معجزة السيدة العذراء بالقلمون
وردت في الكتاب:
The Miracles of the Blessed Virgin Mary (Walis B udge P. 75 - 83)
القصة التالية فترجمنا بعض أجزائها.
كان بدير الأنبا صموئيل كنيسة جميلة على اسم سيدتنا الطاهرة القديسة مريم وكان بالحائط الغربي منها صورة كبيرة عجيبة وقد عاش في الدير قديس يدعى شالورا، وكان قس الدير في ذلك الوقت القديس أنبا اسحق، قلبه ثابت في سلام رئيس الملائكة غبريال لسيدتنا القديسة مريم وما برح بردد دومًا ليلًا ونهارًا التطويبات لسيدتنا العذراء واضعًا ثقة فيها ويؤمن أنها تخلصه بشفاعتها المقدسة المقبولة أمام ابنها الحبيب.
كان منكرًا لذاته جدًا مبغضًا للسبح الباطل، لا يتظاهر بالصوم أو الصلاة أو أية فضيلة بل يتعمد أن يظهر ذاته كأنه محدد الفهم حتى لا يعرف الرهبان الآخرون أعماله وما في طوبة نفسية، واعتاد أن يتصرف بطريقة جعلت الرهبان الآخرين يعاملونه باحتقار.
وحينما كان الرهبان يغادرون الكنيسة كان يتناول الفورة بعض الأعشاب والحبوب. ليخفى محبته للصوم، وكان يصوم بعدئذ حتى نفس الوقت في اليوم التالي وهو الذي يأكل فيه في حضور الرهبان. وإذا كان الرهبان يرونه يفعل هكذا. كانوا في أشد الأسف لحاله.. وظنوا أنه يأكل ثانية في الأوقات العادية وأنه لا يحفظ قانون الرهبان، فتذمروا ضده فيما بينهم.
ولما حان عيد ميلاد سيدتنا العذراء مريم، وكان يوم واحد أول الأسبوع اجتمع الرهبان في الكنيسة لكي يحضروا القداس ويحتفلوا بالعيد، وكان معهم الآب القديس أنبا اسحق وكان قس الدير وأبا الاعتراف.. ورأى الراهب الذي ذكرناه وعه القليل من الحبوب في يده كمن يريد أن يتناولها، فقال الآب اسحق للرهبان: "امسكوا هذا الراهب وخذوا منه البقول التي في يده واتركوه في الكنيسة".
أخذ الرهبان منه الحبوب في عنف طنًا منهم أنه مستهتر بالصوم وبقوانين الرهبنة وأمسكوه في قسوة، فقال لهم الراهب "يا سيدتي اقبلي صلاتي وطلبتي وخلصني، لقد وضعت ثقتي فيك، ومن وضع ثقته فيك لن يخزى أمام ابنك الحبيب، وخلع غطاء رأسه وألقى به في الكنيسة على الحائط الغربي.
وحدثت معجزة عظيمة وخرج الراهب إلى الصحراء عبر فتحة بالحائط وقد بقيت آثارها شهادة المعجزة التي صنعتها القديسة العذراء مريم.
ولما رأى الرهبان ما حدث تعجبوا عجبًا شديدا ثم خرج الرهبان لبحثوا عن الراهب في كل الأماكن الصحراوية، وفي المغائر ولكنهم لم يجدوه، وحزنوا حزنًا شديدًا وكانت قلوبهم متألمة، ووبخهم آب الدير كثيرًا لأنهم كانوا يحزنون الراهب كل حين في استهزاء وازدراء، حتى كان بعض الرهبان يتعدى عليه ويمعن في إهانته.
بعد أن رأوا هذه المعجزة اعترفوا باستقامته وانه كان يحب سيدتنا كلنا القديسة العذراء مريم ويضع ثقته فيها كما سمعوا منه حينما ذهب عبر الفتحة بالحائط. لقد علموا بالتأكيد أن للصلاة القلبية من نفس طاهرة مخلصة أفضل وأكرم من صلاة اللسان، كما قال الرب في الإنجيل المقدس: "متى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلى في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية، ومعنى هذه الآية جمع العقل في الداخل، وفي هذا يقول أغلق بابك - يجب أن تغلق فمك وتصلى بقلبك، لأن صلاة القلب بنفس مخلصة منسحقة خير من صلاة اللسان حينما يكون العقل مشتتًا شاردًا.
الأفضل للإنسان أن يصلى بقلبه كما كان يفعل هذا الراهب في كل وقت، ولم يعلم بذلك أحد.
وقد ذهب الرهبان إلى الأسقف وأخبروه بكل هذه الأمور، ولما سمع الأسقف بدوره أعلم رئيس الأساقفة بما سمعه حين دفع الراهب بغطاء رأسه في الكنيسة وخروجه إلى الصحراء.
ولما سمع رئيس الأساقفة بهذه الأمور فرح كثيرًا وأرسل إلى دير الأنبا صموئيل بطلب غطاء الرأس لكي ينال بركة منه..
وكان الرهبان قد وضعوه في صندوق نمين بالكنيسة تذكارًا للمعجزة التي صنعتها القديسة العذراء مريم،وطلب أيضًا إلى الأسقف أن يتوجه إلى الدير بالقلمون ليبعث إليه به فأطاع وأخذ الغطاء من داخل الصندوق الذي تحفظ فيه كنوز الكنيسة وتبارك منه، ثم مضى إلى الحائط الذي انشق وأخذ بركة من الفتحة التي بقيت وسجد للرب يسوع محب البشر ثلاث سجدات وتبارك من الأيقونة المقدسة التي للسيدة العذراء، ومسح جبهته بزيت القنديل الذي كان مضيئًا باستمرار أمام الأيقونة وترك الدير..
وسمع الخبر في كل المدن والقرى التي حول الدير فمجدوا الله وطوبوا القديسة العذراء صاحبة هذه المعجزة إذا انشق الحائط دون معول وخرج منه الراهب إلى الصحراء.
شفاعات العذراء القديسة مريم تكون معنا آمين.