". فيضعه على قلب مريم الحاضرة؛ ثمّ يعود ويضعه من جديد على صدره.
"والآن، أي هو قلبي؟" تسأل القدّيسة. فيجيبها يسوع: "قلبك هو أنا... لقد حوّلتك لذاتي؛ لقد أصبحتِ أنا بالذات".


كم مرّة كانت تصل إلى الاتّحاد بالله: تكلّمت أوّلاً عن الاتحاد الوثيق جدًّا (Unione strettissima) حيث تشعر النفس خلاله بأنّها منجذبة كما الحديد من المغناطيس، "موثوقة" بعذوبة، "ماخرة" في بحر محبّة الله.
بعد ذلك، أضافت اختبار شعورها "متحوّلة إلى واحد معه" (uniformata)، "محوّلة" في الله. وفي الله المرحلة الأخيرة، عندما كانت تنال لدى كلّ مناولة "نعمة الثلاث نعم"، وصلت إلى ذروة التذوّق لاتحاد الطوباويّين في السماء:

إنّها لحظة "الاتصالات الحميمة" (comunicazione intime) التي تمرّ بين الله والنفس، فهي إذًا لا توصف؛ "لا يمكن وصفها"، هكذا كانت تؤكّد، لكنّها كانت تنجح في أن تنقل للمعرّف النتائج التي تتركها في شخصها بأكمله.


- "... في غضون لحظة، بدا لي أنّي أشعر بأنّ الحبّ الإلهيّ يتغلغل في كلّ نفس، فتضحي كيانًا واحدًا مع الحبّ الإلهيّ... لم أكن أدري إن كنت في السماء أم على الأرض؛ كنت في حالة معرفة كبيرة لذاتي، فبدا لي أنّني أحقر دويدة على وجه الأرض...

كنت أرى أنّني عدم، وقد عزّز هذا الشعور لديّ إدراكي بأنّني ناكرة لجميل الله... إنّه إله خيّر للغاية، رحوم للغاية، مهانٌ جدًّا من قبل خليقة عاقّة مثلي!... كنت مشدوهة بالله... أعاين الصفات الإلهيّة. الله كان ذاكرتي، الله كان عقلي، الله كان إرادتي؛ كلّ الله في النفس، وكلّ النفس في الله. ما اختبرته في تلك اللحظات لا يمكن التحدّث عنه... كانت نفسي تغدو متجرّدة دومًا أكثر من كلّ ما هو ليس الله... كان يبدو لي وكأنّي في بوتقة وتحت الحصار.


"إنّ الطبيعة البشريّة تتحمّل عذابًا كثيرًا جدًّا في "أعمال" الحبّ الإلهيّ... تريد أن تتذمّر. لكنّها تبقى صامتة، وكان الروح يصرخ بشدّة: يا حبّ! يا حبّ! أيّها الحبّ الذي لا تكاد تدركك المخلوقات، ولا حتّى قلبي الحزين، أعدك بأنّه لن يكون الأمر كذلك فيما بعد، لأنّني أبتغيك أنت وحدك، ومعك أبقى...".


- "... اختبرتِ النفس حينئذٍ في ذاتها بعض "أعمال" الحبّ الإلهيّ... فبدا لي بأنّني ألاحظ في الله عظمة محبّته اللامتناهية، تلك التي كانت تُعتلن لهذه النفس؛ وهي، من خلال هذه الاتصالات الحميمة بين الله والنفس،

كانت تبقى متّحدة بأكملها بالخير الأعظم... كانت بأكملها، في كلّ شيء، محوّلة إلى إله حبّها... والحبّ عينه كان يفعل ولأجلها، هي المنغمسة بكليّتها في الله الذي كان يمنح ذاته بكليّتها لها...
هذه الأمور التي يعجز الكلام عن شرحها... أقول فقط إنّ النفس تبقى مأخوذة في الله لدرجة أنّها، لدى عودتها إلى حواسها، يبدو لها كلّ شيء جديدًا! آه، كم تتألّم لرؤية نفسها مسجونة في الجسد المائت! إذّاك، يتّحد في داخلها شعور بالاشمئزاز من كلّ الأمور الأرضيّة...".


- "... بينما كانت نفسي تسبح بكليّتها في بحر الألوهيّة اللامتناهي، تراءى لي يسوع: في الشكل عينه الذي خرج به إلى النور ليفتدينا نحن الخطأة... فتمّ لي حينها أمرٌ لا يسهل إدراكه: بدا لي وكأنّه بدّلني إلى أخرى؛ وبدا لي أنّ الله، في تلك اللحظات بالذات، وضعني في ذاته وملأ قلبي ونفسي بكليّتهما بالحبّ. كنت أشعر باندفاعات تنـزع نفسي من نفسي، وكنت أشعر بالوقت عينه بأنّني متّحدة كليًّا بالخير الأعظم...".
أيّها القارئ العزيز، إنّ اليوميّات مليئة بهذه التعابير السامية. إنّ خيرًا عظيمًا كهذا يستحقّ القليل من التقشّف من الحرمان.


وإذا كان الاقتداء بالقدّيسة غير مستطاع في أمور عديدة، فليت هذه التأمّلات تساعدنا، بعونه تعالى، على أن نتواضع بعمق، مدركين المستويات التي يدعو الله إليها الإنسان المخلوق على صورته ومثاله،

وكيف أنّنا لا نزال بالمقابل، "نتجرجر" في وحل الملذّات الكاذبة، التي يقدّمها لنا العالم، وسيّد هذا العالم.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:28 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

الحقيقة المرعبة لجهنّم و الملائكة المتمردين
حياة القديسة فيرونيكا جولياني
إنّ المجتمع العقلانيّ في عالم اليوم يميل إلى عدم الاعتقاد، حتّى الساعة، بالعديد من الحقائق الإيمانيّة غير المنظورة، لكي لا نقول بها كلّها؛ خصوصًا حقيقة وجود جهنّم والشياطين ككائنات مخلوقة.
ودعاة العقلانيّة هؤلاء يؤمنون مرغمين بوجود الشرّ.
حتّى بعض "المؤمنين" نجد لديهم ميلاً للتهرّب من التبصّر بهذه الحقائق، فهم يجزّئونها محاولين نفيها، وصولاً على عدم الاعتراف بوجود جهنّم أبديّة، معتبرين أنّها مكان خاوٍ، لا نار فيه، لا عذابات ولا آلام حقيقيّة.
ومردّ اعتقادهم هذا مبنيّ على مفهوم خاطئ لإله رحوم لا يستطيع السماح بذلك، وهو مفهوم حاولنا دحضه سابقًا.

إنّ نظرة واقعيّة إلى حياة القدّيسة فيرونيكا الغنيّة بالاختبارات في هذا المضمار، ترينا أنّ كتاباتها ما هي إلاّ صرخة دفاع عن التعليم الصحيح، تثبيتًا متينًا للإيمان ولتعليم الكنيسة.

فكتاب اليوميّات مليء بصراعاتها مع الشياطين وبزياراتها لجهنّم ووصفها لها.

الشياطين
لقد عاينّا كيف أنّ الشيطان، منذ الأشهر الأولى، كان قد اتّخذ شكل فيرونيكا لكي يخلق بلبلة في صفوف الجماعة. ولم يطل الانتظار حتّى بدأ يهاجمها شخصيًّا.

وما سنورده لاحقًا، ليس كلام القدّيسة فيرونيكا وحسب، بل أيضًا تصريحات لشهود موثوق بصدقهم، سوف يُدلون بها تحت طائلة القسم في دعوى التطويب.

نقرأ في يوميّات بأنّ الشياطين كانت تنتزع من يديها الأباريق وأوائل أخرى، وتسكب المياه المغليّة عليها في المطبخ؛ وكانت تقتلع من يدها القلم، وتسكب الحبر، بينما تكتب اليوميّات. لم يكن لديها ليلة هادئة تقريبًا.
كانت الشياطين تظهر لها بأعداد كبيرة، بأشكال مرعبة، مهدّدة، بلا حياء... كانت تعوي، تخور، تكفر... كأنّها تخرج روائح نتنة لدرجة تحملها على الغثيان والغيبوبة... كانت ترمي في صحنها قبضات من الشعر، العناكب، الفئران الميتة... كانت ترميها في النار... ترطمها بالحيطان، ترميها بحجارة ضخمة، ترفسها وتضربها بشكل غير معقول.
أهي أشباح؟ تصوّرات؟ قد يعتقد أحدهم بذلك.
لكن، في الحقيقة، لا شيء من هذا القبيل أبدًا. كانت الراهبات تارة يسمعن، وطورًا يرين. وعندما كان يحدث ذلك، كانت القدّيسة تشجّعهنّ وتطمئنهنّ.

كم اضطررن أن يسرعن ليلاً إلى غرفتها، إلى أن سمحت السلطة بأن تنام إحدى الراهبات معها لكي لا تبقى وحدها. لكنّ القدّيسة لم تكن خائفة. كانت تتحدّى وتؤنّب أعداءها: "تعالوا، أُضربوني، أقتلوني؛ سعادتي هي بأن أتألّم لأجل إلهي...
أيها الجبناء، تأتون بهذه الأعداد لمحاربة امرأة مسكينة مثلي!" في إحدى المرّات، ظهرت العذراء مريم الكليّة القداسة أثناء إحدى المعارك وقالت للشياطين الذين كانوا يبحثون عن الفرار:

"ها هي ابنتي، ابنتي هي المسيطرة على جهنّم". كانوا يهاجمونها، عادة، عندما كانت تقوم بدورها كضحيّة وسيطة ومكفّرة، عندما كانت تصلّي وتمارس الإماتات لارتداد الخطأة. كانوا يصرخون: "أقلعي! أقلعي وإلاّ أذقناك عذابات جهنّم".
آه! يا لقوّة الصلاة والإماتة.


كانت الشياطين تسيء معاملتها أحيانًا لدرجة يتركونها معها كجرح واحد... كسروا رجلها في أحد الأيام، فبقيت معلّقة كخرقة. حملتها الراهبات إلى كرسي الاعتراف وهي على هذه الحالة، فشفيت للحال، لأنّ المعرّف فرض عليها طاعةً أن تطلب من الله الشفاء.


عند نزاع الأخت لويزا الأخير، والتي كانت عدوّتها، كانت القدّيسة فيرونيكا ترى الشياطين آتية لتأخذ روحها وهي تصرخ: "إنّها لنا! إنّها لنا! الويل لك!" وكانت الأخت لويزا تمسك بيد فيرونيكا بجزع: "دافعي عنّي! خلّصيني!" فكانت هذه الأخيرة تصرخ: "إنّها لله"، تتوسّل: "يا إلهي، أُغرس في رأسي إكليل الشوك، لكن فضلاً أُعفُ عن هذه النفس...".
والأخت أنجليكا التي أساءت معاملتها طيلة حياتها؛ بقيت القدّيسة ليلاً نهارًا إلى جانب سريرها، راكعة، مصليّة، دون أن تستند، مقدّمة ذاتها كمحرقة:

"أيّها الربّ يسوع، كانت تتوسّل بينما الشياطين توسعها ضربًا، إعمل على أن تتكلّم دماؤك واستحاقاتك لصالح هذه النفس، إحصل على هذه النعمة من أبيك السماويّ! إنّي جاهزة لكلّ العذابات".
بعد أيّام على هذا النحو، ارتمت أمام بيت القربان، بينما كان صوت حقود يزأر:
"لقد انتصرتِ، لكنّك ستدفعين الثمن أيّتها البائسة"، ووثب عليها هرّ عملاق... أمّا المائتة، فلفظت أنفاسها الأخيرة بسلام بين يديها.
جهنّم
تراها فيرونيكا كلّ يوم تقريبًا، بهولها وعذاباتها. تزورها مرارًا، بحسب إرادة الله، يرافقها عادة ملاكاها الحارسان بشكل منظرو، ومريم الكليّة القداسة بشكل غير منظور.

تصفها بأمر الطاعة في يوميّاتها. سننقل هنا قسمًا فقط من الرؤيا التي تمّت في السابع عشر من كانون الثاني 1716 فقط. ظهرت لها العذراء مريم ونقلتها عند أقدام الثالوث القدّوس؛ ثمّ أمرت الملائكة الحرّاس بأن يقتادوها بالروح إلى الهاوية: "لا تخافي يا ابنتي؛ إنّني معك".
قالت: "وجدت نفسي بلمحة بصر في منطقة سفليّة سوداء منتنة. سمعت خوار جواميس وزئير أسود وفحيح أفاع وقصف رعود ترعب الأجواء. وكنت في الوقت عينه ألمح بروقًا صفراويّة تتلاعب وسط الدخان. وهذا ليس شيئًا بالنسبة لما سأراه فيما بعد.

انتصب أمامي جبل عظيم مليء بالأصلال والأفاعي بأعداد هائلة معقودة بعضها ببعض، تتقلّب وتتلوّى عبثًا دون أن تستطيع الانفصال وسألتهم عن تلك الأصوات الكئيبة، فأعطوني جوابًا واحدًا: إنّها جهنّم العليا، أي جهنّم الخفيفة.

فعلاً، فقد انشقّ الجبل بعد ذلك وانفتح جانباه، فرأيت فيه جمعًا كبيرًا من النفوس والشياطين المشبوكة بعضها ببعض بسلسلة من نار. وكانت الشياطين، الشبيهة بجواميس مرعبة وأحصنة مكدونة، تلقي من عيونها وأنوفها وأفواهها النيران، بينما أسنانها، وهي أشبه بخناجر من فولاذ، تعضّ النفوس وتقطّعها.
فَعَلا صراخ حادّ، صراخ يائس... وانتصبت جبال أخرى أشدّ هولاً من هذا الجبل، أجوافها مسرح لعذابات شرسة يستحيل عليّ وصفها.

ورأيت في قعر الهاوية عرشًا هائلاً مؤلّفًا من الشياطين الأكثر بشاعة رعبًا وهولاً، وفي الوسط رأيت كرسيًا مؤلّفًا من رؤساء الظلمات.
هناك ينتصب الشيطان ببشاعته التي لا توصف. وكأنّ رأسه مؤلّف من مئة رأس، تعلوه حراب هائلة حيّة، على رأس كلّ منها عين مفتوحة محرقة تلقي أسهمًا من لهيب، تضرم حرارتها الجمر الجهنّمي وتهيّجه. يرى الشيطان جميع الهالكين، وهم بدورهم يرونه.
وأعلمتني الملائكة بأنّ هذه الرؤية وجهًا لوجه مع الشيطان المرعب هي التي تسبّب عذابات جهنّم، كما أنّ رؤية الله وجهًا لوجه تتضمّن مباهج الفردوس. فالشيطان يلقي على عناصره الآلام والعذابات التي تلتهمهم. وعندما يقذف اللعنات والشتائم، يجعل الجميع يشتمون ويلعنون ويطلقون معه عواء اليأس.

قلتُ لملائكتي: "كم من الوقت تدوم هذه العذابات؟" فأجابوني:
"إلى الأبد، مدى الأبديّة!" وعندما أخرسني الرعب، رأيت أنّ الوسادة الحيّة لعرش لوسيفورس هي يهوذا بشخصه، يهوذا وبرفقته نفوس أخرى يائسة مثله. فسألت أدلائي: "من هي هذه النفوس؟" يا لهول الجواب! يا إلهي! قالوا: "هي نفوس رؤساء الكنيسة والمسؤولين الدينيّين"!


... أدركت أنّ حضوري يضاعف غضب الهالكين؛ أمّا أنا، فلولا مساعدة الملائكة، لا بل لولا مساعدة مريم نفسها الحاضرة معي بشكل غير منظور، لكنت قضيت من الرعب. والآن قد خيّم السكوت! لم أقل شيئًا.
لا أستطيع أن أقول شيئًا. فإنّ كلّ ما يقوله الوعّاظ تجاه هذه الحقيقة التي لا يمكن التعبير عنها ليس شيئًا أبدًا أبدًا! سكوت، سكوت!...".
ورأت نفوسًا كثيرة تتساقط كالمطر الهاطل في الهاوية المظلمة، مسرح الرعب.


في رؤى أخرى، الربّ نفسه هو من أجابها بأنّ العذابات هي "على الدوام، مدى الأبديّة"، وأيضًا: "أنظري وتبيّني جيّدًا هذا الموضع الذي لن يكون له نهاية قط..." في وصوف أخرى أطول شرحًا، تصف المستويات السبع لجهنم، مع فئات الهالكين فيها...


وبالأكثر، فقد رأت موضعًا أكثر هولاً، فيه الرهبان الذين خرقوا واحتقروا قوانينهم المقدّسة؛ كما رأت موضعًا آخر للكهنة الذين لم يكونوا أمناء لتعاليم الكنيسة، والذين بالتالي كانوا سببًا لهلاك العديد من النفوس. كانت عذابات تلك المواضيع مريرة للغاية...


يا للعجب! لقد رأت أيضًا، في موضع على حدة، هالكين بالنفس والجسد! لقد أرعبها ذلك. فشرحت لها العذراء بأنّهم الذين كانوا قد باعوا نفسهم للشيطان بعهدٍ اختياريّ حرّ...
يمكن كتابة صفحات طويلة، لكن يكفي هذا لنرى كم أنّ هذه الحقيقة الإيمانيّة كانت "أليفة" وواقعيّة في الحياة اليوميّة، وفي اختبار القدّيسة فيرونيكا، "تثبيتًا للإيمان"، وذلك لمن يبحث حقًّا، وبتواضع عن الحقيقة، راضخًا للأمر الواقع.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 10 - 2014, 12:30 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,567

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: حياة القديسة فيرونيكا جولياني

القدّيسة فيرونيكا و علم التكفير (التعويض)
حياة القديسة فيرونيكا جولياني


إنّ علم التكفير على جانب كبير من الأهميّة في عالمنا المعاصر.
فالمجتمعات الحاليّة "المؤلّهة للجسد"، والباحثة عن رغد العيش، لا تستطيع أن تتقبّل هذا العلم، لكونه يتعارض مع مبادئها وقيمها القائمة على البحث عن اللذة والانكباب الجامح على كلّ ما تشتهيه الحواس والرغبات، على كلّ ما "يلذ لنا".

فإنّ علم التكفير هذا، يهذّبنا ويحثّنا ليس فقط على تقبّل آلام وصعوبات الحياة، بل أيضًا على البحث الطوعي عن التجرّد، وحرمان الذات والإماتة.
ما المنابع التي استُقي منها هذا العلم؟
قبل الغوص في الكتاب المقدّس واللاهوت، خصوصًا بعد ما أثبتناه في الفصل السابق من حقائق حول جهنّم، لا يسعنا أبدًا أن نتغاضى عن ذكر العبارة الشهيّة في الرسالة التي وجّهتها والدة الله إلى البشريّة جمعاء عبر الأطفال الثلاثة الذين عاينوا ظهورات فاطمة. وهي عبارة تختصر بمضمونها مفهوم عام التكفير أو التعويض، وقد ورد فيها: "العديد من الأنفس تسقط في جهنم لعدم وجود من يصلّي ويقوم بالإماتات لأجلها".
في هذه العبارة نجد أسس علم التكفير الشهير، خاصّة في كتابات القدّيس بولس الرسول – الذي كانت القدّيسة تدعوه "رسولي القدّيس بولس"، كما قد ذكرنا – خاصّة في الرسالة إلى أهل كولوسي 1/24
: "إنّني أفرح بالآلام التي أقاسيها من أجلكم، وأكمّل في جسدي ما نقص من آلام المسيح لأجل جسده الذي هو الكنيسة"
كذلك في الرسالة الأولى للقدّيس بطرس الرسول 2/21: "المسيح قد تألّم عنكم تاركًا لكم مثلاً تقتدون به".

فما أعظم اقتداء القدّيسة فيرونيكا بالآم السيّد المسيح.
إنّ حياة القدّيسة فيرونيكا التي عبّرت عنها كتاباتها خير تعبير، مطبوعة بكلّيتها برائحة علم التكفير هذا،

حتّى أنّ الكاردينال بالاتسيني، بعدما أعلن أنّ رسالة القدّيسة فيرونيكا لم تبدأ بعد في الكنيسة، لم يتورّع عن الاعتراف بضرورة التوقّف عند مبدأ التكفير الذي له منـزلة كبيرة في يوميّات القدّيسة، والذي يعطينا الحقّ بأن نعتبرها المعلّمة الأسمى لعلم التكفير".
فمنذ مركاتيلّو، وهي لا تزال طفلة، كان يسوع قد قال لها:
"إنّك لي. وأنا لك. ستكونين عروستي، مشاركتي في عمل الفداء".

ولقد تسنّى للقدّيسة فيرونيكا التعمّق أكثر في دعوة التكفير بالألم. فها إنّ يسوع يشرح لها قائلاً: إنّ الإنسان الذي خُلق بفعل الحبّ". لأجل الحبّ، قد هان "الحبّ" بكبرياء الروح وبتمرّد الجسد.
أنا قد ضمّدت الجرح المُلحق بالحبّ الخالق، وضمّدته بواسطة الألم الأقصى. من يريد على مثالي أن يعوّض عن الحبّ الخالق؟ من سوف يريد أن يكمّل في ذاته ما نقص من آلامي الفدائيّة؟ أتحبّيني؟"
أجابته فيرونيكا: "ها آنذا يا ربّ! إنّي أريد صليبك.

أريد فيّ كلّ العذابات التي أصابتك؛ فمعك، وعلى مثالك، أريد أن أعوّض عن الحبّ الخالق؛ وبالأكثر، فإنّني أبتغي كلّ السيوف التي اخترقت قلب مريم شريكة الفداء، أريدها أن تخترق قلبي. إنّكَ تسألني: "أتحبّيني؟ آه! كم إنّي أحبّك يا ربّ! فإنّني أقول لك فعلاً: أصلب فيرونيكا".

تابع يسوع كلامه قائلاً: "بواسطة جراحاتي ضمّدت الجرح المُلحق بالحبّ الخالق. من سيبتغي أن يطيّب الجراحات الملحقة بي، أنا الحبّ الفادي"؟

وترى فيرونيكا يسوع مخضّبًا بالدماء: دم في عينيه، في فمه، وعلى جسده كافّة. يا إلهي، تصرخ من بدّل أحوالك على هذا النحو؟ فيجيبها: الخطأة، الهراطقة؛ وخاصّة الذين ينكرون عليّ صفة الحبّ".

فتتقدّم بيدٍ مرتجفة، وهي تشهق بالبكاء: سأكون أنا فيرونيكا خاصّتك، المعوّضة والمعزيّة. إنّي أهب دمي تعويضًا عن دمك... أهب ذاتي لكيما يسمّرني الخطأة بدلاً عنك... سأكون رسولتك. إنّني أحبّك".

وفي موضع آخر، يُظهر لها يسوع قيمة الألم، فتبادر إلى كتابة نشيد إكرامًا للألم:

"إنّ درهمًا من الألم تفوق قيمة كلّ ثروات وكلّ أفراح العالم. لو كان لي ألف لسان لما استطعت أن أعبّر عن الخير الذي يجلبه الألم للنفس... إنّ الألم هو مفتاح الحبّ... من يسير في درب الألم الحقّ، ليس لديه رغبة سوى في أن يخدم الله بحبّ صافٍ، والحبّ النقيّ يزداد بقدر ما يزداد الألم الحقّ... صلبانًا أعطني! صلبانًا أريد!
إرادتي هي ألاّ أحيا دون عذاب؛ دون عذاب لا أستطيع أن أحيا... أيّها الصليب الصالح، تعالي إليّ! أيّها الصليب العزيز، خذني وسمّرني عليك! أيّها الكنـز العظيم، يا سرير الحبّ، إجعلني أرتاح بين ذراعيك! أيّها الصليب العزيز، تعالَ إليّ! أنت وحدك من أتوق إليك، أنت وحدك من انتقيته سندًا لي ومتّكأ.


لماذا ارتضت فيرونيكا هذه الحياة؟
لدى تصفّحنا يوميّاتها، يتّضح الأمر جليًّا:
لأجل الذين يخطئون، لأجل الذين لا يحتشمون، لأجل الذين يتلذّذون، لأجل الذين لا يصلّون، لأجل الذين لا يحبّون، لأجل هؤلاء جميعًا ينبغي التكفير، التستّر، التألّم، الصلاة، والحبّ.

كانت تشعر دائمًا بأنّها مدعوّة لأن تقدّم للعريس السماويّ عذابات اختياريّة إضافيّة، لكيما تكفّر عن ذاتها أوّلاً، - كما كان يطيب لها أن تكرّر – وعن الخطأة ثانيًا.
لذا فإنّنا نجد في حياتها أصنافًا وألوانًا عديدة من الصلوات ومن الإماتات، بأساليب متعدّدة وعلى درجات متفاوتة نذكر منها:
أ – درب الصليب: كانت فيرونيكا تحمل صليبًا ثقيلاً على كتفها، أو جذع شجرة، أو مقعدًا ثقيلاً. كانت تركع على الحجارة وعلى الثلج، تقوم بتطوافات ليليّة، صاعدة الأدراج على ركبتيها، ودماؤها تسيل.

ب – السهر الطويل: كانت تحيي السهرات الطويلة المليئة بالإماتات والتقشّفات. تنام قليلاً متمدّدة على لوح خشبي أو على أغصان العريش. كانت تخيط في ثوبها أشواكًا، متذكّرة إكليل الشوك الذي كان يجلّل رأس المصلوب.
ج – الصوم: في فترات الصوم، كانت تمارس فعل الحرمان، وترتدي المسوح، وتجلد نفسها لتضعف فيها الجسد، تكفيرًا عن خطايا عديدة يرتكبها البشر.

د – أساليب التكفير: لقد تفنّنت فيرونيكا في اختراع أساليب التكفير،

والأمثلة أكثر من أن تحصى: إذا تفوّه لسانها بكلمة بطّالة أو جارحة، كانت تعاقبه بوضع حجر فوقه ردحًا من الزمن. لذلك، كانت تسجن ذاتها في وضعيّات غير مريحة للغاية، لكي تكفّر عن تمادي الآخرين في استعمال حريّتهم.

يطول بنا الأمر إن ابتغينا وضع لائحة أساليب واختراعات أخرى تفوقها تقشّفًا بعد... إنّنا ندعو القرّاء أن يكتشفوها بالرجوع إلى كتب أكثر إسهابًا. وحريّ بنا أن نستمع إلى مقاطع كتبتها القدّيسة في هذا الشأن:
- شعرت بقلبي يشتعل توقًا... ذهبت ودعوت إحدى الأخوات، واقتدتها إلى الحديقة؛ فتلونا في كابيلا القدّيس فرنسيس الورديّة بأكملها لأجل ارتداد الخطأة. بقيت الأخت باسطة ذراعيها، بينما كنت أضرب ذاتي بالمجلدة. ومن ثَمّ ردّدنا صلوات أخرى على النوايا نفسها.

- "لدى انتهاء القدّاس الإلهيّ، كنت أشتعل كأتون. رتّلت فرض الصبا بصوت جهوريّ أكثر من المعتاد. ثمّ دعوت بعض الأخوات لاتّباعي إلى الحديقة.

فلحق بي تسعٌ منهنّ... قلت للأخوات: لنمضِ وندعُ الخطأة. وعلى هذه النيّة تلونا "طلبة العذراء" و"السلام عليك" يا نجمة البحر... لدى وصولنا إلى كابيلا القدّيس فرنسيس جلدنا أجسادنا؛ ثمّ عدنا إلى الكنيسة منشدين. هنا كرّرنا عمليّة الجلد ونحن نردّد ثلاثة وثلاثين دعاء إلى مخلّص العالم... ثمّ طلبت المغفرة عمّا سبّبته من شكوك، وحَذت الأخوات حذوي باكيات.

بعد ذلك عادت الأخوات إلى قلاّياتهنّ، أمّا أنا فعدت إلى البستان حيث مكثت مطوّلاً. الثلج كان عاليًا... لم يكن صوتي يطاوعني لدعوة النفوس، فعزّزته بصوت المجالد، الحبال، والأشواك؛ ومع كلّ ضربة كنت أدعو الخطأة للتوبة، وكذلك الهراطقة والأتراك...".

كم في "اليوميّات" من تعاليم وأمثلة في غاية الأهميّة! هي التي كانت تنخطف بتواتر بشكل فائق الطبيعة، نراها دائمًا تلتجئ إلى الصلوات، والمسيرات، والإماتات البسيطة والمشتركة التي هي بمتناول الجميع.
هل ندرك مدى أهميّة روح التعويض والتكفير لدى القدّيسة فيرونيكا في زمننا الحاضر؟

تعويض يتخطّى شخصها ليضحي تكفيرًا جماعيًّا كما رأينا. ولا يكفي ذلك، بل كم من مرّة كانت تحضّ الرؤساء على ذلك. فلنذكر على سبيل المثال، عندما أراها الله الخطر الذي يتهدّد مدينتها بالذات، لأجل تكاثر الخلافات والخطايا، أقنعت الأسقف أوستاكي بتنظيم مسيرة توبة... فسكن غضب الله.

إنّ لغة القدّيسين، رغم بساطتها، عملة غير متداولة في عالمنا. أفلسنا بحاجة ماسّة إليها؟ أين هي اليوم مسيرات التوبة؟ هل نسينا نتائج النذر الذي أقامه البابا بيوس الثاني عشر لعذراء "الحبّ الجميل" في حال خلّصت روما من القصف (في الحرب العالميّة الثانية)؟ وقد خلّصتها! وهل نسينا صلاة الورديّة التي طلبها البابا القدّيس بيوس الخامس أثناء معركة "ليبانتو"؟
لم تخذله العذراء مريم! ربّما لم نعد نفكّر حتّى بالنبي يونان وبتوبة أهل نينوى! ألا زلنا نؤمن بذلك؟ أم نخشى أن ينتقدنا مجتمع عقلاني، أناني ومتكبّر؟
إنّ من أولى واجباتنا أن نحترم حكمة القدّيسين، ونستفيد منها. أكان القدّيس يوحنّا الإنجيلي يعلّم بأنّنا لا نستطيع أن نحبّ الله الذي لا نراه؟ ألم نحبّ القريب الذي نراه (1 يو 4/20-21)،
فكيف نستطيع أن نكون عارفين أوّلاً لجميل القدّيسين الذين هم أعضاء في جسده السرّي، والذين عانوا وتحمّلوا هم أيضًا الكثير لخلاصنا؟ هم الذين أكملوا في أجسادهم ما نقص من آلام المسيح، لأجل جسده الذي هو الكنيسة، والذي هو نحن.
فشكرًا إذًا أيّتها القدّيسة فيرونيكا! وشكرًا لكم جميعًا أيّها القدّيسون! وشكرًا بالأخصّ لوالدة الله القدّيسة وأمّنا مريم العذراء شريكة فداء العالم.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
حياة القديسة العظيمة فيرونيكا جولياني
حياة القديسة” فيرونيكا جولياني “
سيرة حياة القديسة فيرونيكا جولياني
حياة القديسة فيرونيكا جولياني
القديسة فيرونيكا جولياني حياة الله اللامتناهي


الساعة الآن 02:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024