رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نقد وتصحيح: بيان أن الرهبنة لم تنشأ هروبًا من اضطهاد تعرض "Nabia Abbot" -كما ذكرنا في الفصل الأول - للرهبنة فذكر أن".. اضطهادات دبسيوس ودقلديانوس ومكسيميانوس كانت مدعاة لحمل الكثيرين على التوغل في الجهات النائية في الصحارى والجبال في كل أنحاء البلاد": فقال: "….. It was partly due to the Combination of the natural desire for asceticism and the equally natural impulse to flee persecution that Christian monasticism originated and Spread in Egypt….". لكننا يمكننا أن نطمئن إلى القول بأن الرهبنة حب كامل، والذي يخرج الرهبنة قرارًا من أتعاب وضيقات واضطهادات في الغالب لا تثبت رهبنته أو لا يتقدم فيها تقدما روحيًا، ولذا لا يمكننا الأخذ بما ذهب إليه ن. أبوت ويتضح ذلك حليًا مما يلي: لقد انتشرت الرهبنة وامتدت في عهد قسطنطين الملك وبعده، وأكثر الأديرة أنشئت في القرن الرابع والأول للشهداء بعد انتهاء اضطهاد دقلديانوس. قدموا ذواتهم ذبائح حية فهرعوا إلى الجبال والمغائر وشقوق الأرض حبًا في الرب يسوع.. فإذا كان القصد هو الهروب من الاضطهادات، فكيف كانوا يسعون للاستشهاد ويتركون الجبال ليموتوا شهداء؟! ونقول أيضًا لماذا كان الرهبان بعد غارات البربر العنيفة وبعد خراب الأديرة في القرنين الخامس والسادس يعودون إلى الأديرة بأكثر قوة وتبدأ حركة التعمير؟ لماذا كانوا لا يخلدون غلى أماكن أكثر أمنًا؟ إن رياسة البطريرك البابا دميانوس (569-605 م.) ابتدأت في الفترة التي أعيد فيها بناء الأديرة الأربعة. تلك الأديرة التي كانت تنمو في جو يسوده الأمن والسكون نمو النبات في الحقل، وإذا بصوت من السماء تجاوبت أصداؤه في الصحراء يقول: "الفرار.. الفرار، فعمل سكان هذه الأديرة بهذا التنبيه ولاذوا بالفرار. وعلى أثر ذلك انقض البربر على المنطقة كلها وأحلوا بها الخراب، وكان له وقع شديد في النفوس وقد أحزن هذا الأمر البطريرك كثيرًا وكدره كدرًا عظيما.. لكن لم يستمر الحال كذلك. كان هؤلاء القديسون يسلمون حياتهم لله ويتركون بين يديه أمر خلاصهم. يهربون من الشر والتخريب والنهب ثم يعودون إلى أديرتهم يجددونها. منهم من كان يهرب إلى الريف ومنهم من كان يحتمي بالأبراج ومنهم من كان يهرب إلى أماكن بعيدة. وبعد هدوء الحال يعود الرهبان ويعود الإصلاح. إننا إذا سلمنا برأي المعاندين، أن الرهبان خرجوا للأديرة هروبا من الضيقات والأتعاب فمعنى هذا أن الأديرة لم تزدهر في القرن الخامس فقد تعرضت البرية لأعنف الغارات حوالي سنة 408، 410، 444 م.، لكن العكس هو الصحيح، كان هذا القرن زاهرًا في تاريخ الرهبنة، وفي القرون التالية. كان عدد الرهبان يتأثر بسبب الغرات لكن كانت تعود الحالة في ظروف كثيرة إلى أحسن مما كانت عليه ويتزايد عدد الرهبان كما أسلفنا. إن البابا بنيامين البطريرك ال38، لما زار أديرة وادي النطرون حوالي سنة 630 م.، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى، لم يجد إلا القليل من الرهبان، لكن لما فتح عمر بن العاص مصر سنة 640 م. خرج له في طريقه حسب ما رواه المقريزي المؤرخ المشهور - سبعون ألف راهب بيد كل واحد عكازه وسلموا عليه فكتب لهم أمانًا. وإنه وإن كان يبدو أن هذا العدد مبالغ فيه إلا انه يوضح كثرة جموع الرهبان في الأديرة. وأيضًا لما عاد البطريرك أنبا بنيامين إلى كرسيه بالإسكندرية. بعد ما طلب إليه عمر بن العاص العودة إلى مقره آمنًا، حضر إليه رهبان دير الأنبا مكاريوس ليكرس لهم الكنيسة التي بنوها ويذكر أن الأرض كانت تهتز بهم عند مقابلتهم له. قال الآب البطريرك: "لما قربنا إلى الدير خرج للقائنا فتيان بأيديهم سعف النخل وجاء بعدهم الشيوخ حاملين المجامر وصلبانًا يسبحون بألحان وتراتيلن وعندما خرج الشيوخ.. اهتز الجبل جميعه من كثرتهم وصفوفهم مثل جند السماء..". ويذكر التاريخ أيضًا انه في أيام البابا أنبا يعقوب (819 - 830م) انه زار الأديرة وكانت برية شيهيت في هذا العهد كفردوس الرب، وقد تجمع بعد ذلك شمر الرهبان مرة أخرى وعاد الرهبان إلى مقارهم.. أيضًا يذكر التاريخ انه بعد أن خمدت نيران الاضطراب الذي أشعله البربر أصلح البطريرك انبا شنودة (859-881م) دير القديس مكاريوس وأحاطه بسور منيع. ومجمل القول أن الخراب الذي كن يحل بالأديرة والضيقات والأتعاب الكثيرة لم تئن الرهبان عن العودة بل كانوا ينشطون ويتجمعون إليها ويبدأ التعمير والبناء، علمًا بأن حياة الرهبنة في القرون الأولى لم تكن هينة سهلة بل كانت قاسية وعنيفة وفيها يتعرض الراهب لأخطار جسام. كانت المخاوف والأخطار تهدد حياتهم، وكان الحصول على موارد الغذاء أمرًا شاقًا، حتى الحصول على الماء كان لابد من قطع مسافات شاسعة في قلب الصحراء حتى يجد ينبوع ماء، وبعدئذ يعود بالماء تلسعه حرارة الشمس المحرقة. وإذا تقدمت بالراهب السنون وانتابه المرض وأقعده عن القيام وعجز عن التنقل لم يكن له من يهتم بأمره. ناهيك عن العقارب والحيات السامة القائلة التي تنتشر في الصحراء، فضلا عن الوحوش الضارية، وما أشد خطرها العقارب والحيات السامة القاتلة التي تنتشر في الصحراء، فضلًا عن الوحوش الضارية، وما أشد خطرها إذا غربت الشمس وأرخى الليل سدوله - كما أن الصحراء لم تكن تخلو من قطاع الطرق والأشرار المملوئين من كل قساوة. هذا خلافًا للأزمات النفسية العنيفة التي يرى الراهب ذاته منحصرًا فيها وما كان كل ذلك ليزين للراهب المحب لله أن يهرب. فهل هذه هي الحياة التي يتمناها الهارب من الضيقات والأتعاب والاضطهادات؟ الأب عبد المسيح الحبشي في الوقت الحالي -على ما يبدو- يوجد متوحد واحد هو الآب عبد المسيح الحبشي، يعيش منذ أكثر من ثلاثين عاما هذه الحياة، في الصحراء القاحلة بعيدًا عن دير البرموس، أمامه الصحراء الشاسعة ملك لباريها يجوبها كيفما شاء. وإذا تعب فإنه يصنع في الرمال دائرة ويصلب عليها أربعة صلبان من نواحيها الأربعة ثم ينام مطمئنا فلا تقترب إليه العقارب والحيات، وفي الشتاء إذا نزل إلى مغارته ودب دبيب الوحوش والذئاب وسارت الحشرات السامة إلى جواره فإنه لا يخاف سوءًا الآن الرب معه، ولم يحدث في تاريخه كله أن تعرض لأذى من هذا النوع - لأن الوحوش والحشرات السامة بأمر من الله تأنس إليه ولا تؤذيه. ولا يقتات الآب عبد المسيح إلا بالقليل من الخبز الذي يحضره من دير البرموس أسبوعيًا ويحمل معه قليلا من الماء - وبعيد إلينا ذكرى المتوحدين القديسين القدامى في القرون الأولى. ولما زاره أحد الأطباء وشدد عليه النصح بأن يتناول طعاما قليلا كانت إجابته: "طبيبي هو يسوع المسيح، طعامي هو يسوع المسيح، وقوتي هو يسوع المسيح". |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ينظر البعض إلى الموت باعتباره هروبًا من متاعبهم |
صورة وتصحيح |
لورحامة وتصحيح المسار |
الرهبنة الفردية أقوى من الرهبنة الجماعية |
مصادر أمنية: نزوح جماعي لـ«بيت المقدس» إلى غزة هروبًا من الجيش |