الشخصية السوية (6)- الحدود
القمص داود لمعي راعي كنيسة مارمرقس كليوباترا
١٥ سبتمبر ٢٠١٤
إن الشخصية السوية هى تضع لنفسها وحياتها حدوداً ثابتة وأصيلة تسعى أن تلتزم بها داخلياً وخارجياً، وتستدعى لذلك وعيها الكامل وارادتها القوية فلا تتعدى أو تتخطى تلك الحدود.. لأن الحياة بلا ضوابط تصبح ملهاه وعبثاً!!
إن الإنسان السوى هو من يعرف كيف يمكنه أن يكبح جماح نفسه ومتى ينبغى أن يخمد ثوراتها… ومن الأمثلة الكثيرة للشخصيات غير السوية التى لاتضع حدوداً لمسار حياتها ولا ضابطاً لشهوات نفسها، ذلك المريض بمرض إرتفاع نسب السكر فى الدم، فبرغم علمه التام بخطورة عدم الإلتزام بالعلاج الدوائى وبالنظام الغذائى لمرضى السكر إلا أنه يندفع بشراهة نحو الأكل بسبب ضعف إرادته، فلايضع حدوداً أوخطاً أحمر ينبغى له أن يقف عنده، وتكون النتيجة هى وقوعه فى براثن المرض ومضاعفاته ورقاده المتكرر نزيلا على أسرة المستشفيات..!
وأيضا ذلك الإنسان المسلوب الإرادة الذى لا يستطيع مقاومة الإغراءات ولا الترفع عن التجاوزات… فيساير ويقلد أصحابه والآخرين فى مجالسهم الفاسدة أو تصرفاتهم المريبة أو ملابسهم ولغتهم الغريبة، ويفعل ذلك بحجة أن الشباب و معظم الناس يفعلون ذلك بلا اى حرج أو عيب وأن هذه هى سنة الحياة ولغة العصر… فيصبح فى النهاية إنساناً ضعيفاً وهشاً، بلا شخصية ولاهوية..!ذلك لأنه لم يستطع أن يقول لنفسه كلمة”لا”. إن قوة الشخصية تكمن فى إرادة صاحبها ومهارته فى وضع الحدود اللائقة لنفسه وقدرته أن يقودها فيعرف كيف ومتى يجب أن يقول لها “لا”..!حقاً.. لقد صدق سليمان الحكيم عندما قال:” مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة”(أم16: 32)
وأيضا الإنسان الذى لديه شغف شديد للنجاح والتقدم والترقى، ويتطلع بإندفاع نحو تحقيق آماله وطموحاته الحياتية.. فيستغرق كل الوقت فى العمل ويغرق فى بحور الأعباء والمسئوليات والمهام الوظيفية، ناسياً إحتياجه الأهم والأبقى لربه وإلهه ومتناسياً مايجب أن يقدمه أولا من أجل خلاص نفسه وربح الحياةالأبدية.. فحسن أن تكون طموحاً وأن تسعى وتكد بحماس من أجل التقدم والنجاح ولكن ليس حسناً أن تدع العمل الطموح يسلبك كل وقتك وينسيك حبك لربك ويلهيك عن رسالتك فيفقدك أبديتك.
ومن أمثلة الشخصيات غير السوية أيضا ذلك الإنسان الذى لا يضع حدوداً لائقة للتعاملات والعلاقات مع الآخرين، سواء فى الدراسة أو العمل أو فى الخدمة.. فيتدخل متطفلاً فى الشئون الشخصية للآخر ويتسلل مستبيحاً لأسراره وأغواره الخاصة أو يسمح للآخر بأن يفعل ذلك معه بلا حد ولا ضابط..! وأيضا تلك الفتاة التى تغلب عواطفها على تعاملاتها وعلاقاتها مع الآخرين بغير فطنة وبلا حكمه.. فتقع دون أن تدرى فى شباك أول شخص يلاطفها وتستويها كلماته المعسولة وربما تتورط معه فى علاقة مشوهة..! ذلك لأنها لم تقم الحدود الفاصلة ولم نسيج حول نفسها سريعاً من البداية.. فسمحت له بالتدخل السافر فى شئونها الخاصة ولم تستطع أن تغلق الباب فى وجهه بحسم وشجاعة ولا أن تصده وتمنعه بكل حزم وثقة فى التوقيت المناسب.
أخيراً
هل تستطيع أن تقول لا… لنفسك فى خطية واضحة؟؟
هل تستطيع أن تقول لا… لشخص يطلب طلباً غير لائقاً؟؟
هل تقدر أن تعتذر عن خدمة لا تستطيع تأديتها بفرح؟
هل تعبر بصراحة وأدب.. عن رفضك.. لأمر لا تحبه؟؟
