![]() | ![]() |
|
![]() |
|
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
فهذه الطلبة لا تسمح للمسيحيّ بأن يعتقد أنّ الخبز الذي يطلبه من الله هو خبزه الشخصيّ فحسب، بل 'خبزنا' أيضًا، أي خبزه وخبز أخوته في آنٍ. ولعلّه من المفيد جدًّا أن نذكر هنا ما كتبه أوليفيه كليمان في شرحه هذه الطلبة، إذ قال: إنّ 'التقاسم يجب أن نمارسه أوّلاً ما بين إنسان وإنسان، عائلة وعائلة، ربّما في إطار رعايانا التي من المرغوب فيه أن تصير تقريبًا جماعات(شركويّة) رعويّة حقيقيّة. علينا أن نضع تصميمًا لذلك في محيطنا، أن نحبّذ الوصول إلى تحقيقه في مواقفنا المدنيّة، على صعيد الأمّة، في احترام الغريب، المهاجر واستقباله، لا لكي نتمثّله، بل بالمحافظة على ثقافته، إن رغب في ذلك. وعلى صعيد البشريّة التامّة، أكرر أيضًا ذلك. نستطيع أن نحلم، أن نقترح، أن نحدّد بدقّة نظامًا اقتصاديًّا عالميًّا. نحن بحاجة إلى علماء اقتصاد صارمين وواقعيّين، ولكن قادرين أيضًا على أن يضعوا علمهم في خدمة الصلاة'. ويتابع متوجّهًا إلى الله بقوله: 'أعطنا، نحن، جميع البشر، الخبز الضروريّ، وليكن أيضًا خبز الملكوت، خبز الحلم الأخويّ (المودّة الأخويّة) والجمال'. يرفعنا هذا القول الأخير إلى أن نرى في طلبة 'خبزنا الجوهريّ أعطنا اليوم' معنى أعمق من طلب الحاجات الأرضيّة، لأنّ يسوع الذي قال 'ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان' (متّى 4: 4) يريدنا 'اليوم' أن نطلب 'الخبز الجوهريّ'، وهذا، كما فهم الآباء عمومًا، يدلّ على كلمة الله التي يقرأها المؤمن في الكتاب المقدّس ويجدها في تعليم الآباء القدّيسين وفي مقرّرات المجامع المسكونيّة، وعلى 'الخبز النازل من السماء'، أي 'يسوع الإله المخلّص الذي يقدّم لنا جسده ودمه في سرّ الشكر (المناولة)' (كما يقول أوريجانس وكبريانوس وغيرهما)، وعلى خبز الملكوت، خبز مائدة اليوم العظيم الآتي. ثمّة مواقع عديدة، في العهد الجديد، يشبّه فيها الربّ ملكوت الله بمائدة (متّى8: 11، 26: 29، مرقس 14: 25 ولوقا 22: 18؛ رؤيا 19: 9). |
#22
|
||||
|
||||
ذلك أنّه أراد أن ينشد أتباعه أوّلاً الحياة الأبديّة، وأن يعكسوا توقهم إليها في حياتهم اليوميّة، وأن يسمحوا للمحبّة بأن تغلبهم ليسود الملكوت في هذا 'العالم الحاضر الخدّاع' وتحلو الحياة لمن غلبه اليأس، ويرجو. يريدنا يسوع في هذه الطلبة أن نحبّ ملكوت الله، نطلبه ونمتدّ إليه، لأنّه هو وحده الحقيقة الواقعيّة الذي نرى ومضاته في محبّة الله والناس، بخاصّة أولئك الذين وحّد يسوع نفسه بهم وجعلهم مرقاتنا إلى وجهه المنوَّر. واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه يتكلّم العهد القديم كثيرًا على مغفرة الخطايا. فالله الذي لا يحبّ الخطيئة ويجرحه ابتعاد شعبه عنه وتصلّب رقابهم، هو إله رحيم ومترئّف بشعبه، ويحبّهم كما يحبّ الأب أبناءه والعريس عروسه (هوشع 2: 1؛ إرميا 2: 2؛ حزقيال 16 و23)، وهو يعدهم بالمغفرة والحياة إذا قبلوا دعوته وعادوا إليه بالتوبة (مزمور 31 : 5؛ إشعيا 55: 7-9؛ إرميا 3: 12-14؛ حزقيال 18 : 31-32 وهوشع 14 : 2- 9...). وهذا عينه يتابعه العهد الجديد، فيكشف لنا أيضًا صورة الآب الغفّار والحنون الذي أرسل ابنه إلى العالم لينقذ الناس من شقائهم ويطّهرهم، بموته وقيامته، من خطاياهم ويلبسهم حلّة جديدة، هي إيّاها حلّة العرس. والحقّ أنّ الربّ ترك لنا كلّ 'ما علينا'، لا بل حمله هو (1بطرس 2: 24)، لمّا عُلّق مصلوبًا على رابية من روابي أورشليم. وكشف - على الصليب - أنّ محبّة الله تفوق بما لا يقاس كثرة خطايانا، وأنّ هذه المحبّة تطالنا فعلاً إذا سمحنا لله بأن تسكن رحمته فينا، وتركْنا نحن أيضًا بدورنا ' لمن لنا عليه'. |
#23
|
||||
|
||||
من النوافل القول إنّ من يعترف بأنّ الله رحيم، هو بالضرورة يقرّ بأنّه إنسان خاطئ، وبأنّ الله، تاليًا، قادر على أن يعيد له مكانته الأولى، أي أن يصنعه جديدًا. وإذا فكّرنا قانونيًّا، فإنّ اعترافنا بذنوبنا يعني أنّنا لا نستحقّ مغفرة الله، بل عقابه. ولكنّ محبّة الله تمنعنا من أن نفكّر على هذا المنوال، لأنّ منطقه يخالف منطق هذا العالم وقوانينه. فهو يغفر للناس لأنّه يحبّهم، وليس لأنّ البشر يستحقّون (رومية 5 : 8). وهذا الفعل عينه يريدنا الربّ أن نترجمه مع الآخرين، وذلك أنّ من يقرّ بخطاياه لا يرى خطايا البشر شيئًا. وليس هذا فقط، ولكن أن نعرف أنّ كلّ شرّ يرتكبه أحد بحقّنا، ليس هو بشيء أمام الشرور التي نرتكبها نحن بحقّ الله. يقول القدّيس غريغوريوس النيصصيّ: 'إنّ ديون أخوتنا لنا، لو قارنّاها بتجاوزاتنا تجاه الله، لبدت وكأنّها بضع قطعة نقديّة لا تذكر، يسهل عدّها، قياسًا بالوزنات التي تلقّيناها من الله، وهي لا تحصى' (أنظر مثل 'العبد غير الشفوق'، في متّى 18: 23- 35). فالله يريدنا أن نغفر للآخرين ذنوبهم كما غفر لنا المسيح (أفسس 4: 32؛ كولوسي 3: 13)، وهو يرتّب غفرانه الأخير على أساس غفران البشر بعضهم لبعض. عظمة هذه الطلبة أنّها تحضّ المؤمنين على أن تكون أخلاقهم شبيهة بأخلاق أبيهم السماويّ. وهذا ممكن لا لأنّ الإنسان قادر عليه، بل لأنّ الله الآب نفسه يمكّن أخصّاءه منه. وهذا لا يفهمه الذين يصرّون على سلوك الطرق الرديئة - فهؤلاء لا يمكنهم أن يصلّوا هذه الطلبة أو يسلكوا بموجبها - ولكن الذين انتموا، برضاهم، إلى ملكوت الله. |
#24
|
||||
|
||||
وإذا عدنا إلى موقع الصلاة في إنجيل متّى، نجد أنّ الربّ بعد أن علّم أتباعه هذه الصلاة، قال لهم: ' فإن تغفروا للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ، وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم زلاّتكم' (6: 14- 15). وهذا يفترض أن يتحمّل أتباع يسوع الحقيقيّون، في أحيان كثيرة، الظلم وأن يبتعدوا عن الحقد ويتنازلوا عن كلّ انتقام (أنظر متّى 5: 39- 40). فالرحمة واجبة في كلّ حال، وهي واجبة قبل الذبيحة. وذلك أنّ الله لا يرضى أن يقف أمامه عابدًا من أظلم قلبَهُ الحقد. يقول الربّ: ' فإذا كنتَ تقرّب قربانك إلى المذبح وذكرت هناك أنّ لأخيك عليك شيئًا، فدعْ قربانك هناك عند المذبح، واذهب أوّلاً فصالح أخاك، ثمّ عُدْ فقرّب قربانك' (متّى 5: 23- 24). وهذا يؤكّد أنّ الشركة مع الله تمرّ عبر مصالحة القريب، هذه المصالحة التي لا يؤجّلها أمر ولا حتّى تقديم العبادة لله نفسه. ومن الثابت أنّ الربّ أعطى المغفرة مكان الصدارة في حياة الجماعة، نقرأ: 'فدنا بطرس وقال له: 'يا ربّ، كم مرّة يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسبع مرّات؟' فقال له يسوع: لا أقول لك: سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات' (متّى 18: 21- 22). وهذا يجب أن نفهمه في سياق تصرّفات الله معنا. فالله الذي رحمته كاملة يدعونا إلى الاقتداء به. دونكم هذه القصّة الرائعة التي توضح أهمّيّة المغفرة: 'كان نيكفورس أنطاكيًّا من عامة الشعب التقيّ البسيط. وكان صديقًا حميمًا لأحد الكهنة ويدعى سبريسيوس. ثمّ حدث فتور بين الصديقين فنزاع فانقطاع. ودام ذلك زمانًا طويلاً، إلى أن أحسّ نيكفورس بخطئه فقرّر أن يسعى إلى الصلح. فأرسل بعض الأصدقاء المشترَكين إلى الكاهن مرّة ومرّتين طالبًا صفحه. غير أنّ الكاهن سبريسيوس رفض الاعتذار. ثمّ أرسلهم مرّة أخرى، ولكن من دون جدوى. أخيرًا ذهب نيكفورس نفسه إلى منزل الكاهن يلتمس المغفرة، ولكنّ هذا الأخير كان مصمّمًا على أن يصمّ قلبه عن كلّ اعتذار. وكانت الكنيسة، في ذلك الوقت (أواسط القرن الثالث)، تعاني اضطهادًا مريعًا... فأُمسك الكاهن سبريسيوس وسيق إلى الموت، وخيّره الولاة، قبل تنفيذ القضاء، بين العذاب فالموت وبين أن يجحد المسيح. فأبى أن ينكر الربّ... فعذّبوه، وحكموا عليه بقطع رأسه، وساقوه إلى موضع تنفيذ الحكم. علم نيكفورس بما حدث. |
#25
|
||||
|
||||
فحزن وخاف أن يموت صديقه قبل أن يتصالحا ويتصافيا. فلاقاه على الطريق وانطرح عند قدميه طالبًا أن يغفر له. فازدراه ولم يجبه. فكرّر نيكفورس ما فعله مرّة وأخرى، حتّى إنّ الجنود الذين كانوا يسوقون الكاهن سخروا منه لأنّه يحاول نيل رضا إنسان لا يلبث أن يموت، فلم ينل منه سوى الازدراء. ولمّا انتهوا إلى مكان الإعدام، كانت نعمة الروح القدس قد فارقت ذلك الكاهن الحقود. ولمّا رأى سبريسيوس السيّاف يتهيّأ لقطع رأسه ارتعدت فرائصه هلعًا. فما كان منه إلاّ أن صرخ: 'لا تفعل، فأنا طوع أوامر القيصر وعبد للآلهة'. وقع هذا الكلام كالصاعقة على نيكفورس الذي كان مازال واقفًا ينتظر لعلّه يحظى بغفران الكاهن، واشتعل قلبه بالغيرة المقدّسة وأخذ يصرخ: 'أنا مسيحيّ، أنا مسيحيّ'. فأطلق الجنود سراح الكاهن الجحود الذي لم يطع قول الربّ (متّى 6: 14 -15)، وقطعوا رأس نيكفورس، فنال إكليل الشهادة جزاء تواضعه ومحبّته'. ما هو ثابت في كشوفات الكتب المقدّسة أنّ الله لا يغفر لنا لأنّنا نغفر نحن للآخرين. ولكن لأنّه يغفر ينتظـر أن نغفـر نحن أيضًا. فرحمـة الله أوّلاً تفهمنـا عملـه الخلاصيّ وتحدّد سلوكنـا مع الآخريـن، وهي تعطينـا أن نمتدّ إلى اليوم الـذي سيختار فيه الله مـن تشبّهـوا برحمة ابنه التي هي محكّ الإيمان الصادق والحقيقيّ. ولا تُدخلنا في تجربة لكن نجّنا من الشرّير هي آخر طلبة في الصلاة الربّيّة. السؤال الذي يطرح ذاته، هو: ما هي التجربة التي يطلب المؤمن من الله ألاّ يدخله فيها؟ ويتبعه سؤال آخر عالجته معظم تفسيرات الصلاة الربّيّة، وهو : من هو المجرّب؟ والجواب عن هذين السؤالين سنبيّنه في ما يلي. في الكتب المقدّسة وردت كلمتان متناقضتان بمعنى التجربة، هما: الامتحان والإغراء. الامتحان، هو طريقة تأديبيّة يمرّر الله فيها الإنسان (تكوين 1: 22؛ خروج 15 :25، 16: 4، 20: 20؛ تثنية 8: 2، 16؛ قضاة 2: 22، 3: 1 و4؛ 2 أخبار 31: 32)، لينقّيه كما ينقّى الذهب والفضّة (حكمة 3: 6؛ مزمور 66: 10)، هو (الامتحان)، إذًا، فرصة تساعد الإنسان على أن يكتشف إيمانه وتقوده إلى أن يحيا لله وحده. |
#26
|
||||
|
||||
وأمّا الإغراء فهو حركة تردّد في النفس البشريّة بين النعمة الإلهيّة والخطيئة. المغري دائمًا هو الشيطان (أو الشهوة التي في داخل الإنسان)، وهي، بهذا المعنى، دعوةٌ إلى الموت (يعقوب 1: 13- 15؛ أنظر أيضًا: 1كورنثوس 7: 5؛ رؤيا 2: 10)0 وهذا (الإغراء الذي مصدره الشيطان) هو معنى التجربة في هذه الطلبة. هذه المقدّمة تردّ على الذين يتبادر إلى ذهنهم أنّ الله هو الذي يجرّب (يغري) الناس. فالله قدّوس ولا يمكن أن يعمل عمل الشيطان (سيراخ 15: 11 و12). ولكن، يقول بعض: إنّنا نتوجّه إلى الله في هذه الصلاة، ونقول له: 'لا تدخلنا في تجربة'. جوابنا هو: أنّ هذه العبارة لا تعني لا تجرّبنا، بل تعني، حسب المصطلحات الساميّة: لا تسمح بأن ندخل، أن نقع ونسقط، ويمكننا أن نترجم النصّ اليوناني هكذا: 'لا تجعلنا، أو لا تدعنا ندخل في تجربة. وكأنّنا نقول لله: لا بدّ من أن نُجرَّب (متّى 4: 1، 16: 22- 23، 26: 36 وما يوازيها)، لأنّك تريدنا أن نختارك أحرارًا، فلا تتخلّى عنّا وساعدنا في وقت المحنة، لأنّ الشرّير المغلوب لم يُبطل إغراءه، وأنت يا ربّنا 'نجّنا منه'. وهذا يعني أنّ أحدًا في الأرض لا يمكنه أن يختار الله سيّدًا على حياته ومعينًا له في شدائده ومحنه ومدافعًا عنه في أوقات التجربة إلاّ حرًّا. يقول الأب ليف (جيله): 'الله يفضّل أن يرى محبّته محتقرة ويدوسها الناس من أن يمسّنا ويضغط على حرّيتنا'. بيد أنّ هذه الطلبة تفيد أيضًا، وبشكل خاصّ، ازدياد الشرّ في 'آخر الأزمنة'، حيث يبلبل الشيطان وعبيده أفكار المؤمنين ليوهم الضعفاء بأنّه هو سيّد الكون وعريس الأمّة. |
#27
|
||||
|
||||
وهذه التجربة هي واحدة من أقوى التجارب التي يمكن أن تواجه الإنسان، لأنّها يمكن أن توحي إليه بأن الله يتفرّج على الناس في محنهم ولا يتدخّل. فمن مثل هذه التجربة التي تقود إلى الجحود نطلب النجاة (لوقا 22: 31 و32). ولعلّ هذا ما دفع بعض المفسّرين إلى أن يترجموا هذه الطلبة هكذا: 'أيّها الربّ، احفظنا من الجحود'. وهذا يمكننا أن نشعر بوجوده، في هذه الأيّام، عن طريق الظلم والإباحيّة والشكّ الذي يثيره الألم، وعن اعتبار المسيحيّة إيديولوجيّة، أو مجموعة عادات وتقاليد قديمة، وعن إبدال حياة الشركة بالفرديّة أو الانفلاش أو الاستهتار أو التفرّج، وعن افتتان البشر بالعجائب وصانعيها... ويبقى أنّ هذا المعنى الأخير (ازدياد الشرّ في آخر الأزمنة) يحمل معنى آخر، ولعلّه الأقوى، وهو ما يرتبط بموقف الله الأخير، أي دينونته لكلّ إنسان، وكأنّ المؤمن يقول في هذه الطلبة: لا تجعلني، في يوم الدينونة، عن شمالك. غير أنّ الدينونة هي حكم الله الأخير على حياة كلّ إنسان ومواقفه وتصرّفاته هنا في الأرض. فكلّ سقوط في خطيئة يسبّب لنا، إن لم نتب عنها كلّيًّا، الانفصال عن الله. ولذلك فإنّ الإنسان المؤمن مدعوّ إلى أن ينضمّ إلى يسوع الغالب بموته وقيامته، ليخوض حربًا طاحنة ضد الخصم الأكبر (الشيطان) الذي يسعى إلى استعباد البشر. وهذه الحرب التي لا هوادة فيها سلاح المؤمن فيها غلبة الربّ ذاتها التي نذوق بركاتها في السهر وطاعة كلمة الله والاندماج الواعي في كنيسة خصّصت ذاتها لله. وهذا يفترض إيمانًا عميقًا واتّكالاً كاملاً على الله الذي 'بدونه لا نستطيع شيئًا'. فالله هو الذي يحمي شعبه من إغراء الخطيئة ويدافع - معهم - عنهم ليثبّت في الأرض مخطّط حبّه دائمًا. وذلك لأنّه آب رحيم وقائد الكنيسة وربّانها في بحر هذا العمر الهائج. يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى ' |
#28
|
||||
|
||||
كونوا قنوعين ساهرين. إنّ إبليس خصمكم كالأسد الزائر يرود في طلب فريسة له، فقاوموه راسخين في الإيمان، عالمين أنّ أخوتكم المنتشرين في العالم يعانون الآلام نفسها. وإذا تألّمتم قليلاً، فإنّ إله كلّ نعمة، الإله الذي دعاكم إلى مجده الأبديّ في المسيح، هو الذي يعافيكم ويثبّتكم ويقوّيكم ويجعلكم راسخين' (5: 8- 10). ثمّ إنّ الله الأمين في مواعيده لا يسمح بأن يجرَّب الإنسان فوق طاقته (1كورنثوس 10: 13؛ 2تسالونيكي 3: 3). وهذا يعني أنّه يمنحه، في ظروفه الصعبة، نعمة ابنه الحبيب (عبرانيّين 2: 10- 18)، ليتمكّن من أن ينتصر على كلّ شرّ يداهمه. فنصر يسوع الذي تمّ على الصليب هو حاضر في زمان أحبّائه الذين ولدوا من الله لئلاّ يمسّهم شرّ إبليس (1يوحنّا 5: 18)، ويثبتوا على إخلاصهم. يريدنا يسوع، في هذه الطلبة الأخيرة، أن نلتمس من الله الآب عونه ورضاه وحمايته من كلّ شرّ وشرّير يتربّص بنا في العالم. وهذا ما يلتقي وصلاة يسوع التي رفعها إلى الله أبيه من أجل تلاميذه في عشيّة موته، إذ قال: 'لا أسألك أن تخرجهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير' (يوحنّا 17: 15). فلنطلب إلى الربّ، فيما نتلو هذه الطلبة، برجاء كبير، أن يحفظنا هو اليوم وفي كلّ يوم في صلاته ومحبّته ويردّ عنا هجمات الشرّير، لأنّه حبيب الآب الغالب دائمًا. لأنّ لك الملك والقدرة والمجد... تختم الصلاة الربّيّة بتسبيح ليتورجيّ كان المسيحيّون الأوائل يتلونه باطّراد (لأنّ لك الملك والقدرة والمجد أيّها الآب والابن والروح القدس الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين، آمين). وهذا التسبيح يخصّ المؤمنين جميعًا، ولو أنّ الكهنة يعلنونه وحدهم في الخدم الليتورجيّة. |
#29
|
||||
|
||||
ما يؤكّده الدارسون أنّ هذا التسبيح غير موجود في المخطوطات القديمة، ولا نجده قبل القرن الثاني المسيحيّ (في كتاب الديداكيّة). غير أنّ أهمّيّته، فيما يدعم استعماله تقليد الكنيسة الحيّ وطقوسها وإيماننا بأنّه يعكس مشيئة يسوع، أنّه يدعونا إلى إتمام الصلاة بالتضرّع إلى الله المثلّث الأقانيم. فبعد أن عظّمنا، في الصلاة التي علّمنا إيّاها يسوع، الله في سماواته وقدّسنا اسمه وطلبنا حلول ملكوته وعاهدنا مشيئته ورجونا فرحه الأخير (هنا في حياتنا أيضًا) وغفرانه وحمايته، نسبّحه، ثالوثًا، كملك وقدير ممجّد، نسبّحه لأنّ إتمام ما قلناه (في الصلاة الربّيّة) يخصّه، لأنّه القادر على أن يساعدنا عليه. فالصلاة الربّيّة لا يمكن لأحد من الناس أن يتمّمها بقدرته الذاتيّة، ولكن بنعمة الله ودعمه. نختم الصلاة، إذًا، بتسبيح. والتسبيح أحد عناصر الصلاة الحيّة وذروتها، أو هو، كما يسمّيه المطران جورج (خضر) 'الدعاء الأكبر' . هو والصلاة يطلبان بعضهما بعضًا ويحرّك أحدهما الآخر. هما معًا يساعدان المؤمن على الارتقاء نحو 'وجه الآب' الكلّي القدرة والجمال. وتسبيح الله على صفاته وعلى صنائعه هو خصوصًا ركيزة رجاء المؤمنين. فكلّما وقفنا، مؤمنين، أمام الله لنسبّحه على حبّه المجّانيّ وملكه وقدرته ومجده، يزداد رجاؤنا فيسكب الله علينا ما يساعدنا على التسبيح مجدّدًا. يبدأ هذا التسبيح بلفظة 'لأنّ'، التي تؤكّد أنّ الله الذي توّجهنا إليه في الصلاة الربّيّة قادر على إعطائنا ما طلبناه، لأنّنا أبناؤه، ولأنّ ما طلبناه هو ضمن إمكاناته. الملك، كما ورد معناه في المزمور 102: 19 ('ملكوته يسود الجميع') يفيد سيادة الله على الخليقة، علينا، كملك، وهو ما رجوناه في طلبة 'ليأت ملكوتك'. |
#30
|
||||
|
||||
وهو الأمر الذي لا يرضى عنه الشرّير الذي طلبنا من الله في الصلاة، بإلحاح، أن ينجّينا منه ومن كلّ تجربة تصدر عنه. فالشرّير يكره التسبيح ويعتبره كذبًا. ويثير المؤمنين محاولاً أن يمنعهم من إتمامه. ولذلك قلنا أعلاه بضرورة أداء المؤمنين هذا التسبيح، لأنّهم بذلك يبيّنون أنّ الشرّير الذي يريد تقويض مملكة الله هو الكاذب، كما وصفه يسوع، ومصدر الكذب، ويبيّنون، تاليًا، أنّ الله هو 'ملكهم قبل الدهور' الذي 'يصنع الخلاص في الأرض' وينقذهم من براثين الشرّير. أمّا قدرة الله فتدلّ، كونها والمجد من صفات ملكه، على سيادته التي يظهرها في إحسانه على خليقته الحرّة. هي ليست قدرة متهكّمة أو متعسّفة، ولكنّها القدرة التي تبيّن أن الله صالح في جوهره وصالح في تدبيره الخلاصيّ. وإذا قلنا لله 'لك المجد' فإنّنا نريد مـن قـولنا أن نؤكّد أنّ الله صانعنا وفادينا. هو، الآن وكلّ أوان وإلى دهـر الداهرين، مجيد في ذاته وفي ما يعمله في العالم. ونريـده أن يكون مجيدًا في قلوبنا التي لا يمـلك عليها إن لم نقدّمها له أحرارًا كأبناء حقيقـيّين. وهـذا يفترض تعهّدًا منّا بأنّنا لن نخون حبّه أبدًا. وأنّنا سنلتزم، ما حيينا، تسبيحه وعبادته في كلّ وقت. ومن قدر على اتّخاذ هذا القرار، بجدّيّة كاملة، يشركه الله في حياته الإلهيّة ويورثه الملكوت الـذي أعدّه لأحبّائه والمخلصين له. ولعلّه من المفيد أن نذكر أنّ موقع الصلاة الربّيّة التي يتلوها المؤمنون في القدّاس الإلهيّ هو بعد استحالة القرابين وقبل تقدّمهم من مناولة جسد الربّ ودمه. وهكذا يكون هذا التسبيح إعلان الكنيسة المجتمعة التي تمجّد الله الحاضر والآتي في آخر الأزمنة. فالإفخارستيا شأنها أن تنبّه المؤمنين أو تذكّرهم بأنّ هذا الملكوت الآتي حاضر الآن وهنا، وهم يمكنهم أن يذوقوه بالشوق والواقع 'الآن' ويقبلوه 'الآن' في اجتماعهم المقدّس. فكنيسة المسيح المجتمعة حوله هي 'المكان' (إذا جاز التعبير) الذي يحضر فيه الله المثلّث الأقانيم بمجده، يحضر ليرفعهم إلى 'فوق'، إلى 'المكان' الذي أعلنوا في الخدمة عينها أنّهم منتمون إليه. كلّما قلنا لله المثلّث الأقانيم: 'لأنّ لك الملك والقدرة والمجد'، فلنذكر أنّه ملك وقدير وممجّد باستقلال عنّا، وأنّ هذا التسبيح يكون صلاتنا الحقيقيّة إذا قبلناه ملكًا وحيدًا على حياتنا، وفهمنا أنّه معيننا ومنقذنا، بقدرته، في أوقات الفوضى وفي كلّ وقت. ولنذكر، تاليًا، أنّنا إذا تخلّينا، في حياتنا، عن كلّ مجد زائل يريد العالم أن يوهمنا أنّه أبديّ، يهبنا الله المجد الحقيقيّ في يوم الفرح الأخير ويعترف بنا أنّنا أبناؤه حقًّ |
![]() |
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يّذكرنا يسوع الصلاة الربية ان يغفر كُلَّ واحِدٍ مِنكم لأَخيهِ | Mary Naeem | أية من الكتاب المقدس وتأمل | 0 | 15 - 06 - 2022 03:56 PM |
أهمية الصلاة الربية | Mary Naeem | قسم الرب يسوع المسيح الراعى الصالح | 0 | 08 - 07 - 2021 06:34 PM |
الصلاة الربية | Mary Naeem | مواضيع وتأملات روحية مسيحية | 0 | 08 - 07 - 2021 06:02 PM |
الصلاة الربية | Mary Naeem | مواضيع وتأملات روحية مسيحية | 2 | 21 - 06 - 2014 08:29 AM |
الصلاة الربية ابانا الذى وتفسيرها | sama smsma | قسم الصلوات | 1 | 10 - 06 - 2012 05:33 AM |