منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 08 - 2014, 03:51 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

القلق و الإيمان



القلق و الإيمان - الأرشمندريت توما بيطار

هذا زمان القلق بامتياز! لا عندنا فقط، في الوقت الحاضر، بسبب الأزمة السياسيّة الراهنة، بل في كل العالم. كل شيء موفور بوفرة ومع ذلك القلق متفشّ على أحدّ ما يكون القلق.

لِمَ ذلك؟ لأنّ إنسان اليوم، بعدما حقّق إنجازات هائلة، لا سيّما على صعيد العلوم، استبانت طاقاته لعينيه كبيرة فزاد اتكاؤه على نفسه وانتفى أو صار اتكاؤه على ربّه صورياً، أو اقتصر على الحالات القصوى أو ما بعد الحياة الدنيا. شعوره بالقوّة تعاظم.

جانب أساسي في علاقة الإنسان بربّه شعوره بالضعف والقصور وهو، في الحقيقة العميقة، ضعيف ترابي مهما حقّق من إنجازات أو حَسِب نفسه قويّاً.

فاجأني صديق لي طبيب لما قال إن نسبة معرفة الطبّ الحديث بالجسد لا تتعدّى الخمسة في المائة. تعاطي الإنسان الدنيا كان دافعاً طبيعياً قويّاً لاتّكاله، بشكل متزايد، حتى في أقل التفاصيل، على الله ليحيا ولا يموت قلَقاً وهلعاً. الله، لعينيه، كان المُمسك بكل شيء، المُطْلِقَ له بمقادير، كما يرغب وكما يشاء.

لذا حَسِب رِضَى الله عنه ضرورةً لضبط العناصر وتيسير أمور الدنيا إليه. لكن لمّا أَخذ الإنسان يفكّ أحاجي الطبيعة، بما أُوتي من مواهب، تفتّحت لديه، أخذ يغترّ ويتعثّر. انتفخ. أخذت تشتمله تجربة الغنى عن الله.

والمتفلسفون، بين الناس، أسكرتهم أعمال أيديهم فشرعوا يطلقون النظريات كأنّها اكتشافات داعين إلى التحرّر من إله حسبوه ابتداعاً بشرياً لا يُطْلِقُ منه، في فهمهم، إلاّ تعزيزُ النزعة العلمية في الناس.

ولكنْ عرف الإنسان شيئاً وغابت عنه أشياء. غروره مال به إلى تأليه نفسه، إلى الإقفال على نفسه. "نقطة التحوّل الكبرى أن يصير الإلهُ الوحيد هو الإنسانَ نفسَه Homo homini dues" كما عبّر الألماني فيورباخ. ثقته المفرطة بنفسه زكّت إيمانه بذاته من دون الله.

تسلّل الشكّ إلى قلبه. هان إلهه في عينيه. والغرور يوهم الكِبَر فيُمسي صاحبُه ضِفدعاً انتفخ وظنّ نفسه كبيراً حتى انفجر. والشكّ، متى انبعث في الكيان، نفث قلقاً، أدخله حلقة مفرغة.

جعل الإنسانَ مُسْتَأسَراً لذاته. الشكّ، هنا، ليس شكَّ تسآل بل شكُّ وجود. إذا أحببت الحقّ ساءلت. هذه بديهية. شكُّك، والحال هذه، تلقائي ومآله اليقين. أما إذا كان الحقّ فيك غرورَك وانتِشاءَك بنفسك فشكُّك مآله الاستبعاد ?استبعاد الله عن أفقك? لتبقى أنت وحدك سيّد موقفك. هكذا انفتح الإنسان على أزمة وجود في التاريخ.

ركَن إلى نفسه، لكنَّ نفسَه لم تبثّه الأمان. استرسل في ما لنفسه طمعاً في سكون القلب والسلام على سجيّته وكما تسوِّل له أهواؤه، فألفى القلقَ فيه عميقاً حتى إلى لجج مضنية فلجأ إلى المسكّنات. تغرّب عن نفسه وعن حقيقة نفسه. فقط مَن يحسب نفسه غير موجود هذا يعرف نفسه خير معرفة (القدّيس نيلوس السينائي).

استكبارُك، أي اعتبارك ذاتك كبيراً في ذاتك، يقزّمك وجودياً ويلقيك في وحشة. حتى مَن يُفتَرَضُ بهم أن يكونوا أعزّة لديك تجدهم، كيانياً، غرباء عنك لأنّك، في اغترارك، لا تأنس إلاّ بذاتك والآخرون لك امتداد. كيانياً، تصير منقطعاً عن سواك. في المقابل، يقضّك القلق حتى إلى أعماقك. السبب أنّك مفطور على الآخر.

الغربة والعزلة قلق لا محالة. في امتدادك صوب الآخر تتعافى وتَكمُل وتجد الأمان. فقط حين تستقرّ في حشا أخيك ويستقرّ أخوك في حشاك يبثّ كل منكما الآخر، في العمق، الدفء والسكون والأمان. كلٌ، إذاً، فقير، في المبدأ، إلى أخيه، متّجهاً، فطرياً، صوبه. به يستغني ويتملأ كيانُه بهجة. يكون في الراحة.

أما الاستكبار فإفقار للذات حتى إلى العدم. كيانياً، فقاقيع صابون. الاستكبار وجود عدمي مغلق!

الأمان، إذاً، في الوداد كائن. ولكنْ، لكي تَأْمن عليك أن تؤمن. لا علاقة ممكنة بين الكائن والكائن إلاّ بالإيمان. طبعاً هناك إيمان يَلزم العلاقة بين الإنسان والله، وإيمان للعلاقة بين الإنسان والإنسان. حتى تعاطي الإنسان الخليقة، بعامة، يحتاج إلى بعض الإيمان. فإذا كنتَ لا تؤمن بالكرسي، بمعنى، أي لا تأمن له فإنّك لا تجلس عليه.

وإذا كنت لا تأمن للدرب فإنّك لا تسير عليه. هذا مستوى من الإيمان يتمثّل في الشعور، وأحياناً غير القابل للتفسير، بالأمان. هناك مستوى آخر يطال العلاقة بين الإنسان والإنسان. هنا أنت بحاجة، في أقل اعتبار، إلى عنصرَي التصديق والثقة وإلاّ لا تأمن لمَن هو بإزائك. فأنت لا تذهب، مثلاً، إلى الطبيب إن لم تصدِّق ما قاله لك جارك في شأنه بناء على ثقتك به.

ولا أنت تسلك في إرشادات الطبيب وتتابع زياراتك إليه إن لم تكن لك ثقة به. ثمّ هناك علاقات أعمق مع مَن تحب. هذا لا تُسلمه نفسك وتحسب ذاتك وإياه واحداً إن لم تؤمن أنّه صنو نفسك، أنّه محبّ لك أصيل وأنّه يبادلك الموقف عينه. حبّ من دون إيمان، بهذا المعنى، مستحيل.

لا محبّة حيث لا إيمان. وهناك مستوى يطال العلاقة بين الإنسان والله. إن لم يصدّق الإنسان الله، إن لم تكن له ثقة به، إن لم يكن مستعداً لأن يُسلمه أمره، إن لم يكن راغباً في السلوك في كلمته، بكلام آخر، إن لم يكن مؤمناً بالله، لأنّ هذا هو معنى الإيمان بالله، فلا يمكن أن تكون له علاقة به. كذلك إن لم تُسلم الله نفسك لا يمكنك أن تحبّ أيّاً كان، حتى عدوّك.

إذاً بغير الإيمان لا محبّة وبغير المحبّة لا أمان وبغير الأمان أنت مرميّ في القلق ولو ملكت العالم كلّه وحقّقت تقدّماً علمياً مرموقاً.

القلق، في التشخيص، مرض في الكيان لا يُشفى منه إلاّ مَن سلك في الإيمان بالمسيح يسوع. في القلق خوف على ما لديك والتماسٌ قَلِقٌ لِما ليس لديك. في القلق رائحة موت ولا رجاء قيامة فيه. سَأَم يتأتّى من كونك لا تذوق الجدّة، بل كل ما يأتيك جديداً متى اقتنيتَه صيّرتَه عتيقاً بما فيك. يهمّك أن تضع يدك على كل شيء وما تضع يدك عليه تقتله في نفسك. نفسك لجّة موت تمسي.

القلق لا يعرفك شَبِعاً. إما جائعاً وإما متخماً هكذا يلقاك. أما جوعك فلا ما يملأه لأنّه جوع إلى ما اسقطّه من حسابك. القلق غربة عن الذات بالتملؤ من الذات. القلق أنك تشكّ في كل الخلق ولا صديق لك ولا واحد، فقط معارف ورفاق طريق. القلق تمسّك بالعقل في موقف خال من التعقّل.


والجواب هو الإيمان.


أريدكم أن تكونوا بلا همّ. تعالوا إليّ... وأنا أُريحكم. لا تخافوا! مَن منكم إذا اهتمّ يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة. لا تهتمّوا للغد. سلامي أُعطيكم لا كما يعطيكم العالم. مَن أَهلك نفسه يجدها. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء. حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء؟

اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم. فقراء ونُغني كثيرين. ملقين كل همّكم عليه. الربّ يرعاني فلا شيء يعوزني. اهتمام الجسد موت. اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض.

المؤمن الحقّ لا يقلق لأنّه يعرف أنّ شعرة من رؤوسكم لا تسقط من دون إذن أبيكم الذي في السماء. يعرف أنّ كل شيء، بلا استثناء، يعمل معاً للخير للذين يحبّون الله. يعرف أنّه لا شيء يفصله عن الحبيب، لا موت ولا حياة. ليحدث ما يحدث. ما همّ! طالما أنّي ولو سلكت وسط ظلال الموت لست أخشى شرّاً لأنّك أنت معي...

المؤمن الحقّ يسلك في الحبّ كل يوم، لذلك لا يخاف ولو خاف. إذا خاف فمن فعل الطبيعة لأنّه ضعف البَشرة. مثل هذا الخوف يدفعه إلى ربّه لا عنه، لذا يستدعي الخوفُ الأمانَ بيسوع. كل ما هو ضعف البَشَرة يأتيه، بتواتر، مستدعياً قوّة القائل: "قوّتي في الضعف تُكمَل".

أما خوف الغرور وضعف المستكبر فلجّة لا قرار لها، صرخة تتبدّد في الهواء، نداء استغاثة تُسَدُّ الأذن عنه.

إنما السيرة أن نُفرغ ذواتنا ونلتمس السيّد، بالإيمان، في كل شيء. فيه نجد ذواتنا كل يوم ونجدها بوفرة.

هذه حكمة الأطفال دون حكماء هذا الدهر. حكمة الصغار أنهم يصدّقون كلمة الخلاص... يؤمنون فيأمنون.

"فليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً" (رو 3: 4)
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الإيمان و الأدوية - للأرشمندريت توما بيطار
وجهان للإيمان بيسوع - الأرشمندريت توما بيطار
الانتقام ! - الأرشمندريت توما (بيطار)
الكذب - الأرشمندريت توما (بيطار)
الحسد - الأرشمندريت توما (بيطار)


الساعة الآن 02:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024