|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
03 - 07 - 2014, 04:00 PM | رقم المشاركة : ( 61 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
دور الدولة في الوقاية من المخدرات وعلى الدولة يقع عبء كبير للوقاية من الإدمان، وذلك بحكم امتلاكها لوسائل الإعلام المختلفة، وبحكم ما لديها من أجهزة الضبط، وما تسنه من قوانين.. إلخ. فيمكن للدولة: 1- إحكام المنافذ لتقليل كمية المخدرات التي تهرَّب إلى داخل البلاد إلى أقل حد ممكن، وذلك عن طريق التعاون بين وزارة الداخلية والقوات المسلحة، مع الحزم في مواجهة المهربين وتجار المخدرات والموزعين. 2- منع الصيدليات من صرف الأدوية التي تشمل أنواع من المخدرات بنسب متفاوتة مثل أدوية السعال والأدوية المهدئة والمنومة بدون تذكرة طبية. كما يجب التنبيه إلى بعض شركات الأدوية التي تطرح أدوية للكحة أو الصرع، وتحتوي هذه الأدوية على نسبة من المواد المخدرة، فيسئ المدمنون استخدامها، وتحقق هذه الشركات أرباح طائلة من بيع هذه الأدوية بدون تذاكر طبية، حتى تستيقظ الدولة وتسجل هذه الأدوية في جدول المخدرات، ومراقبة صرفها من الصيدليات. 3- عمل كشف دوري على السائقين ولاسيما سائقي النقل الثقيل قبل تجديد رخصهم، مع عمل دوريات مفاجئة على الطرق السريعة وأخذ عينات من الدم وتحليلها واكتشاف الحالات التي تتناول المواد المخدرة. 4- إنشاء مراكز للعلاج منفصلة عن مستشفيات الأمراض العقلية حتى نشجع المدمنين على العلاج دون أن نسيء إلى سمعتهم كما يتصوَّرون هذا. 5- التوعية بمخاطر الإدمان سواء على المدمن أو على أسرته أو على المجتمع كما رأينا في الجزء الأول مع الاستخدام الجيد لوسائل الإعلام، والإعلان عن أماكن وتليفونات مراكز العلاج، والحذر كل الحذر من الإعلام الخطأ، فمثلًا الأفلام التي تُظهر تاجر المخدرات على أنه يعيش حياته كملك يمتلك كل الإمكانات من قصور ذات حدائق غناء وحمامات سباحة، وهو يتمتع بما لذ وطاب، ويرفل في سعادة غامرة، ولا يقدر أحد أن يقف في طريقه، وذلك على مدار ساعات الفيلم، وفي ثوان قليلة ومع نهاية الفيلم يحل العقاب السريع على هذا الرجل، فمثل هذه الأفلام هي في الحقيقة تعتبر دعاية جيدة للمخدرات. كما إن الأفلام التي يقع فيها البطل في الإدمان فيقوم بحركات بهلوانية مضحكة، ويظل البطل يقدم الأدوار الكوميدية بفضل المخدرات ويسلط المخرج الأضواء على الرذيلة وكأنه يريد أن يلبسها ثوب الفضيلة، بينما تأتي التوبة مثل المولود السقط الذي تهرب منه الأضواء، وكأن التوبة هي الموت والنهاية.. حقًا إن مثل هذه الأفلام تشجع الشباب الذي يحب روح المغامرة الخوض في تجربة الإدمان متمثلًا ببطل الفيلم. كما إن البرامج التليفزيونية التي يقدمها أحد نجوم الشاشة الصغيرة بدون الاستعانة بالمتخصصين في هذا المجال تأتي بنتائج عكسية، لأن الجمهور يحترم وجهة النظر العلمية الصحيحة. 6- لا يكفي منع المواد المخدرة لأن المدمنين قادرين على إيجاد البدائل مثل شم السوائل النفاذة، وشم الدخان المتصاعد من حرق الصراصير.. إلخ. ولكن يجب بالأكثر الاهتمام بالتوعية والعلاج المبكر. 7- قيام الأحزاب بعمل ندوات في مراكز الشباب، مع دعوة المتخصصين في هذا المجال، وطرح القضية كما هي للمناقشة بدون تهوين وبلا تهويل. 8- إقامة الخط التليفوني الساخن بين مراكز العلاج ومن يريدون الاستفسار أو المساعدة الطبية الخاصة بالإدمان، وهذا ما أقامه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وجمعية كاريتاس، وربما جهات أخرى. 9- التعاون مع الهيئات الأهلية والأجنبية التي تعمل في نفس مجال مكافحة الإدمان، والاستفادة من خبراتها وتبادل المعلومات معها. 10- عمل دورات تدريبية لتوعية رجال الدين حتى يمكن تناول الموضوع خلال الخطب والعظات بطريقة علمية، وهذا ما يحدث فعلًا الآن إذ تستقبل محافظة الإسكندرية بعض رجال الدين الإسلامي والمسيحي من المحافظات المختلفة لدراسة أحد المواضيع التي تمس المجتمع المصري مثل الإدمان، وتحديد النسل، والزواج العرفي، والعنف.. إلخ. 11- اهتمام وزارة الصحة بالمؤسسات العلاجية المتخصصة والمجانية، وتوفير الأطباء والأخصائيين المدربين، والاحتراس الشديد حتى لا تصل المخدرات داخل هذه المراكز. 12- الاهتمام بالذين ساءت حالتهم، مع محاولة إقناعهم لدخول المستشفي للعلاج حتى يمكن حماية المجتمع من مخاطرهم الرهيبة، وحماية أرواح المواطنين الأبرياء من شرهم. 13- دراسة ما وراء الجريمة، فعند وقوع الجريمة يجب البحث عن الدافع لها، فمثلًا وُجِد أن جرائم العنف مرتبطة بإدمان الأفيون ومشتقاته من مورفين وهيروين، ومرتبطة أيضًا بالأمفيتامينات والكوكايين ومواد الهلوسة والكحوليات، وإن جرائم التزوير والتزييف والسرقة مرتبطة بإدمان الحشيش، وحوادث الطرق مرتبطة بإدمان المخدرات عامة. 14- تشجيع النشء على القراءة، ولاسيما في ضوء المشروع الناجح الخاص بالقراءة للجميع، بالإضافة إلى فتح المكتبات العامة للقراءة، ويا ليت الكنيسة تقدم مشروع مماثل لمشروع القراءة للجميع بحسب ما تسمح به الإمكانات المادية. استضافت إذاعة الشرق الأوسط يوم 31/10/2002 الساعة 12 ظهرًا في فقرة شباب القلب الأستاذ هشام عباس رئيس جمعية مكافحة الإدمان بمجلس الشعب، ومن الأمور الطريفة التي ذكرها أن الدولة في سنغافورة نجحت تمامًا في القضاء على التدخين في الشوارع العامة، وذلك أنها فرضت عقوبة غريبة على المدخنين فلا يجرؤ أحد على التدخين في شوارع سنغافورة، وهذه العقوبة فورية، فرجل الشرطة الذي يحفظ نظام الشارع إذا لمح إنسان في يده سيجارة فإنه يوقفه في الحال مهما كان مركزه الاجتماعي ويضربه قلمًا على قفاه، وفي مترو الأنفاق بالقاهرة لا تجد إنسانًا يدخن لأن التدخين ممنوع أولًا ولكن الأهم من هذا أن هناك رقابة في التنفيذ، فمن يُضبَط يدفع غرامة مالية فورًا.أما في بقية المواصلات العامة فإنه رغم أن هناك قانونًا بعدم التدخين لكنه يُداس تحت الأقدام بسبب انعدام الرقابة على التنفيذ. كما أن هناك تشريعًا بمنع بيع السجائر لأقل من ثمانية عشر عامًا ولا يحترم هذا التشريع. وفي مصر توجد فتوى بأن من حق أحد الزوجين تطليق الآخر إذا كان مدخنًا، وإن كان يخاف من انهيار الأسرة فإنه يظل ينهاه. أما المدرس الذي يدخن في الفصل الدراسي فإن من حق الطالب الإبلاغ عنه بالاتصال بتليفون 6855314، 5889104، وإذا كان البلاغ صحيحًا فإن الطالب الذي قام بالإبلاغ يحصل على مكافأة مالية قدرها مائة جنيهًا، ولاسيما أن نسبة المدرسين المدخنين تبلغ 56% بينما تبلغ نسبة الأطباء المدخنين 42%.. فأين القدوة..؟! بل إن هناك شركات تنتج أنواعًا من السجائر للسيدات بألوان جذابة تتناسب مع ملابسهنَّ، وهذا سيزيد من عدد المدخنات في المستقبل القريب. كما لاحظنا ارتفاعا ملحوظًا في نسبة السيدات اللاتي يستخدمن الشيشة على المقاهي ولاسيما في المحافظات الشاطئية. وفي الحرم الشريف من يُضبَط وهو يدخن فإن هناك فتوى صادرة من المملكة العربية السعودية بالحكم عليه بالإعدام. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:00 PM | رقم المشاركة : ( 62 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
نماذج من برامج الوقاية من الإدمان هناك أمثلة من برامج الوقاية التي تم استخدامها في الخارج وثبت نجاحها، ومن أمثلة هذه البرامج ما يلي: أ- برنامج أوهايو أ- برنامج أوهايو:ب- برنامج الحب الخشن ج- برنامج خاص بوسائل المواصلات ويستخدم هذا البرنامج في مرحلة الطفولة منذ ثلاث سنوات، ويهدف إلى بناء المناعة الشخصية، فيتعلم الطفل أن يكون متميزًا، ويقدر أن يقول "لا" للأمور الخاطئة، ويزرع هذا البرنامج في الطفل الثقة بالنفس، ويعلمه كيف يتخذ القرار الصحيح، والاستقلالية وعدم الانقياد للأصدقاء، وعدم استخدام العقاقير إلاَّ عند الضرورة الملحة، ويستخدم البرنامج في هذا القصص والأناشيد الهادفة، والعرائس المتحركة، وتلوين الصور مع الإجابة عن الأسئلة البسيطة التي تثبّت الحقيقة في ذهن الطفل، والإعلانات التليفزيونية فمثلًا لا نقول للطفل إن التدخين يقتل وإنما نقول له أنه يؤثر على ممارسة رياضته المفضلة، ونقول للطفلة إن التدخين يغير لون أسنانها البيضاء إلى لون قبيح، وإن كان التليفزيون الأمريكي يعرض صحبة من الرجال يمتطون جيادهم بين السهول الخضراء ثم يجلسون للراحة وهم يشعلون السجائر، فإنه يتم عرض نفس الإعلان للأطفال مع تغيير النهاية إذ يقدم أحد المارة سيجارة لأصحابه فيجيبونه "نحن لا ندخن" وهذا البرنامج يستمر حسب مراحل التعليم. ب- برنامج الحب الخشن Tough love (تكساس): والذين وضعوا هذا البرنامج هم آباء وأمهات المدمنين الذين ساءت حالتهم، وقد اكتشفوا أخطاؤهم بعد فوات الأوان، فكوَّنوا رابطة لمكافحة الإدمان، وذلك بتوعية الآباء والأمهات لكي يحرصوا على الاهتمام بأبنائهم ولا يدلّلوهم حتى لا يسقطوا في الأخطاء التي سقط فيها أولئك وتسببت في فقدان الأبناء. ج- برنامج خاص بوسائل المواصلات (لوس أنجيلوس): وهو يهتم بالسائقين، والشركات التي يلتزم بهذا البرنامج تقوم بعمل تحليل فجائي للسائقين والعاملين بها، ومن يثبت تعاطيه المخدر عليه أن يخضع لبرنامج علاجي أو يُفصَل من عمله. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:01 PM | رقم المشاركة : ( 63 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
طرق العلاج من الإدمان ملاك السلامة: حكى لي أحد أساتذة كلية الطب المتخصصين في علاج الأمراض العصبية والطب النفسي هذه القصة الواقعية والتي تفتح باب الرجاء لكل مدمن صادق مع نفسه ويريد الحياة. كان الأستاذ أمين (الأسماء مستعارة) إنسانًا أمينًا ناجحًا في عمله ملتصقًا بالرب، يقضي صباح يومه يجول ويصول بين ساحات المحاكم المختلفة في صدق مع نفسه وإيمان بما يدافع عنه أنه من الحق ولأجل الحق يبذل قصارى جهده، وفي المساء يستقبل رواده من الذين عانوا ظلم الأيام وأحنى عليهم الدهر، ويسهر حتى ساعة متأخرة متجولًا بين صفحات الكتب والمراجع يقدح زناد فكره في توظيف مواد القوانين لصالح موكله المظلوم، فأحبه الناس ووثقوا فيه وتفاءلوا به، إذ دائمًا تجده مبتسمًا متفاءلًا يفيض وجهه بالسلام ويشع بالطمأنينة فيمن حوله موجهًا نظرهم إلى اليد العليا التي تدبر كل أمور حياتهم. أما الزوجة الوفية "ميري" فكانت تسهر على راحة زوجها أمين، وتشد من أزره، وتدعو الله من أجله، وكان للأستاذ أمين أربع بنات يشعن البهجة في البيت، حتى كان يهيء له أنه يعيش ملكًا وسط مملكته الصغيرة، ولكن بين الحين والحين كانت تهفو نفسه حول الولد الذي يخلد اسمه، وكانت زوجته تلاحظ هذا، وتصلي لله وتتشفع بالقديسين لكيما يحقق الله أمل زوجها الصعيدي الذي مهما وصل إلى درجات العلم والمجد والنجاح فإنه سيظل مرتبطًا بالولد. وحقق الرب رغبة الأستاذ أمين، ورزق بالطفل رفيق الذي صار نوارة ودلوعة العيلة، فكل طلباته مجابة، وتربى رفيق في أفضل مدارس اللغات.. مرت الأيام سريعًا كما تمر دائمًا الأيام الحلوة، وحصل رفيق على الثانوية العامة والتحق بكلية الحقوق حتى يكون الساعد الأيمن لوالده.. وانتقل الأستاذ أمين من عالم الفناء إلى عالم البقاء، ومن عالم الشقاء إلى عالم السعادة، وبكاه الجميع.. ترك الأستاذ أمين لأسرته ثروة ليست بالقليلة ومكتب محاماة له شهرته وسمعته الطيبة، ولكن رفيق بسبب قلة خبرته لم يدقق في اختيار الأصدقاء، فتصادق مع من لا يستحق صداقته، وكانت النتيجة السقوط في بالوعة الإدمان، وعندما علمت الأم صُدمت في ابنها صدمة قاسية فاقت صدمتها في فراق زوجها، ولجأت إلى الأطباء تلتمس مخرجًا من هذا المأزق الحرج، فتم حجز رفيق في مستشفي خاص، وترك عقله على باب المستشفي، وأمضى فترة العلاج من أعراض الانسحاب، وعند خروجه من المستشفي أخذ عقله الذي تركه بالخارج ليعود إلى إدمانه شيئًا فشيئًا.. تكرر هذا الموقف ثلاث مرات مع الأستاذ رفيق دون جدوى. وفقدت الأم الأمل في شفاء ابنها رفيق بعد أن صُرف عليه ما يقرب من مائة ألف جنيهًا بين الإدمان والعلاج. وفي ذات يوم التقى ملاك السلامة الخادم الأمين يوسف بهذا الشاب المحطم.. استطاع أن يتوغل في أعماقه بصعوبة بالغة فإذ بالأعماق غابة موحشة فقدت كل أمن وسلام ورجاء.. أخذ يبث فيه نسمة الرجاء ويزرع في قلبه بذور الأمل، وله الإيمان كل الإيمان في أن الله الذي يقيم من الأموات قادر أن يقيم رفيق من موته.. تحدث الأخ يوسف إلى رفيق كثيرًا ورفيق لا يفهم اللغة التي يتحدث بها هذا الخادم وهي لغة الحب الباذل الصادق الذي لا يخفي في طياته أغراضًا انتفاعية، فقد اعتاد لغة الحب المُغرِض التي يجيدها أصدقاؤه المزيفون المراؤون، ومع هذا فإن هناك حروف قليلة قد تسربت إلى قلب رفيق وسكنت فؤاده. كما إن الأستاذ يوسف وجد نعمة في عيني رفيق فاستراح له رفيق، ووافقه أن يذهب معه إلى الطبيب، وذهب الاثنان في طريقهما ولكن الأمر المدهش إن الأم التي فقدت الأمل تمامًا كانت تعارض هذه الخطوة بعد أن تغلب عقلها على قلبها وقالت في نفسها وأمامهم "يكفي ما صُرف عليه.. دعونا نلتفت لأخواته" ، ولكن الطبيب الخادم الحاذق استطاع بهدوئه وحلو كلماته وحسن منطقه أن يجعل قلب الأم يرق وتمنحه فرصة أخرى للعلاج، ففي أشد الظروف ظلمة لا يجب أن نفقد الأمل حتى لو بدا لنا بعيدًا بعدًا ساحقًا. ودخل رفيق إلى المستشفي الخاص للعلاج للمرة الرابعة وهو يتكئ على ذراعي الطبيب الحاذق وملاك السلامة، ولكن الحقيقة أنه للمرة الأولى يصطحب رفيق عقله معه إلى داخل المستشفي ولا يتركه على بابها، وبذل قصارى جهده لكيما يكون صادقًا هذه المرة مع نفسه، وللأسف الشديد كان معظم الذين يتلقون العلاج داخل المستشفي مع رفيق من الشخصيات السلبية جدًا وبعضهم من تجار المخدرات الذين جاءوا ليقضوا في هذا المكان مجرد فترة هدنة وراحة يستريح فيها الجسد المنهك قليلًا ثم يخرجون ليبدءوا الرحلة من جديد.. رحلة الهلاك الأبدي، وكلما قاربت نهايتهم يسرعون بالعودة إلى المستشفي ليخلصوا أجسادهم من السموم التي لحقت بها وهلم جرا.. كانت كلمات هؤلاء قاسية تنفث سمومًا: - أنت فاكر يا أخ رفيق إن الذي دخل إلى دائرة الإدمان يستطيع منها فكاكًا.. هذا مستحيل مستحيل. - يا أخ رفيق كان غيرنا أشطر. - إحيّيني النهاردة سعيد مبسوط وموّتني بكره. - يا أخ رفيق متحاولش تعذب نفسك ع الفاضي.. أنت فاكر نفسك إيه؟ كلنا فشلنا مرات ومرات أنت اللي حتنجح؟!! أبقي قابلني.. ها ها ها. وأخذ رفيق يتحدى كل هذه الأمور المُحبِطة، وأخذ يجاهد في هذا الجو المظلم فيقاتل ضد الداخل ويصارع ضد الخارج متمسكًا بكلمات الإنجيل " الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص".. " كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة".. " أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني " كما أن زيارات الأستاذ يوسف كانت بمثابة زادًا من الحب النقي تمنح النفس التي أضناها الجهاد الراحة والسلام.. كان رفيق يجلس أمام طبيبه المخلص الذي لم يتخلَ عنه لحظة واحدة، فحتى وهو غائب عنه كان رفيق يشعر أنه بجواره يشجعه ويشد من أزره.. كان رفيق يجلس إلى طبيبه ودموعه تنهمر لأنه لا يريد قط أن يفشل هذه المرة، وكوَّن هذا الطبيب الماهر مع الخادم الأمين والأم والأخوات فريق علاج متكامل لا ينقصه شيء، وإلتزم رفيق ببرنامجه الطبي والرياضي والروحي فكان يطيل الأصوام التي تكسبه قوة الإرادة، وكان كثير القراءة في الإنجيل وسير القديسين، ومرَّ شهر وفشل جميع المحيطين برفيق أن يقنعوه بتناول ولو جرعة صغيرة من المخدر، واقترح الطبيب على رفيق أن يخرج من المستشفي ليستكمل علاجه بالخارج، فتردَّد رفيق في الخروج خشية الانتكاسة، فكانت هذه العلامة على أنه يسير في طريق الشفاء، فإن الذي يتعجل الخروج من المستشفي غالبًا ما يكون مدفوعًا بزمَّة المخدر أي اشتياقه الشديد له. وخرج رفيق إلى الحياة، وظل لمدة ستة أشهر يستكمل علاجه التأهيلي، فيجلس إلى طبيبه ثلاث مرات جلسات فردية وفي كل مرة يُقيّم تصرفاته وسلوكياته خلال اليوم أو اليومين السابقين، وبعد أن أتم الأستاذ رفيق علاجه فضَّل أن يتطوع للعمل في مكافحة الإدمان مع هذا الطبيب الإنسان، وباركت أسرته هذا العمل، فظل يخدم بأمانة كاملة في هذا المجال، وكم كانت فرحته بكل نفس تنجو من جحيم الإدمان، وعندما جاءته الفرصة للسفر إلى الولايات المتحدة لم يترك هذا العمل العظيم إنما صقله أكثر بالدراسة والحصول على الشهادات التي تؤهله للعمل في هذا المجال الإنساني، فصار كأنه يحمل درجة الدكتوراه في معالجة الإدمان إذ جمع بين العلم والخبرة، وصار رفيق ملاك سلامة للكثيرين في الخارج وما أحوجنا إلى ملائكة السلامة. والآن يا صديقي دعنا نستعرض معًا في رحلة العلاج من الإدمان الأمور الآتية:
|
||||
03 - 07 - 2014, 04:12 PM | رقم المشاركة : ( 64 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
الاكتشاف المبكر للإدمان مؤشرات تساعدنا على اكتشاف الحالة مبكرًا هل عدم اكتشاف الحالة مبكرًا يعني الاستسلام لليأس؟ في مؤتمر الإدمان بالفيوم خلال الفترة 26، 27/11/2001 حكى لي أحد خدام الوجه القبلي عن ابن أخيه الذي بدأ طريق التعاطي، ولكن الاكتشاف المبكر للحالة وضع لها حلًا سريعًا بدون أي مجهود يذكر، فالابن يتيم الأم منذ كان عمره أربع سنوات، وتزوج أبوه ثانية ولم ينجب أولادًا من الزوجة الثانية، وكان له من الزوجة الأولى هذا الولد مع أخت له.. تربى الولد في حضن جدته أم أبيه، كما نشأ في الكنيسة كشماس محبوب من أب اعترافه. وفي سن الخامسة عشر دخل إلى المدرسة الثانوية الزراعية، وبدأ يتعرف على شلة منحرفة تدخن السجائر، وتجلس في المقاهي، ويلعبون الطاولة والذي يخسر يتحمل قيمة المشروبات، ولم يعد الابن يكفيه المصروف الذي يأخذه من أبيه، فبدأ يمد يده ويسرق من جدته التي كانت تعطف عليه كثيرًا، وأيضًا من غيرها. وفي ليلة حضر إلى المنزل متأخرًا وهو في منتهى التعب والإرهاق وكلامه متلعثم وعيناه زائغتان، ويبدو أن شخصًا آخر قد أوصله إلى المنزل وانصرف سريعًا.. ألقى بنفسه على السرير وهو يعاني من ضيق في التنفس ويشعر أن جسده يشتعل بالحرارة، ورغم إن الوقت كان شتاءًا فقد خلع كل ملابسه ماعدا ما يستر عورته.. استيقظ كل من في المنزل المكوَّن من أربعة شقق وجميعه أقرباء، وظنوا أن نهاية هذا الابن قد جاءت، وما أصعب منظر شقيقته التي أخذت تبكي بحرقة وتنتحب وتضرب رأسها في الباب وهي تصرخ لله لكيما ينقذ أخاها.. فتش هذا الخادم في ملابس ابن أخيه فوجد شريط برشام أبو صليبه وبه قرصين فقط. إذًا هذا الابن قد تناول بمفرده أو مع آخرين ثمانية أقراص، ولم تشأ هذه العائلة التي عُرِفت في البلد بالالتزام والتقوى أن تظهر بهذه الصورة المخلة، لذلك حفظوا الأمر بينهم وتركوا الابن يواجه قدره المحتوم.. نام الابن إلى وقت متأخر من اليوم التالي، واستيقظ وهو يترنح، وعندما سأله عمه عما حدث بالأمس أخذ يلف ويدور ويراوغ، إلى أن كشف له عمه عن البرشام الذي وجده في ملابسه، وعلى حد تعبير هذا الخادم إن هذا الابن بكى وضحك في لحظة واحدة.. بكى لما بدر منه وضحك لأن الله نجاه من الموت، واعترف بكل ما كان.. تقابل العم مع أصدقاء الابن وانتهرهم وهددهم بإبلاغ الشرطة إذا لم يبتعدوا عن ابن أخيه، فابتعدوا عنه، وعاد الابن إلى أحضان الكنيسة وإلى أب اعترافه الذي يحبه كثيرًا ويدافع عنه، وقد نجاه الله من الإدمان، وبسبب الاكتشاف المبكر أمكن وضع حد سريع لهذه الحالة. فكلما كانت عملية الاكتشاف مبكرًا كلما كانت أسهل في العلاج وأسرع، فالحالات الحديثة أسهل في العلاج والشفاء عشر مرات من الحالات المزمنة، ويقع عبء الاكتشاف المبكر على الأسرة، فلو كانت الأسرة مترابطة كما رأينا في القصة السابقة لسهل جدًا كشف الحالة، ولكن لو كانت الأسرة منشغلة ومفكَّكة، فالأب يعمل طوال اليوم ولا يعود إلى البيت إلاَّ في وقت متأخر، وقد تحول البيت بالنسبة له إلى فندق، والأم أُنهِكت قواها بين عملها الوظيفي وأعمال البيت، والأولاد كلٍ مع نفسه، فإنه يصعب اكتشاف الحالة مبكرًا. وهناك مؤشرات تساعدنا على اكتشاف الحالة مبكرًا، ومن هذه المؤشرات ما يلي: 1- زيادة الانفعالات العصبية والعدوانية، فلم يعد المدمن يحتمل أي موقف لا يتوافق مع مزاجه، ولا يقبل من يخالفه الرأي بعد أن صار شديد الحساسية، ولذلك فإن أي خلاف بسيط يستثيره ويكشف العدوانية التي بداخله تجاه الأسرة والمجتمع. 2- التوقف عن الأنشطة الرياضية والثقافية التي كان يزاولها الإنسان قبل دخوله في الإدمان، وإهمال الهوايات المفضلة. 3- ميل الإنسان إلى الانعزالية والانطوائية والانسحاب من الجو الأسري الذي كان مندمجًا فيه من قبل، والبعد عن المناسبات الأسرية مثل أعياد الميلاد والأعياد الدينية التي تجتمع فيها الأسرة وربما العائلة معًا، لدرجة إن الأب الذي دخل في الإدمان ينسى عيد ميلاد ابنه الوحيد، فالمدمن هو الإنسان الموجود والغير موجود في الأسرة، لأنه أصبح يعيش في عالم غريب، والمادة المخدرة تنجح وبسهولة في خلع المدمن من أسرته وأصدقائه الملتزمين، وأيضًا تنجح المادة المخدرة في ربط المدمن بأصدقاء جدد، فتتغير لغته إلى لغتهم، وعاداته الحسنة إلى عاداتهم الرديئة. 4- الكآبة لأن المدمن ينزوي بعيدًا يجتر همومه، ويعيش في أسر شيطاني لا يستطيع منه فكاكًا إلاَّ بمساعدة الآخرين. 5- إهمال المظهر العام، فلا يهتم المدمن أبدًا بأناقته في الملبس ولا بمظهره أمام الآخرين. 6- لا يهتم المدمن بطعامه، فيفقد نضارته وينقص وزنه، ويتعرض للتدهور الصحي والعقلي والعملي، ويفقد الشهية ويصاب بالهزال فيقول أحد المدمنين " عمومًا اللي بيشرب برشام لا يأكل، وفي أوقات يقعد بالثلاث أيام لا يأكل. البرشام بيسد النفس" (1)،ويصاب المدمن باصفرار وشحوب الوجه، وزيادة احمرار العينين الذي يحاول إخفاءه باستخدام القطرة أو لبس النظارة الشمسية. كما يصاب المدمن بالصداع، واضطراب الحواس، والإمساك أو الإسهال المزمن، والخمول الذهني الذي يظهر أثناء الحديث، إذ يجد صعوبة بالغة في متابعة الحديث منطقيًا ولاسيما خلال فترات تأثير المخدر، وهبوط مستوى الأداء في العمل، فإذا كان طالبًا يتعرض للتأخر الدراسي، وإذا كان عاملًا أو موظفًا يهمل عمله، ويعرض نفسه للجزاءات أو الفصل. 7- اختلال نظام النوم واليقظة، فبعد أن كان الإنسان يعيش حياته طبيعيًا يقضي يومه في العمل وليله في الراحة، فإنه بعد الإدمان تنقلب حياته رأسًا على عقب، فيمسى ليله نهارًا، ونهاره ليلًا، ويشكو دائمًا من الغثيان وعدم الاتزان والرعشة، فيقول أحد المدمنين " أنا ممكن أنام طول النهار، وممكن أقعد للصبح مش عارف أنام، وممكن أفضل يومين من غير نوم، وأنام ساعتين وأصحى يومين. أنا امبارح نايم الساعة الرابعة صباحًا، وصحيت الساعة الواحدة ظهرًا. أنا بشعر بالقلق والأرق والخوف وأحلم بكوابيس" (2) ويقول أحد تجار المخدرات " النوم ده بالذات عندي مشكلة، لأني مش بنام زي الناس، أنا بنام وعيني مفتحة، وإن حصل ونمت أقلق وأصحى، زي ما أكون بخاف من النوم" (3) ويقول مدمن ثالث "أنا ممكن أقعد 3 أيام من غير نوم، وأنام ساعة وأقعد 3 أيام أخرى من غير نوم" (4). 8- الكذب والخداع والمراوغة، فالمدمن لا يريد أن يقر ويعترف بإدمانه. إنما يريده أن يكون سرًا بينه وبين نفسه لا يعرف به أحد، وذلك حفاظًا على ماء وجهه فيظل يخادع ويراوغ في محاولة لإخفاء سلوكه السيئ والمشين، والفيصل هنا في الحكم على الشخص إذا كان مدمنًا أو لا هو التحليل المعملي، ويكفي تحليل البول، وهو عملية بسيطة وسهلة وسريعة ومتوفرة في جميع المحافظات. 9- زيادة الصرف المالي بطريقة غير مألوفة، ما يجعله يلجأ لسرقة الأموال أو الأشياء الثمينة، وإلصاق التهمة بإنسان آخر برئ، ولذلك عندما تفقد الأسرة بعض الأموال أو الأشياء الثمينة يجب أن تدقق وتسأل حتى تعرف الحقيقة. 10- العثور على بقايا مواد مخدرة مثل زجاجات الخمر أو العقاقير الفارغة، أو لفافات السلوفان، أو السرنجات.. إلخ. أو وجود آثار الحقن في الذراع فوق مسرى الأوردة أو في ظهر اليد، وإن كان البعض يحاول أن يخفيها بالوشم، وقد تنقلب آثار هذه الحقن إلى خراريج وقروح. كما قد يُصاب الحاجز الأنفي بتقرح نتيجة شم هذه المواد. وعند اكتشاف الأسرة الحقيقة المرة يجب أن تستقبل الأمر بهدوء بدون تهويل ولا انزعاج ولا شعور بالخوف والقلق، وكأن نهاية العالم قد اقتربت. بل عليها أن تتصرف بحكمة بعيدًا عن التقريع والتجريح والإهانات واللوم والتعدي على المدمن بالسب والضرب، لأن كل هذه الأمور تزيد المشكلة تعقيدًا. ويتبقى السؤال الأخير: هل عدم اكتشاف الحالة مبكرًا يعني الاستسلام لليأس؟كلا، وأذكر هنا قصة حكتها لي إحدى الطبيبات المتخصصات في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شاب نشأ مدللًا جدًا، وله أربعة أخوة أكبر منه، وجميعهم ناجحون في أعمالهم، وكل منهم له خدمته القوية في الكنيسة. أما هذا الابن فقد أمضى تسع سنوات في كلية التجارة، فأمضى سنتان في الصف الأول وثلاث سنين بالصف الثاني، ومثلهم في الصف الثالث، والسنة التاسعة كانت تمثل السنة الأولى في البكالوريوس، وكان السبب الرئيسي للسقوط هو الثقة التي أولتها الأسرة لهذا الشاب، ولسان حالهم يقول "يعني هو حيطلع وحش لمين؟ " ولذلك لم يجد أي نوع من الرقابة سواء من والده الذي بلغ سن التقاعد القانوني، أو والدته ربة البيت، أو إخوته المنهمكين في أعمالهم وخدمتهم. وعندما تنبهت الأسرة وأخذت تبحث عن سبب السقوط المتكرر في الدراسة اكتشفت الحقيقة المرة إن أبنهم يدمن الأقراص والبانجو منذ تسع سنوات مع أصدقاء السوء.. بدأ طريق العلاج واليأس يخيم عليه، فرؤيته لنفسه كانت سلبية، ووضع في نفسه أنه لا يمكن أن يعود إلى حياته الطبيعية بعد سنين هذا عددها. إنما كان ينتظر السجن أو الموت من تناول جرعة زائدة، وبفضل تشجيع هذه الطبيبة الفاضلة أمضى هذا الشاب فترة الانسحاب، وذهبت به إلى بيت التأهيل بعيدًا عن أصدقاء السوء، وعادت إليه الثقة بنفسه، وأكمل دراسته وتقدم للامتحان وحصل على البكالوريوس، وعاد إلى حياته الأولى، فلا يجب أن نفقد الأمل أبدًا حتى لو فقد المدمن ثقته بنفسه. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 65 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
قرار التوقف عن الإدمان وبدء العلاج ثانيًا - قرار التوقف وبدء العلاج ملاحظات يجب مراعاتها في البداية أمرين هامين في بداية العلاج 1- إعلان المدمن رغبته في العلاج صراحة 2- قرار التوقف القصة الأولى القصة الثانية القصة الثالثة القصة الرابعة القصة الخامسة هناك ملاحظات هامة يجب مراعاتها عند بدء مرحلة العلاج وهي: 1- عند اكتشاف حالة الإدمان تحتاج الأسرة للتماسك وضبط الأعصاب حتى لا تقابل الموضوع بغضب وهيجان وصراخ ثم استسلام.. حقًا إن سقوط أحد أعضاء الأسرة في براثن الإدمان هو محنة حقيقية، ولذلك تحتاج الأسرة إلى صبر طويل، وإلى تكيُّف مع الظروف الجديدة. 2- قبل بدء العلاج يجب توجيه رسالة إلى وجدان المدمن من أقرب أحبائه، ومضمون هذه الرسالة " إنك لو استمريت في هذا الطريق فإنك حتمًا ستموت، ونحن نحبك ولا نرضى لك بهذا " وعندما تصل هذه الرسالة إلى المدمن عندئذ يمكن بدء الحوار معه لبدء رحلة العلاج. 3- تمكين الحب للمدمن، وإذابة جبال الجليد التي تفصله عن الأسرة، مع البعد كلية عن لغة الوعيد والتهديد، والاحتقار والازدراء، ويظل هذا الأمر سرًا بين الأسرة والطبيب المعالج. 4- يجب أن تكون هناك يد حازمة تمنع المال عن المدمن دون إصغاء إلى نداءات الشفقة، لأن معنى إعطاء المال أننا نقول له " نحن موافقون على إدمانك وموتك، وسوف نساعدك على قتل نفسك". 5- تبدأ رحلة العلاج بواسطة الطبيب المختص الذي يتعرَّف على حجم المشكلة وأسابها ويتأكد من الرغبة الصادقة للمدمن في العلاج. ولكي تكون مرحلة العلاج ناجحة يجب أن تبدأ بأمرين هامين هما:
1- إعلان المدمن رغبته في العلاج صراحة: ونذكر هنا قصتين لتوضيح هذه الحقيقة. أولهما حكاها لي أحد خدام هذه الحالات بالإسكندرية إذ ذهب إلى الزوج ليصلحه مع زوجته التي تركت بيت الزوجية بسبب إهمال الزوج لها وإهماله لعمله، وسهره خارج البيت، وعدم الصرف على احتياجات البيت، وتحدث الخادم طويلًا إلى هذا الزوج الذي أخذ يختلق أسباب وهمية للخلافات مع زوجته بحجة إنها تثور في وجهه، وتُقصّر في تلبية طلباته، ولاحظ الخادم أن هذا الزوج يعاني من احمرار العينين، ولعثمة الكلام، وعدم القدرة على مواصلة الحديث، فسأله: هل هناك مشاكل في العمل..؟ هل أنت متعب صحيا..؟ هل أعطاك أصدقاءك سيجارة ملفوفة أو بودرة تشمها علشان تنعنش وتنسى همومك وتعمل دماغ.. الخ وأخذ الزوج يلف ويدور ويخادع ويراوغ، ولكن مع نهاية الجلسة اعترف أنه سقط في الإدمان منذ نحو سبع سنوات، وتطوَّر الإدمان معه في هذه الأيام إلى شم الهيروين، فعرض عليه الخادم أن يبدأ رحلة العلاج في مراكز متخصصة، وإن هذا الموضوع سيكون سرًا بينهما، وإن أراد أن يعلما الزوجة فإنها ستكون عامل فعَّال للوصول إلى الشفاء العاجل، وترك له فرصة للتفكير والاتصال به إن كان يريد العلاج. وبعد أربعة أيام سعى هذا الزوج المدمن نحو الخادم يطلب منه أن يبدأ رحلة العلاج، فذهب معه إلى إحدى المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان، وبعد أسبوعين اتصل الأخصائي الاجتماعي الذي يعمل في المستشفي بهذا الخادم يبلغه بهروب هذا الزوج من المستشفي، فذهب إليه الخادم على الفور وسأله عن سبب هروبه، فقال إنه هرب لأن الهيروين متوفر داخل المستشفي، وأحد المرضى عزم عليه بشمه مقابل خمسة جنيهات، فخاف أن يضعف فهرب لأنه يريد الشفاء، ورفض العودة للمستشفي. وتفاهم الخادم مع الزوجة وأشقاء الزوج وهم ثلاثة رجال يسكنون نفس البيت، وأنفقوا أن يكمل هذا الزوج علاجه داخل البيت، ويتناوبون الحراسة عليه، فوافق، وربطوه في السرير بإرادته لمدة أسبوعين، ومنعوا عنه كل الزيارات والاتصالات، وكان الخادم يحضر له الأدوية التي يحددها له الطبيب المعالج حتى انقضت فترة الانسحاب بسلام، وبدأ فترة التأهيل حيث كان يتردَّد على الطبيب المعالج ثلاث مرات أسبوعيا، والخادم لم ينقطع عنه، حتى تعافي تمامًا ولم يعد للإدمان ثانية. والقصة الثانية حكاها لي أحد أساتذة الجامعة والذي يعمل في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شاب يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا له عدة أخوات، وقد ورث عن أبيه مع إخوته وأمه مصنعًا كبيرًا، وبواسطة أصدقاء سوء سقط هذا الشاب في بالوعة إدمان الهيروين وأحست الأم أن رأس مال المصنع يتبدَّد، والديون تتراكم، والأسرة مهددة بالضياع، وعرفت الأم بقصة إدمان الابن فسعت لإدخاله إلى مستشفي خاص لغسل دمه خلال أسبوع واحد كما يدعون ذلك، والحقيقة إن كل ما يفعلونه هو إعطاء المدمن المحاليل والجسم هو الذي يغسل نفسه، ويوم أن ينتهي المدمن من هذه العملية ويقولون له " حمدًا لله على السلامة " في نفس اليوم يسعى هذا الشخص نحو السموم ثانية. تعبت الأم كثيرًا مع هذا الابن الذي دخل إلى المستشفيات الخاصة مرارًا وتكرارًا دون جدوى لأنه كان يدخل تحت ضغط الآخرين دون أن تكون لديه الرغبة الجادة في الخلاص من الإدمان، وبسبب كل هذه المتاعب تعرضت الأم لانهيار عصبي ودخلت إلى مستشفي الأمراض العصبية والنفسية، وهنا جاءت وقفة هذا الشاب أمام نفسه، ولا سيما أنه كان يحب أمه كثيرًا، وقال في نفسه " أنا خربت كل شيء.. حياتي.. المصنع.. أوصلت أمي إلى مرحلة الجنون.. لقد وصلت إلى القاع " وأسرع إلى نفس الطبيب الذي يعالج أمه وهو يصرخ من شدة الندم، ويعلن عن رغبته في التوقف عن الإدمان كلية، وزيادة في الإصرار دخل في دور التحدي ورفض دخول المستشفي لعلاج أعراض الانسحاب، وعلى حد قوله للطبيب " أنا حاخدها ( فترة علاج أعراض الانسحاب) على رجلي " وشجعه الطبيب على هذا بعد أن وضعه أمام نفسه.. ترك هذا الشاب للطبيب مفتاح السيارة والرخصة، وحبس نفسه في بيته، ويعلق هذا الطبيب الناجح على إمكانية قضاء فترة الانسحاب في المنزل فيقول "حبس المدمن لنفسه في البيت ممكن تنجح في بعض الحالات، فهناك ابن لأستاذ كبير ساءت حالته بسبب الإدمان حتى أنه كان يخشى قتل والده في ساعة الزمَّه، فسافر إلى أسوان وحبس نفسه في شقة خاصة، مع تناول الأدوية اللازمة، وفي نفس الوقت هو على اتصال تليفوني مستمر معي، ولكن في الحالات الخاصة التي فيها تحدث تشنجات عصبية شديدة فإنها تحتاج إلى دخول المستشفي لعلاج فترة الانسحاب " وبعد أن أمضى هذا الشاب فترة الانسحاب في بيته، بدأ فترة التأهيل، فانتظم مع مجموعة مكوَّنة من ثمانية أشخاص تحت إشراف هذا الطبيب والطبيب المساعد.. كانوا يجتمعون مرتين كل أسبوع، وكان ميعاد هذا الاجتماع بالنسبة لهذا الشاب ميعادًا مقدسًا يحرص عليه كل الحرص، حتى أنه كان يقول لهم " لقد صرت مدمنًا لهذا الاجتماع " ويقول الطبيب المعالج " لقد وضع هذا الشاب مفاهيم جديدة في موضوع الإدمان، لأنه كان يصف بدقة متناهية مشاعره خلال رحلة التأهيل، فيقول أنني في البداية أشعر بأنني أسير في الوحل لمسافة كيلو متر، ولا أحفظ توازني، فإنني أقاوم بشدة التزحلق في الوحل، وأحتاج إلى من يسندني حتى أجوز هذه المسافة، وبعد هذا أشعر أنني أقطع مسافة عشرة كيلومترات في صحراء كاحلة جرداء بمفردي، ويلازمني إحساس مخيف، فإن لم يكن هناك من يساعدني فبلا شك سأعود إلى ما كنت عليه من الإدمان.. إنها رحلة طويلة وشاقة جدًا والإنسان المحظوظ هو الذي يقطعها". أمضى هذا الأخ سنتين في رحلة التأهيل عبر جلسات فردية، وجلسات جماعية، وجلسات أسرية في وقت واحد حتى تعافي من مرض الموت، وعاد إلى الحياة وعادت إليه أمه التي طالما زرفت دموعًا ساخنة لله من أجله. 2- قرار التوقف: يتخذ المدمن قرار التوقف عقب تعرضه لموقف صعب يؤثر فيه إلى الدرجة التي يفضل فيها الموت عن الحياة مدمنًا، ومن أمثلة القصص التي يظهر فيها قرار التوقف نذكر منها خمسة قصص: القصة الأولى: حكاها لي أحد الأطباء العاملين في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن رجل يبلغ من العمر خمسون عامًا تاجر أخشاب كبير، وتعلم الكيف عن طريق جيرانه في العمل، فبعضهم يتعاطى الهيروين وبعضهم يتاجر فيه، فالتذكرة تباع بسعر أربعين جنيهًا، فبدأ يتعاطى تذكرة يوميًا، ثم أخذ يزيد من الجرعة حتى يحصل على النشوة الأولى فوصل في تعاطيه إلى ثمانية تذاكر يوميًا بمبلغ ثلثمائة وعشرون جنيها، ومعنى هذا أنه يحتاج إلى تسعة آلاف وستمائة جنيهًا شهريًا من أجل الهيروين، فكان يلجأ إلى دخول المستشفي ليس بغرض التوقف ولكن بغرض تخليص الجسم من هذه السموم، حتى إذا خرج يبدأ من جديد بتذكرة واحدة كل يومين أو كل يوم، وتظل تزداد مع الوقت حتى يئن من المصاريف فيدخل المستشفي ثانية وهلم جرا.. ووصل به الحال إلى بيع أثاث المنزل، وشرع في بيع محل الأخشاب الضخم الذي يملكه، ولكن الزوجة علمت بذلك فتصدت له واستجارت بإخوته، ولكيما يجد احتياجاته من الهيروين تحول من متعاطي إلى تاجر هيروين. وفي ذات يوم وبعد أن استلم من المعلم الكبير (تاجر الجملة) مع زملائه تجار التجزئة كل واحد كيسه الذي يخفي فيه تذاكر الهيروين. استأذن منهم لحظة ليشترى سندوتش كبدة، وفي هذه اللحظة هجم رجال البوليس على هذه المجموعة التي توزع بذار الموت، ودفعوهم إلى سيارات الشرطة بإهانات وضرب وسباب، وهذا الرجل يقف بعيدًا ولا يصدق نفسه، وقال لو ركضت سيركضون خلفي ويقبضون على، فأدار ظهره لهم وأخذ يأكل السندوتش ودموعه تغالبه، لأنه متأكد أنه سيكمل هذا السندوتش في قسم الشرطة.. انتهت الحملة ونجا من يد البوليس وفي هذه اللحظة إتخذ قرار التوقف عن الإتجار بالهيروين بل عن التعاطي أيضا، وذهب إلى ضابط الشرطة واعترف بأنه يتعاطى الهيروين ويريد العلاج، فأحاله الضابط إلى إحدى المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان فمكث فيها ثلاثة أشهر، وعندما عاد إلى بيته شعر بالحنين الشديد إلى الكيف فذهب للمستشفي مرة ثانية وأمضى ثلاثة أشهر أخرى. ثم توجه إلى جمعية كاريتاس لإستكمال التأهيل والمتابعة، ومع الجلسات الفردية ومع إصراره على التوقف عن الإدمان تعافي ونال الشفاء منذ سنوات طويلة، ولكنه يحتاج أن يكون في يقظة العمر كله. القصة الثانية: حكاها لي أحد الأطباء العاملين في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شاب بدأ طريق الإدمان وهو في الجيش، وعندما انتهى من تأدية الخدمة العسكرية سافر إلى بلد عربي، وعاد ليأخذ شقة ويتزوج، وبسبب تماديه في الإدمان باع الشقة التي يملكها وصرف قيمتها على المزاج، وسكن مع أبيه وزوجة أبيه، وعندما احتدمت المشاكل بسبب عصبيته وعنفه طرده أبوه، وتركته زوجته إلى أهلها، وتم الطلاق بينهما، وتشتت شمل الأسرة، وصار هذا الشاب وحيدا.. عمل في محل جيلاتي وأعطاه صاحب المحل كشك خشبي بدون سقف، فكان يذهب للعمل صباحًا ويعود إلى الكشك مساءًا، ولم ينقطع عن الإدمان. وفي إحدى ليالي الشتاء أمطرت السماء بغزارة، ولم يجد له مأوى يحميه من مطر السماء، فخرج من الكشك، وأخذ يجوب الشوارع يطلب الحماية تحت مظلة أو شجرة، وصار يرتعش من شدة البرودة، وكان الوقت بعد منتصف الليل، فتأثر جدًا وأخذ يتساءل: أين أنا الآن؟ وماذا فعلت بي المخدرات..؟ لقد ألقتني في الشارع وحيدًا أعاني من البرد والمطر والتشرد.. أين أخي المدرس وأخي النقاش وأبى؟ كل منهم مستقر في شقته وسط أولاده يعيش في سعادة وسلام، وأنا بلا أسرة حتى ابني يتربى بعيدًا عني.. وفي هذه اللحظات الحاسمة من حياته قرر التوقف عن الإدمان، واتصل بزوجته التي طلَّقها ولم ترتبط بآخر، ففرحت الزوجة جدًا بهذا القرار وتقابلت معه وأخذت تشجعه، وسألت عن المراكز المتخصصة لعلاج الإدمان، وذهبت معه إلى إحدى هذه المراكز، وبدأ طريق العلاج، وعلى حد تعبير الطبيب إن هذا الشاب تحمل العبء الأكبر في العلاج وذلك بتصميمه على التوقف عن التعاطي، ووقفت زوجته بجواره تشد من أزره حتى أمضى مرحلة الانسحاب، ورحلة التأهيل لمدة ستة أشهر، ودخل في رحلة المتابعة، وعندما علم أبوه وأخوته بتوقفه عن الإدمان تعاطفوا معه، وأعطاه والده شقة عبارة عن حجرة واحدة على السطح، فجهزها ببعض الأثاث البسيط ورد هذا الشاب زوجته وابنه إليه بعد انفصال دام ثلاث سنوات، وبدأ يعمل بجد ونشاط يكتنز بعض المال ليشترى شقة أوسع. القصة الثالثة: حكاها لي أحد الأطباء العاملين في مكافحة وعلاج الإدمان عن تاجر مجوهرات يمتلك محلًا في أعظم منطقة تجارية، وهذا الجواهرجي كان متزوجًا وله بنت ذات خمسة عشر ربيعًا من عمرها وابن يصغرها بسنتين.. اجتمع حوله بعض أصدقاء السوء من كبار التجار وعلموه قعدات المزاج وشم الهيروين، فعانى من مواقف صعبة كثيرة بسبب الإدمان، ومع هذا فإنه لم يقدر أن يتخلى عنه، فمثلا تسبب الإدمان في خلافه مع الزوجة، وفي إحدى المرات ضبط البوليس معه تذكرتين هيروين فدخل السجن لمدة عام، وعندما خرج من السجن عاد إلى الإدمان، وتراكمت عليه الديون فأغلق المحل، وانزوى على نفسه. ثم استغله أصدقاء السوء في تجارة المخدرات، وفي أول مرة خرج فيها ليتاجر في الهيروين هاجمت الشرطة المكان فأفلت منهم لأنه لم يكن معروفا لدى رجال الشرطة كتاجر مخدرات، وكل هذا لم يدفعه للتوقف عن الإدمان. إنما تعالج في مستشفي خاص مرة بعد إدمانه بخمس سنوات وأخرى بعد إدمانه بثمان سنوات، ولكن لأنه لم يكن صادقًا مع نفسه فلم يتماثل للشفاء. أما الموقف الذي دفعه لاتخاذ قرار التوقف فهو تعاطيه لجرعة زائدة، فأصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية، وسقط على الأرض وتعرض للموت، فنقلوه على الفور للمستشفي وتم إنقاذه، وعندما رأى الموت بعينه اتخذ قرار التوقف، وظلت لحظة اختبار الموت عالقة بذهنه، وبدأ علاجه بعد إدمانه بنحو خمسة عشر عاما.. كان جادًا ومصرًا على نوال الشفاء، وفعلًا أمضى علاج فترة الانسحاب في منزله تحت رقابة مشددة من أخوته. ثم أمضى رحلة التأهيل، وعاد يفتح محل الذهب، وعاد إلى نجاحه الأول ونجا من الموت إلى الحياة، ومن التعاسة إلى السعادة. القصة الرابعة : يحكيها الأستاذ وجيه أبو ذكري في كتابه شباب في دائرة الموت(1) عن موظف في شركة الطيران من أسرة طيبة له شقيقان أحدهما ضابط شرطة والآخر طبيب، وتزوج هذا الموظف ورزقه الله ابنا وبنتًا، وفي إحدى رحلاته الجوية قضى ليلته في فندق بمدينة أستنبول، فجاءت إليه فتاة تركية وقدمت له مسحوقا وأخبرته أنه عندما يستنشقه يطير كالفراشة، ففعل هكذا مرة بعد الأخرى، وهو لا يدري أنه الهيروين، وعندما نفذ ما معه يقول "ثم جاء يوم واحد لم أتعاطى فيه.. أحسست بألم شديد في كل مفاصلي، وشعرت بضيق أشد من الألم.. ورغبة في الانتحار " فسافر في رحلة أخرى إلى إسطنبول ونزل في نفس الفندق فلم تأتِ إليه الفتاة التركية، ولكنه استطاع الحصول على الهيروين بسهولة. وعندما لاحظ قائد الطائرة بأن علامات الإدمان بدأت تظهر على هذا الموظف، وسأله عن سر متاعبه تعلل بأنه مريض ولم يحصل على كفايته من النوم، وحصل على أجازة فأمضى اليوم الأول في النوم، واستيقظ فوجد ابنته بجواره فاستيقظ ضميره، وخشى النهاية المآساوية، فألقى بما معه من هيروين عبر النافذة إلى الشارع، وقرَّر التوقف عن التعاطي، وشعر بسعادة بالغة، وظن أنه تخلص من حمل ثقيل، ولكن بعد لحظات انتابته الآلام فنزل إلى الشارع واشترى الهيروين، واستمر في رحلة الموت حتى بدأ يستنفذ أمواله، وأهمل بيته وأولاده، وكان قد وضع وديعة في البنك لابنته فحولها إلى حساب جاري واستنفذها، وباع سيارته، وبدأ يسرق بعض محتويات بيته ويبيعها بثمن بخس، وتعرض للفصل من عمله، وعندما واجهته زوجته وأشقاءه أنكر، فأخذت الزوجة ابنها وابنتها ورحلت، وعندما استنفذ الزوج كل ما يمكن بيعه بالمنزل فكر في الاتجار بالمخدرات أو التسول، واختار التسول، وعندما بدأ مشوار التسول تعرض لموقف صعب قاده إلى اتخاذ قرار التوقف فيقول "وفي اليوم الأول من بداية التسول، وأمام واحد من محلات بيع المرطبات، اتجهت إلى سيارة بداخلها رجل وامرأة، ومددت يدي، وكنت فعلًا في شكل يرثى له.. ونظر إلى الرجل طويلًا.. ثم طلب مني الانصراف.. تذكرت الرجل والفتاة.. إنه زميل لي في شركة الطيران، وهذه زوجته، وتصورت أنه تعرف على شخصيتي، وعدت إلى البيت المهجور، وجلست وحدي، وبكيت لأول مرة منذ أن عرفت الهيروين، وقررت التوقف".. ولكن كيف؟ إنه نزل وطلب من بواب العمارة عشرة جنيهات وركب سيارة متجهة إلى الوادي الجديد حيث ساقه القدر إلى مهندس زراعي يزرع عشرين فدانا، ويحتاج إلى من يعاونه، وعرض المدمن العمل معه على إنه مزارع، غير أنه أمضى الأسبوعين الأولين (مرحلة انسحاب الأعراض) يعانى من آلام لا تطاق وكوابيس في النوم، وأصيب بالحمى، وكان المهندس كريمًا معه فأحضر له طبيبًا يعالجه ويهتم به، وعلم من الطبيب أنه مدمن هارب من الإدمان، وعن الآلام التي قاساها يقول "في اليوم الأول.. ما أن أغلقت الباب حتى فُتِحت أبواب السجن بكل الآلام الحبيسة خجلًا. وانطلقت في كل جسدي تعربد فيه.. وأنا حبيس صرخاتي.. وأمزق جسدي بأظافري.. ولا تمهلني الآلام لحظات أدعو فيها الله أن ينقذني.. مرت لحظات قليلة بين الجولة الأولى لانقضاض الآلام على جسدي الضعيف.. كنت أشعر أن جسدي ساحة معركة شرسة لا تهدأ أبدا.. (وعن الكوابيس التي كان يعانى منها يقول) رحلة مخيفة في باطن الأرض. شاهدت خلالها وحوشًا غريبة. كبيرة الحجم. لها عيون واسعة كبيرة، ورؤوس كثيرة تحملها رقبة واحدة. شاهدت حيوانات صغيرة مفزعة ومفترسة. كل هذا الجيش من تلك الوحوش يطاردني خلال رحلة نومي.. لا أدرى كم قضيت مع تلك الكوابيس التي تتلاحق واحدًا بعد الآخر " والذي ساعده على الصمود تذكره لابنته وابنه وزوجته وأشقائه وعمله السابق.. وبعد أن مرت أعراض الانسحاب نزل للأرض وأخذ يعمل لمدة عام وحصل على عشرة أفدنة أرض وبدأ يستصلحها ويزرعها وعاد إلى أسرته واصطحبها معه إلى الأرض الجديدة والحياة الجديدة. القصة الخامسة: يحكيها الأستاذ وجيه أبو ذكرى في كتابه شباب في دائرة الموت(2) عن فتاة كان والدها مدرسًا فقيرًا فسافر إلى الكويت وتاجر في العملة وعاد إلى مصر وكوَّن شركة توظيف أموال بعائد شهري كبير، فتدفقت عليه الملايين فحولها إلى بنوك سويسرا، وتزوج بامرأة جميلة مطلقة لم ينجح في الزواج منها من قبل بسبب فقره. أما والدتها فقد طلبت الطلاق من أبيها بعد زواجه، وتزوجت من شاب وسافرت معه أمريكا ومعها عدة ملايين من ثروة زوجها. أما الابنة الضحية فقد عاشت في مصر بالدقي مع الخدم وحيدة بعد أن تركتها أمها إلى أمريكا، وأبيها مشغول عنها بملايينه وزوجته الجديدة، وعندما حصلت على مجموع منخفض في الثانوية العامة لم يمكنها من الالتحاق بكلية الطب سافرت إلى أمها في أمريكا، وهناك التحقت بكلية الطب كما كانت تأمل في هذا، وتعرَّفت على شاب مصري والده يعمل أستاذًا في نفس الجامعة التي تدرس فيها، فأحبته بشدة وفتحت له قلبها، فقادها إلى الهيروين دون أن تعرف إذ قال لها " الليلة سنقوم بمغامرة جديدة ننسى همومنا ونعيش في عالم جديد " واستنشق البراون واستنشقت معه، فشعرت أنها تطير من الفرح فخرجت من السيارة إلى الحديقة ترقص وتغني وهى الفتاة المصرية الخجولة وتكرَّرت التجربة، وعندما علمت أثناء إحدى المحاضرات أن البراون هو الهيروين ومدى خطورته غضبت جدًا من زوج المستقبل وتمنت لو تقتله، وبعد انتهاء المحاضرة عوضًا عن أن تنفصل عن هذا الشاب ركبت معه السيارة وذهبت منقادة إلى الهيروين،وبدأ الفشل يدخل إلى حياتها واكتشف زوج أمها حقيقة إدمانها، ففضلت العودة إلى مصر مضحية بدراستها في كلية الطب، وعادت إلى أبيها تحتج بأن زوج أمها يعاملها بقسوة، فشجعها والدها على موقفها الكريم هذا وهو لا يعلم الحقيقة المرة.. ظلت في القاهرة والخدم يحضرون إليها الهيروين، وفي أحد الأيام طرق الباب شاب هيوستن المصري، فاستقبلته إذ مازال قلبها متعلقًا به، وتم زفافها من هذا الشاب الذي لا يحمل أكثر من الثانوية الأمريكية، وأقام لها والدها الزفاف على مستوى ألف ليلة وليلة، وقبل الزفاف تناول كل منهما الهيروين ليتماسكا أمام مجتمع المليونيرات، وعمل العريس لدى والدها براتب شهري خمسة آلاف جنيهًا في الشهر، ومنحه سيارة بها تليفون. وفي إحدى المرات ضبطت الشرطة هذا الزوج وهو يحقن نفسه بالهيروين بالسيارة، وفي حوزته كمية أخرى يحملها إلى زوجته، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وكان في أحشاء هذه الزوجة جنينًا، فطلب منها والدها أن تتخلص منه، وعند خروج زوجها سيتولى هو مهمة الخلاص منه، فهذا أمر سهل وميسور، فرفضت هذه الابنة، وحافظت على ما في بطنها حتى وضعت طفلًا هزيلًا مريضًا، وأحضرت له أعظم أطباء مصر لإنقاذ حياته، وطلب أحد الأطباء منها أن ترضعه من ثدييها لأن لبن الأم فيه الحماية، وعندما أباحت له أنها مدمنة هيروين تأثر الطبيب وبكى، ووضعها أمام خيارين إما أن تتوقف عن تعاطي الهيروين ويعيش الطفل، أو أن تستمر في إدمانها ويموت الطفل، وعليها أن تبدأ رحلة العلاج من أجل ابنها، وتقول هذه الزوجة " كم من مرة حاولت من قبل وفشلت.. وكم من مرة دخلت مستشفيات أمريكا وخرجت وقد شفيت، ولكن عندما أرى زميلي الذي أصبح زوجي أعود فورا.. ولكن الآن حياة ابني في يدي.. نظرت إليه وهو يرقد بجواري شبه جثة وبكيت.. هذه أول مرة أبكي فيها منذ سنوات.. هل أقتل ابني من أجل جرعة هيروين؟ وهل يمكن لي الحياة بعد أن أقتله، وأنا أعرف جيدًا إن تعاطي حقنة من هذا السائل القاتل سوف يقتل ابني.. أعلم أنه سيقتلني يوما ما، وأعلم أنه سيرسلني في أحسن الفروض إلى مستشفي المجانين، وأعلم أنه قد دفعني إلى الانتحار! ولكن.. أن يقتل ابني وأنا أعلم ذلك!!.. أن يقتل ابني، وأكون الوعاء الذي يشرب منه السم!!.. أن يقتل ابني، وأنا الذي أقدم له الموت!!.. لا.. وألف لا. وجاء الخادم كعادته بالهيروين، وألقيت به من النافذة، وطلبت منهم أن يخبروا والدي.. وأن يرفضوا إعطائي هذا السم، حتى لو أمسكت بمسدس وطلبته منهم.. توسلت إلى كل الخدم لمساعدتي في التوقف.. فلم تعد المسألة حياة أو موتًا بالنسبة لي.. إنما هي حياة أو موت بالنسبة لابني. قاومت بشدة.. كان الله معي في هذه المحنة.. كنت أضم ابني وهو يرضع من ثديي بقوة من الحب والألم، وأبكي وبعد أسبوع واحد فقط.. أحسست ولأول مرة بالجوع الذي لم أكن أحس به. ولأول مرة أتناول طعامًا أعرف مذاقته.. ولأول مرة يبتسم رضيعي لي.. ولأول مرة.. يصدر طفلي صوتًا أحلى من تغريد البلابل.. ولأول مرة أدخل مرة أخرى حياة الأصحاء.. لقد دفعني الخوف على ابني إلى الإقلاع عن السم الأبيض، ولقد ساعدني الله من أجل طفلي على تحمل الآلام لخروج السم من جسدي، وعاش ابني، وبلغ من العمر الآن أكثر من عام وكرست حياتي له بعد أن شفاني الله من موت محقَّق على يدي هذا الطفل الصغير". |
||||
03 - 07 - 2014, 04:24 PM | رقم المشاركة : ( 66 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
علاج أعراض الانسحاب من إدمان المخدرات
ثالثا: علاج أعراض الانسحاب Detoxification أمور يجب الالتفات إليها قصة أماكن العلاج أولًا: المستشفيات الحكومية التي يوجد بها أقسام للإدمان ثانيًا: جمعيات أهلية لمكافحة الإدمان بالقاهرة ثالثًا: جمعية كاريتاس رابعًا: أندية الدفاع الاجتماعي خامسًا: الخط الساخن خلال هذه المرحلة يجب الالتفات إلى الأمور الآتية: 1 - في بداية هذه الرحلة القصيرة يتفهم الطبيب ظروف المدمن، فيتعرف على المادة التي يدمنها، والمدة التي تعاطى فيها هذه المادة، والكمية التي يتعاطاها، والأوقات التي يتعاطى فيها، ومصدر المال الذي يشتري به هذه المادة، وما ترتب على التعاطي من مشاكل شخصية وأسرية ومشاكل في العمل وفي المجتمع، ومدى جديَّة المدمن ورغبته الصادقة في العلاج، ويعلم الطبيب المعالج تمامًا بأن المريض سيكذب وينكر ويلف ويدور ويراوغ لأنه لا يريد أن يكشف نفسه أمام الآخرين، وأيضًا يخاف جدًا من التوقف عن التعاطي، ولذلك ينسب كل فشله إلى نفسه ويبرئ المخدرات منها، وحقيقة إن مريض الإدمان هو إنسان ممزق بين طلب الشفاء والتمسك بالمخدر، فقد يبكى طالبًا المساعدة في العلاج في الوقت الذي يخفي فيه المخدر في أماكن لا تخطر على بال مثل سيفون دورة المياه، أو لصق المادة بشريط لاصق على جسده.. الخ 2 - قبل أن يبدأ الطبيب المعالج في علاج المدمن يحدد نوع شخصيته فقد يكون المدمن: أ - صاحب شخصية سوية يتمتع بنفسية سليمة، وناجح في حياته، وقد سقط في الإدمان كأمر عابر إثر تعرضه إلى صدمة عاطفية، أو اقتصادية، ولا سيما عندما يتناول الأقراص المهدئة لكيما يتخلص من القلق الذي يعيش فيه، والعلاج هنا يكون سهلًا. قصة: حكى لي قدس أبونا إبراهيم جوهر أنه في إحدى المرات استدعته أسرة ليصلي لإنسان مريض، فظن أنه رجل كبير يحتضر، وعندما دخل إليهم فوجئ بشاب يبلغ من العمر سبعة وعشرون عامًا راكعًا على ركبتيه، وعندما شعر بدخول الأب الكاهن صرخ بصوت جهوري " السلام لملك السلام.. إن كنت جاي بعين السلام أدخل. إن كنت جاي بعين الشر انصرف". بعد أن هبطوا من السيارة مروا في طريقهم على مقهى فأخذ يصرخ ويستغيث "المسيحيين ولاد.. عاوزين ياخدوني" فتجمع الذين في المقهى حول أبونا والمجموعة، وإذ به يقول لهم " بطرس غالي متغاظين منه لأنه مسيحي.. عاوزين يشيلوه " فأدركوا أنه إنسان غير طبيعي فانصرفوا عنه. وصلوا للمستشفي وسأل هذا المريض أحد الممرضين وهو يشير على الرجل الذي أعطاه الحقنة المهدئة في البيت "الرجل ده إداني حقنه.. هو ده دكتور " فقال له الممرض لا، فما كان منه إلا إنه صفعه صفعة قوية على وجهه.. عُرض على الطبيب وأحضر له أبونا العلاج وأعاده إلى بيته. وفي اليوم التالي اصطحب أبونا إبراهيم أحد الآباء، وذهب للسؤال عن هذا المريض، وكان المريض يسكن في الدور الأول العلوي والسلالم بدون جدار، وما أن طرق أبونا الباب حتى خرج هذا العملاق وحمل أبونا الثاني ليلقيه في الدور الأرضي، فانتهره أبونا إبراهيم بشدة " نزل أبونا يا فلان.. اسمع الكلام ونزل أبونا وبالراحة " فما كان من هذا المريض إلا أنه أطاع وأنزل أبونا، وسريعًا جلس على الأرض ولف رجليه حول رجلي أبونا إبراهيم ولو قام بأي حركة سيسقط أبونا في بئر السلم، فأخذ أبونا يحكي معه ويفتح مواضيع ويقفل مواضيع إلى أن وافقه على الدخول إلى الشقة لاستضافتهما، وبمجرد دخولهم للشقة أخذ يعمل حركات غير عاقلة، فأمسك كوب من الماء ورش الشقة. ثم تناول ثمرة جوافة قطم نصفها ورسم على صدر أبونا وبطنه بالنصف الآخر، وبعد هذا أراد أن يقفز إلى الدور الأرضي، فظل أبونا يسايسه حتى استكان بعض الشيء ، وأعطوه حقنة مهدئة فلم تؤثر فيه بسبب إدمانه. واصطحبه أبونا إلى مستشفي العباسية لعلاجه من الإدمان والأمراض النفسية التي يعاني منها، فظل بها شهرين وخرج منها وقد تحسنت حالته لمدة تسعة أشهر. ثم انتكس ثانية وعاد للمخدرات، فكان ينزل إلى الشارع ويقطع الطريق.. يضرب الناس، ويوقف عربات الكارو ويفك الخيل منها، وبسبب ضخامته وقوة بنيته لم يجد من يتصدى له، وبواسطة مركز الحياة الأفضل أعادوه ثانية إلى مستشفي العباسية، وخرج منها بعد أن تحسنت حالته ثم عاد للانتكاسة مرة ثانية، وفي المرة الثالثة أدخل هو نفسه المستشفي وبعد أن خرج منها تعرض للانتكاسة الثالثة. وفي أحد الأيام كان أبونا إبراهيم يصلي صلاة مسحة المرضى في السابعة صباحًا في منزل مجاور لمنزل هذا الشخص، وإذ بوالده ينتهره ويضربه، فهاج هذا الشاب وماج ورفع كرسي الحمام يريد أن يحطم رأس أبيه. ثم أمسك سكينًا ونزل إلى الشارع، وأخبروا أبونا إبراهيم فترك الصلاة ونزل إلى الشارع وانتهر هذا الشاب بشدة "سيب السكين يا فلان.. هات السكين" وتقدم بثبات وأخذ منه السكين، فهجم الناس عليه ليمسكوه، وهو يصرخ " ودوني المستشفي.. أدوني حقنة مادونيش برشام " وأخذوه إلي المستشفي وخرج، وما زالت حالته مذبذبة.. إنه مثال لإنسان يعاني من بعض الأمراض النفسية بجوار الإدمان. 3 - دخول المدمن للمستشفي لعلاج أعراض الانسحاب غالبًا ما يتم بإرادته، ولكن إن كان المريض لا يرغب في العلاج، فهل يتركونه لرغبته؟ كلاَّ.. إنما يحاولون إقناعه بضرورة دخول المستشفى حتى تتحسن حالته ، لأن لكل إنسان مدمن قاع عندما يصل إليه يصرخ ويستغيث طالبًا العون، ولكن الخوف أن تنتهي حياة المدمن بسبب جرعة زائدة أو غير هذا قبل الوصول إلى القاع، والأمر المريح أنه بمجرد أن يُسلم المريض نفسه للطبيب ويبدأ العلاج تتحسن حالته , فالمصاب بالغيبوبة يسترد وعيه، والمصاب بالهيجان يعود إلى هدوئه، والمصاب بالهلوسة السمعية والبصرية يعود إلى حالته الطبيعية، والذي حاول الانتحار من قبل تعود إليه الثقة بنفسه.. إذًا على الأسرة تقع مسئولية علاج المدمن، ويقول الأستاذ الدكتور فيكتور سامي أنه في ماليزيا وسنغافورة وتايلاند يحبسون المدمن لمدة أسبوع ويمنعون عنه المخدر ويعطونه كمية أكبر من السوائل، وفي خلال أسبوع يكون المخ قد عاد إلى إفراز الأفيون الطبيعي وهو ما يعرف باسم الأندورفينات Endorphins والإنكفالينات Encephalins ، فتبدأ الآلام الناتجة عن انسحاب المخدر في الجسم تختفي. ويحكي الأستاذ وجيه أبو ذكري في كتابه شباب في دائرة الموت(2) قصة شاب ابن ضابط شرطة كبير أنهى دراسته الجامعية بتفوق وله من العمر عشرين عاما، وتم تعينه معيدًا، وبعد سنتين حصل على الماجستير بتقدير إمتياز، وبدأ في إعداد رسالة الدكتوراه، وتزوج بمعيدة في كلية مجاورة.. كان يعطي كورسات لبعض المجموعات، وفي مرة طلب منه أحد الطلبة أن يأخذ درسًا بمفرده ويدفع ضعف ما تدفعه المجموعة بالكامل، لأنه للسنة الثالثة في السنة النهائية، فوافقه المعيد وذهب إليه في بيته فإذ هو ابن لمليونير، وقدم له هذا الطالب البودرة ولكنه رفضها، ومع تكرار الإلحاح يومًا فيومًا بدأ هذا المعيد شم الهيروين وقت الدرس، وفي الأسبوع التالي ذهب المعيد إلى الطالب على غير موعد ليحصل على جرعة من الهيروين، وإذ بالطالب يقدم له الهيروين في السرنجة، وحقنه بها في الوريد فكانت أسرع وأقوى.. شيئًا فشيئًا أخذ يدفع المعيد كل ما يصل إلى يديه ليحصل على حاجته من الهيروين.. تسول مع زملائه.. أخذ من أبيه.. باع سيارته واشترى دراجة بخارية.. صادق تجار المخدرات وحثالة المجتمع، وأخفق في الاستمرار في الدروس لهبوط مستواه العلمي. وأخيرًا اقترح عليه أحد أصدقاء السوء أن يركب خلفه على الدراجة البخارية ويخطف السلاسل الذهبية من النساء، فذهب الاثنان على ظهر الدراجة إلى مصر الجديدة، ونزل الصديق الغير مدرب ليخطف سلسلة سيدة فصرخت واستغاثت ونجح المارة في الإمساك به. أما المعيد فقد هرب بدراجته غير أن أحد سائقي السيارات اندفع وراءه وصدمه فسقط، وسيق إلى قسم الشرطة، فيقول "دخلت القسم. ثم إلى حجز القسم.. وجدت صديقي اللص في الداخل وقد سبقني.. فكرت في الانتحار.. فسوف يعلم والدي.. وستعلم زوجتي.. آه.. لقد انتهت حياتي.. وجاءت ساعة التحقيق.. رفضت الإجابة على أي سؤال.. وإذا بالجندي يضربني بقسوة على قفاي. يا حرامي يا ابن.. رد على حضرة الضابط.. وبكيت.. بكيت بكاءًا مرًا.. وتمنيت بصدق أن أموت فورًا، فما كان والدي "كلب " ولا يستحق هذه الإهانة.. وبإشارة من الضابط أخرج الجندي بقسوة وعنف من جيبي تحقيق شخصيتي.. ثم انهال ضربًا على قفاي.. بطاقة مزورة يا حرامي.. وقرأها الضابط.. بطاقة مزورة.. أليس كذلك..؟ نعم ولماذا اخترت معيدًا وظيفة لك..؟ مجرد اختيار.. هل تعرف معنى معيدًا بكلية كذا..؟ ولم أنطق بحرف واحد.. وطلب الضابط من الجندي أن يأخذني إلى الحجز وذهبت معه.. وبعد ساعة من بقائي في الحجز.. جاء الجندي مرة أخرى.. وأخذني بشفقة ورحمة إلى حضرة الضابط.. يا للكارثة.. دخلت غرفة الضابط، فوجدت والدي.. حاولت التراجع ولكن الجندي دفعني إلى الداخل.. ووقفت أمام والدي ورأسي مدلى على صدري.. لا أقوى على النظر إلى والدي. - هل حقًا ما فعلت؟ ولم أتمكن من إجابة سؤال والدي. - منذ متى وأنت تتعاطى الهيروين؟ ولم أتمكن من إجابة هذا السؤال أيضًا. - أمثالك.. يجب أن يدخلوا السجن.. أو يعلقوا في حبل المشنقة.. وبكيت.. بكيت كثيرًا، وأخذني والدي.. وانصرفت معه.. لو لم يكن والدي ضابط شرطة كبير.. لكنت الآن في السجن " وخرج هذا المعيد وعاد إلى منزله، وأخذ والده أجازة شهرًا كاملًا وظل معه في البيت، ورغم أنه كان يصرخ ويتلوى من الألم طالبًا الهيروين ولكن كان أبوه صارمًا، فيقول" لم أتمكن من تحمل هذا الألم.. كنت أصرخ وحدي كأني في صحراء.. قبَّلت حذاء والدي أكثر من مرة أن يأتي لي بالشمة الأخيرة ورفض. بل ضربني.. وضربني ضربًا مبرحًا.. أحاول أن أنام من الألم.. فيوقظني الألم.. أصرخ وأبكي.. ربما حبًا في الصراخ والبكاء حتى يهدني فأتمكن من النوم.. وأحيانًا أنام.. وأحيانًا كثيرة أصرخ من الألم، وكان قلب والدي من الحجر الذي لا يلين لصراخي. ومرة كنت نائمًا وأيقظني والدي، وطلب مني سرعة حضوري إلى الصالة لأشاهد التليفزيون.. تصوَّرت في البداية أن والدي قد أصابه مس من الجنون " ولكن عرف هذا الابن أن هناك برنامجًا تليفزيونيًا عن الإدمان، وأخذ أحد المتحدثين يدعو لتطبيق التجربة الإيرانية التي أعدمت نحو عشرة آلاف تاجر وموزع ومهرب مخدرات وأنقذت الشعب بالكامل، وحتى المدمن إن لم يوافق على العلاج يُعدم، وبدأ المتحدث يتحدث عن نظريته في إعدام المدمنين، فاهتز هذا المعيد وتصوَّر حبل المشنقة حول رقبته، فوضع في قلبه أن يقلع تمامًا عن الإدمان، وأخذ يجاهد أكثر فأكثر إلى أن شفي من الإعدام أقصد الإدمان. 4 - الهدف من مرحلة الانسحاب هو تخليص الجسم من السموم بطريقة طبية بأسرع ما يمكن، فالجسم بطبيعته يتخلص من السموم، ولذلك تبدأ فترة علاج أعراض الانسحاب بالتوقف التام عن تعاطي المخدر، باستثناء الحالات المدمنة الصعبة فإن التوقف يكون تدريجيًا، وتتراوح فترة العلاج هذه بين عدة أيام وثلاثة أسابيع يتعرض فيها المريض لآلام جسدية،لماذا؟ لأن مخ الإنسان غير المدمن يفرز نوعًا من الأفيونات الطبيعية (الإندورفينات والإنكفالينات) وعندما يتعاطى الإنسان المخدرات الصناعية يتوقف المخ عن إفراز مثل هذه الأفيونات الطبيعية، وتتعود خلايا الجسم ولا سيما خلايا المخ على وجود هذا المخدر الدخيل، فعندما يمتنع المريض عن تعاطي المخدر فإن وجوده يقل في خلايا الجسم مما يتسبب في آلام شديدة، ولا سيما أن المخ يأخذ فترة حتى يفرز ثانية الأفيونات الطبيعية. وتتمثل أعراض انسحاب المخدر من الجسم في الدوار والإسهال والقيء والرشح والدموع. وقد يشعر المدمن بأن هناك ثعابين تنهش في كل أجزاء جسمه، ولذلك يتناول الإنسان خلال هذه الفترة العقاقير الطبية حتى تختفي الآلام التي يشعر بها الإنسان، كما يتناول المدمن الأدوية التي تهدئ الجهاز العصبي، وتقاوم الاكتئاب إن وجد، وأيضًا قد يكون في حاجة إلى بعض العقاقير التي تحتوي على نسبة أقل من المخدر. كما يحتاج المدمن خلال هذه الفترة إلى بعض الفيتامينات لفتح الشهية. ومن الأمور الطريفة في علاج إدمان الخمور الطريقة التي اخترعها الدكتور الفرنسي جورج برويل وهى حقن المدمن بمستخلص من الكحول في الوريد لمدة 36 ساعة حتى يتشبع الجسم بهذه المادة، وبعد هذه الفترة لا يطيق المدمن رائحة الخمر ولا يقبل مذاقه طوال أيام حياته(3). وتختلف فترة انسحاب آثار المخدر من مدمن إلى آخر بحسب نوع المادة التي كان يدمنها، والمدة التي قضاها في الإدمان، وقوة إرادة المدمن ورغبته الجادة في الشفاء، ومقدرته على تحمل الآلام، وقد تمر هذه الفترة وتكون الآلام محتملة، وقد تصل إلى حد التشنجات العصبية التي تحتاج معها إلى قضاء هذه الفترة في إحدى المستشفيات مع الإشراف الطبي الكامل، ومن الأمور التي تساعد على مرور هذه الفترة بسلام توافر الطبيب النفسي، والأخصائي الاجتماعي، وهيئة التمريض، والخادم المحب. 5- الحرص كل الحرص لئلا يتسرب المخدر بطريقة أو بأخرى للمريض خلال هذه الفترة، ولذلك يجب منع الزيارة تمامًا عن المريض خلال الأسبوع الأول، وبعد ذلك يسمح بالزيارة بشرط التدقيق في نوعية الزوار لئلا يحمل أحدهم المخدر للمريض سرًا بحجة الحب أو الشفقة أو الجدعنة، وأحيانًا يجب مراقبة المدمن ليلًا ونهارًا مع قياس الضغط والحرارة بصفة دورية، ويقول أحد المدمنين في اعترافاته وهو ابن تاجر كبير " دخلت المستشفي وكل خلية في جسدي تطلب العلاج، وكنت أريد أن أقدم الشفاء هدية لوالدي المريض، والذي يرقد في مستشفي القلب، فهو لم يقصر معي، وبدلًا من أن أكون مصدر فخره، أصبحت مصدر عاره، وسببًا في مرضه.. دخلت المستشفي وكلي أمل وتحملت الآلام في اليوم الأول، وكانت آلامًا مبرحة وأخذت العلاج من الطبيب، ورحت في نوم عميق، وفي الصباح أحسست بأن هناك نداء في داخلي يلح علىَّ في طلب الهيروين، ولكني تحملت، وجاء الممرض وأخذني إلى حديقة المستشفي، لأجلس في شمس الشتاء الدافئة، واختلط المرضى الذين شفوا وهم الآن في دور النقاهة، جلسنا خمسة ممن أهلكهم الإدمان وبدأنا التعارف. - كنت طالبًا في كلية الطب.. والدي طبيب كبير مشهور.. - أنا.. محاسب.. كان عندي مكتب للمحاسبة.. بعته في سبيل جرعات من الهيروين. - أنا.. موظف في وزارة الخارجية.. والدي كان سفيرًا وهو الآن على المعاش. - أنا.. من حثالة المجتمع.. بائع هيروين ومدمن في نفس الوقت. - وأنا ابن تاجر في وكالة البلح. وأخرج الشاب الذي وصف نفسه من " حثالة المجتمع " عدة تذاكر هيروين وقدمها للحاضرين، وأخذ كل واحد ورقة، وترددت في البداية، ولكن ذلك الشيطان الذي في داخلي جعلني أنقض على الورقة.. بل وأسرع في فتحها.. ثم شمتها دفعة واحدة، وأحسست براحة عجيبة بعد طول عذاب.. وأصبحت بعد ذلك أنتظر الصباح حتى أحصل على شمة.. وعلمت أن هذا الشاب الذي جاء من قاع المجتمع ليس وحده الذي يبيع الهيروين بل إن الممرضين أيضًا يبيعون، ووجدت إن الهيروين ينتشر جدًا داخل المستشفي أكثر مما هو خارجه.. واستمر الحال شهرًا كاملًا حتى عرفت أمي أنني أتناول الهيروين داخل المستشفي، وثارت ثورة عارمة على الممرضين والأطباء وإدارة المستشفي، والكل في حالة لا مبالاة تامة، فيبدو أنهم تعودوا على هذه الثورات.. وخرجت من المستشفي وأبلغت أمي الشرطة بما حدث في هذه المستشفي" (1) 6- أماكن العلاج: هناك مستشفيات حكومية، وأخرى خاصة لعلاج أعراض الانسحاب، وتتفاوت مصاريف العلاج من عدة مئات إلى عدة آلا ف من الجنيهات في المستشفيات الخاصة. أولًا: المستشفيات الحكومية التي يوجد بها أقسام للإدمان: بالقاهرة مستشفي العباسية ومصر الجديدة وقصر العيني ومستشفي حلوان للصحة العامة، وفي الإسكندرية مستشفي المعمورة العام، وفي المحافظات مستشفيات بنها، والخانكة، وطنطا، والعزازي بالشرقية، والإسماعيلية، وبور سعيد، والسويس، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، وأسوان. ثانيًا: جمعيات أهلية لمكافحة الإدمان بالقاهرة: منها: 1 - جمعية برايد مصر 3 ش المراغي بالعجوزة. 2 - الإتحاد العربي للوقاية من الإدمان - مدينة نصر شارع الطيران - مستشفي الدكتور جمال ماضي. 3 - الجمعية المركزية لمنع المسكرات ومكافحة المخدرات 157 شارع القلعة بالعتبة ت 3903215. 4 - الجمعية المصرية للصحة النفسية 31 ش عرابي - القاهرة ت 5820667، 5820668 . ثالثًا: جمعية كاريتاس: بالقاهرة 13 شارع عبد الحميد سعيد معروف ت 762242 - 766723 والإسكندرية 10 شارع محمد طلعت نعمان - محطة الرمل ت 4840138 رابعًا: أندية الدفاع الاجتماعي: ويبلغ عددها أكثر من مائة وعشرين ناديًا منتشرًا في معظم محافظات الجمهورية وكثير من المدن. خامسًا: الخط الساخن الذي يقوم بالإجابة على كافة التساؤلات والاستفسارات التي يوجهها المدمنون أو أقرباؤهم من خلال التليفون من العاشرة صباحًا إلى العاشرة مساءًا يوميًا، وأرقام هذه التليفونات بالقاهرة 3041948، 03051841. وأخيرا نقول أنه بانتهاء مرحلة الانسحاب يشعر الإنسان بتحسن كبير، وبأنه قد تعافي تمامًا، ويظن أنه قد نال الشفاء الكامل، فلو خرج من المستشفي وعاد إلى حياته فإنه سريعًا سيعود إلى المخدر، وتصبح فترة علاج أعراض الانسحاب بلا فائدة. وقال د. فيكتور سامي في مؤتمر الفيوم 26، 27/11/2001 إن أحد الأشخاص المدمنين دخل للمستشفي للعلاج من الإدمان 25 مرة دون جدوى. ولكن لا بد من فترة التأهيل والعلاج النفسي والاجتماعي الذي يقود المدمن للمصالحة مع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه ويصبح قادرًا على العمل والإنتاج. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 67 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
فترة التأهيل في علاج المدمنين رابعًا : فترة التأهيل Rehabilitation خلال فترة التأهيل يجب الالتفات إلى الأمور الآتية:1 - مشكلة الإدمان تمثل مشكلة صعبة لأنها متفرعة ومتشعبة، فالشق الطبي ليس هو الشق الوحيد للمشكلة، فالذين يتم علاجهم طبيًا فحسب تبلغ نسبة الانتكاسة إلى 80% ولكن هناك أمور أخرى يجب الالتفات إليها خلال فترة التأهيل مثل الشق النفسي، والشق الاجتماعي، والشق الأسرى التربوي، والشق القانوني، والتقصير في علاج أحد هذه الفروع يقود إلى الانتكاسة، وبسبب تشعب مشكلة الإدمان صدر القرار الجمهوري رقم 450 لسنة 1986م الخاص بتشكيل المجلس القومي لمكافحة المخدرات وعلاج الإدمان. 2- يمر المدمن بعدة مراحل نفسية وهي:
3- تبدأ فترة التأهيل بعد انتهاء مرحلة علاج أعراض الانسحاب، وتستمر فترة التأهيل عدة أشهر وقد تصل إلى عدة سنوات، وهي بمثابة ولادة جديدة لينزل الإنسان إلى الحياة بعقل جديد وفكر جديد، وتشمل فترة التأهيل تأهيل أسرة المدمن لتتعلم كيف تتعامل معه، وكيف تقدم له أقصى طاقات الحب، وتشجعه على الاستمرار في النجاح، ولا تجرح مشاعره ولا تحتقره ولا تزدري به لئلا يعود إلى ما كان عليه، وفي نفس الوقت تكون حذرة فيما يصل إليه من نقود لئلا يعود إلى شراء المواد المخدرة. 4- خلال فترة التأهيل قد يحتاج الإنسان إلى تغيير البيئة التي يعيش فيها، والأصدقاء الذين اعتاد عليهم ولاسيما أصدقاء الإدمان، فقد حكى أحد الأطباء المتخصصين في مجال مكافحة وعلاج الإدمان عن شخص كان يسكن في منطقة موبوءة بالمخدرات، فبدأ يدخن السجائر في الصف الثاني الإعدادي، ورغم إن والده كان يعاقبه على التدخين إلاَّ أنه لم يقلع عنه بسبب تمسكه بأصدقاء السوء، وعندما وصل إلى الصف الأول الثانوي التجاري كان يشرب البيرة مرتين في الأسبوع، ويتعاطى الحشيش، وكان يعمل بجوار دراسته في مجال النقاشة! وكان يكسب ولكن كل ما يكسبه بالإضافة إلى المصروف الذي كان يأخذه من والده لم يكفي مصاريف الإدمان.. مرت الأيام وتطور به الأمر إلي السرقة من جيب والده ومحفظة والدته، وكل ما تصل إليه يده لا يكاد يكفيه للصرف على المزاج اليومي. إذ كان يشرب كل ليلة خمسة زجاجات بيرة بالإضافة إلي ربع أو نصف لتر من الخمور، علاوة على علبتين سجائر يوميًا. وعندما وصل إلى التاسعة والعشرين من عمره انحرف أكثر وبدأ يتعاطى برشام أبو صليبه، وعندما ساءت حالته دخل إلي مستشفي خاص وأمضى بها فترة علاج أعراض الانسحاب، وخرج منها إلى أحد الأديرة حتى أمضى عشرة أيام. ثم ذهب إلى مزرعة الدير لمدة أربعين يومًا، وجاهد كثيرًا حتى توقف عن الإدمان، وتزوج وسكن مع أسرته وأنجب طفلًا ولكنه مات. ثم رُزِق بطفل آخر كان يحبه ويهتم به كثيرًا. وبسبب أصدقاء السوء تعرض للانتكاسة وعاد إلي الإدمان فاختل حاله وماله، وساءت علاقته مع زوجته وأسرته، وأهمل ابنه الذي كان يحبه كثيرًا، وكفَّ عن الصرف على احتياجات البيت مما دفع الزوجة إلى ترك البيت مرارًا وتكرارًا، ورغم محبته الشديدة لها إلاَّ إن المخدر كان الأقوى فخلعه بسهولة من وسط أسرته.. حقًا إنه كان إنسانًا رقيق المشاعر للغاية، ولكن الإدمان دمر هذه المشاعر الرقيقة.. انظر يا صديقي إلي ما كتبه لزوجته:
وفي لحظة اتخذ الزوج قراره بالتوقف عن الإدمان.. فلماذا؟ لأن والدته سافرت إلى أمريكا بعد أن مات والده، وضج أخوته من سوء تصرفاته إلى الدرجة التي طردوه من بينهم إلى الشارع، وها زوجته وابنه قد فارقاه.. وجد نفسه في الشارع وحيدًا شريدًا فصمَّم على التوقف عن الإدمان، وفضل الموت عن حياة الدمار التي يعيشها.. توجه إلى جمعية كاريتاس لبدء العلاج، فأرسلوه إلى مستشفي المعمورة حيث أمضى شهرًا تعالج خلاله من أعراض الانسحاب.. لم يزوره أحد غير شقيقه الصغير الذي حضر له بعد 21 يومًا من دخول المستشفي وأحضر له علبة سجائر فرفضها بشدة بعد أن انقطع عنها، وقال بعزة نفس عندما أخرج وأشتغل أشترى السجائر التي أريدها، وكان الأخصائي النفسي قد قدم له سجائر من قبل فرفضها بإيباء وشمم. وبعد أن خرج من المستشفي جاء قراره الصائب بتغيير البيئة التي يعيش فيها، والهروب من الأصدقاء الذين اعتاد عليهم، فذهب إلى منطقة برج العرب وبدأ حياة جديدة مستقرة، وعادت إليه زوجته وابنه وعادت إليه بسمة الحياة بعد أن نجا من موت الإدمان. 5 - خلال فترة التأهيل يبرز دور المجموعة العلاجية التي ينضم إليها المريض حيث يكوّن الجميع صداقات قوية عوضًا عن صداقات المخدرات التي خلع الإنسان نفسه منها، وفي الجلسات الجماعية يحكي كل عضو ما بداخله فيستريح، ويشعر أنه ليس وحيدًا ولكن هناك من يسير معه في نفس الاتجاه، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.فالفريق المعالج بجواره يعرف مشاعره وأحاسيسه وما يمر به من أزمات، ويرى زملائه يتلقون العلاج والتأهيل مثله، ويعرف طريق التأهيل عدَّة مراحل لا تنتهي بين عشية وضحاها، وأيضًا في المجموعة العلاجية يتم تبادل الخبرات مع التوجيه والإرشاد والمساندة من جانب الفريق المعالج، ومما هو جدير بالذكر أن البرنامج العالمي في تأهيل المدمنين يعتمد على نشر روح المحبة والإخاء بين فريق المعالجين وفريق المدمنين، وتكوين صداقة بينهم لا تنتهي بانتهاء فترة التأهيل بل تنمو وتستمر وتزداد. ويحكي الأستاذ الدكتور فيكتور سامي عن شاب كان عمره أربعة وعشرون عامًا، وكان يعمل مع والده في معرض سيارات، ويتمتع بشخصية قوية، وبينما كان يزور أحد التجار في مكتبه، ولكيما يحتفي به هذا التاجر قدم له تذكرة هيروين، وأراد هذا الشاب أن يظهر بمظهر المجرّب الخبير فاستنشق الهيروين وسقط في الإدمان، وبدأ يستنزف رأس مال والده.. أدخله والده إلى المستشفيات المختلفة عدة مرات بدون إرادته فكان يأخذ معه الهيروين بطرق مختلفة إلى داخل المستشفي، ولكن عندما اقتنع هذا الشاب بضرورة التوقف عن الإدمان دخل المستشفي بإرادته، وعندما أنهى مرحلة الانسحاب انضم إلى مجموعة علاجية من الذين قرروا التوقف عن الإدمان، فتصادقوا معه وأحبوه وأحبهم، وصاروا يمثلون عنصر ضغط عليه، فأخذ يجاهد ويسقط ويقوم، والمجموعة تشجعه ولا تتخلى عنه، فهي خير معين له، وهو في تحسن مستمر(2). 6 - في خلال فترة التأهيل يتلقى المدمن العلاج النفسي سواء عن طريق الجلسات الفردية مع الطبيب النفسي، أو عن طريق الجلسات الجماعية مع المدمنين الذين يتلقون العلاج، فمثلًا مدمن الحشيش الذي اعتاد نفسيًا على جلسات الحشيش وما يدور فيها من ضحكات وقفشات يحتاج أن يتعلم التخلي عن هذه الجلسات، ويستعيض عنها بالجلسات النظيفة مع أصدقائه من المجموعة العلاجية. في العلاج النفسي أيضًا يتعلم المدمن كيف يعمل جرد ذاتي لأخطائه كتابة، وكيف يحصي الخسائر.. الناس الذين أساء إليهم، وأخطأ في حقهم، وسرق منهم، وجار عليهم، وكذب عليهم، وأجرم في حقهم، ومثل هذه الأخطاء المكتوبة يعود المدمن إلى قراءتها في وقت الزمَّة واللهفة إلي المخدر فيعود إلى عقله، وتصبح هذه الأخطاء المكتوبة بمثابة سيفًا معه يحارب به الإدمان. بل إن الإنسان المدمن الذي تعافي يستطيع أن يواجه ضعفاته ويذكرها بشجاعة أمام أي إنسان آخر ولا يخفي هذه الأخطاء الماضية ولا ينكرها.. حقيقة إن المدمن عندما يتعافي يكون أفضل كثيرا من أي شخص آخر. وفي العلاج النفسي يتعلم الإنسان كيف يكتشف أخطائه ويستفيد منها، ولا يلقي باللوم على الآخرين، ويتعلَّم أيضًا من خلال التدريبات العملية كيف يتخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، وكيف يتصدى للمشاكل والضغوط اليومية بطريقة صحيحة ولا يهرب منها. وفي العلاج النفسي يجب احترام المدمن حتى لو كان صبيًا عاطلًا بلا عمل، ولا يجب احتقاره والازدراء به كمجرم بل يجب معاملته بلطف وحزم كمريض، ومن هذا المنطلق يجب إشراكه في خطة العلاج، ويقوم الطبيب بمساعدته على التعرف على مشكلته وأبعادها المختلفة، ويوقظ فيه الإرادة التي تآكلت. ومن طرق العلاج النفسي السلوكي المشهورة طريقة بودن H.M. Boudin التي تعتمد على:
وقد تم تطبيق هذا البرنامج على عدد من مدمني الهيروين الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية بالعلاج في مدينة جينزفيل بولاية فلوريدا في أمريكا في السبعينيات وكانت النتائج مشجعة. ومن أمثلة الجلسات الفردية مع المدمن أن الطبيب المعالج يقوم بالاستماع للمريض الذي يقدم تقرير شفاهي عن الأيام السابقة، ويحاول الطبيب أن يلخص أقوال المريض ويعيدها على مسامعه لكيما تمثل بالنسبة له مبادئ ثابتة ترسخ في ذهنه، فإذا قال المريض: إن الهيروين حطمني، وحطم أسرتي، وأضاع ممتلكاتي، وتسبب في ديوني، وجعل الحياة بالنسبة لي سجنًا.. يقول له الطبيب المعالج: حسنًا قلت، وحسنًا شخصت جميع المشاكل التي نجمت عن الهيروين وهي كذا وكذا وكذا.. وفي هذه الجلسة الفردية يسأل الطبيب المريض الأسئلة التي تساعده على الإفصاح عما بداخله، فإذا حاول المريض إخفاء الحقيقة، فقد يسلك معه الطبيب مسلك محامي الشيطان فيقول له مثلًا: حقًا لا توجد أية مشاكل تذكر مادام الإنسان يتعاطى الهيروين بتحفظ، فيعترض هذا المريض قائلًا: لا وألف لا.. هذا مستحيل، لأن مشاكله لا تعد ولا تحصى. فيطالبه الطبيب بذكر بعض الأمثلة لهذه المشاكل، فيتحدث المريض باستفاضة عن هذه المشاكل.. فيسأله الطبيب: هل اختبرت هذا بنفسك؟ فيجيب المريض: نعم.. أنا أتكلم من واقع الخبرة. وفي نهاية الجلسة يكون قد تم الاتفاق بين الطبيب والمريض على الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية للإدمان، ولا بد من مواجهتها والتخلص منها، والعزم على تغير السلوك الخاطئ، مع الاستعداد الكامل لتحمل التضحية اللازمة للخلاص من هذا الموت. وتتراوح مدة الجلسة بين 30، 45 دقيقة، وتتم بواقع ثلاث مرات أسبوعيًا مع الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي، وفي الجلسات التالية يخبر المريض الطبيب عن سلوكياته في الفترة السابقة والطبيب يناقشها معه، فيؤكد على الصحيح منها، ويكشف القناع عن الخطأ، ويترك للمريض الحكم على الخطأ، ويظل الطبيب ينمي في المريض هذه المقدرة على مراقبة نفسه، مع قبول التصرف الصحيح ورفض التصرف الخاطئ، حتى يصبح ضمير الإنسان هو الحكم والقاضي والميزان الحساس والترمومتر الذي يميز بين الصح والخطأ، ويظل الطبيب أيضًا يعلم المريض كيف يرفض الأمور الخاطئة، ويقول للخطأ: لا.. لا.. ومع تكرار الجلسات قد يحتاج الطبيب إلي تذكرة المريض بالأحداث المؤلمة التي مرت عليه بسبب الإدمان، ويعمل الطبيب على تحطيم الأفكار التي تدفع المريض للعودة إلى الإدمان، ويذكي فيه المشاعر والأفكار التي تقاوم الإدمان وترفضه، وينمي الطبيب أيضًا في المريض الثقة بالنفس، ويسهل له طريق النجاة، ويزرع الأمل أمامه ويشدد الركب المرتعشة والأيادي المخلعة حتى يشعر المريض في نهاية الجلسة أنه قد تغيَّر كثيرًا عن بدايتها، وربما تستمر هذه الجلسات ستة أشهر بمعدل ثلاث جلسات أسبوعيًا. ثم بعد ذلك يكون هناك جلسة كل أسبوعين. ثم كل شهر أو كل شهرين، وأخيرًا في مرحلة المتابعة يكون اللقاء مرتين في العام. 7 - خلال فترة التأهيل يتلقى المريض العلاج الاجتماعي عن طريق الأخصائي الاجتماعي الذي يعتبر أحد الأعمدة الهامة في الفريق العلاجي، فيتولى علاج المدمن اجتماعيًا، ويشمل هذا العلاج: أ- إعادة التأهيل: أي إعادة تأهيل المدمن ليعود إلى عمله مع توجيهه وإرشاده حتى يؤدى نفس العمل بنفس الكفاءة التي كان يعمل بها قبل الإدمان، وإذا لم يمكنه العودة إلى هذا العمل بسبب ارتباطه بأصدقاء السوء مثلًا أو قربه من المخدرات أو ارتباطه بمشاكل يصعب التغلب عليها، فإنه يتم تأهيل المدمن على عمل جديد. ب- إعادة الاستيعاب الاجتماعي:أي تدريب المدمن في فترة التأهيل على التخلص من العادات والسلوكيات التي اكتسبها خلال فترة الإدمان، مع التدريب على اكتساب عادات جديدة حسنة، فمثلًا إذا كان المدمن قد تعود على جلسات الحشيش، حتى أصبحت هذه الجلسات في حد ذاتها ولو بدون مخدر هي نوع من الإدمان فيجب على الإنسان أن يتخلص منها، فلا يأخذه الحنين إليها، وإنما يتعود على جلسات جديدة نظيفة مع أصدقاء مخلصين. كما يجب خلال هذه الفترة أن يتم علاج الأسباب التي قادت المدمن إلي الإدمان. وبعد أن خلع المدمن نفسه من أسرته، وترك أصدقائه المخلصين الملتزمين، وانزوى عن المجتمع، يعود يصل الحلقات التي تحطمت ويبني الجسور التي انهارت، ويعيد العلاقات الأسرية القوية متحملًا واجباته التي أهملها، ويعود إلى أصدقائه الأولين ويرتبط بهم أكثر، ويعود إلى مجتمعه مشاركًا كمواطن صالح في بناء بلده، وبعد أن تعود المدمن الحياة بالمخدر يتعود على الحياة بدون مخدر، وأيضًا خلال هذه الفترة يتم عمل اجتماع أسبوعي لعائلات المدمنين التي عانت كثيرًا من متاعب الإدمان، وخلال هذا الاجتماع يتم تأهيل الأسر للتعامل مع المريض، وكيفية مواجهة أي أمر طارئ إذا عاد المريض للإدمان، وسرعة الاتصال بمركز العلاج.. الخ. 8 - خلال فترة التأهيل يمارس المدمن الرياضة التي تقوي عضلة القلب، وتقوي الإرادة، وتمنحه الثقة بالنفس، وتعطيه إمكانية التحدي مع الإحساس بالرضا، ويشعر أنه ما دام قد استطاع ممارسة النشاط البدني فهو يستطيع أن يمتنع عن الإدمان، ولا سيما أنه بعد عشرة أيام فقط من ممارسة الرياضة يستطيع الإنسان أن يسجل تقدمًا ملحوظًا في لياقته البدنية، كما إن ممارسة المدمن للتمرينات الخاصة بالتنفس تجعله يشعر بالتحسن، فبعد أن كان يعاني من صعوبة التنفس ولا سيما عقب بذل مجهود ولو قليل فإنه يشعر إنه صار للأفضل. 9 - في فترة التأهيل لا نهمل العلاج الروحي، فإثارة الوازع الديني في نفس المدمن - بعد أن يتقدم في طريق العلاج وتتحسن حالته - تقوي الضمير الذي يعتبر رقيبًا على تصرفات الإنسان، ويقول د. نبيل صبحي " إن تجاهل الجانب الديني في محاربة الإدمان يُضيّع علينا فرصة استخدام دواء فعال للمقاومة والعلاج والوقاية في نفس الوقت. ذلك إن الناس يثقون في دور العبادة وفيما يقوله رجال الدين، ويعدلون سلوكهم وفقًا لما يثقون أنه يرضي الله، ومن المعروف أن هناك كثيرون يمتنعون عن الخمور وغيرها استجابة لوازع ديني لا أكثر.. ويمكن أن يؤدى المفهوم الديني عن قيمة الإنسان إلى استعداد أكبر لبذل الجهد من أجل النفوس التي تحتاج أن يرعاها ويبذل من أجلها الجهد لكي تخرج من سجنها الإدماني، ويتحرر الإنسان من أن يصبح حبيس قطعة حشيش أو زجاجة خمر طوال عمره. إن تقديرنا لقيمة الإنسان الذي فداه الله يساعدنا على أن ندرك المعاناة التي يعيشها المدمن وتعيشها أسرته، فنبذل الجهد من أجل أن نشاركهم الحل" (1). ويقول أ. د. فيكتور سامي إن أحد المدمنين الذين ذهبوا إلى بيت التأهيل أمضى ثلاثة أشهر ، ولم يجد الدافع الذي يدفعه للتغير، ولكنه بعد هذه الفترة حلَّ أسبوع الآلام واستمع إلي لحن "كي بيرتو" بنغمة الحزن فخلق داخله الدافع القوي للتحرر من الإدمان، وأيضًا يقول الدكتور فيكتور إننا لو علَّمنا المدمن كيف يقرأ الكتاب المقدَّس ويتفاعل معه، فإن الكتاب سيعلمه كيف يقلع عن الإدمان، وفي السويد يوصون المدمن بأن لا يحتفظ بأي سر مع نفسه، ولذلك يحضر لهم الأب الكاهن في بيت التأهيل ليعطيهم فرصة الاعتراف بكل ما في نفوسهم كنوع من العلاج الروحي. فالحب والعلاج الروحي قادر على تحويل تاجر المخدرات إلي خادم عظيم يكافح ضد الإدمان، فقد حكى لنا أ. د. فيكتور سامي في مؤتمر الإدمان بالفيوم 26، 27 /11/ 2001 عن زيارته لمركز علاج الإدمان في سانت أنطونيوس بتكساس، وهذا المركز يقع في منطقة موبوءة بالمخدرات مثل حي الباطنية في القاهرة.. البيت مكوَّن من دورين، عليه من الخارج لافتة كبيرة رُسِم عليها صليب يقطر دمًا، وقطرات الدم تتقاطر على يد مكبلة بالحديد، فتحطم نقطة الدم القيد الحديدي، وفي الداخل مُعلَق لوحة رُسِم عليها ثلاث كلاب ضالة تعبر عن الحياة السابقة لصاحب هذا البيت وشقيقاه إذ كان ثلاثتهم يتاجرون في المخدرات. ثم قُبض على هذا الرجل ودخل إلى السجن، وكان عنيفًا جدًا، وكان يذهب للسجن أحد الخدام كل يوم أحد يجتمع مع المسجونين ويقرأ معهم كلمة الحياة، فكان هذا الرجل يستخف بذاك الخادم ويستهزء بالمجتمعين. وفي يوم قال في نفسه أميل من بعيد لأسمع ما يقوله هذا الرجل ، فسمعه يتكلم عن محبة المسيح للكل حتى للخطاة والزناة، وفي الأحد الثاني حاول أن يسترق السمع أكثر، وفي نهاية الاجتماع سأل الخادم: هل تقول إن المسيح يحب الخطاة؟ فقال له الخادم: نعم، ومهما كانوا، ومهما كانت أخطاءهم فهو يحبهم فعلًا. فطلب هذا الرجل من ذلك الخادم أن يترك له الإنجيل لمدة أسبوع واحد، فقال له الخادم: إنني أتركه لك ليكون معك إلي الأبد. وفي الأسبوع التالي كانت نهاية فترة العقوبة لهذا الرجل، فخرج مع الخادم ولم يشاء أن يذهب إلي بيته بل ذهب إلي الكنيسة وسجد وصلى بدموع حارة، وبدأ خدمته للمدمنين في هذا البيت، فالمدمن في أمريكا يظل هائما على وجهه ليس له من يسأل عنه، فيستقبله هذا الرجل ويستضيفه ليقضي ليلته بالدور العلوي، ويستيقظ ليأخذ دشًا ويقدم له الطعام ويقرأ معه إصحاح من الإنجيل ويطلب منه يأتي ثانية، فيتردد عليه ويومًا فيومًا يتغير حال المدمن ويقلع عن الإدمان الذي سيقوده إلي الجحيم. وأيضًا الحب والعلاج الروحي حوَّل الشخص السيكوباتي الذي يصعب شفائه إلي خادم يكافح الإدمان، فقد حكى لي الأستاذ الدكتور فيكتور سامي هذه القصة عن شاب وحيد لأمه الأرملة مع ثلاث أخوات بنات، وكانت شخصية هذا الشاب سيكوباتية، والطب يقول أنه من الصعب جدًا علاج مثل هذه الشخصية، فكان قاسي القلب بلطجي يضرب أخوته وأمه، ويتعدى على الآخرين، بالإضافة إلي انحرافه للإدمان منذ السادسة عشر من عمره وكان يساعده في هذه البلطجة بنيته القوية.. تعثر في دراسته الثانوية العامة، وانحرف أكثر فأكثر إذ صار موزعًا للمخدرات على أقرانه من الطلبة، وكان يرفض أي فكرة للعلاج، والأم لا تكف عن الشكوى والبكاء. وفي أحد الأيام التف حوله بعض الأشخاص الذين عقدوا العزم على مساعدته، وهو لا يعرف شخصياتهم، فظن أنهم من رجال الأمن، وأنهم سيسحبونه إلى قسم الشرطة، فأخذوه وذهبوا به إلى المستشفي، وهناك أحاط به الخدام يخدمونه، والطبيب المعالج أخذ يحدثه عن الله، وتم تكثيف الخدمة خلال فترة علاج أعراض الانسحاب التي استمرت ثلاثة أسابيع، وعندما انتهت هذه الفترة، اقترح عليه الطبيب إن كان يريد أن يكمل علاجه فإنهم سيساعدونه للذهاب إلى بيت التأهيل، وأفهمه الطبيب أن هذا البيت ليس سجنًا إنما يذهب إليه الإنسان بكامل رغبته، وفي أي وقت يرغب فيه الإنسان أن يترك البيت ويقرّر هذا، يصطحبه المشرف إلى وسيلة المواصلات ويقدم له تذكرة العودة أيضًا.. فتشجع هذا الشاب وذهب إلى بيت التأهيل، والتزم بالبرنامج التأهيلي، وانتقل من مرحلة إلى أخرى بنجاح كبير، حتى تخرج من البيت بعد ثمانية عشر شهرًا حصل خلالها على الثانوية العامة، والتحق بمعهد سنتين.. وبعد أن أنهى فترة علاجه بالكامل طلب من الفريق المعالج أن يخدم معهم في مجال مكافحة وعلاج الإدمان فقبلوه معهم، وصار خادمًا ممتازًا له خبرته في هذا المجال، والأمر المدهش أن شخصيته قد تغيرت تمامًا، فبعد أن كان قاسي القلب عنيف فظ أصبح رقيقًا حتى إن دموعه صارت قريبة جدًا، وامتلأ قلبه بالحنان وفاض على الكثيرين ممن يساعدهم في العلاج.. خطب وتزوج، ومازال يعمل في هذا المجال الإنساني، وأصبحت أمه التي أصابها الكثير من أذاه في الماضي فخورة به في الحاضر. ونعود ونؤكد نفس المعنى من خلال القصة الثالثة، فقد استطاع الحب والعلاج الروحي أن يحول المدمن إلى... فحكى لي أحد الآباء الكهنة قصة مؤثرة عن ابن وحيد لأسرة تقية تعيش في أحد أحياء القاهرة الراقية توفي والده وله من العمر خمس سنوات، وتعلم الابن في إحدى مدارس اللغات، وكان مرتبطًا بالكنيسة، وخلال الفترة من الثانوية العامة للجامعة تسلط عليه مجموعة من الأشرار وأخذوا يشككونه في نسبه لهذه العائلة العظيمة، فكانوا يداومون الاتصال به تليفونيًا ويؤكدون له أنه ليس ابنا لهذه الأسرة لكنه لقيط، وقد تبنته هذه الأسرة، فانزوى هذا الابن وانطوى على نفسه وكان على مشارف الجامعة سنة 1975، ولكيما يهرب من هذه المتاعب القاسية إذ فقد هويته ولا يعرف أين أبوه وأين أمه وأين إخوته؟ وكيف تخلوا عنه؟ ولماذا..؟ ولكيما يخلص من كل هذه الهموم لجأ إلى المخدرات، وساءت حالته النفسية حتى أنه أمسك في إحدى المرات سكينًا وجرح نفسه، وبدأ حاله يتغير إلى الأسوأ فأصيب بهزال ورعشة وصارت عيناه غائرتان. أما أمه فكانت تتمثل بالقديسة مونيكا التي لم تكف عن ذرف الدموع والصلاة من أجل ابنها أغسطينوس حتى قال لها القديس امبروسيوس "ثقي يا مرأة. لا يمكن أن يهلك ابن هذه الدموع" كانت الأم تطلب من الله أن يشفيه، وأن يقبله قربانًا إليه.. لم تتمنى أن يتزوج وتفرح بأولاده ولا سيما أنه الابن الوحيد الذي يحمل اسم الأب الغالي، بل طلبت من الله أن يقتنيه له. اصطحبه أحد الخدام إلي الدير، وهناك أمضى فترة الانسحاب، واستعاد ثقته بنفسه وبأسرته، وبعد أن كان يقول: أنا لا أريد أن يعطف أحد علىَّ.. أين هي أسرتي؟ اقتنع أنه ابن حقيقي لهذه الأسرة المباركة، وكل الذين وسوسوا إليه ما هم إلا زمرة من الأشرار.. عاد إلى دراسته وواصل نجاحه حتى تخرج وعمل، واستجاب الله لطلبة الأم وقبل قربانها إذ تقدم هذا الشاب لحياة الرهبنة وقدم ذاته قربانًا حيًّا لله، فصار راهبًا فاضلًا نطلب صلواته عنا.. هذه هي قوة الصلاة وثمارها. 10 - وفي فترة التأهيل لا نهمل العمل كعامل مساعد في العلاج، فحكت لي تاسوني ففيان (الأسماء مستعارة) وهي إحدى التاسونات المكرسات عن شاب يُدعى بيتر، وهو شاب في الصف الأول بكلية السياحة والفنادق انتقل والده الطبيب البيطري بجلطة في القلب بينما كان بيتر في الصف الأول الإعدادي، وانتقلت أمه بمرض الفردوس وهو في الصف الأول الثانوي، وله أخ أكبر منه، وخمسة أخوات تزوجن جميعهنَّ بعد أن أكملن تعليمهنَّ وإحداهنَّ تعمل طبيبة، والباقيات في وظائف مرموقة، وكان بيتر يشعر بمدى الصدمة من جراء موت والديه، فكان كثيرًا ما يتغيب عن المدرسة وانحرف إلي تدخين السجائر والبانجو وليس من رقيب . طلبت منه تاسوني ففيان أن يشاركهم في خدمة المكفوفين، وتساءل بيتر: كيف أخدم وأنا ليس لي أي خبرة في الخدمة.. فقالت له: فقط يوم الاجتماع تحضر أحد المكفوفين من بيته إلى الكنيسة، وبعد الاجتماع تعيده إلى بيته، ولا سيما أنك تمتلك سيارة. فرح بيتر إذ وجد من يسأل عنه ويكلفه بعمل ولو بسيط، وأدى هذا العمل بأمانة كاملة وحب كبير كما أنه وجد كل الحب من الخدام والخادمات، ولكنه مازال مرتبطًا بالمخدرات. وكان لبيتر صديق يدعى مجدي وُلِد في ألمانيا من أبوين مصريين، وكان هناك خلافات أسرية دائمة بين أبيه المهندس وأمه المهندسة، فلم يرَ مجدي والده إلاَّ بعد ولادته بعشر سنوات، لأن الأب كان قد ترك الأم مع ابنه مجدي في ألمانيا وسافر إلى أمريكا، وكان مجدي عنيفًا في تصرفاته بعض الشيء بينما يتمتع بيتر بالهدوء والصراحة، وكان بيتر قد تعرف على صديقه مجدي عن طريق الكلية. وفي يوم طلبت تاسوني ففيان بيتر فلم تجده، فطلبت صديقه مجدي على التليفون المحمول، فحضر بيتر ومجدي، وقال لها بيتر الذي تعود على الصراحة "في الوقت الذي ضرب فيه الموبايل كان مجدي يكشف ذراعه ليجربوا فيه حقنة ماكس فورت" وكانت نحو الخامسة بعد الظهر فقالت لهما: إنني ذاهبة إلى دير مارمينا.. هل تأتون معي..؟ فوافقاها. وفي الدير جلسوا مع أحد الآباء المحبين فسأله بيتر: هل الحشيش والبانجو حرام يا أبونا؟ ووقف مجدي مرعوبًا.. فما كان من الأب الراهب إلا أنه نهض وأخذهما في أحضانه، وهو يخفي فزعه مما سمعه. وجلس بيتر يعترف علنًا، وقد رفض أن تغادر تسوني ففيان المكان " كنا ماشين غلط.. بنأجر شقق مفروشة ونأخذ معانا مجموعة أولاد وبنات مسيحيين وغير مسيحيين.. ندخن سجائر، ونشرب بيرة وخمور، وبانجو وحشيش، بالإضافة إلى الانحرافات الجنسية.. إلخ " وإستغرقت الجلسة نحو ساعتين.. كان اعتراف كامل من بيتر الذي امتلك شجاعة الاعتراف العلني، وصمت مجدي علامة الموافقة والإقرار بكل ما قيل، وقدم لهما الأب الراهب الحب والنصيحة والإرشاد، وصلى لهما وقرأ لهما الحل. وبعد عودتهما اجتهد بيتر أن يصحح موقفه، ولكن كان الأصدقاء يضغطون عليه، وفي أحد الأيام عاد بيتر إلى بيت أخته الذي يقيم فيه الساعة الثالثة فجرًا، وهو مخمور وفاقد الوعي، فضاقت أخته به، واتصلت في الصباح بتسوني ففيان تعلمها بما كان، وتطلب منها التدخل لعلاج بيتر، فقالت لها تسوني: لا بد أن بيتر نفسه هو الذي يطلب العلاج بكامل رغبته حتى لا يضيع المجهود هدرًا. وبعد ساعات قليلة اتصل بيتر بتسوني ففيان يؤكد رغبته في العلاج، فاصطحبته إلى جمعية كاريتاس، وهناك تأكد أيضًا الطبيب المعالج من رغبته الجادة في العلاج، فكتب له أسماء الأدوية التي تساعده على قضاء فترة الانسحاب وقد أراد بيتر أن يبتعد عن الإسكندرية بالكامل، وبعيدًا عن صديقه مجدي الذي يربطه بالمخدرات، وفي أثناء هذه اللحظات اتصل الأب الراهب بتسوني ففيان ليطمئن على بيتر ومجدي، وعلم بما حدث، وعندئذ طلب من تسوني أن تحضر بيتر إلى الدير بدلًا من بيت التأهيل، ففرح بيتر بهذا، وبينما اتخذ بيتر مع تسوني طريقهما للدير كان مجدي مشغولًا بذكرى أربعين والده الذي انتقل إثر حادث أليم وهو على مشارف الإسكندرية عائدًا من غربته في أمريكا. واتصل مجدي بتسوني ففيان وهى في الدير مع بيتر، فصارحته إنه لا بد أن يبتعد عن بيتر خلال هذه الفترة الحساسة، فقال مجدي: وأنا كمان أريد أن أتلقى العلاج، وفرصة أقضي فترة الانسحاب مع بيتر في الدير، فوافق الأب الراهب على حضوره، وحضر مجدي، واتصل الأب الراهب بالطبيب المعالج يسأله عما إذا كان علاج بيتر يصلح لمجدي، فأجابه الطبيب بالإيجاب. وظل الصديقان بيتر ومجدي في الدير خمسة عشر يومًا يواظبان على العلاج والصلوات والعمل والجلسات الروحية المفيدة، وشتان بين هذا الجو المقدس المُشبَّع بالروحانية وبين جو الأصدقاء القدامى المُشبَّع بالدخان الأزرق، وما يحطم النفس ويهد الجسد.. مضت فترة الانسحاب وعاد الصديقان إلى الإسكندرية يستكملان العلاج التأهيلي لدى جمعية كاريتاس في جلسات نفسية مع الطبيب المعالج، والأب الراهب كان دائب الاتصال بهما، يطلب منهما إنهاء أعمال خاصة بالدير حتى أنهما كان يذهبان للدير أحيانًا مرتين في اليوم، وبفضل هذا الحب الأبوي وتحميلهما مسئولية أعمال كثيرة والعلاج الصحيح بدءا يتماثلا للشفاء. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:29 PM | رقم المشاركة : ( 68 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
صور عن برامج بيوت التأهيل من الإدمان فكرة عن برنامج بيوت التأهيل في الخارج أ- برنامج بيوت التأهيل ب- برنامج داي توب ج - برنامج مركز التضامن الإيطالي فكرة عن بيوت التأهيل في مصر أ - برنامج مركز الحياة الأفضل ب - جمعية كاريتاس يمثل بيت التأهيل المجتمع العلاجي الجديد الذي يعيش فيه المدمن بعيدًا عن الإدمان بعد انقضاء فترة علاج أعراض الانسحاب.. يعيش كفرد من أسرة جديدة متحابة متآلفة ومتعاونة مع الفريق العلاجي لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة ونصف أو أكثر، فبيت التأهيل هو المجتمع البديل للأسرة التي كان يعيش فيه المدمن، وفي هذا المجتمع يقوم كل فرد بالأعمال اليومية المكلف بها، ويخضع للتوجيهات والنصائح التي يقدمها الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون، فيتدرب المدمن على التدقيق، عندما يحرك الكرسي فإنه يحركه بهدوء، وعندما يتكلم فإنه يتكلم باتزان، وعندما يتحاور أو يتناقش فبعيدًا عن الانفعال.. يهتم بتنظيف وتنظيم المكان الذي يعيش فيه، وله فرصة للإبداع والابتكار فيهتم بالحديقة، ورونفة المكان. إذا أخطأ مع أحد يجد الشجاعة لتقديم الاعتذار، والذي يدقق في الأمور الصغرى لا تفوت عليه الأمور الكبرى، فالذي يدقق في الخمسة قروش من الصعب جدًا أن يخطئ في العشرة جنيهات. ويتمتع العضو في هذا البيت بقدر أكبر من الحرية مع تحمل المسئولية، فإذا أخطأ يتم توجيه نظره، وإذا انحرف يجد النقد اللاذع من المشرفين، وإذا عاد إلى التعاطي فربما يُطرَد من هذا المجتمع، وهذا يمثل أقصى حالات العقوبة، وعندما نشأت هذه المجتمعات (1964-1970) كانت تنتقي الأشخاص بدقة بالغة وتتأكد من صدقهم ورغبتهم الجادة في العلاج، ولاسيما إن نسبة الارتداد كانت كبيرة، فبعد ثلاثة أشهر كان يرتد 50% وبعد ستة أشهر ترتفع النسبة إلى 70% وبعد عام تصل إلى 90%. وبيت التأهيل له قوانينه التي يلتزم بها الجميع، ومن هذه القوانين(2): أ- لا تعاطي للمخدرات - لا عنف - لا جنس. ب- احترام الإنسان لذاته وللآخرين. ج - طاعة القوانين والالتزام بنظام البيت والبرنامج العلاجي اليومي. د - حل المشاكل بطريق الحوار والمناقشة. ه- لا للصراخ - لا للألفاظ البذيئة - لا للتدخين. وغالبًا ما يشمل برنامج بيت التأهيل عدة مراحل، فالمرحلة الأولى لا يسمح فيها للعضو بالخروج من البيت، وأيضًا لا يستقبل أحدًا من الزوار، وفي المرحلة الثانية لا يخرج فيها من البيت، ولكن يسمح لأفراد العائلة بزيارته، وفي المرحلة الثالثة يسمح للمريض بالخروج من البيت لزيارة الأسرة يومًا واحدًا بصحبة أحد العاملين في بيت التأهيل، وتزداد هذه المدة بتقدم العضو في العلاج التأهيلي.. إنها رحلة العودة إلى المجتمع. فكرة عن برنامج بيوت التأهيل في الخارج: ومن أمثلة هذه البيوت في الخارج: أ- برنامج بيوت التأهيل: أقام هذه البيوت الذين تعافوا من الإدمان، والأمر العجيب إن هذه البيوت لا تخضع للإشراف الطبي. إنما يعتمدون على أمرين أولهما: الاعتراف بالضعف البشري والتماس القوة الإلهية، وثانيهما: إن المدمنين المتعافين هم أقدر الناس على علاج المدمن، لأنهم جازوا نفس التجربة، وخرجوا من عنق الزجاجة للحياة، وهؤلاء يقدمون العون مغلَّفًا بالحب لأخوتهم المدمنين، ويحذرونهم من المخدر لأن الرغبة في المخدر تعود إلى المدمن من وقت لآخر، فإن لم يكن يقظًا ساهرًا مستعدًا فإنه يتعرض للسقوط في الانتكاسة ولو بعد سنوات طويلة. ب- برنامج داي توب Day Top: بدأ في نيويورك سنة 1963م وعالج 53 ألف حالة في خلال 14 سنة وهو ينقسم إلى ثلاث مراحل. 1- الإعدادية: وتتم في مراكز متفرقة في البلاد حيث يتم استقبال الحالات، وتحديد الطريقة المثلى لعلاجها. كما تستقبل الأسر وتوجهها لكيفية التعامل مع الشخص المدمن، وملحق بكل مركز نادٍ ومطبخ وفصول دراسية، فيقضي المدمن في هذه المراكز اليوم كله، ويعود في المساء إلى بيته للمبيت فقط، ويتابع المركز المدمن ويجري له التحاليل الدورية للتأكد من أنه لم يتعاطى مادة مخدرة وهو خارج المركز، وفي المركز يتم تشكيل مجموعات علاجية بالإضافة إلى الدراسة، ومن يثبت نجاحه في هذا المركز يظل به لمدة عام. 2 - العلاج الداخلي: من لا ينجح في العلاج داخل هذا المركز الخارجي يتم تحويله إلى العلاج الداخلي حيث يتعلم نظام الحياة اليومي تمهيدًا لترحيله إلى بيوت التأهيل المقامة في أماكن بعيدة عن البلاد ومهيأة بكل تسهيلات الحياة، وملحق بها مدرسة للدراسة، وفصول لتعليم الكمبيوتر ويتوفر فيها العمل اليدوي، ويبتعد الإنسان عن جميع أنواع المخدرات والمهدئات والمسكنات والمنومات فلا يسمحون له حتى بتناول الإسبرين إلاَّ عند الضرورة.. يظل الشخص في هذا المكان من 8 - 12 شهرًا يتلقى فيه العلاج النفساني، ويتدرب على تغيير عاداته وسلوكياته، ولكل بيت مديران أحدهما مؤهل علميًا والآخر هو واحد من المدمنين السابقين يساعده في إدارة البيت، فأحدهما يقدم العلم والآخر يقدم الخبرة، ويخضع المدمن للتحاليل الدورية للتأكد من عدم تعاطيه أي مخدر ولاسيما في فترة الضعف. 3- العودة إلى المجتمع Reentry: بعد انقضاء فترة الانسحاب، وفترة التأهيل يخشى المدمن العودة إلى المجتمع لئلا يعود إلى الإدمان، وخوفه هذا يمثل علامة صحيحة تدل على تماثله للشفاء، وتتم مرحلة العودة إلى المجتمع على ثلاث مراحل:
ويقول أ. د. فيكتور سامي ميخائيل عن هذا البرنامج " تتلخص فلسفة البرنامج في إن الإنسان يساعد الإنسان، ويواجه (الإنسان) نفسه في عيون الآخرين، ولا ينكر أخطاءه، ويتعب لكي يأكل. وهناك يعدُّون لهم كلَّ أنواع العلاج النفسي: مجاميع علاجية وجلسات نفسية فردية وسيكودراما وتحليل نفسي (ماراتون) وأنواع مختلفة من العلاج السلوكي، ولكل متعالج مرشد يجلس معه عدة مرات في الأسبوع ويقيَّمه، ويتناقش في حالته مع المديرين والمشرفين لإعادة توجيه خطة علاجه على حدى. يتعلَّم المدمن أنماطًا أخرى من السلوك وعادات حسنة ويجد ذاته ويقويها ويخدمها كما يتعلم كيف يحترم الآخرين، ويصبح للحياة عنده معنى وهدف ويدرك قيمة العمل والجهد، ويتعلم كيف يواجه نفسه بأخطائها وكيف لا يخجل أن يتكلم عن مشاكله وصعوبات حياته وآماله وآلامه، ويتعلم أيضًا كيف ينمي علاقته مع الله ويستند على قوته العظيمة" (1). ج - برنامج مركز التضامن الإيطالي: يعتبر هذا البرنامج أنجح برنامج في العالم كله حيث وصلت نسبة النجاح إلى 54% بينما النسبة المعترف بها لا تتعدى 25%، فمثلًا يقول أحد رؤساء المراكز المتخصصة في ألمانيا إن الذين يأتون للعلاج ينجح منهم 50% ويعودون للعمل، فيتعرض النصف للانتكاسة ويعودون للمركز، وبحساب النسبة النهائية على مدار نحو ثمان سنوات وصل متوسط النسبة في جميع أنواع المخدرات إلى 20%، ومن المعروف إن نسبة النجاح في العلاج من الهيروين أقل من مثيلتها في العلاج من المخدرات الأخرى،فما هو السر في النجاح الباهر الذي حققه برنامج جمعية التضامن الإيطالية؟ حكى لي الدكتور طلعت بشرى عن هذه الجمعية التي أسَّسها الراهب ماريو سنة 1979 بالقرب من روما إذ أقام عدة بيوت تصل سعة البيت إلى ثمانون شخصًا، ويعتمد البرنامج الذي يقدمه هذا الراهب على البعد عن الوعظ النظري، وتجنب إلقاء اللوم على المدمن، لأن الوعظ يلهب الضمير أكثر، وكأن إنسانًا يحمل حملًا ثقيلًا وأنت تنهره لكيما يحمل ثقلًا أكثر، وتزجره وتضربه بالسياط، فلابد إن نفسيته ستسوء أكثر فأكثر.. إن مثل هذا الإنسان هو في حاجة لمن يخفف عنه الحمل ويشجعه لكيما يستمر في السير.. هو في حاجة لمن يقدم له الحب بدون أي كلمة وعظ أو توبيخ. ويستضيف هذا المركز الشخص الذي يريد العلاج من الإدمان، ويضعه مع المجموعة التي تناسبه، ويمثل المدمنون شكلًا هرميًا على رأسه مدير البيت وهو من المدمنين السابقين الذين تعافوا ونالوا الشفاء، وكلٍ من المدمنين يتحمل مسئوليته في الأعمال اليدوية التي توكل إليه، فمنهم من يهتم بأعمال المطبخ، ومن يتولى أعمال النظافة، ومن يتولى الاهتمام بالحديقة، ومن يهتم بصيانة البيت، ومن يهتم بالأجهزة داخل البيت.. إلخ، ويقوم بزيارة هؤلاء المدمنين مجموعة من الآباء الرهبان والأطباء والأخصائيين يحبسون مع المرضى جلسات نفسية، ويقدمون لهم كل الحب وكل العون، ويظل الشخص مقيمًا في هذا البيت لمدة ثمانية أشهر لا يخرج منه. وفي المرحلة التالية ينتقل الشخص إلى المركز الرئيسي في روما حيث يقيم فيه لمدة ستة أشهر يعمل خلالها طوال اليوم ويعود ليلًا إلى المركز، وفي هذه المرحلة لا ينقطع أيضًا الأخصائيون والأطباء عن خدمتهم، وتستمر الجلسات النفسية مع هؤلاء الذين يسعون للشفاء، وأيضًا مع أسرهم، وخلال هذه الفترة يسمح للبعض بالذهاب إلى الأسرة ليقضي يومًا أو يومين كل أسبوع ويعود إلى المركز ثانية. وعندما واجه هؤلاء الأعضاء صعوبة في الحصول على الأعمال التي تناسبهم لتخوف الناس منهم، قام الراهب ماريو بإنشاء مصانع ليعمل فيها هؤلاء المدمنون المعافون، وعندما رأى الجميع نجاحهم تشجعوا في أن يمنحونهم فرص للعمل. أما في المرحلة الثالثة والأخيرة فيمكن لهؤلاء الأعضاء السكن خارج المركز، مع المواظبة على الاجتماع الأسبوعي مع بعضهم البعض بالمركز، والاجتماع الشهري مع الأخصائيين، وهم مترابطون بدرجة كبيرة، فإذا شعروا إن واحدًا منهم بدأ يتعرض للضعف ويعود للإدمان يسرعون به إلي البيت، وهذا يمثل ميثاق شرف بينهم، فإنهم جميعًا يتحدون في مواجهة غول الإدمان الذي ليس له أمان. فكرة عن بيوت التأهيل في مصر: ومن أمثلة هذه البيوت: أ - برنامج مركز الحياة الأفضل:نشأت فكرة هذا المركز سنة 1988 م. بين أسقفية الخدمات وأسقفية الشباب، وبدأ المركز على مستوى منظم سنة1990 م. حيث تم افتتاح المركز الرئيسي والعيادات الخارجية بمدينة نصر، وتم تزويد المركز بخط تليفوني لاستقبال الاستفسارات والرد عليها، بالإضافة إلى مكتبة مقروءة وأخرى صوتية ومرئية. وفي نهاية سنة 1991 تم افتتاح نادي اجتماعي به بعض الألعاب والكمبيوتر، وقام المركز بتنظيم بعض الرحلات للذين يتلقون العلاج من الإدمان، وفي سنة 1992 م. تم إنشاء بيت التأهيل في وادي النطرون حيث يتم العلاج المجاني تحت رعاية قداسة البابا شنودة الثالث، بالإضافة إلى الرحلات والحفلات، وتبلغ سعة البيت نحو 22 شخصًا، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو ألف جنيهًا شهريًا، وتصل مدة التأهيل أحيانًا إلى عام ونصف.. وقد يتساءل البعض لماذا كل هذا الإتلاف..؟ إنه ليس إتلافًا لكنه هو تعبير عن محبة الكنيسة لأولادها، حتى لو تضاءلت نسبة النجاح فستظل الكنيسة تعمل من أجل أبنائها، والذي يذهب إلى بيت التأهيل هو الشخص الذي أمضى فترة طويلة في الإدمان ويحتاج إلي إعادة تشكيل سلوكياته. أما المركز في القاهرة فإنه يعالج ويتابع مئات الحالات الذين يقضون فترة الانسحاب في المستشفي، ويقضون فترة التأهيل في بيوتهم، ويحضرون للمركز في جلسات جماعية وفردية عدة مرات أسبوعيًا، وفي أي وقت يشاءون وقت الضرورة. ويبدأ الإعداد لبيت التأهيل بعد انقضاء فترة علاج الانسحاب، وبعد تثبيت المبادئ الآتية بالنسبة للمدمن:
ويشمل برنامج التأهيل بمركز الحياة الأفضل على أربعة مراحل هي:
1- المبتدءون: تبدأ رحلة المبتدءين منذ دخول البيت وتستمر لمدة شهرين يتعلم بها الإنسان:
وخلال هذه الفترة لا يخرج من البيت ولا يستقبل أي زيارات له، وبعد أن يجتاز العضو هذه المرحلة ويشعر أنه أكتسب صفاتها يتقدم بطلب للانتقال إلى المرحلة التالية، فيعقد له امتحان عن طريق الفريق المعالج، وقد يرون نقله إلى المرحلة الثانية أو بقائه لأجل فائدته ومصلحته الشخصية فترة أخرى قد تكون أسبوعًا أو شهرًا في هذه المرحلة الأولى. 2- المتابعون: المتابع أي من يتابع غيره من المبتدئين، وخلال هذه الفترة يتعلم الإنسان كيف يواجه المشاكل التي تواجهه، وكيف يقف ضد الأخطاء، ويتخلص من صفة الإنكار التي يتميز بها جميع المدمنين، وأيضًا يهتم المتابع بعلاقته الروحية مع الله. وخلال هذه الفترة التي تستمر شهرين لا يخرج العضو من البيت، غير أنه يُسمح لأهله بزيارته في بيت التأهيل، وبعد نهاية هذه الفترة يقرر الفريق المعالج إمكانية انتقاله إلى المرحلة الثالثة أو إبقاءه فترة أطول في هذه المرحلة. 3- المجاهدون: في هذه المرحلة التي تستمر ثلاثة أشهر يتحمل العضو المسئولية في اتخاذ القرار، ويُسمَح له بالذهاب إلى زيارة أسرته يومًا واحدًا بصحبة أحد الخدام. ثم يومًا بليلة، وقد يصل الوقت المسموح به للزيارة إلى ثلاثة أيام وبمفرده إذا كان أهلًا لهذا، ولو ارتكب خطأ خلال هذه الزيارة فبمجرد أن يعود إلى البيت يبوح به للفريق المعالج، وخلال هذه الفترة يتدرب العضو على كيفية التحكم في تصرفاته وسلوكياته في ضوء الحرية التي يحصل عليها وفي ضوء احتكاكه بالمجتمع، وعقب انتهاء العضو من هذه المرحلة ينظر الفريق المعالج في إمكانية انتقاله إلى المرحلة الرابعة والأخيرة. 4- التائبون: في هذه المرحلة الأخيرة يحاول العضو أن يُثبّت جميع الصفات التي تعوَّد عليها في المراحل السابقة ويبدأ يفكر ويخطط لمستقبله وحياته. وتأتي الثمار النهائية في حفلة التخرج التي تمثل فرحة كبرى للخريج ولأسرته وللفريق المعالج ولكل من يعرفه.. أنه تاريخ ميلاد جديد لحياة جديدة.. حياة الحرية من المخدرات بعيدًا عن العبودية المرة والذل والتعاسة والموت والهلاك الأبدي. ويوجد للبيت برنامج يومي وأسبوعي وشهري يلتزم به جميع المقيمين فيه، وهناك حرية كاملة للأعضاء للابتكار في ترتيب البيت وتطويره حسب الإمكانات المتاحة، ويهتم البيت بالناحية الروحية، فيقوم بزيارة أسبوعية للأديرة لحضور القداسات والتمتع بصحبة القديسين، ويهتم البيت أيضًا بالناحية العملية فيعلم الإنسان حرفة أو مهنة يعيش منها، وإذا كان طالبًا يهيئ له البيت الفرصة لاستكمال دراسته في جو من الهدوء، حتى إن الذين فشلوا في الدراسة وهم في الخارج نجحوا وتفوقوا وهم في داخل بيت التأهيل. والذين يتخرجون من بيت التأهيل يكونون مجموعة خاصة تدعى " الغالبون المنتصرون " الذين توقفوا تمامًا عن الإدمان، ولهم اجتماع أسبوعي في مركز الحياة الأفضل بالقاهرة، وبعضهم يشارك في علاج الحالات الجديدة بخبرته العملية التي جاز فيها، وقد يطلب أحد أعضاء الغالبين العودة إلى المزرعة (بيت التأهيل) في مناسبات معينة مثل ليلة رأس السنة أو عند دعوته لأحدى الحفلات والسهرات خشية منه أن يعود إلى الإدمان، الذي جاز تجربة الإدمان يجب أن يعيش يقظًا بقية أيام حياته على الأرض. ب - جمعية كاريتاس: كاريتاس كلمة لاتينية تحمل معنى التعاون والتضامن والمشاركة والمحبة، وتأسست كهيئة دولية سنة 1950م، وتعمل الآن في 25 دولة، وقد بدأت نشاطها في مصر سنة 1967م عقب النكسة لتقديم المعونات والوقاية من الإدمان، والتأهيل المهني، ورعاية الأمومة والطفولة، ومكافحة الأمية، والعمل مع المعاقين ذهنيًا.. إلخ. ومقرها في القاهرة 13 شارع عبد الحميد سعيد معروف - ت 762242 - 766723 ومقرها في الإسكندرية 10 شارع محمد طلعت نعمان - محطة الرمل ت 4840138. وأنشأت جمعية كاريتاس بيتًا للتأهيل على مساحة 33 فدانًا عند الكيلو 72 طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، والبيت مجهز بقاعة اجتماعات وأماكن إقامة، فمساحة الحجرة 3 × 4 م2 يقيم بها شخصان، وبالبيت أماكن خدمات وحجرات للعلاج والكشف، وصالة كبيرة متعددة الأغراض، ومزرعة ضخمة للكروم والزيتون والموالح. ويشمل برنامج التأهيل ثلاث مراحل كل مرحلة تستغرق شهرين، والاشتراك الشهري سبعمائة وخمسون جنيهًا، وفي مرحلة المبتدئين غير مسموح للعضو بالخروج من البيت ولا باستقبال الزيارات من الخارج، ويلتزم الإنسان بالبرنامج اليومي بما فيه من جلسات العلاج الجماعي حيث يتم فتح مواضيع مختلفة مثل: كيف بدأ الإدمان.. خبراتك السيئة عن الإدمان.. الندم والإخفاقات وحساب الخسائر.. الاعتراف بالخطأ.. تأثير الإدمان على المدمن والأسرة والمجتمع.. الرغبات الحاضرة والأمل في المستقبل.. كيفية التخلص من آثار الماضي.. وفي المرحلة الثانية يتحمل العضو مسئولية أكبر في العمل في المزرعة بالإضافة إلى مساعدة المبتدئين، وخلال هذه المرحلة لا يسمح أيضًا للعضو بالخروج من البيت. أما في المرحلة الثالثة والأخيرة فيسمح للعضو بزيارة الأسرة بمفرده، وبعد انتهاء هذه الشهور الستة تكون هناك زيارات منظمة لجمعية كاريتاس لأجل المتابعة. صورة من البرنامج اليومي في بيت تأهيل كاريتاس:
|
||||
03 - 07 - 2014, 04:33 PM | رقم المشاركة : ( 69 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
مرحلة المتابعة بعد علاج المدمنون وخلال هذه المرحلة يجب مراعاة الأمور الآتية: 1- تبدأ مرحلة المتابعة بعد انتهاء فترة التأهيل، وتستمر هذه المتابعة لعدة سنوات حيث تتم المتابعة من الفريق المعالج على فترات متباعدة لكيما يشعر الإنسان الذي تم علاجه أن له ذراعًا قويًا يستند عليه، ولكيما تستمر الصداقة التي نشأت بين المريض الذي تعافى وبين الفريق المعالج. 2- إن المجموعة التي تلقت العلاج التأهيلي معًا، وصارت تعيش حياتها الطبيعية بدون مخدر، فإنها تظل على اتصال مستمر معًا حيث تكوّن مجموعة المساندة الذاتية، وهي مجموعة متلاحمة، يجد فيها العضو أقوى سند على الاستمرار في النجاح،وإذا ما تعرَّض أحد الأعضاء للنكسة بسبب أو لآخر فإن المجموعة تسرع به إلى مركز العلاج قبل أن تتردى حالته سريعًا. 3- خلال فترة المتابعة إذا تعرض الإنسان للانتكاسة على الأسرة أن تسرع به إلى مركز العلاج الذي يتابعه، وإذا رفض تقوم الأسرة بإبلاغ الفريق الذي عالجه وتابعه، وأيضًا إبلاغ أصدقاؤه الجدد الذين تلقوا العلاج معه ونالوا الشفاء من هذه السموم. 4- هناك أسباب تؤدي إلى الانتكاسة ومن أهمها ما يلي:
ونذكر هنا مثلًا حيًّا على مدى تأثير البيئة والأصدقاء على المدمن الذي تم علاجه في الانتكاسة والعودة للإدمان، وأيضًا مدى تأثير مساندة الآخرين وقوة الإرادة في عبور الانتكاسة والوصول ثانية إلى شط الأمان، حيث يحكي الأستاذ وجيه أبو ذكري في كتابه شباب في دائرة الموت(1) قصة ابن سفير من أعظم سفراء مصر في الخارج في الرابعة والعشرين من عمره، وهو طالب في الجامعة الأمريكية، وقد بدأ تعليمه في الولايات المتحدة، وعندما انتقل والده ليكون سفيرًا لمصر في إحدى دول أفريقيا ظل هذا الصبي في رعاية عمه رجل الأعمال المشهور في أمريكا، فوجد الصبي متسعًا من الحرية بعيدًا عن الرقابة الأسرية، فتعلم تدخين "المارجوانا" في سن السادسة عشر، وفي العشرين من عمره ترك الولايات المتحدة وذهب مع والده إلى عاصمة أوروبية، وألتحق بالجامعة الأمريكية فيها، وكانت نسبة تعاطي الهيروين بين الطلبة تصل إلى 50%، وفي كل عام كان يتساقط عشرات من الطلبة والطالبات ويفقدون الحياة بسبب الإدمان، فأدمن هذا الشاب الهيروين وبدأ بالشم وانتهى بالحقن في الوريد، وفي كل هذا لم يشعر والده أن ابنه صار فريسة لإدمان الهيروين. وفي ذات مرة لاحظ الوالد اصفرار في عيني ابنه، وتصوَّر أنه مريض بمرض الصفراء، فاصطحبه إلى الطبيب الذي أجرى له التحاليل وأكتشف إدمانه، وكانت الصدمة شديدة على الوالد الذي تحدث بصراحة شديدة مع ابنه وأعلمه أن نهاية مدمن الهيروين حتمًا الموت، وطلب منه أن يخبره بكل شيء، فاعترف الابن برحلته في عالم المخدرات منذ سن السادسة عشر. فأسرع الوالد بابنه مع أول طائرة إلى لندن لبدء رحلة العلاج في أحدى المصحات بجنوب إنجلترا، وعاد الأب إلى عمله، وكان يزور الابن مرة كل أسبوع، وعلى مدار خمسة وأربعين يومًا كان الابن يتلقى العلاج، وقد تعافى تمامًا، فكانوا يسحبون آثار المخدر من جسمه، وهو كان يساعدهم إذ كان صادقًا في رغبته في الشفاء ولاسيما بسبب حزن والدته وغضب أبيه.. عاد الابن إلى حياة الأصحاء، وأحس بعظم الفارق بين عالم الإدمان وعالم الأصحاء، وعلى حد تعبيره " المدمن يفقد كل عواطفه، فهو ممكن أن يخون صديقه في سبيل جرعة هيروين، يفقد الرجولة والشهامة، والمدمن يرى الحياة سوداء، ولا يوجد فيها أي نوع من الإغراء، ولكن بعد أن شفيتُ وجدتُ إن في الدنيا أشياء كثيرة جميلة، فيها الأمانة، وفيها الحب، فيها الأخوة والأبوة والأمومة، فيها التعاطف والتكامل، فيها الأمل والطموح.. إن المدمن يرى العالم أبيض وأسود، وغير المدمن يراه بألوانه الطبيعية المبهرة.. المدمن يرى الشيطان، وغير المدمن يرى الله في كل حياته". ثم عاد الشاب إلى دراسته بالجامعة الأمريكية في إحدى عواصم أوربا، وعاد إليه رفاق السوء الذين دفعوه إلى أوكار الهيروين ثانية، فقد كان هذا الشاب يحتاج إلى قضاء فترة تأهيل بعيدًا عن هذه البيئة الدنسة وأصدقاء الشيطان، ويقول هذا الشاب عن فترة التأهيل " في تصوُّري إنها أخطر المراحل.. إن رغبتي في هذه المرحلة للمخدر رغبة هائلة.. نداء يصرخ في جسدي بدون ألم، ولكنه نداء قوي، ولا علاج لعدم تلبية هذا النداء إلاَّ بتغيّير كل أصدقاء الإدمان، والالتصاق بغير المدمنين، ورغم إحساسي بهذا الخطر عقب عودتي من جنوب إنجلترا إلى العاصمة الأوروبية، إلاَّ أنني لم أخطر والدي بحاجتي إلى تغيير كليتي وأصدقاء السوء.. ولو أخبرته.. لفعل.. عاد إلى الهيروين بصورة أقوى، وبدأ يسرق من أموال والده ليشتري الهيروين. ثم نُقل والده إلى القاهرة، وتصور الابن إن نقله إلى القاهرة سيجعله يتوقف عن تعاطي الهيروين، ولكن في اليوم الذي وصل فيه إلى القاهرة بحث عن الهيروين وتعاطاه، وكانت حالته تفضحه أمام أبيه، فيقول "كنت أحس بالاختناق، وبعدم وجود أي نسيم رغم أننا في شتاء قارص.. كنت أشعر أنني على حافة الموت " وأدخله والده إلى مصحة بالقاهرة لمدة شهر سحبوا من جسمه سموم الهيروين، وعاد سليمًا طبيًا ولكنه لم يكن سليمًا نفسيًا فعاد إلى الهيروين برغبته فور لقائه مع مجموعة الإدمان بالجامعة الأمريكية. وخشى الابن أن يلجأ لوالده للمرة الثالثة، فطلب مساعدة الأستاذ وجيه أبو ذكري، وأخبر الأستاذ وجيه أبيه سرًا وطلب منه أن لا يفصح عن هذه المعرفة، وبدأ الأستاذ وجيه يعمل على تقوية إرادة هذا الشاب، وكان أحد أصدقاء هذا الشاب قد سقط في قبضة الشرطة، فأخذه الأستاذ وجيه إلى قسم الشرطة ليرى صديقه وهو مسلوب الكرامة، يمكن لأي حارس أي يبصق عليه ويضربه على قفاه، وتصوَّر هذا الشاب أنه في هذا الموقف المزري، وعاد للبيت وتحمل الآلام الرهيبة وهو يئن ويصرخ ويسبح في بحور العرق، ولكنه كان مصرًا على التحدي آملًا في الشفاء، وبعد أسبوع واحد انتقل من الموت إلى الحياة، ومن الحياة الحيوانية إلى الحياة الإنسانية، وظل الشاب ملازمًا بيته إلى أن تماثل للشفاء ورفض الهيروين، وأكمل الأيام القليلة الباقية له في الجامعة الأمريكية، وتخرج منها، وساعده الأستاذ وجيه في الالتحاق بأحد الفنادق الكبرى، وأوصى عليه مدير العلاقات العامة الذي كلفه بمهام كبيرة فأنجزها بنجاح فائق، وأثبت ذاته، وسار في طريق النجاح. للوقاية من الانتكاسة يتم متابعة المدمن بعد فترة التأهيل لمدة لا تقل عن ستة أشهر. أما الذي يتعرض للنكسة فانه يحتاج لفترة متابعة تتراوح بين سنة وسنتين، وكلما تكرَّرت النكسات، وكلما اشتدت خطورة المادة المخدرة كلما احتاج الإنسان لمدة متابعة أطول. 6- متى تعرض الإنسان للانتكاسة ولم يجد من يعينه للعبور منها فإن حالته تسوء أكثر فأكثر، فقد حكى لي أحد الأطباء العاملين في مجال مكافحة الإدمان عن شاب بدأ في تدخين السجائر في سن الحادية عشر من عمره، والحشيش في سن الرابعة عشر، وتعاطى برشام الصليبة في سن الثامنة عشر، وبودرة الهيروين في سن الخامسة والعشرين.. كان لوالده عمارة في حي راقي من أحياء الإسكندرية، ومنح كل ابن وكل ابنة من أولاده شقة في هذه العمارة، وكان هذا الابن موظفًا في هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية صباحًا، ومشرفًا على أعمال المعمار بعد خروجه من العمل الرسمي، وكان يملك مع شقيقه الأصغر تاكسي، ويعيش حياة رغدة لا ينقصه شيء، ونتيجة الإدمان فُصِل من عمله، وافتقر واحتاج حتى أنه كان يُنزِل محتويات الشقة إلى بئر السلم في خفية عن أعين أخوته وأخواته المقيمين معه في نفس العمارة ثم يبيعها بأبخث الأثمان، وللأسف الشديد إن أخيه الأصغر أنضم له في الإدمان. بل وانحرف الاثنان إلى تجارة الهيروين، وقُبض عليهما ثم تم تبرئتهما، وكان لكل منهما انحرافاته الجنسية مع بائعات الهوى.. تقدم الأخ الأكبر للعلاج فأمضى فترة الانسحاب ثم فترة التأهيل نحو ستة أشهر وانقطع تمامًا عن التعاطي. ولكن في ظروف ضعف تعرض للانتكاسة وعاد للهيروين، ولم يجد من ينقذه فاستسلم لما هو فيه، وباع الشقة التي يسكن فيها وأخذ يصرف على الهيروين، ومن كثرة المبالغ النقدية التي حصل عليها مع عدم وعيه كانت تتساقط من جيبه وهو لا يدري، وتبعه شقيقه الأصغر إذ باع شقته أيضًا، واشترى الاثنان شقة واحدة صغيرة. ثم باع الاثنان التاكسي الذي يمتلكانه، ورغم تعب الشقيق الأكبر معهما ولكن تعبه ذهب أدراج الرياح، والآن وهو في شبه الشارع يعيش على المعونة اليومية التي يحصل عليها من شقيقه الأكبر، وقد ساءت حالته إلى درجة كبيرة. 7- قد يكون للانتكاسة عواقبها الوخيمة، فمثلًا مدمن الأفيون بعد أن يقلع عنه إذا تعرض للانتكاسة وعاد للمخدر، فإنه يرجع بشغف ونهم ويتعاطى جرعات أكبر قد تؤدي إلى وفاته. 8- الذين يتعرضون للانتكاسة يحتاجون إلى علاج طبي ونفسي واجتماعي وروحي مركَّز، ويحتاج الفريق المعالج إلى صبر طويل حتى يعبر من هوة هذا الموت، فالإدمان مرض مزمن، والانتكاسة تعتبر مرحلة من مراحل العلاج قد يتعرض لها الإنسان مرة أو أكثر حتى يصل للشفاء الكامل. |
||||
03 - 07 - 2014, 04:34 PM | رقم المشاركة : ( 70 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإدمان: أسبابه وآثاره + الوقاية والعلاج: الدرهم المفقود.. من يجده؟
مبادئ أساسية في علاج الإدمان من المخدرات والآن وفي ختام هذا الباب الذي تحدثنا فيه عن طرق العلاج نود التركيز على بعض المبادئ الأساسية في علاج الإدمان وهي: 1- إن الإدمان يمكن علاجه، والمدمن يمكنه أن يُشفى تمامًا ويعود إنسانًا جديدًا، فلا نوافق من يقول أن علاج الإدمان مستحيل، وإن علاج المدمن بلا جدوى، وأنه كلما تم علاجه يعود إلى إدمانه مرة أخرى، فهذا ما يشيعه تجار المخدرات حتى لا يفكر المدمن في الشفاء، وبالتالي يضمن هؤلاء التجار رواج بضائعهم. 2- إنقاذ المدمن من إدمانه يحتاج إلى صبر طويل بدون توقف، ومثابرة بلا كلل، وتصميم بلا تراخ. 3- لا يعتبر توقف المدمن عن تناول المادة المخدرة واجتياز مرحلة الانسحاب هو كل العلاج.. كلاَّ، فهذه هي خطوة من خطوات العلاج، فلابد من فترة التأهيل، وفترة المتابعة، وعلاج ما بعد النكسة إذا حدثت. 4- الإدمان ليس هو جوهر المشكلة، ولكن جوهر المشكلة هو الأسباب التي زجت بالإنسان إلى الإدمان، فالإدمان هو مرض مثل ارتفاع درجة الحرارة التي تنبه الإنسان إلى وجود خلل في الجسم، فالمشكلة ليست في ارتفاع درجة الحرارة ولكن في الخلل الذي تسبب في ارتفاع درجة الحرارة. 5- من أهم العوامل اللازمة للشفاء هو الحب، ولا أجد كلامًا أكثر واقعية وأصدق تعبيرًا من كلام السادة الأطباء المتخصصون في هذا المجال حيث يقولون "المعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب، وإنما هو إنسان قريب منه يحبه. زوج، زوجة، أخ , أخت , صديق، حبيب، لا يمكن علاج مدمن على الإطلاق بدون وجود هذا الإنسان في حياته. إذ خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يُشفى من إدمانه بل سيتمادى حتى الموت، لأن أهم مبرر للإدمان هو إحسان الإنسان بالنبذ، وعلى هذا فإن أعظم دواء لشفاء الإدمان هو الحب، الحب الحقيقي، الحب المخلص، الحب بدون مقابل، أي الحب لوجه الله، الحب لهذا الإنسان لأنه عزيز علينا، إذا تناول المدمن كل أنواع العلاج المعروفة وأحدثها إلاَّ علاج الحب فلن يشفى" (1). ويقول د. أميل فهمي حنا "إذا خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يُشفى من إدمانه، بل سيتمادى حتى الموت، ومن يحب الإنسان غير أسرته وذويه؟ إذًا لا نلقي اللوم إلاَّ على الأسرة كسبب لإدمان أبنائهم، ولا نعتمد إلاَّ على الأسرة كوسيلة لعلاج الإدمان" (2). 6- وأيضًا شفاء المدمن يتوقف على حب الطبيب له "الطبيب النفسي في حالة الإدمان هو صديق، ويجب أن يشعر المريض أنه يستطيع أن يعتمد على طبيبه وأن يثق فيه، وأن يفتح له قلبه، والثقة تُبنى تدريجيًا مع الوقت، ولا يمكن للطبيب أن يحقق أي نجاح إلاَّ إذا أكتسب حب المدمن وثقته، والطبيب في هذه الحالة هو الأب، وهو الصديق، ولهذا يستطيع أن يكون حازمًا وقتما شاء، ويستطيع أن يضع الحقائق مهما كانت قاسية أمام مريضه، وعلى الطبيب إلاَّ يعطي وعودًا غير صادقة، وأن يراعي في علاقته بالمدمن أن يرتفع بالثقة إلى مائة في المائة" (3). 7- يجب أن تعرف أسرة المدمن كل أبعاد المشكلة ومراحل العلاج، وتشارك مشاركة فعالة في العلاج، إذًا علاج الإدمان ليس مثل علاج أي مرض عضوي وليس مثل إجراء أي عملية جراحية، فمعرفة أو جهل الأسرة للمرض العضوي أو العملية الجراحية لا يؤثر كثيرًا على شفاء المريض،أما معرفة الأسرة لمشكلة الإدمان بأبعادها ومراحلها فأنه يؤثر تأثير مباشر على شفاء المريض. 8- يجب إشراك المدمن نفسه في وضع خطة العلاج، وذلك لضمان تحقيقها ونجاحها، فالمدمن يكون رقيبًا على نفسه، والطبيب المعالج يساعده في تقييم تصرفاته والحكم عليها، ولذلك فإن الطبيب يشرح للمدمن ولأسرته أسلوب العلاج بالتفصيل، ويجيب على كل الأسئلة التي توجه إليه من المدمن أو من الأسرة بكل صراحة وصدق، فالمدمن ليس إنسانًا فقد عقله وبصيرته، إنما هو في حاجة إلى من يأخذ بيده ويضعه على بداية الطريق الصحيح بكل حب ومثابرة. 9- الحذر من النظرة للمدمن على أنه مخطئ ومجرم، ويمثل وباء، ولابد من نبذه والحذر منه والابتعاد عنه، فالإنسان المدمن ليس هكذا، إنما هو إنسان مريض يحتاج إلى الحب، ومد يد المساعدة له، والصلاة من أجله، والمعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب، إنما هو الإنسان القريب (مثل السامري الصالح) الذي ينجح في الاقتراب إليه.. يمسكه بيده ويرويه من نبع الحب الصافي ويقوده من الموت إلى الحياة. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في مثل الدرهم المفقود لقد تم البحث عما قد سقط |
(الدرهم المفقود) الآيات (8-10) |
مثل (الدرهم المفقود) |
إن الدرهم المفقود لم يعد بنفسه |
الدرهم المفقود |