تصميم الكنيسة وتزيينها
ولأن الكنيسة مكان اجتماع الله مع شعبه، فقد اهتم الآباء بشكل بناء الكنيسة وبالأيقونات والرسومات الجدارية التي ترسم فيها، فكل شيء يعكس فكرة سكنى الله مع شعبه.
ولأن الهيكل في الكنيسة هو أقدس مكان فيها، فقد اهتم الآباء بتزيينه برسومات تعبر عن حضور الله بمجده. فنجد في شرقية الهيكل (حضن الآب)، أو في قبة الهيكل، صورة الآب ضابط الكل جالس على عرش يحمله أربعة كائنات غير متجسدة، وفي بعض الكنائس نجد حول العرش، أربعة وعشرون شيخًا محيطين بالعرش، ونجد ملائكة كثيرة، والشمس والقمر، وأحيانًا نجد تحت كل هذا المنظر، رسم للسيدة العذراء مريم في وسط التلاميذ الاثني عشر. وكأن الكنيسة تريد أن تقول بهذه الرسومات أن السمائيين يشاركون المؤمنين على الأرض في عبادتهم.
وهذا المنظر لم يؤلفه آباء الكنيسة من مخيلتهم، بل هو نفس المنظر الذي كشف عنه الله ليوحنا الإنجيلي في رؤيا أثناء نفيه في جزيرة بطمس، فيقول يوحنا الحبيب: "بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوق يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلًا: «اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا». وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ. وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ. وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ. وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ. وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ: وَالْحَيَوَانُ الأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ، وَالْحَيَوَانُ الثَّانِي شِبْهُ عِجْل، وَالْحَيَوَانُ الثَّالِثُ لَهُ وَجْهٌ مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَالْحَيَوَانُ الرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ. وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا، وَمِنْ دَاخِل مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا، وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي». وَحِينَمَا تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا وَكَرَامَةً وَشُكْرًا لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤ 4) (انظر رسم جداري من القرن 18).
وفى هذا البحث أحاول أن أوضح ما هى الأربعة حيوانات غير المتجسدة الحاملين لعرش الله.
مع العلم أنه ليس يوحنا وحده الذي رآهم، بل إشعياء النبي أيضًا رأى مجدهم ونطق بكرامتهم في (أش6: 1-4)، وذكر أن هذه الكائنات هم ملائكة من طغمة السيرافيم والشاروبيم، وأنهم مملؤون عيونًا.
لذلك نجد في دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، مرسومين وهم مملوؤن عيونًا، وكثرة العيون هذه إشارة إلى كثرة معرفتهم وكمال حكمتهم. (بعض الرسومات الجدارية: 1، 2، 3).
وأيضًا رآهم حزقيال النبي (حز1: 4- 28)، وقال إن شبه وجوهها "وجه إنسان ووجه أسد لليمين لأربعتها ووجه ثور من الشمال لأربعتها ووجه نسر لأربعتها.. أما شبه الحيوانات فمنظرها كجمر نار متقدة كمنظر مصابيح هى سالكة بين الحيوانات. وللنار لمعان ومن النار كان يخرج برق. الحيوانات راكضة وراجعة كمنظر البرق".
وداود أيضًا رأى كرامة هؤلاء الروحانيين ونطق بمجدهم قائلًا: "طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح" (مز18: 9، 10).
ومن كل هذا الوصف نفهم أنهم لا يجسرون التطلع إلى وجه الله الحي بل هم قيام ووجوههم إلى أسفل، ومغطاة بأجنحتهم الستة، كما رآهم إشعياء النبي، .فبجناحين يغطون أرجلهم وبجناحين يغطون وجوههم ويطيرون بإثنين. فإن الله بالنسبة لهذه الطغمات غير مدرك ولا يقدرون على الدنو منه، لهذا يتنازل بالطريقة التي جاءت في الرؤيا. ولكن بالرغم من كل هذا فهم أقرب المخلوقات إلى عرش الله. وتدعوهم الكنيسة "الغير المتجسدين (لأنهم كائنات روحية) حاملين مركبة الله". وتعيد لهم الكنيسة في 8 هاتور، وهو يوم تذكار بناء كنائس على اسمهم.