يمثّل المزمور الثاني من مزامير داود النبي نبوّة عن مجيئ المخلّص يسوع المسيح ، وتعرّضه للأضطهاد من الأمم والشعوب وعظماء وملوك الأرض، ولكن من خلال هذه المعاناة ، يصبح ملكاً للملوك ورباً للأرباب ، والمزمور يحذّر ملوك وأمراء وعظماء هذا العالم الذين بدلاً من تكريمه وعبادته يتآمرون عليه ويضطهدونه وبذلك فسوف يلاحقهم العار ويكون سبباً في تدميرهم .والمزمور يتكلم كذلك عن البركة والوعد الذي يمنحها لهم الله لأنهم آمنوا بالملك الحقيقي.
ولتسلسل الفكرة ، بأمكاننا تقسيم المزمور الى أربعة عناوين :
1 - تمرّد الأنسان
1 – ܠܡܵܢܵܐ ܪܓܲܫܼܘ ܥܲܡܸ̈ܐ ، ܘܐܸܡ̈ܘܵܬܼܵܐ ܪ̈ܢܲܝ ܣܪܝܩܘܼܬܼܵܐ 2 - ܩܵܡܼܘ ܡܲܠ̈ܟܸܐ ܕܐܲܪܥܵܐ ܘܫܲܠܝܼܛܵܢܸ̈ܐ ، ܘܐܸܬܼܡܲܠܲܟܼܘ ܐܲܟܼܕܼܵܐ ، ܥܲܠ ܡܵܪܝܵܐ ܘܥܲܠ ܡܫܝܼܚܸܐ . 3 – ܕܲܢܦܲܣܸܩ ܚܢܵܩܲܝ̈ܗܘܢ ، ܘܢܸܫܕܸܐ ܡܸܢܲܢ ܢܝܪܗܘܢ.
(1) لماذا أرتَجَّت الأمم وهَذَّت الشعوب بالباطل (2) قام ملوك الأرض والعظماء أئتمروا معاً على الرب وعلى مسيحه(3) لنقطَع رُبُطهما ونُلقِ عنّا نيرُهما .
يبدأ النبي داود مزموره هذا بالسؤال لماذا ؟ ما سبب تمرّد الشعوب والأمم على مسيح الرب ، ولم يحصل على أجابة شافية لسؤاله، لأنه أساساً لا يوجد سبب منطقي أو حجّة للشعوب والأمم والعظماء للتمرّد على خالقهم ومخلّصهم الذي تنبأ عنه الأنبياء قبل مجيئه و أثناء وجوده بينهم وبعد صعوده الى السماء.
والغريب أن هذه الشعوب والأمم والعظماء الذين كانوا على خلاف معظم الوقت ، أتحدوا في جبهة واحدة على مسيح الرب ، فقد تصالح هيرودس وبيلاطس يوم محاكمة الرب بعد أن كانوا أعداء لزمن طويل ( لوقا : 12 : 23 ) ، ويذكر ذلك أيضاً الرسول بطرس حين ألتقى هيرودس وبيلاطس البنطي مع جموع اليهود في أورشليم للتآمر على مسيح الرب ، وقاموا بتحريض الغوغاء والرعاع على مسيح الرب ، أتفق وتآمر الصدّوقيون والفريسيون ضد المسيح رغم أختلافاتهم في أمور كثيرة ،وحاولوا الأيقاع بالرب بأسألتهم عن الشريعة وتطبيقاتها الحرفيّة ، فقالوا في نفسهم لنكسر قيودنا ، ولنكن أحراراً في أرتكاب الفواحش ، لنكن آلهة أنفسنا ونتخلّص من كل شريعة غير شريعتنا .
2 - جواب الرب
4 - ܕܝܵܬܸ̇ܒܼ ܒܲܫܡܲܝܵܐ ܢܸܓܼܚܲܟܼ،ܘܡܵܪܝܼܵܐ ܢܡܲܝܸܩ ܐܸܢܘܢ 5-ܗܵܝܕܸܝܢ ܢܡܲܠܸܠ ܥܠܲܝܼܗ̈ܘܢ ܒܪܘܓܼܙܸܗ ،ܘܲܒܼܚܸܡܬܸܗ ܢܕܲܠܲܚ ܐܸܢܘ̈ܢ6-ܐܸܢܵܐ ܐܲܩܝܼܡܸܬܼ ܡܲܠܟ݁ܝ ܥܲܠ ܨܸܗܝܘ݁ܢ،ܛܘܼܪܵܐ ܕܩܘܼܕܼܫܝ ܕܢܸܫܬܲܥܸܐ ܥܲܠ ܩܝܵܡܝ
(4) الساكن في السموات يضحك والسيد يستهزئ بهم . (5) حينئذ يكلّمهم بِسُخطه وبغضبه يروعهم . (6) أني مسحت مَلكي على صهيون جبل قُدسي لأخبرَنَّ بحكم الرب.
فيردّ الآب ( كأقنوم مسيطِر) ويعلن أستهزائه وضحكه عليهم وعلى التمرّد وليظهر أزدرائه من التمرّد وغضبه عليهم لعلمه بأن جميع الأمورهي تحت سيطرته، فتآمرهم على الله وحماقتهم أمر مثير للسخرية والضحك ، فهو القائل (( والسيد يضحك منه لأنه رأى أن يومه آتٍ * قد أستلّ المنافقون السيوف ووطئوا قِسّيهم ( أقواسهم ) ليصرعوا البائس والمسكين ويذبحوا المستقيمي الطريق ( المزمور 36 : 13 – 14)) ، ومع ذلك فأن الله يمنح للمتمرّد فرصة للتوبة ، لأنه صبور وطويل الأناة .فأنه مسح ملكاً على صهيون ( جبل قدس الرب ) وأن هذا المسيح هو مدعوم ومؤيد من الرب ، فأذن الرب يسوع المسيح تجسّد ونزل الى الأرض بدعم تام من أبيه ليحكم الأرض ، والرب يسوع المسيح يطلب منّا فقط أن نسأل ( عن طريق الصلاة ) وهذا الوعد أصبح نافذاً منذ معموديتنا , وحكم المسيح بالرغم عدله وحنانه الاّ أنه سوف يكون حازماً تجاه الشر ، وأن قانون الله سوف يكون هو الساري على الأرض .
3 - الملك القادم
7 - ܡܵܪܝܵܐ ܐܸܡܲܪ ܠܝ ܕܒܼܸܪܝ ܐܲܢ̄ܬ ، ܘܐܸܢܵܐ ܝܵܘܡܵܢܵܐ ܝܼܠܸܕ݁ܬܵܟܼ 8 – ܫܐܲܠ ܡܸܢܝ ܘܐܸܬܸ݁ܠ ܠܵܟܼ ܥܲܡܡܸ̈ܐ ܠܝܵܪܬ݁ܘܼܬܼܵܟܼ ، ܘܐܘܼܚܕܵܢܲܝ̈ܟ ܥܸܒܼܪܸ̈ܝܗ̇ ܕܐܲܪܥܵܐ 9 – ܬܸܪܥܸܐ ܐܸܢܘ݁ܢ ܒܫܲܒܼܛܵܐ ܕܦܲܪܙܠܵܐ ، ܘܐܲܝܟܼ ܡܵܐܢܲܝ̈ ܦܵܚܵܪܵܐ ܬܢܲܦܸܨ ܐܸܢܘܢ
(7) قال الرب لي أنت أبني ، أنا اليوم ولدتك . (8) سَلني فأعطيك الأمم ميراثاً لك ، وأقاصي الأرض ملكاً لك . (9) ترعاهم بعصا من حديد وكأناء خزف تحطّمهم .
في هذا القسم يكشف الرب يسوع المسيح أن الله الآب قد منحه سلطان أبيه (( في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله .( يوحنا 1 : 1 )) ويقول في المزمور أعلاه أنت أبني وأنا اليوم ولدتك , وتم تأكيد ذلك يوم معمودية المسيح (( وأذا صوت من السماء قائلاً هذا هو أبني الحبيب الذي به سُرِرتُ . ( متي 3 : 17 )) لذلك يقول الرب : أُطلب مني فأعطيك الأمم ميراثاً لك , وأقاصي الأرض ملكاً لك وهو الوعد الذي أعطاه للأبن الذي له مطلق الصلاحيات بأن يعطينا نحن أيضا كل ما نطلب بالصلاة والصوم ، فما علينا الاّ فقط أن نسأل ، والمسيح سوف يحكم بالعدل ولكن بحزم وسوف يكون قاسياً تجاه الأشرار الذين سوف يحطّمهم كما يتحطّم أناء الفخار .
4 - تحذير الروح القدس
10 – ܗܵܫܵܐ ܡܲܠ̈ܟܸܐ ܐܸܣܬܲܟܲܠܘ ، ܘܐܸܬܼܪܕܵܘ ܕܲܝ̇ܵܢܸ̈ܐ ܕܐܲܪܥܵܐ 11 – ܦܠܘ݁ܚܘ ܠܡܲܪܝܼܵܐ ܒܕܼܸܚܠ̱ܬܼܵܐ ، ܘܐܘܼܚܕܘܼܢܵܝܗ ܒܲܪܬܸܝܬܼܵܐ 12 – ܢܲܫܸܩܘ ܒܪܵܐ ܕܠܵܐ ܢܸܪܓܲܙ ، ܘܬܸܒܼܕܘܼܢ ܡܼܢ ܐܘܼܪܚܸܗ ، ܡܸܛܠ ܕܥܲܕܼ ܩܲܠܝܼܠ ܝܵܩܸ݁ܕܼ ܪܘܓܼܙܸܗ ، ܘܛܘܼܒܲܝܗܘ݁ܢ ܠܟܼܠ ܕܲܬܼܟܼܝܼܠܝܼܢ ܥܠܵܘܗܝ
(10) فالآن أيها الملوك تعقّلوا وأتَّعظوا يا قضاة الأرض. (11) أعبدوا الرب بخشية وأبتهجوا بِرِعْدة . (12) قَبِّلوا الأبن لألا يغضب فتهلكوا من طريقه لأنه بعد قليل يضطرم غَضَبه فطوبى لجميع المعتصمين به .
وأخيراً يأتي تحذير الروح القدس على لسان النبي داود يحذّر المتمردين من حكم الله ويناديهم للتوبة كما أكّد ذلك البشير يوحنا في أنجيله (( ومتى جاء يبكت العالم على الخطيئة وعلى البرّ وعلى الدينونة ، يوحنا 16:8 )) وهنا نلاحظ أن الله ولأنه عادل ورحوم فقد منح المتمرّدين فرصة للتوبة ويساعدهم على ذلك بتعليمهم كيفية الحصول على التوبة وهي ( خدمة الرب بخوف ) أي مخافة الرب وحفظ وصاياه الذي هو واجب على كل خليقة ، بل هو الرقي الى مرتبة الشرف العليا حين نكون مؤهلين لخدمة ربنا وألهنا لكيما ننال الرحمة التي سوف تنقلنا الى الحياة الأبدية وقلوبنا مملوءة فرح وبهجة وسرور ، كما أنه واجب على كل مؤمن تقبيل الأبن فالقبلة هي رمز الحب والعاطفة والولاء والخضوع للرب يسوع المسيح ، فليس عاراً أبداً لكل الخليقة وفي مقدمتهم ملوك وعظماء الأرض أن يتقدموا لقبلة ملك الملوك ، قبلة المحبة والولاء والخضوع ، وليس كقبلة يهوذا الخيانية ، لأن تجاهل ذلك يجلب غضب الرب وعقوبته ، ورفض هديّة الرب المجّانية ( الخلاص ) هي أهانة كبيرة لله ، والتقليل من تضحيات المسيح سوف يجرنا الى غضب الله الذي قد يتّقد في كل لحظة ، فلنكن على أستعداد للنهاية الآتية قريباً ، فيوم الرب قريب لأن في الوقت الذي يعتقد الأنسان أنه في أمان وسلام ، يرى نفسه فجأة أمام النهاية المؤكدة كما جاء في الكتاب المقدّس (( فحين يقولون سلام وأمن فوقتئذ يدهمهم الهلاك بغتة دَهم المخاض للحملى فلا يفلتون . تسالونيكي الأولى 5 : 3 )) .
وفي الأخير يعطينا النبي داود الأمل فيقول لا تقلقوا ، فطالما كنتم محتمين به فتكونوا مباركين حتى في يوم الرب العظيم، فالمزمزور ينتهي بالبركة والنتيجة دائماً هي نفسها ، فالله يصف ذاته فيقول عن نفسه بأنه (( أله رحيم ، رؤوف ، بطيئ الغضب ، غزير في حبه وأخلاصه ، مسامح للشرّ والخطيئة ، ولكن لا يترك الغير تائب دون عقاب )) .