|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 142 (141 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير ليس من يسأل عن نفسي!يُعتبر هذا المزمور مرثاة شخصية، سجلها داود الملك، غالبًا وهو في كهف عدلام (1 صم 22). جاء في الآية 7 "اخرج من الحبس أو السجن نفسي". إلى ذلك الوقت لم تكن إسرائيل قد عرفت السجون لمعاقبة المجرمين أو لعزلهم عن المجتمع، لكن المرتل اختبر كيف هجره حتى أعز أصدقائه، فحسب نفسه كمن هو في حبس، أو كمن هو ميت وهو حي. ليس من يسنده بكلمة تعزية، ولا من يقدم له طعام. ولعل كلمة "الحبس" هنا تشير إلى معاناته من الاضطهاد المُر والاهانة التي لحقت به[1]. [FONT=""]مغارة أم مقدِّس الله![/FONT] سبق أن تمتعنا بمزمور خاص بالمغارة (مز 57؛ 1 صم 22: 1-2؛ 24: 1 الخ). هنا في وسط الضيق يكشف لنا المرتل عن سرّ تعزيته وهو أشبه بسجينٍ في المغارة: 1. الله يسمع صرخات القلب [1-2]: أحيانًا تُقدم الصلوات كعبادة (141: 1)، وأحيانًا كمعركة روحية، فيها ينسكب القلب أمام الله، وإن كان يعلم بكل احتياجاتنا. تحوّلت المغارة بالصلاة إلى هيكل للرب. 2. الله يعرف طريقنا [3]: يشتكي الكل من الفخاخ التي ينصبها عدو الخير في طرقنا خفية لاصطيادنا. لكننا إذ نقبل الرب طريقًا لحضن الآب، نصير في أمان من أيّة فخاخ. 3. الله يعرف آلامنا [4]: إذ يفارقنا الجميع وسط آلامنا، فلا يستطيعون أن يشاركونا فيها، يحتضنّا المخلص ويعزّينا. حين يتركنا الكل يعتني هو بنا (1 بط 5-7). 4. الله هو نصيبنا [5]: إذ نقتني الله نصيبًا لنا، فماذا نحتاج بعد؟ 5. الله يتمجد فينا [6-7]: يحول آلامنا لبنياننا، فنسبحه وسط آلامنا حتى يدخل بنا إلى راحته المجيدة. 1. رفع دعواه 1-2. 2. السقوط في مأزق 3-4. 3. أنت نصيبي وملجأي 5-6. 4. رجاء وإحسان 7. من وحي المزمور 142 العنوان تضرع لأجل النجاة للاشتراك في القديسين عن التأمل. لداود حينما كان في الكهف. صلاة. جاء في العنوان "لما كان في المغارة"، وذلك كما في عنوان المزمور 57. يقدم لنا المزموران فكرة واضحة عن مشاعر داود وأحاسيسه المتغيرة حين كان في محنة. ففي المزمور 57 نراه في منتهى القوة والثبات، في ثقة عجيبة بنصرته الأكيدة في الرب. أما في المزمور 142 فيسكب شكواه أمام الرب وقد صارت روحه في حالة إعياء، يتوقع فخًا منصوبًا له في الخفاء. يشعر بضعف أمام العدو القوي، لكنه لا يفقد رجاءه في الرب الذي حتمًا يحسن إليه. يحمل هذا المزمور نبوة عن ملك الملوك ابن داود الذي احتمل العار كملكٍ بلا تاج أرضي ولا مملكة. كما يحمل نبوة عن الكنيسة التي تعاني من رجسة الخراب، فتهرب إلى الجبال حيث يخفيها الله كما في كهفٍ، ويحميها بقدرته، وهي تصرخ وتطلب خلاصها. إنها صورة للمؤمن الذي يسمح له الله بالضيق، فيشعر كمن في حبس لا حول له ولا قوة، تحوط به الظلمة، وقد صار كمن على حافة الموت، وليس له ملجأ ولا منقذ سوى الرب نفسه. *يظهر شاول بكونه الشيطان، والكهف هو هذا العالم. لا يقدم الشيطان أي شيء صالح في هذا سوى القذارة والفساد. يرمز الكهف إلى هذا العالم، لأن نوره خافت للغاية إن قورن بنور العالم العتيد، وإن كان الرب بمجيئه إلى هذا العالم بكونه النور جعله ساطعًا بطريقة ملحوظة... الآن كما أن داود دخل الكهف في هروبه من شاول، هكذا الرب أيضًا جاء إلى هذا العالم، واحتمل الاضطهاد[2]. القديس جيروم 1. رفع دعواه بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَصْرُخُ. بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَتَضَرَّعُ [1]. جاء هذا المزمور صرخة من أعماق قلب المرتل، الذي كان يئن لأنه كمن في عزلةٍ، ليس من أحدٍ حوله يشاركه مشاعره، ومع هذا فهو يصرخ. إنه يعلم تمامًا أن الله يسمع تنهدات قلبه الخفية، لكن المرارة التي في أعماقه دفعته للصراخ، ولو لم يسمعه إنسان ما. إنه يريد أن يخبر الله عن كل متاعبه وأحزانه. جاءت كلمة "صوت" في العبرية qol، وهي تستخدم في حالة الرعد. فالضيقة في شدتها تهب المؤمن روح القوة ليصلي كمن يرعد. يرى القديس جيروم أن النبي يشبه مريضًا اشتد به المرض جدًا، فأسرع إلى الطبيب ليكشف له أعراض المرض التي يشعر بها منتظرًا منه العلاج. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن المرتل كثيرًا ما يكرر صراخه وتضرعاته مرتين في المزمور الواحد، ليعلن أنه يطلب خلال قوة الروح وأيضًا يقظة الذهن. هكذا يليق بنا أن نصلي بالروح المتقد، كما بالذهن الواعي، كقول الرسول بولس: "أصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضًا. أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا" (1 كو 14: 15). *"بصوتي إلى الرب أصرخ". كان يمكن الاكتفاء بالقول "بالصوت"، لكن ليس بدون سبب أضاف ضمير ياء الملكية. فإن كثيرين يصرخون للرب ليس بصوتهم، بل بصوت جسمهم. ليت الإنسان الداخلي الذي يبدأ يحلّ فيه المسيح بالإيمان (أف 3: 17) هو الذي يصرخ للرب، لا بضجيج الشفتين، وإنما بوجدان القلب. فإن الله لا ينصت إلى ما يسمعه الإنسان، لكن متى لا يُسمع صوت الرئتين والوجه واللسان، فلا يسمعك الإنسان، يكون فكرك هو الصرخة التي توجه للرب... صرختي هي صلاتي، لا باللعنات ولا بالتذمر ولا بالتجديف [3]. *هذا الصوت بالتأكيد ليس صوت من يصارع، بل صوت من يحب؛ ليس صوت الجسد، بل صوت القلب[4]. القديس أغسطينوس بِضِيقِي قُدَّامَهُ أُخْبِرُ [2]. ما يعزيه أن الله يعرف حاله تمامًا عندما يشعر بأن كل قوته قد خارت تمامًا. *"أسكب أمامه صلاتي" ماذا يعني "أمامه"؟ في نظره... أين ينظر؟ إنه ينظر حيث لا ينظر الإنسان. فإن أفكارك لا يراها إنسان، لكن الله يراها. هناك أسكب صلاتك حيث وحده يرى ويكافئك. فقد أمرك الرب يسوع المسيح أن تصلي في الخفاء. فإن عرفت مخدعك ما هو، وطهرته، هناك صلِ لله. إنه يقول: "متى صليت، فادخل مخدعك وأغلق بابك، وصلِ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" (مت 6: 6). إن كان البشر سيكافئونك، صلِ أمام الناس، وإن كان الله هو الذي يكافئك فاسكب صلاتك أمامه، وأغلق الباب حتى لا يدخل المجرب... أغلق باب الخوف والشهوة أمام الشيطان، وافتحه أمام المسيح. كيف يمكن أن تفتح هذا الباب ذا الثنايا للمسيح؟ بالرغبة (الشهوة) نحو ملكوت السموات، وبالخوف من نار جهنم. بالاشتياق إلى هذا العالم يدخل الشيطان، وبالاشتياق إلى الحياة الأبدية يدخل المسيح. بالخوف من العقوبة الزمنية يدخل الشيطان، وبالخوف من النار الأبدية يدخل المسيح[5]. القديس أغسطينوس "بضيقي قدامه أخبر". هذه هي المحنة التي يرحب بها الرسول، المحنة التي متى أحصيت مع غيرها تنجب رجاءً، هذا الرجاء بلا إحباط[6]. القديس جيروم عندئذ إذ يرغب في إيضاح حدة ذهنه وغيرته التي في داخله، قال: "اسكب" بفيضٍ عظيمٍ. بهذا نتعلم أن التجارب تساهم بقدرٍ ليس بقليلٍ في التمتع بمفاهيمٍ سليمة. هذا هو ثمر الضيق. ليته لا يتجنبه أحد، فالضيق في الواقع له فائدتان: الأولى يجعلنا أكثر غيرة ويقظة، والثاني أن يكشف عن سبب ليس بتافه للاستماع لصلاته (الاستجابة لها)[7]. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنسيمُس الأورشليمي فإنه حين تنسكب النفس على الجسد، قد تخفي ضعفَ جسده، وتستر شهوته الجسدية، وتسِكن قوة النفس والروح في كل أعضائه (قابل 2 كو 12 :9). لهذا السبب أيضًا يقول في نصٍ لاحق: "أسكب صلاتي أمامه" (مز 142: 2)، فحين تُسكب الصلاةُ تُستر الخطايا (قابل مز 32 :1، رو 4 :8)، لكن فيمَ يفكر؟ يقينًا في تلك الأمورِ التي اشتاق إليها، أن يأتي ويتراءى أمام اللهِ (قابل مز 42 :2)، ليعاين مقدسَ اللهِ السماوي، حيث يسير بالروح، ويُسَّر بالمشاركة في دخوله[8]. القديس أمبروسيوس 2. السقوط في مأزق يقدم المرتل مرثاته نائحًا على فقدانه كل راحةٍ بشريةٍ وعونٍ من المحيطين به، وذلك مثل إرميا (25: 34-35). عوض تقديم العون أخفوا فخًا له لاصطياده. عِنْدَ مَا أَعْيَتْ رُوحِي فِيَّ، وَأَنْتَ عَرَفْتَ مَسْلَكِي، فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَسْلُكُ أَخْفُوا لِي فَخًّا [3]. كثيرًا ما يردد المرتل في مزاميره أن العدو يلاحقه، ولا يكف عن تدبير المكائد ضده، ينصب له الفخاخ في الطريق الذي يتوقع أنه يسلك فيه. يرى القديس أغسطينوس[9] أن المرتل قد اشتدت به الضيقة حتى بدت روحه كما في حالة إعياء، وظن المقاومون أنه انهار. لقد أدرك من خلال التصاقه الخفي بالله وانسكاب قلبه وفكره أمامه، أنهم هم الذين سقطوا، وأنه هو قام واستقام (مز 20: 8). إذ عيناه على الرب يهبه الرب أن يخرج قدميه من الشبكة (مز 25: 15). بهذا يصبر إلى المنتهى ويخلص (مت 10: 23). ما يقوله المرتل ينطبق على حال الشهداء الذين وإن قُبض عليهم، وظن الأشرار أن لهم سلطان عليهم، وأنهم قد أخفوا لهم فخًا في الطريق، إذا بالمسيح نفسه هو طريقهم الذي لن يتسلل إليه أي فخ. يقتني الشهداء المسيح نفسه طريقهم، ونصرتهم وإكليلهم! *"في الطريق التي أسلك أخفوا لي فخًا". الرذائل في الباب المجاور للفضائل. في كل طريق يقرر أن يسلكه تُوضع له فيه فخاخ، سواء في الصوم أو الصدقة أو أي عمل صالح آخر[10]. القديس جيروم فإن كان اليهود قد تذمروا، فالتذمر ليس بسبب الضيق، بل بسبب غباوتهم. فعندما اجتاز القديسون تجربة ما، صاروا في أكثر روعة، وصارت مفاهيمهم أكثر ثباتًا. لذلك قال المرتل نفسه: "خير لي أنك أذللتني، لكي أتعلم فرائضك" (راجع مز 119: 71). وقال بولس: "ولئلا ارتفع بفرط الإعلانات ُأعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني، فقال لي: تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرورٍ لكي تحلّ عليّ قوة المسيح. لذلك ُأسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 7-10). ألا ترونه كيف يستيقظ بالأكثر في التجارب، ملتجًأ في الله، إلى درجة عظيمة، فيلتصق به باتقادٍ عظيم، حتى عندما يدخل في أعماق المتاعب نفسها. هذا في الواقع ما يعنيه بقوله: "عندما أعيت روحي فيّ"، وبهذا يظهر بالأكثر مملوء غيرة؟[11] القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أمبروسيوس القديس يوحنا كاسيان الأب أنسيمُس الأورشليمي وَأَبْصِرْ فَلَيْسَ لِي عَارِفٌ. بَادَ عَنِّي الْمَنَاصُ. لَيْسَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ نَفْسِي [4]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "تأملت عن اليمين وأبصرت، فلم يكن من يعرفني. ضاع المهرب مني، ولم يوجد من يطلب نفسي". يتطلع المرتل إلى اليمين، أي إلى حيث يظن أنه يجد من يعينه ويدافع عنه، فإذا به لا يجد أحدًا. يبدو كأن الكل لا يبالون بما بلغ إليه من حالة بائسة، ليس من يبالي بحياته أو خلاصه من الضيق. إنها صرخة بائسة ومُرة: "ليس من يسأل عن نفسي!" أنانية قاسية وخطيرة مع تراخٍ عجيب بخصوص الاهتمام بالغير! يقدم لنا المرتل نبوة عن السيد المسيح المتألم، وقد فارقه تلاميذه، وبقي وحده! يقصد بالتطلع إلى اليمين ليبصر، أنه في وقت أحزانه يلتفت إلى أصحابه وأخص أصدقائه، فإذا بهم كمن لا يعرفونه، بسبب الخوف من أعدائه يظهر أحباؤه كأنهم لا يعرفونه. هذا ما تحقق تمامًا في ليلة تسليم السيد المسيح ومحاكمته، إذ أنكر بطرس الرسول وأقسم ولعن أنه لا يعرف المسيح، ولا يعرف اسمه. يرى القديس أغسطينوس أن من يتطلع إلى اليسار يكون أعمى ولا يرى أحدًا أو شيئًا، أما من يتطلع إلى اليمين فيستطيع أن يرى، لكنه ماذا يرى؟ يرى أنه ليس من يعرفه أو يعينه، فيئن لأنه يشعر بأن المهرب ضاع منه. ليس من يستطيع أن يعينه سوى الرب نفسه. يشعر المضايقون له، بأنهم قد حاصروه وتسلطوا عليه، وليس من يعينه، ولا يستطيع أن يهرب منهم. لقد سقط في الفخ الذي نصبوه هذا ما يظنونه. يطلبون حياته، أي يهلكونه، ولم يدركوا أن حياته الحقيقية هي السيد المسيح واهب الحياة! لقد طلب السيد المسيح من تلاميذه أنهم متى اضطهدوهم يهربون بأجسادهم، لكن أرواحهم لن تهرب، لأن حياتهم في الحقيقة هي المسيح نفسه! *إن كنا نفسر المزمور على أنه خاص باسم الرب، فإن الرب نفسه هو القائل: كل تلاميذي تركوني وهربوا، واحد فقط هو الذي بقي، بطرس الذي وعد: "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (مت 26: 35). مع هذا فهو الذي أنكر ربه. إذ تاب بطرس، قال الرب: "انظر إلى اليمين إليه، ولم يقل أنظر إلى الشمال. "ضاع المهرب مني"، وذلك عندما قبض عليه اليهود. "ليس من يسأل عن نفسي". بالحقيقة كان الكل يصرخون: "اصلبه، اصلبه"[14]. القديس جيروم هذا لا يسبب له ضررًا، بل بالعكس يسبب له نفعًا عظيمًا، إذ يجلبه إلى الدخول في علاقة مع الله. لهذا أيها الأحباء الأعزاء من جانبكم عندما ترون الشرور تتزايد، لا تخور قلوبكم، بل بالأكثر كونوا يقظين. هذا هو السبب الذي لأجله يسمح الله بقيام التجارب، فيهزكم من حالة الخمول، ويوقظكم من النعاس[15]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس ديديموس الضرير 3. أنت نصيبي وملجأي حين يعاني الإنسان من الشعور بالعزلة، ويفارقه كل من كان يتوقع منهم العون، يكتشف أن ملجأه ونصيبه هو الرب وحده. صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. قُلْتُ: أَنْتَ مَلْجَأي نَصِيبِي فِي أَرْضِ الأَحْيَاءِ [5]. إذ لا يوجد ملجأ بشري يتجه المرتل إلى الرب نفسه، فهو ملجأ شخصي له. كأن الله يهتم به وحده، أو كأنه لا يوجد في الخليقة آخر غيره. هذا هو الحب الإلهي يحب الكل فهو إله كل البشرية، ولا يتجاهل أحدًا، ويشعر كل أحدٍ كأن الله قد كرَّس كل إمكانياته من أجله، أنه المحبوب لدى الله، مكانه في أحضانه الإلهية، واستقراره في قلبه العجيب. *لما كان النبي في حصار هكذا، صرخ إلى الرب قائلًا: أنت رجائي ونصيبي، ليس فقط في هذا العالم، بل وفي أرض الأحياء، اعني في الدهر الآتي. الأب أنسيمُس الأورشليمي "نصيبي في أرض الأحياء"، بمعنى ميراثي وكنزي وثروتي. أنت هو كل شيءٍ في ذاتك... "في أرض الأحياء"، إنك دائمًا سندي، تربطني بك في أرض الأحياء، وعلاقتي بك تصير أكثر التصاقًا[17]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس لأَنِّي قَدْ تَذَلَّلْتُ جِدًّا. نَجِّنِي مِنْ مُضْطَهِدِيَّ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنِّي [6]. *"قد اعتزوا (تقووا) أكثر مني". من الذي قال: "قد اعتزوا أكثر مني؟ جسد المسيح يصرخ؛ إنه صوت الكنيسة أعضاء المسيح، تصرخ: "قد اعتزوا أكثر مني"، "لكثرة الإثم تبرد المحبة الكثيرين" (مت 24: 12)[19]. القديس أغسطينوس الآن بالحقيقة هذه ليست علامة اتهام بسبب ما حدث، وإنما إشارة إلى ألم المتألم وضعفه. فإن نظرت إلى ما تستحقه خطاياه فإن هذا التذلل ليس بالكثير، أما أن تطلعت إلى ضعف المتألم، فهو ذل شديد تمامًا. أعني أن في هذا لا يطلب الله العقوبة بحسب الجريمة المرتكبة. فإنه وإن بدا الذل غير مُحتمل بالنسبة للمتألم، فهذا ليس بسبب طبيعة ما حلّ به، وإنما بسبب ضعف الضحية[20]. القديس يوحنا الذهبي الفم *"نجني من مضطهدي، لأنهم أشد مني". أولئك الذين يحاربون ضدنا لهم قوة أعظم مما لنا. إنهم رؤساء هذا العالم[22]. القديس جيروم 4. رجاء وإحسان أَخْرِجْ مِنَ الْحَبْسِ نَفْسِي، لِتَحْمِيدِ اسْمِكَ. الصِّدِّيقُونَ يَكْتَنِفُونَنِي، لأَنَّكَ تُحْسِنُ إِلَيَّ [7]. في وسط الضيق يشعر الإنسان كأنه سجين الضيق والمرارة. وإذ ينقذه الرب يقدم ذبيحة شكر وحمد له. ويلتصق بالأتقياء، ويلتصقون هم به كجوقة تسبيح، تشكر الله على خلاصه العجيب. يرى القديس جيروم أن السجن هنا هو الجسد الذي يقاوم بشهواته رغبات الروح. غير أننا نرى كثيرًا من آباء الكنيسة يتطلعون إلى الجسد كخلقة الله مقدس وصالح، ووزنة يجب الحفاظ عليها وتقديسها بالنعمة الإلهية. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن المرتل صلى لكي لا يدخل في تجربة. ولكن إذا حلت الضيقة احتملها بشكر، وقدم لله حمدًا لاسمه. هذا الشكر وسط الضيق ينزع عنا ثقل خطايانا، وهذا هو نفع أو البركات التي تحل علينا باحتمالنا للضيق بشكرٍ، بجانب أنها تهبنا قوة للتضرع إلى الله وطلب معونته، فلا نتراخي، وبالتالي لا نهلك. يرى القديس أغسطينوس أن عنوان المزمور يشير إلى أن داود النبي كان في الكهف، وكأن السجن هنا هو الكهف الذي كان مختفيًا فيه. يرى أيضًا أن المرتل كان مشتاقًا أن يخرج من الجسد، لكي تنطلق نفسه إلى السيد المسيح، ذاك بالنسبة له أفضل. *ليت الله يقودنا ويُخرجنا من الجسد، عندما يريد. قيل عن جسدنا إنه سجن، ليس لأن الله خلقه سجنًا، لكنه لأنه صار تحت العقوبة خاضعًا للموت. فإنه يوجد أمران يجب التأمل فيهما في جسدنا: عمل الله، والعقوبة التي صرنا أهلًا لها. ربما يقصد بقوله: "أخرج نفسي من الحبس"، أخرج نفسي من الفساد... أخيرًا أيها الإخوة، يقصد كما أظن هكذا: "أخرج نفسي من السجن"، أخرجها من الضيق. فإنه بالنسبة للإنسان الذي في فرحٍ حتى السجن يكون له وسعًا، أما الذي في حزنٍ فالحقل بالنسبة له يكون ضيقًا. فهو يصلي لكي يخرجه من الضيق... إنه ليس الجسد هو الذي يحدر النفس، إنما الجسد الفاسد. ليس الجسد هو الذي يوجد السجن، بل الفساد[23]. القديس أغسطينوس هؤلاء الذين هم غير مبالين وهم في وسعٍ، ييأسون من أنفسهم وهم في الضيق، إذ يصيرون متكاسلين. أما المرتل فاستمر في أن يكون يقظًا عندما تتغير الظروف، فلا تجعله التجربة خائر القلب، بل بالحري تقوده للطلبة والصلاة، ولا يسقط بسهولة في الكسل، بل تقوده أيضًا للشكر... يقول: هذا أيضًا نافع حتى للصديقين، فإنهم سيفرحون ويُسرون ويثبون في تهليل، إذ يروا تحرري من الضيق. نفوس الصديقين كما ترون تحزن مع الذين يتضايقون، ولا يحسدون الذين يصيرون في نجاحٍ، بل يفرحون ويشاركونهم سعادتهم وشبعهم[24]. القديس يوحنا الذهبي الفم "لتحميد اسمك"، أي لكي أمجد بالتسبيح اسمك كما فعل الرب: "أحمدك أيها الآب" (مت 11: 25). "الصديقون يكتنفونني، لأنك تحسن إليّ" يقول الرب: الرسل يكتنفونني (ينتظرونني) حتى أقوم من الأموات[25]. القديس جيروم القديس قيصريوس من آرل من وحي المزمور 142 إلهي، مصدر تعزياتي! *قد نلتزم بالهروب كما في مغارة، حتى نهرب من الأعداء. نهرب لئلا يرانا العدو، الذي لن يكف عن نصب الفخاخ لنا. لينصب فخاخه المخيفة كما يشاء. وقد تضطرب نفسي جدًا. لكن وسط مرارة نفسي تعزياتك تملأني رجاءً. في وسط سجن الضيقات، لن أنسى حنان رئيس الكهنة قد سجنك مقيدًا. يا لغباوته! يسجن من لا تسعه السماء والأرض. مددت يدك للقيود، وسرت إلى السجن بإرادتك. فتلتقي بي أنا السجين لضعفي وأخطائي! التقي بك يا نور العالم في وسط ظلمة السجن. تتعزى نفسي بك، وأحسبها مطوّبة، لأنها تلتقي بالسماوي القدير والمحرر! *في ضيقي أصرخ إليك، مع أنك تسمع أنات القلب مهما بدت صامته وخفية. ترعد نفسي في الداخل، ويصرخ ذهني ملتمسًا عونك. إني أعلم أنك لا تطلب ضجيج الشفتين، لكنك تميل لتسمع صرخات القلب الصامتة. *أسكب شكواي أمامك، مع أنك تعلم كل دقائقها دون أن أنطق بكلمة. أكشف جراحاتي لك، يا أيها الطبيب الإلهي. لست أشكو لإنسانٍ ما، إنما أنسكب أمامك. ترتفع نفسي كما إلى مقدِسك السماوي. *يراني العدو في وسط الضيق، فيظن إني هلكت. حقًا يبدو عليّ كأني قد أشرفت على الموت. لكنني التصق بك، فأقوم وأحيا. أما العدو فبكبريائه يسقط ويهلك. *في ضعفي البشري أنظر إلى اليمين. أنظر إلى من أتوقع منهم عونًا، فإذا لم أجد من يعرفني. هربوا وقت الضيق، وتركوني وحدي. ليس من صديق ولا رفيق، حتى أبي وأمي قد تركاني. من أجلي وقت ضيقك سمحت أن يتركك الجميع. لكنك أنت مع الآب واحد معه في ذات الجوهر. أما أنا في ضيقي، فأراك وحدك، تبسط يديك لي، لتضمني في صدرك. بينما يظن العدو أني سقطت في فخه، إذا بي اكتشف بالأكثر، أنني اثبت فيك أنت حياتي. *إذ تركني الكل وجدت من هو أعظم من الكل. عزلتي دفعتني للالتصاق بك، يا سندي وخلاصي. عزلتي هزتني لأتخلص من خمولي ونُعاسي! في عزلتي أدركت أنك نصيب نفسي. قلت مع إرميا النبي: "نصيبي هو الرب، قالت نفسي". وقلت مع المرتل: "أنت ملجأي، نصيبي في أرض الأحياء". هذا هو وطني، الموضع الذي لن يستطيع العدو أن يقترب إليه. من يدخله لا يقدر أحد أن يسحبه منه. *لك المجد يا أيها المخلص العجيب. سمحت لي بالدخول في ضيق، فتشتهي نفسي الانطلاق بفرح إلى الوطن السماوي. التقي بك وأحيا معك إلى الأبد. |
|