هل يمكن أن يكون الإنسان وليد تطوُّر القردة؟
س53: هل يمكن أن يكون الإنسان وليد تطوُّر القردة؟
ج: قال التطوُّريون أن الإنسان هو نتيجة تطوُّر أنواع من القردة، فأجسام بعض القردة مثل الأورانج والغوريلا ضخمة مثل جسم الإنسان، وقامة بعض القردة كالشمبانزي معتدلة مثل الإنسان، ودم بعض القردة كالليمور (النساس) يشابه دم الإنسان.
وبالرغم من أن الإنسان قريب من القردة في الأمور السابقة، وأيضًا في الناحية السيكولوجية، ولكن هناك فروق ضخمة بين الإنسان والقردة لا يمكن غض البصر عنها، ومن أهم الاختلافات بين الإنسان والقردة ما يلي:
أ - الشعر:
يُولد الإنسان بجلد أملس ثم ينمو لديه الشعر، بينما تُولد القردة بجلد مُشعر، وهذا الشعر يصاحب الحيوان طوال حياته.
ب- المشي على أربع:
بينما تمشي القردة على أربع، فإن الإنسان يمشي على قدميه فقط، وذلك لأن تركيب اليدين والقدمين في الإنسان يختلف عن الحيوان، ولهذا يمشي الإنسان معتدل القامة تمامًا بدون أي عناء، ويقول "الدكتور حليم عطية سوريال": "أن الإنسان مخلوق منتصب القامة يمشي على قدمين والقرد حيوان يمشي على أربع، وهذا فرق عظيم لأن انتصاب قامة الإنسان يستدعي تركيبًا مخصوصًا لقدميه وطول طرفيه السفليين وهيئة عموده الفقري بل وتركيب هيكله العظمي كله، ويمكن القول أن قدم الإنسان بمفرده عضو فريد لا شبيه له في المملكة الحيوانية" (68).
ج- القفز والتسلق:
تتسلق القردة الأشجار بسهولة ويسر وسرعة ورشاقة، يساعدها في هذا تركيب الأصابع، واستخدام الذيل كيد خامسة، أما الإنسان فلا يستطع أن يباري القرد في هذا، ولا حتى الأفارقة الذين يقطنون الغابات لا تصل مهارتهم وسرعتهم إلى مهارة وسرعة القردة، لأنهم لا يملكون ما تمتلكه القردة من تركيب جسماني يساعدها على القفز والتسلق.
د - حجم الجمجمة:
هناك فرق كبير بين جمجمة القردة وجمجمة الإنسان، فجمجمة الإنسان أكبر من جمجمة القرد بأكثر من ست مرات، فنسبة جمجمة القردة المتقدمة كالشمبانزي إلى جمجمة الإنسان الأسترالي الأصلي (أدنى أنواع البشرية) = 16: 99، بينما تبلغ نسبة جمجمة الإنسان الأسترالي الأصلي إلى أكثر الناس تقدمًا 99: 112، فواضح أن الفرق بينهما بسيط (13 نقطة) بينما الفرق بين القردة والإنسان الأسترالي (83 نقطة) فالإنسان إذًا يتميز بكبر حجم الجمجمة واستدارتها، وصغر الفكين وعدم بروزهما للأمام، ووجود الذقن، وضمور عضلات صوان الأذن.
ه- المخ:
(1) يبلغ وزن مخ أرقى أنواع القردة 400 جم، بينما يبلغ وزن مخ أدنى أنواع البشر 1400 جم.
(2) في القردة تجد المخ خلف الرأس ومقابل الوجه، بينما في الإنسان يوجد المخ فوق العمود الفقري.
(3) عدد الخلايا العصبية في مخ القردة نصف مليون خلية، بينما في الإنسان تبلغ الضعف.
(4) نسبة حجم المخ إلى حجم النخاع الشوكي في الأسماك 2: 1 وفي الزواحف 5ر2: 1 وفي الطيور 3: 1 وفي الثدييات 4: 1، بينما تقفز في الإنسان إلى 33: 1، وهو يؤكد التمايز العظيم للإنسان عن بقية الكائنات.
و - العقل:
يتميز الإنسان عن القردة بنسبة الذكاء العالية، والقدرة على التفكير والإدراك والتحصيل والتطوير والتعليل، والتمييز، وربط الظواهر بالأسباب والاستنتاج، والابتكار والارتقاء، والسيطرة على الكائنات والبيئة.. إلخ. مما جعل الإنسان ملكًا على الخليقة وعندما قال التطوُّريون أن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد هو إنسان بجسم الإنسان الحالي، ولكنه أضعف في العقل، تساءل " الدكتور حليم عطية": "كيف يمكن لمخلوق ضعيف الجسم وضعيف العقل أن يعيش وحوله الأسد والفيل والدب والنمر وغيرها من الحيوانات المفترسة، فعمري أن هذا المخلوق لا يصلح لشيء إلاَّ أن يكون فريسة ولقمة سائغة لها" (70).
والذي يقول أن الإنسان وليد تطوُّر المادة، وقد وُجد بدون خالق، في الحقيقة هو لا يُعمِل عقله، فأقل شيء يُقال أن من خواص المادة أنها لا تشعر ولا تفكر ولا تحس، فهل الماء عندما يتحوَّل إلى جليد يتألم؟! أو عندما يتحوَّل إلى بخار يتأوه؟! والهيدروجين عندما يحترق هل يحس؟! فهل تغيرت خواص المادة عندما صارت كائنًا حيًّا فأصبحت تحس وتشعر؟! وكيف تهب المادة غير العاقلة عقلًا للكائنات الحيَّة؟! وقال " بردياييف": "أن الماركسيين لم يحاولوا أبدًا أن يفسروا كيف يمكن للوجود المادي أن يتحوَّل إلى تفكير ووجدان؟!" (71) وكيف تهب المادة التي لا إرادة لها، بل تسير بحسب نواميس الطبيعة الثابتة، أن تهب الإنسان حرية الإرادة..؟! أنظر للإنسان الذي يفكر ويشعر بذاته بالرغم أن معظم الخلايا التي عاش بها منذ عشر سنوات قد تغيَّرت، ومع هذا فالإنسان كما هو لم يشعر أنه صار إنسان آخر، ومازال يربط حاضره بماضيه، لأنه يتمتع بروح خالدة تهبه الحياة، وعندما تخرج يتحوَّل الجسد إلى جثة هامدة، فمخ الإنسان الميت لتوه هو هو لم يتغير كثيرًا، ومع ذلك فقد توقف عن العمل تمامًا.. لماذا؟ لأن الروح قد فارقته ففارقته الحياة، وأصبح مجرد مادة لا تحس ولا تشعر ولا تفكر ولا تدرك.. إلخ.
ومهما اقتربت بعض أنواع القردة مثل الشمبانزي والأورانج من الإنسان، من جهة التشريح والدم والإصابة ببعض الأمراض، لكن مازالت الهوة سحيقة بينهما، والفارق النفسي يفوق مليون مرة الفروق التشريحية، فمن الناحية النفسانية نرى الإنسان سيد الخليقة بلا منازع رغم أن جسده أضعف كثيرًا من كثير من الحيوانات، فهو لا يمتلك قوة الحيوانات المتوحشة ولا إبصار الصقر الثاقب الذي يُكبّر الصورة ثمانية أضعاف، ولا ولا.. ورغم هذا فهو مَلك الخليقة كلها، وقد أقرَّ العلماء أنه من المستحيل أن يكون عقل الإنسان هو تطوُّر لعقل القردة، فالفرق ليس في كمية الذكاء ولكن في نوعه، فالإنسان طراز آخر، مما دعى " والاس " Wallace شريك " داروين " في ابتكار نظرية التطوُّر أن يعترف بأن تحوُّل القردة إلى إنسان لا يمكن حدوثه بدون تدخل إلهي (راجع دكتور حليم عطية سوريال - تصدع مذهب داروين ص 52 - 57).
وقال العالِم الألماني " فون باير " أن الرأي القائل بأن النوع الإنساني متولد من القردة هو بلا شك ضرب من الجنون، حيث ينقل إلى أخلاقنا جميع الحماقات الإنسانية مطبوعة بطابع جديد، كما أنه لا يوجد دليل على هذا الرأي المُضحك من جهة الاكتشافات الحفرية، وقال " فيركو" أستاذ علم الأنثربولوجيا " يجب عليَّ أن أُعلن بأن جميع الترقيات الجسيمة التي حدثت في علم الأنثربولوجيا السابقة على التاريخ تجعل القرابة المزعومة بين الإنسان والقردة تبعد عن الاحتمال بعدًا كاملًا. فإذا درسنا الإنسان الحفري في العهد الرابع فهو الذي يجب أن يكون الإنسان الأقرب إلى أسلافه، نجد إنسانًا مشابها لنا كل الشبه، فإن جماجم جميع الرجال الحفريين تثبت بطريقة لا تقبل المنازعة أنهم كانوا يؤلفون مجتمعًا محترمًا للغاية، وكان حجم الرأس فيهم على درجة يعتبر الكثير من معاصرينا أنفسهم سعداء إذا ما كان لهم رأس مثله" (راجع القمص بولس عطية - دراسات في علم اللاهوت ص 28، 29).
ز - النُطق:
الإنسان هو الكائن الوحيد الناطق الذي يُعبر عن أفكاره بكلماته، ويُعبر عن سروره بابتساماته وضحكاته، ويعبر عن أسفه بحزنه ودموعه، ويستطيع أن يتواصل مع الآخرين، ناقلًا تراثه الحضاري، فدُعي الإنسان بالحيوان الناطق الضاحك، وحتى الببغاء الذي يُكرّر بعض الكلمات يعجز عن النطق بكلمات جديدة، معبرًا بها عن نفسه. وكل حيوان له صوته الذي لم ولن يتغير قط، فالكلاب مازالت تنبح لن تصهل كالخيل يومًا، ولن تصدر مواء القطط يومًا.
ح - التدين:
عندما خلق الله الإنسان على صورته ومثاله وضع بداخله حقيقة وجوده، ولذلك نجد الإنسان يسعى دائمًا نحو الله، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه الشعور الخفي بوجود الله، ودائب البحث عنه، ولذلك أرتبط بالعبادات منذ فجر حياته، وقد تجد مجتمعًا بدائيًا يعيش في الجبال أو الغابات بدون مدارس ولا مستشفيات ولا محاكم ولا مسكن مستقر ولا أية وسائل حضارية تساعده على تنظيم حياته، ولكن لن تجده بدون التعبد لإله معين، وما الديانات الوثنية إلاَّ هي محاولات بحث الإنسان عن الله، ولا تجد أي قبيلة بدائية ليس لديها ميول دينية، ولن ترى قردًا يقف منتصبًا يصلي، فالشعور الخفي بوجود الله شعور عام بين جميع الأجيال على مر التاريخ، هو شعور دفين داخل النفس البشرية كقول الحكيم " جعل الأبدية في قلوبهم" (جا 3: 11) ولهذا يقول داود النبي " يا الله إلهي أنت إليك أبكر. عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" (مز 63: 1) وقال القديس " أغسطينوس": "أن الله نصب في داخل الإنسان ديوانًا جعل العقل قاضيًا، والضمير مدَّعيًا، والفكر شاهدًا، وكتب بأصبعه آيات وجوده، ووحدانيته، وأزليته، وعنايته بالعالم" (72) كما قال أيضًا " إن قلوبنا ستظل مضطربة إلى أن تستريح فيك يا الله"، ويقول "ترتن": "هذا الاعتقاد غريزي في الإنسان وهو جزء من طبيعته البشرية.. فمما يؤكد لنا أنه غريزي هو كونه قويًا في الجميع، حتى في الذين يشهدون دفن أحبائهم في القبر! وهنا نسأل أنفسنا: هل يُعقل أن يغرس الله في الإنسان اعتقادا مثل هذا لو كان باطلًا" (73).
ومن الطريف يقول "وورمبلاند": "إني أعرف مُلحدًا وظيفته إلقاء المحاضرات الإلحادية، ومنها كان يكسب عيشه، كان قبل كل محاضرة يرفع وجهه إلى الله مُصليًا طالبًا إنجاح مجهوده" (74) ويقرُّ العلامة " كلارك" (1675-1729) تلميذ وصديق داروين في كتابه " إثبات وجود الله " قائلًا: لأجل أن أُثبت وجود الله أستلفت نظر القارئ إلى أننا نحمل أنفسنا فكرة عن الأبدية اللانهائية، وهي فكرة يستحيل علينا أن نلاشيها أو نطردها من عقولنا، وهي صفات يجب أن يكون موصوفًا بها كائن موجود (راجع الأسقف إيسيذورس - الإخاء والسلم بين الدين والعلم ص 37 - 43).
ويقول "ريتشار وورمبلاند": "أن النفس البشرية في هذا الوجود بدون الله هي أشبه ما تكون بجبل من الجليد في وسط محيط العالم، وما أغبى أن يظن الإنسان في نفسه أنه لا يزيد عن نتيجة تفاعلات بعض العناصر الكيماوية. إننا بحاجة إلى أب مُحب، إلى أب سماوي يهبنا الدفء والنور والمحبة" (75).
وقال الفيلسوف الفرنسي " ديكارت" (1596-1650) " إني مع شعوري بنقص ذاتي أحس في الوقت ذاته بوجود ذات واجبة كاملة. وأراني مضطرًا للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلية بجميع صفات الكمال وهي الله.. إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلاَّ كنتُ أعطيتها سائر صفات الكمال التي أدركها. إذًا أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة على جميع صفات الكمال" (76).
ط- الطبيعة الأدبية والضمير:
يتمتع الإنسان بطبيعته الأدبية في الحب الأسري والصداقة والإيثار والتضحية، ويتمتع بالأخلاق والبُعد عن الوحشية، ويتذوق الفن والموسيقى، وكل هذا يفتقده الحيوان، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وقال الفيلسوف "عمانويل كانت": "شيئان يملأن نفسي روعة وإعجابًا لا يفتان يتحددان وهما السماء ذات النجوم فوق رؤوسنا، والشريعة الأدبية في داخلنا" (77).
أما الضمير فقد أودعه الله في داخل الإنسان، فهو يعبر عن صوت الله، والضمير مثل العين التي تميز بين الأبيض والأسود، فهي لم تصنع هذين اللونين، ولكنها فقط تميز بينهما، وهكذا الضمير فهو يميز بين الخطأ والصواب، فيرفض الخطأ ويقبل الصواب، وعندما يهم الإنسان بفعل الشر يشعر وكأن هناك يدًا تمسك به، وعندما يغالب هذا الشعور ويفعل الشر، يقع تحت وطأة تأنيب الضمير حتى أن الموت يصبح أخف وطأة من عذاب الضمير، وهذا ما حدا ببعض المجرمين الذين لم تكتشف الشرطة أمرهم، للاعتراف وتلقي العقوبة، حتى لو وصلت إلى حد الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام. وقد يحتج البعض قائلًا: إن ما أراه أنا خطأ بحكم ضميري قد يراه غيري صوابًا، والعكس صحيح.. أقول له أن الضمير في الأصل هو ضمير صالح، ولكن اشتهاء الشر يقلب المعايير، ويتصرف الإنسان طبقًا لما خزنه العقل من مبادئ وأحكام وما تلقاه في نشأته الأولى، فحكم الضمير هو حكم نسبي وليس حكمًا قاطعًا، وكلما كان الضمير صالحًا كلما كان نقيًا وحساسًا. وجاء في كتاب " نظام التعليم " مجلد (1) ص 150، ومجلد (2) ص 140 - 146 " لو لم يكن الضمير من كيان الإنسان لما أمكن للتربية أن توجده فيه، ولكان الإنسان، في هذه الحالة، مثل الحيوان لا يتقيد بناموس أدبي، وكما أن الإنسان المولود أعمى لا يقدر أن يميز الألوان، ولا الأصم أن يميز الأصوات كذلك، لو وُلد الإنسان بغير ضمير لكان كائنًا غير مسئول لعجزه عن التمييز بين الخير والشر، وهذا غير الواقع لأن الضمير أصلي في الإنسان.. وليس أدل على وجوده من ميل المخطئ للندم عن خطئه والاعتراف به ولو كان جريمة، ويلزم في حكم الضمير علينا فيما يجب وما لا يجب، وجود شريعة أدبية سلطانها من فوق، وإننا رعايا حكومة أدبية عليا، الضمير سفيرنا فينا فمن هو هذا الحاكم الذي هذه شريعته، وهذا سفيره فينا؟ مَن هو..؟ ألاَّ يضطرنا هذا التسليم بوجود قوة أدبية حاكمة موجهة خلف الوقائع في الكون؟ نعم! بل وتضطرنا للتسليم بأن هذه القوة عاقلة وأدبية لأنها جعلت في الإنسان ناموسًا يأمره بأن يفعل الصواب، ويشعره بالذنب وعدم الراحة حين يفعل الخطأ.. وهذه القوة العاقلة الأدبية لا يمكن أن تكون مادة، لأن المادة لا تعقل، ولا تسن قانونًا، فهي، إذًا، كائن عاقل أدبي قادر غير محدود، وليس هو سوى الله" (78).
ى - التناسل:
بينما ترتبط الثدييات الأدنى بموسم مُعين للتناسل فإن الإنسان لا يرتبط بموسم معين.