30 - 06 - 2014, 02:47 PM | رقم المشاركة : ( 41 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما معنى أن للسيد المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين؟ لقد اتحدت في السيد المسيح الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية كما رأينا بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغييّر، وبدون افتراق ولا انفصال، والإتحاد هو إتحاد طبيعي أقنومي على مستوى الطبائع وليس على مستوى الأشخاص، فشخص الله الكلمة اتخذ جسدًا ذو نفس عاقلة " والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وكان نتيجة هذا الإتحاد العجيب هو الإله المتأنس الذي يجمع بين صفات الطبيعة الإلهية وصفات الطبيعة البشرية، ونعود ونقول إن أقرب مثال على هذا هو الإنسان في إتحاد عنصريه الروح والجسد بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، ويقول نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدَّس "هل اللاهوت تحوَّل إلى جسد؟ وهل الناسوت تحوَّل إلى لاهوت؟ لم يتحوَّل اللاهوت إلى جسد، ولا الناسوت إلى لاهوت، لكن في إتحادهما ونتيجة لهذا الإتحاد كان شخص السيد المسيحالذي يُفرّح القلوب. كان السيد المسيح مثلًا بمجرد أن يلمس أبرصًا يطهُر من برصه، فهذه اليد ليست يد عادية لأنها متحدة باللاهوت. قال له الأبرص " إن أردت تقدر أن تطهرني.. فمد يده ولمسه.. وللوقت.. ذهب عنه البرص" (مر 1: 40-42) (1). ففي التجسد أتحدت الطبيعة الإنسانية المحدودة بالطبيعة الإلهية غير المحدودة، فكان نتيجة إتحاد الطبيعتين هو الله المتأنس غير المحدود، ويمكن التعبير عن هذا المعنى بالمعادلة الآتية: طبيعة بشرية محدودة × طبيعة إلهية غير محدودة = الله المتأنس غير المحدود. وتعتبر عقيدة الطبيعة الواحدة كما قلنا من قبل في منتهى الأهمية، وبناءً عليها يتوقف خلاص الإنسان، لأنه لو ظلتا الطبيعتان منفصلتان لضاعت عقيدة الفداء أدراج الرياح، وهذا ما حمله لنا الفكر النسطوري، وفكر لاون من رياح فاسدة تقود للهلاك.. لماذا؟ لأنه في ظل انفصال الطبيعتين يكون المصلوب إنسانًا وليس إلهًا، وموت إنسان برئ محدود بلا شك يعجز تمامًا عن فداء البشرية في كل مكان وزمان، فهو لا يفدي إلا إنسانًا واحدًا فقط لا غير.. من أجل هذا تمسكت الكنيسة بعقيدة "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة" والآن لندخل معًا يا صديقي إلى بستان الآباء القديسين لندرك مدى أهمية هذه العقيدة: في صلوات التسبحة: " واحد من أثنين .. لاهوت قدوس بغير فساد.. مساوٍ للآب، وناسوت طاهر.. بغير مباضعة.. مساوٍ لنا.. كالتدبير" (ثاؤطوكية الأحد). القديس فيلكس أسقف روما: الذي وُلِد سنة 210 م قال "نؤمن الآن بالمسيح يسوع إلهنا، ونعترف بأقنومه الواحد والشخص الواحد والطبيعة الواحدة التي لله الكلمة صار جسدًا، وأيضًا بالحبل بلا زريعة هو الله الكلمة صار جسدًا" (1). القديس بوليدس أسقف روما: قال عن السيد المسيح "فهو إذًا طبيعة واحدة وشخص واحد، وليس له ما يُقسم به أثنين، وليس للجسد طبيعة منفردة في ناحية، ولا اللاهوت طبيعة منفردة في ناحية.. بل مثل الإنسان الذي هو طبيعة واحدة، كذلك المسيح الذي صار في شبه البشر، فإن كانوا لا يعرفون الواحد بالإتحاد، فقد يمكنهم أيضًا أن يقسّموا الواحد كثيرًا، ويقال أنه طبائع كثيرة، لأن الجسد مجموع من أشكال كثيرة، من عظام وعروق ولحم وجلد وأظافر وشعر ودم وروح، وهذا كله متغير بعضه مع بعض وهو بالحقيقة طبيعة واحدة، واللاهوت والجسد هو واحد، لا ينقسم طبيعتين.. يلزم الذين يعتقدون بطبيعتين أن يسجدوا للواحدة ولا يسجدون للأخرى، وأن يعتمدوا بالتي لللاهوت ولا يعتمدون بالتي للناسوت" (2). البابا أثناسيوس الرسولي: قال " وهذا الواحد هو الإله، وهو ابن الله بالروح، وهو ابن الإنسان بالجسد، ولسنا نقول عن هذا الابن الواحد أنه طبيعتان، واحدة نسجد لها وأخرى لا نسجد لها. بل طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، ونسجد له مع جسده سجدة واحدة، ولا نقول باثنين واحد هو ابن الله بالحقيقة وله نسجد، وآخر هو إنسان من مريم ولسنا نسجد له.. الذي وُلِد من العذراء القديسة هو ابن الله بالطبيعة وهو إله بالحقيقة وليس بالنعمة، فالذي يُعلّم غير هذا التعليم الذي هو من الكتب الإلهية ويقول أن ابن الله هو غير الإنسان المولود من مريم ويجعله ابنًا بالنعمة مثلنا.. فهذا الكنيسة المقدسة تحرمه" (3). البابا كيرلس الكبير: قال في رسالته إلى سوقينوس "إن الطبائع قبل الإتحاد طبيعتان، وأما بعد الإتحاد فلا نفرق الطبيعتين من بعضهما ولا نقول أنهما ابنان ولا نفصل ذلك الذي لم ينقسم، بل نقول أن الابن واحد كما قال الآباء وكيان الكلمة المتجسد واحد" (1). وفي رسالته إلى يوحنا الأنطاكي قال " هو مولود من الآب قبل الدهر بحسب لاهوته، وانه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلِد من العذراء بحسب ناسوته.. هو نفسه من الجوهر نفسه الذي للآب حسب لاهوته، ومن نفس الجوهر الذي لنا بحسب ناسوته، لأنه قد حدث إتحاد بين الطبيعتين لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد، وبحسب هذا الفهم للإتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله" (2). وعندما أرسل إلى البابا كيرلس سوكنس أسقف دياقيصارية الهيسوريا يسأله عما يقوله البعض أن للمسيح طبيعتين، فرد عليه قائلًا " ترى طبيعتين اجتمعتا بإتحاد من غير افتراق ولا امتزاج ولا استحالة، فالجسد هو جسد وليس هو لاهوتًا، وإن كان قد صار جسد الله، والكلمة أيضًا هو الإله وليس هو جسدًا.. إن الطبيعتين اجتمعتا طبيعة واحدة ومن بعد الإتحاد لا نفرق بعضهما من بعض، ولا نقسم الواحد الغير مقسوم ونجعله أثنين، بل نقول إنه ابن واحد وحيد مثلما قال آباؤنا، انه طبيعة واحدة الكلمة الذي تجسد" (3). يوحنا الأنطاكي: جاء في رسالته التي أرسلها للبابا كيرلس، وقد وافق عليها البابا كيرلس " نعترف أن ربنا يسوع، ابن الله الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود من الآب قبل الدهر بحسب لاهوته، وانه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلِد من العذراء بحسب ناسوته، وهو نفسه، من الجوهر نفسه الذي للآب حسب لاهوته، ومن نفس الجوهر الذي لنا بحسب ناسوته، لأنه قد حدث إتحاد بين الطبيعتين. لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد، وبحسب هذا الفهم للإتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأن الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات الحمل به وحَّد الهيكل الذي أخذه منها مع ذاته" (1). البابا ديسقورس: قال "لا يجب أن يقال طبيعتان بعد التجسد والإتحاد بل طبيعة واحدة للإله المتجسد" (2). القديس غريغوريوس النزينزي: قال "ليس المسيح طبيعتين بعد الإتحاد ولا مفترقًا ولا مختلطًا فيما اجتمع من الجهتين، طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت اجتمعتا إلى وحدانية وصارتا واحدًا" (3). القديس غريغوريوس النيؤلوغوس: قال "ليس الذي ولدته مريم إنسانًا مُعرَى من اللاهوت.. بل ابن واحد، وليس للمسيح طبيعتان بعد الإتحاد ولا هو مفترقًا ولا مختلطًا فيما اجتمع من الجهتين، لأن طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت اجتمعتا إلى وحدانية وصارتا واحدًا وشخصًا واحدًا، ليس لهذا الأقنوم الواحد تغييّر بل هو كامل في كل شيء في النفس والعقل" (4). القديس باسيليوس: قال "لسنا نقول عن الابن أنه اثنان، ولا نقول اللاهوت منفردًا بذاته ولا الناسوت بذاته، بل نقول طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا" (5). إبن المكين: ونقتطف بعض العبارات من أقواله "إن الإتحاد كان بين الأزلي والزمني كإتحاد النفس بالبدن.. فصار الأزلي والزمني واحدًا.. وكل واحد من الجوهرين حافظ حقيقته لا تغيُّر فيها ولا استحالة.. لأن المفهوم من الإتحاد إنما هو مصير شيئين أو أكثر من شيئين شيء واحد.. فالمسيح إذًا هو واحد.. وهذا الواحد الموجود من الجوهرين لا يصح أن نطلق عليه إله وإنسان. بل إله متأنس.. إن كان بعد الإتحاد إلهًا وإنسانًا فهو إرادتان ومشيئتان. وقد قلت أن معنى الإتحاد يبطل هذا الرأي، فهو واحد موجود من جوهرين أزلي وزمني يصح عليه إطلاق التضاد فنقول: المسيح مات وأقام الموتى، والمسيح رسول ومُرسِل الرسل، والمسيح تألم والمسيح لم يتألم. وهذا الكلام لا يلزم منه وجود التناقض عند من يعلم شروط التناقض.. فهو جوهر من جوهرين، وليس جوهرين من بعد الإتحاد {وضرب مثلًا على هذا بالإنسان} فنقول أن الإنسان مائت وغير مائت، نائم وآكل وغير نائم وغير آكل. لأن البرهان قد قام على أنه جوهر من جوهرين، حقيقة من حقيقتين. من نفس غير مائتة ولا مركَّبة ومن جسم مائت ومركَّب، ولا يصح عليه التناقض" (1). وقال أيضًا مشبهًا إتحاد اللاهوت بالناسوت بإتحاد النفس بالجسد في الإنسان الواحد " هذا (الإنسان) واحد من أثنين، لا اثنان، أعني أن جوهرية نفسه وجسمه لم يتغيرا بعد إتحادهما، وهو واحد قائم من أثنين متضادين لأنه لا يصح لنا ولا يجوز أن نقول أن فعل بولس مثلًا وكلامه صادران عن بولسين، وكذا لا نقول أن أفعال بطرس وكلامه صادرة عن بطرسين، فهو واحد وإن كان متقومًا عن أثنين" (2). القديس بطرس السدمنتي: قال " إن الإله الكلمةنزل من السماء من غير انتقال ولا تغيير وتجسد من مريم العذراء بجسد كامل ذي نفس عاقلة ناطقة، فصار بالإتحاد أقنومًا واحدًا وطبيعة واحدة.. واشتق له من الإتحاد اسم حادث الذي هو المسيح. أنه لم يُسمى مسيحًا إلاَّ بإتحاد اللاهوت بالناسوت، وإذا كان الإتحاد قد أحَّدهما وجعلهما طبيعة واحدة فلا يجوز في العقل ولا في الشرع أن يقال أن فيهما بعد طبيعتين بل طبيعة واحدة. هل حصل مابين اللاهوت والناسوت إتحاد أم لا؟ فإن أنكر ( المعترض) يُكفَر بإجماع الفرق الثلاثة (اليعقوبية والملكية والنسطورية) وإذا قال بل صار الإتحاد. قلنا: وما هو الذي اتحد عندك؟ إذا كانت الطبائع اثنتين، والجواهر أثنين، والأفعال أثنين، والمشيئات أثنتين، فما ترى الإتحاد عندك قد عمل شيئًا، سواء اتحدا أو لم يتحدا، هما كان أثنين وقد بقيا أثنين بهذه الأدلة ثبت عندنا القول بأنه أقنوم واحد، طبيعة واحدة، جوهر واحد، فعل واحد، مشيئة واحدة" (1). الأنبا يوساب الأبح: قال "لا نقول أن في المسيح بعد الإتحاد طبيعتين أو أقنومين أو فعلين، بل طبيعة واحدة وفعل واحد يصدر عن المسيح الواحد". وجاء في كتاب الإيمان الصحيح في السيد المسيح ص 92، 93 طبعة بيروت 1864 م. أن المجمع اللاتراني المنعقد سنة 649 م. نص في القانون الخامس على أن "من لا يعتقد بموجب رأي الآباء القديسين أنه توجد طبيعة واحدة للإله الكلمة في المسيح خاصة وحقًا، دلالة على أن المسيح أخذ جوهرنا كله كاملًا ماعدا الخطية فليكن محرومًا" وهذا جعل أحد الأساقفة اللاتين يعلق قائلًا "إن الكنيسة الرومانية تعتقد وتعلم بوجود طبيعتين في المسيح، ثم تطعن بالحرم من لا يعتقد بأن المسيح هو طبيعة واحدة للكلمة المتجسد، كما تدوَّن ذلك في المجمع اللاتراني المنعقد بأمر القديس مرتينوس البابا" (2). قداسة البابا شنودة الثالث: قال " مَنْ الذي ولدته العذراء؟ هل ولدت إلهًا فقط؟ أم ولدت إنسانًا فقط، أم ولدت إلهًا وإنسانًا؟ أم ولدت الإله المتجسد؟ من المستحيل أن تكون قد ولدت إلهًا فقط لأنها ولدت طفلًا رآه الكل، ولا يمكن أن تكون ولدت إنسانًا فقط، لأن هذه هي طريقة نسطور! ثم ما معنى قول الكتاب " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لو 1: 35)؟ وما معنى إن ابنها يُدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23) وما معنى قول أشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد ونُعْطَى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبا أبديًا رئيس السلام" (أش 9: 6) إذًا هو لم يكن مجرد إنسان ، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلهًا. والعذراء أيضًا لم تلد إنسانًا وإلهًا، وإلاَّ كان لها ابنان. الواحد منهما إله والآخر منهما إنسان. لم يبق إلاَّ أنها ولدت الإله المتجسد. إن المسيح ليس ابنين، أحدهما ابن الله المعبود، والآخر إنسان غير معبود. ونحن لا نفصل بين لاهوته وناسوته. لقد اتحدت في المسيح الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في بطن العذراء. لذلك حينما زارت العذراء أليصابات قالت لها القديسة العجوز "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ" (لو 1: 34) وكانت مريم حُبلى ولم تلد ودُعيت أم الرب. إذًا ابن الله الوحيد هذا هو الذي نزل من السماء وتجسد، فالمركز الأصلي له هو لاهوته الذي نزل من بطن العذراء وتجسد، ولذلك استطاع أن يقول " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58) والذي قال هذا يسوع المسيح وهو يكلم اليهود، ولم يقل لاهوتي كائن قبل إبراهيم. وإنما قال " أنا كائن" مما يدل على وحدة الطبيعة فيه" (1). |
||||
30 - 06 - 2014, 02:49 PM | رقم المشاركة : ( 42 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي نتائج الإتحاد بين الطبيعتين؟ ج : من نتائج الإتحاد بين الطبيعتين ما يلي: أ - الولادة المعجزية للسيد المسيح: من العذراء مريم، فلولا إتحاد اللاهوت بالناسوت لاستحالت الولادة من فتاة عذراء، وتظل بكوريتها مختومة بعد الولادة.. يقول القديس يعقوب السروجي عن السيد المسيح بعد القيامة "دخل إلى التلاميذ والأبواب غير مفتوحة ليريهم أنه لما خرج لم يحل البتولية. دخل العلية كما خرج من البطن لكي لا يتعبوا بالفحص كيف وُلِد" (2) ب - ظهور الله المتأنس: "والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وليس معنى "صار" هنا الصيرورة والاستحالة والتغيُّير من حالة إلى أخرى، لأن الله "ليس عنده تغييّر ولا ظل دوران" (يع 1: 17) ولكن المقصود حين اتخذ الكلمة جسدًا، واتخذ في النص القبطي افتشي ساركس. وقال القديس أثناسيوس الرسول "إن الجسد والغير جسد اشتركا بالإجماع في طبيعة واحدة، ووجه واحد، وأقنوم واحد، واحد هو، وهو الله والإنسان معًا، وهو هو لا يقبل تغيِيّر ولا استحالة، بل أقنوم واحد، ووجه واحد، وفعل وطبيعة واحدة لله الكلمة الذي صار جسدًا" (1). وقال البابا كيرلس في الرسالة الرابعة لنسطور "نحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيَّرت حينما صار جسدًا، وأيضًا نحن لا نقول أن الكلمة قد تغيرَّ إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد وحَّد مع نفسه أقنوميًّا، جسدًا محيًّا بنفس عاقلة وصار إنسانًا بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها" (2). ويقول سمعان بن كليل في كتابه روضة الفريد "قال البشير يوحنا والكلمة صار جسدًا وحلَّ فينا. بقوله " والكلمة صار جسدًا " فانه لم يرد بهذا القول أن الكلمة استحال عن كيانه أو تغيَّر عن هيئته فصار جسدًا، بل أراد أن يعلمنا أن الملاك لما بشَّر السيدة البتول اتحد اللاهوت الأزلي بالناسوت الزمني الموجود في فعل الإتحاد إتحادًا حقيقيًا أقنوميًا طبيعيًا إراديًا، لا فرقة معه، ولا تثنية فيه. اتحد الأزلي بالزمني، واللطيف بالكثيف بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر ولا استحالة احدهما إلى الآخر، كإتحاد الإنسان من النفس البسيطة والبدن الكثيف (الجسم) وإنسانية واحدة وجوهر واحد وأقنوم واحد، وذاته واحدة وطبيعته واحدة وإرادته واحدة" (3). وفي القداس الإلهي يصلي الأب الكاهن "أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست، وشابهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها" وفي صلوات التسبحة نصلي " لأن غير المتجسد تجسد.. والكلمة تجسَّم.. وغير المبتدئ ابتدأ.. وغير الزمني صار زمنيًا.. غير المدرك لمسوه.. وغير المرئي رأوه.. ابن الله الحي صار.. بشريًَّا بالحقيقة" (لبش الأربعاء). ونقول أيضًا في طرح واطس ختام شهر كيهك "غير المتجسد تجسد، والغير مبتدئ صار مولودًا، والغير الزمني صار تحت الزمن، وغير المدرك صار محسوسًا، والغير مرئي صار مرئيًا، وابن الله صار ابن بشر بالحقيقة. يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد". ج - نتيجة الإتحاد إننا نقدم العبادة والسجود للمسيح الواحد: إننا نرفض الفكر النسطوري الذي يعبد اللاهوت ويكتفي بتقديم الاحترام للناسوت لأنه نال شرف مصاحبة اللاهوت، ويقول بوليدس أسقف روما في القرن الرابع " وإن كان الكلمة صار جسدًا كما هو مكتوب فإنه إذا سجد أحد للكلمة فقد سجد للجسد، وإذا سجد للجسد فقد سجد لللاهوت، هكذا الرسل أيضًا لما سجدوا للجسد المقدس فأنهم سجدوا للكلمة، وهكذا الملائكة كانوا يخدمون شكل الجسد ويعرفون انه ربهم ويسجدون له، وهكذا لما ولدت مريم العذراء الجسد فإنها ولدت الكلمة، فلأجل هذا هي والدة الإله بالحقيقة، ولما صلب اليهود الجسد فالله الكلمة المتجسد هو الذي صُلب، وليس في أحد الكتب نطق الله بشيء من الافتراق بين الكلمة وجسده بل هو طبيعة واحدة، وصورة واحدة، وفعل واحد، هو كله الإله وهو كله الإنسان، وهو فعل واحد" (1). د - نتيجة الإتحاد إن المعجزات التي صنعها الرب يسوع هي من عمل اللاهوت والناسوت معًا: فيد السيد المسيح كانت تمتد لتلمس المرضى ولسانه ينطق بكلمات الشفاء، وفمه يتفل على الأرض ليصنع عينين للمولود أعمى.. النبؤات التي نطق بها الرب يسوع كان ينطق بها بناسوته واللاهوت هو الذي كان يعطي المعرفة، وبعد الإتحاد العجيب لا يمكن ولا يجب التفرقة بين اللاهوت والناسوت إلاَّ بالذهن فقط. ه - نتيجة الإتحاد أطلق الإنجيل على السيد المسيح كل من الصفات الإلهية والناسوتية: فبالنسبة للصفات الإلهية فقد وصف الإنجيل السيد المسيح بأنه أزلي (يو 1: 1) وصرح السيد المسيح بأزليته قائلًا "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58) ورغم أن الأزلية من صفات اللاهوت دون الناسوت لكنه يقول "أنا" الواحد بعد الإتحاد معبرًا بهذا عن عمق الإتحاد، وقال أيضًا "أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين"( رؤ 1: 17، 18) ومع إن الأزلية (الأول) تخص اللاهوت، والموت (وكنت ميتًا) يخص الناسوت، لكنه لم يفرق بين هذا وذاك بالنسبة لشخصه المبارك "أنا" وقال بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8) والمقصود بالأمس الأزلية، ومعلمنا بولس ينسبها للسيد المسيح الواحد بلاهوته وناسوته لم يفرق بينهما. وأيضًا نسب السيد المسيح لنفسه الوحدانية مع الآب " أنا والآب واحد" (يو 1: 30) والمساواة للآب (يو 17: 10) والبنوة لله (يو 17: 1) وبطرس الرسول عندما اعترف قال "أنت المسيح ابن الله الحي" فاعترف بالمسيح الواحد، ويقول أغناطيوس زكا الأول: فعلى صخرة الإيمان بابن الله الحي وُضِعت أساسات الكنيسة، ولا يُبنى إذًا أساس الكنيسة إلاَّ على المسيح الواحد، ولا يوجد مسيحان يمكننا أن نبني هذا الأساس على أحدهما دون الآخر، ولكن المسيح هو واحد لا غير، وهو ابن الله الحي وابن الإنسان (1) وأيضًا نسب الإنجيل للسيد المسيح أنه خالق الكل (يو 1: 3) وضابط الكل (عب 1: 3) وغير محدود (يو 3: 13) ويقول الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين "فما معنى قوله أن الجسد نزل من السماء (يو 3: 13) وهو لم ينزل منها إلاَّ أنه قد اتحد بلاهوته الذي نزل من السماء إتحادًا أقنوميًا طبيعيًا، ولكي يحقق إتحاده جعل إنه (أي الجسد) نزل من السماء وهو لم ينزل منها، لأننا لا نقدر أن نقول أنه لم يتجسد من العذراء، أو نقول أنه نزل من السماء. بل نحقق ونؤمن أن ذلك الجسد الذي أخذه من مريم العذراء صار بالحقيقة طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا مع الذي نزل من السماء" (2)، وقدوس بلا خطية (يو 8:46) وقادر على كل شيء (رؤ 1: 8) وعالم بكل شيء (رؤ 2: 23).. إلخ. ونسب الإنجيل للسيد المسيح أيضًا الصفات البشرية مثل الجوع (مت 4: 1) والعطش (يو 4: 7، 19: 28) والتعب (يو 4: 6) والنوم (مت 8: 24) والاكتئاب والحزن (مر 14: 33، 34) والانزعاج والبكاء (يو 11:33، 35) والموت (يو 19: 33)... إلخ وقال البابا كيرلس الثالث " المسيح هو الكلمة المتجسد الذي وحَّد بين اللاهوت والناسوت وحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، وأنه أقنوم واحد بمشيئة واحدة لذلك نستطيع أن نصفه بكل الصفات الإلهية، وكل المميزات الإنسانية" (1) وإن تساءل أحد قائلًا: كيف ينسب السيد المسيح للناسوت أمور تخص اللاهوت؟ يجيبه البابا كيرلس الكبير قائلًا " وهذا القول نفهمه على النحو التالي: إن الكلمة يعطي جسده من صفاته، حتى إننا يمكنا أن نقول بسبب الإتحاد به (الناسوت) نزل من السماء، لأنه (الكلمة) عندما اتحد به جعله واحدًا معه" (2). و - نتيجة الإتحاد أن الإنجيل ينسب للسيد المسيح جميع الألقاب الإلهية، وأيضًا البشرية: فمن الألقاب الإلهية التي نسبها الإنجيل للسيد المسيح أنه الله (أع 20: 28) والإله (1 يو 5: 20) والمسيح الرب ( لو 2: 11) وعمانوئيل (مت 1: 23) وملك الملوك ورب الأرباب ( رؤ 19: 16) ورب الشريعة (مت 12: 8).. إلخ، ومن جهة الألقاب البشرية انه ابن الإنسان (يو 3: 13) وابن مريم (مر 6: 3) وابن يوسف (يو 1: 45) وابن داود (مت 1: 1) ويسوع النبي (مت 21: 11) ويسوع الناصري (مر 1: 24) والإنسان يسوع المسيح (1 تي 2: 15).. إلخ فكل من الألقاب الإلهية أو البشرية تُنسب للمسيح الواحد، ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم "اللاهوت والناسوت قد اتحدا معًا إتحادًا تامًا في المسيح حتى إنك تستطيع أن تقول عن هذا الإنسان هو الله". ز - نتيجة الإتحاد أن جميع الأعمال تنسب للمسيح الواحد: ولا يصح تقسيم الأعمال العظيمة مثل المعجزات الباهرات فننسبها لللاهوت دون الناسوت، والأعمال الأخرى المتواضعة مثل غسل الأرجل ننسبها للناسوت، ويقول القديس غريغوريوس الكبير "لا تفرقوا لاهوته عن ناسوته لأنه بعد الإتحاد غير منفصل وغير مختلط، وهو من البدء إله في كل زمان وصار إنسانًا وهو باق إلهًا، فإذا رأيته قد جاع أو عطش أو نام، أو رأيته يتعب ويُجلَد أو يُوثَق بالمسامير أو يموت بإرادته أو يُحرَس في قبر كميت، فلا تحسب هذا للجسد وحده، وإذا رأيته يشفي المرضى ويطهر البرص بالقول ويصنع أعينًا من طين فلا تحسب هذا للاهوته وحده.. له العجائب وله الآلام أيضًا وهو واحد فقط" (1). وقال أبو البركات بن كيلا " ولما جاء إلى قبر لعازر بكى كما يبكي ضعفاء القلوب، وناداه "لعازر هلمَّ خارجًا" فخرج من القبر مشدودًا كما دفن (يو 11: 43) ولما صُلِب على الخشبة كالمجرمين غفر خطايا اللص المصلوب عن يمينه وأدخله إلى الفردوس سابقًا الأبرار (لو 23: 43) ولما مات وشوهد بالعيان ميتًا طُعِن فخرج من جنبه دم وماء (يو 19: 30).. فالأفعال الإلهية والبشرية كلها متقابلة، والفعلان المتقابلان.. يصدران عن فاعل واحد وفي وقت واحد لهذا لا يجب أن نوقع عليه لفظ التثنية" (2). ح - نتيجة الإتحاد لا نفصل بين أقوال السيد المسيح: فلا نقول أن هذا القول يخص اللاهوت، وذاك يخص الناسوت، فيقول القديس كيرلس الكبير في الرسالة الثالثة لنسطور "نحن لا ننسب أقوال مخلصنا في الأناجيل إلى أقنومين أو شخصين منفصلين، لأن المسيح الواحد لا يكون أثنين، حتى لو أُدرِك أنه من أثنين ومن كيانين مختلفين اجتمعا إلى وحدة غير مقسمة، وكما هو طبيعي في حالة الإنسان الذي يُدرَك على أنه من نفس وجسد، ولكنه ليس أثنين بل بالحرى واحد من أثنين، ولكن لأننا لا نفكر بطريقة صحيحة فإننا نعتقد أن الأقوال التي قالها كإنسان أو تلك التي قالها كإله هي صادرة من واحد. فحينما يقول عن نفسه كإله "من رآني فقد رأى الآب" و"أنا والآب واحد" فنحن نفكر في طبيعته الإلهية التي تفوق الوصف.. دون أن يقلل من شأن ملء قامته الإنسانية.. لو كان قد تحاشى الكلمات التي تناسب الإنسان، فما الذي أجبره أن يصير إنسانًا مثلنا؟.. لذلك يجب أن تُنسب كل الأقوال التي في الأناجيل إلى شخص واحد إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأن الرب يسوع المسيح هو واحد حسب الكتب" (1). ط - نتيجة الإتحاد نستطيع أن ننسب آلام المسيح وموته لللاهوت: فيقول القديس أثناسيوس " الغير الجسماني (الله الكلمة) كان يحسب ما يختص بالجسد انه له، ولذلك لما لطم الجندي الجسد، قال له لماذا تلطمني كأنه هو المتألم.. قال أسلم ظهره للسياط، وخديه للطم، ولم أرد وجهي عن خزي البصاق، والذي نال جسد الكلمة كان الكلمة يقبله كأنه له، لأنه متحد بالجسد" (2). وقال القديس كيرلس الكبير في الرسالة الرابعة لنسطور " ليس أن كلمة الله (اللاهوت) تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرب أو طُعن أو قَبل الجروح الأخرى، لأن الإلهي (اللاهوت) غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمي. لكن حيث أن جسده الخاص الذي وُلِد عانى هذه الأمور، فانه يقال انه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا، لأن ذلك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضًا في موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطي الحياة. ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس، لذلك يقال أنه نفسه قد عانى الموت لأجلنا.. وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس إننا نعبد إنسانًا مع الكلمة حتى لا يظهران هناك انقسامًا باستعمال لفظة " مع " ولكننا نعبد واحد هو نفسه الرب" (3). والآن نضع السؤال صريحًا وواضحًا: هل نستطيع أن نقول أن الله مات على الصليب؟ ونترك الإجابة للقديس مار اسحق السرياني ليعلّمنا قائلًا "سمعت الناس يتساءلون: أمات الله أم لم يمت؟ يا للجهل! إن موته خلَّص الخليقة وهم يتساءلون إذا كان قد مات أم لم يمت.. إن نسطور وأوطاخي أقلقا المسامع إذ أنكر الأول لاهوت ربنا قائلًا: أنه إنسان محض، فرد عليه الثاني منكرًا ناسوته قائلًا: انه لم يتخذ جسدًا ناسوتيًا. لذلك فان مريم والدة الإله التي تجسَّد منها تعطي الويل لأوطاخي. كما إن العناصر التي اضطربت بالمصلوب تبصق على نسطور. فلولا انه إله كيف إظلمت الشمس وتشققت الصخور، ولو انه إنسان فمن الذي احتمل السياط، وبمن غُرزِت المسامير؟ حقًا لم يكن الجسد وحده معلقًا على خشبة الصليب بدون الله، ولم يكن الله يتألم في الجلجثة بدون الجسد، فافتخار البيعة العظيم هو ربنا له لاهوت وناسوت معًا، وليس في فرصوفين (شخصين) أو طبيعتين، فهو ابن واحد كامل من الآب ومن مريم ، كامل بلاهوته وكامل بناسوته، فالذي أرسله الآب هو بعينه وُلِد من أحشاء (العذراء مريم) والذي وُلِد من أحشاء مريم هو نفسه عُلّق فوق الجلجلة. فافتخار الكنيسة هو إن الله مات على الصليب. فإذا شاء أن يموت تجسَّد وذاق الموت بمشيئته. بل لولا أن رآه الموت متجسدًا لخاف أن يقترب منه، فمحروم من يفصل اللاهوت عن الجسد. إن طبيعة الوحيد هي واحدة، كما إن أقنومه أيضًا واحد مركَّب بدون تغيِيّر، فلا يتشككن فكرك حين تسمع أن الله قد مات، فلولا أنه مات لكان العالم مائتًا بعد. له موت الصليب وله القيامة.. لما يموت شخص فلا يقال أن جسده مات، ومع أن نصفه لم يذق الموت يقول عارفوه إن فلانًا قد مات.. إن اليهود صلبوا إلهًا واحدًا متجسدًا فوق الجلجلة. أجل، إن إلهًا واحدًا متجسدًا ضُرِب على رأسه بالقصبة، وإلهًا واحدًا متجسدًا تألم مع الخلائق" (1). |
||||
30 - 06 - 2014, 02:53 PM | رقم المشاركة : ( 43 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل إتحاد الطبيعتين ألغى خواص إحدى الطبيعتين؟ ج : لقد تم الإتحاد الكامل بين الطبيعتين، ولكن بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، فاللاهوت ظل لاهوتًا بكل خصائصه الإلهية، والناسوت ظل ناسوتًا بكل خصائصه الناسوتية، وفي السيد المسيح الواحد رأينا خصائص اللاهوت والناسوت في آن واحد، فهو الطفل الذي يرضع اللبن وهو الإله المانح الحياة.. العذراء ترعاه والمجوس يسجدون له.. هرب إلى أرض مصر وأمامه سقطت الأوثان.. على جبل التجربة "جاع أخيرًا" (مت 4: 2) وهو الإله الذي لا يجوع بل يشبع الكل من رضاه.. على بئر السامرية "تعب من السفر" (يو 4: 6) وهو مريح التعابى، وعطش (يو 4: 7) وهو الينبوع الذي يروي كل عطشان، في السفينة تعب ونام (لو 8: 23) وهو الإله الذي لا ينعس ولا ينام (مز 121: 4).. كان يصلي (لو 5: 16) وهو قابل الصلوات.. وفي البستان حزن وأكتئب وقال "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 37، 38) وهو المنزَّه عن كل ألم جسداني ونفساني، وعلى الصليب " نكس الرأس وأسلم الروح" (يو 19: 30) وهو الذي يقيم الموتى.. هو الميت الحي الذي سبحه يوسف مع نيقوديموس قائلين "قدوس الحي الذي لا يموت". ولنصعد يا أحبائي إلى بستان الآباء القديسين لنتذوق من ثمار أقوالهم الحلوة: + البابا الكسندروس: قال متعجبًا " الديان دانوه، والذي يحل رباط الموت ربطوه، والذي يضبط العالم ضبطوه، والذي يعطي الحياة للبشر أطعموه مرارة، ومات المحيي وقبروا الذي يُقيم الموتى، تعجبت قوات السموات في ذلك الزمان، وبهتت الملائكة وفزعت الاستقصات (العناصر) وتعجبت الخليقة كلها، وقالت هوذا الديان يُدان وهو ساكت، والغير مرئي يُرى ولا يُسأل.. والغير متألم تألم ولم ينتقم، والغير مائت مات وهو صابر" (1). + القديس كيرلس الكبير: قال في رسالته الرابعة إلى نسطور " فانه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل الإتحاد. بل بالحرى فان هذا الإتحاد الذي يفوق الفهم والوصف كوَّن لنا من اللاهوت والناسوت ربًا واحدًا يسوع المسيح وابنًا واحدًا" (2). وقال أيضًا " نحن يا سادة نؤمن بأن الإتحاد بين الكلمة والناسوت، ونرى أن الآلام تخص الناسوت، ولكنه غير قابل للآلام كإله. وإن كان قد تجسَّد وصار مثلنا إلاَّ إننا نعترف بألوهيته ومجده الفائق وعطاياه الإلهية. ونحن نضع الإتحاد كأساس للإيمان. ونعترف بأنه تألم في الجسد ولكنه ظل فوق الآلام لأن عدم التألم من طبيعته. وعلينا الاحتراس من فصل اللاهوت عن الناسوت، ومن التقسيم إلى طبيعتين أو فصل كل طبيعة عن الأخرى.. هو نفسه إله متأنس، والآلام تخص الناس أي تخصه هو، لكن من حيث هو إله غير قابل للآلام" (1). + البابا ديوسقورس: قال في رسالته من المنفى إلى رهبان هناطون "إنني أعرفه وأنا اتسامى بالإيمان، انه وُلِد من الآب إلهًا، وإياه أعرف أنه وُلِد من مريم إنسانًا، فأنظره يمشي على الأرض كإنسان، وأنظره باريًا (خالقًا) لملائكة السماء كإله. أنظره ينام في السفينة كإنسان، وهو بعينه يمشي على الماء كإله. أنه يجوع كإنسان، ويتعب ويشبع كإله. هو يُجرَّب كإنسان ويطرد الشياطين كإله.. أعترف به واحدًا، وهو بذاته رب ومخلص لئن صار بعطفه إنسانًا، فتمسكوا بإيمان الآباء ولا تلتفتوا إلى تعاليم المنحرفين فإنها مفسدة للنفوس.. إن القول بطبيعتين ( بعد الإتحاد) عن الإله الكلمة المتجسد إنما هو ضلال" (2). + القديس ابرقلس أسقف كسكس: قال "هو أيضًا الذي لبس إكليل الشوك وأبطل قضية الشوك، وهو الذي في حضن أبيه، وهو الذي في بطن العذراء وهو في حضن أمه.. يمشي على أجنحة الرياح، وتسجد له الملائكة، وهو جالس مع العشارين.. لا تقدر أن تتأمله الساروفيم، وبيلاطس يسائله، والعبد يلطمه، وكل الخليقة ترتعد منه، وهو مسمَّر على الصليب. لم يخلُ عرشه منه، وهو في المقبرة. هو الذي مدَّ السماء مثل الجلد. هو يُعد مع الأموات وهو يسبي الجحيم. هو أسفل يُعيَّر كطاغي، وهو فوق يُنطَق بمجده كقدوس. هكذا نعترف نحن الأرثوذكسيين، ولا نقول أثنين عن الواحد الغير مفترق، ولا مسيحيين ولا ربين ولا شكلين ولا أقنومين ولا فعلين ولا طبيعتين. بل كما قلت طبيعة واحدة، أقنوم واحد، الله الكلمة صار جسدًا، نبشر به بإعلان ونسجد له بجسده سجدة واحدة، ومن لا يعترف هكذا، فليكن محرومًا" (1). + القديس أغسطينوس: يقول "خالق الزمن يوُلَد في زمن معين!.. صانع الإنسان صار إنسانًا ورضع من ثدي أمه! خبز الحياة يمكن أن يجوع! كما يمكن أن يعطش الينبوع! الطريق يتعب في الطريق، والحق يتهم من شهود زور! ديان الأحياء والأموات يُدان من قاضٍ مائت! المعلم يُضرَب بالسياط، والكرمة يكلل بالأشواك! الذي يشفي الآخرين يُجرَح، والحياة يمكن أن يموت! (2). + القديس غريغوريوس النيزينزي: يقول "وُلِد ولكنه كان مولودًا منذ الأزل. وُلِد من امرأة ولكنها عذراء، فثمة لاهوت وناسوت متحدين، ليس له على الأرض أب، ولا في السماء أم.. اعتمد كإنسان ومحا الخطايا كإله.. جاع ولكنه أشبع جماهير، وهو خبز السماء الحي. عطش ولكنه صاح قائلًا: من كان عطشانًا فليأتِ إلىَّ ويشرب، ووعد من يؤمنون به أنهم يصبحون ينابيع ماء حي. عانى التعب، ولكنه هو راحة المتعبين والمثقلين. كان مثقلًا بالنعاس ومشى على البحر، وزجر الرياح، وأنهض بطرس وقد كاد أن يغرق في الماء. دفع الضريبة ولكنه أخرج المال من حلق السمك، وهو سيد من يطالبونه بدفع الضريبة.. يصلي، ويستجيب لصلاة من يدعوه.. يبكي ويكفكف دموع الباكين. يسأل أين وضعتم لعازر لأنه إنسان، ويبعثه حيًا لأنه إله.. يُقاد كالنعجة إلى الذبح وهو راعي إسرائيل وراعي الأرض كلها.. رُفع على عود الصليب وسُمّر عليه، ولكنه يعيد لنا حقنا من شجرة الحياة.. يموت ولكنه يحيي، وبموته هزم الموت" (العظة 29: 19-21) (3). تذكر + تم الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية في بطن العذراء في لحظة البشارة.. لقد وُجِد الناسوت في الإتحاد. + تم الإتحاد بين الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية:
ز - نتيجة الإتحاد إن جميع الأعمال تنسب للمسيح الواحد.
+ إتحاد الطبيعتين لم يلغِ خواص إحدى الطبيعتين. |
||||
30 - 06 - 2014, 02:56 PM | رقم المشاركة : ( 44 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
تساؤلات أخرى.. س 29: ما هي أهم النبؤات التي أنبأتنا عن التجسد الإلهي؟ س 30: ما هي أهم رموز التجسد في العهد القديم؟ وما هي دلالتها؟ س 31: ما هو الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد؟ س 32: ما هي التشبيهات التي تقرب لنا معنى التجسد؟ س 34: هل قولنا بطبيعة واحدة متجسدة يوحي بأننا أوطاخيين؟ س 35: قال السيد المسيح "أنا في الآب والآب فيَّ" وقال أيضًا "أنا والآب واحد" فهل هذا يجيز لنا أن نقول انه مادام الابن تجسد فالآب أيضًا تجسد؟ س 36: لماذا تجسد الأقنوم الثاني دون الأول أو الثالث؟ س 37: عندما تجسد أقنوم الابن ألاَ يعتبر هذا انفصال عن أقنومي الآب والروح القدس؟ س 38: هل أحدث التجسد أي تغيّير في الجوهر الإلهي غير المتغير؟ س 39: لماذا لم يظهر الله في أشياء أعظم من الإنسان مثل الشمس أو القمر أو الكواكب؟ س 40: كيف ندعو العذراء مريم والدة الإله وهي لم تعطه الألوهية؟ ومادام السيد المسيح أخذ جسده من العذراء فقط، فلماذا نقول انه تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء؟ س 41: هل السيد المسيح دُعي ابن الله لأنه وُلِد من العذراء مريم؟ س42: قال الكتاب " لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20) وقال أيضًا "الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (1 تي 6: 16) فكيف رأى الناس الله في التجسد وعاشوا؟ س 43: هل السيد المسيح هو الله أو ابن الله أو ابن الإنسان؟ س 44: هل عقيدة التجسد مستوحاة من العبادات الوثنية كما قالوا عن فرعون انه ابن امون أو ابن رع، والاسكندر الأكبر ابن آمون، وقالوا عن بوذا انه ابن الله؟ س 45: السيد المسيح هو الله، والله كامل في كل شيء، فكيف يقول عنه الإنجيل انه كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة؟ س 46: الله كان يعلم أن الشيطان سيسقط وسيُسقِط الإنسان.. فلماذا خلقه؟ وعندما سقط لما لم يخلصه كما خلص الإنسان؟ س 47: لماذا لم يتجسد الله عقب سقوط آدم مباشرة؟ س 48: هل معنى تسمية التجسد بسرّ التجسد انه أمر مبهم لا يُفهَم ولا يجوز الحديث عنه؟ س 49: كيف يدعو الإنجيل السيد المسيح وسيطًا بين الله والإنسان، وهو الله ذاته؟ س 50: من صفات الفادي أن يكون غير محدود، والذي مات على الصليب هو الناسوت المحدود، فكيف يقدر المحدود أن يرفع خطايا غير محدودة؟ س 51: هل التجسد يعني أن الناسوت حدَّ وحيز اللاهوت، فلم يعد للاهوت تواجد خارج نطاق الناسوت المحدود؟ وكيف حدَّ بطن العذراء الله الغير محدود؟ س 52: كيف يحل الله القدوس في بطن امرأة وسط الدم والنجاسة؟ . س 53: كيف يتجسد الله ويحل في جسد إنسان ترابي دنيء يأكل ويشرب ويمارس عمليات الإفراز والإخراج.. إلخ؟ وكيف يعيش في عالم موبوء بالخطية؟ س 54: هل لا يقدر الله أن يتجسد؟ س 55: هل نجد أثر للتجسد في الفكر الإسلامي؟ س 56: ماذا أخذنا من التجسد؟ |
||||
30 - 06 - 2014, 02:57 PM | رقم المشاركة : ( 45 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي أهم النبؤات التي أنبأتنا عن التجسد الإلهي؟ ج: قبل أن نشير إلى هذه النبؤات دعنا يا صديقي أن نلقي الضوء قليلًا على دقة هذه النبؤات، فقد قال القديس أغسطينوس "لأن العهد القديم رمز الجديد، وكل الدين الموسوى والآباء وحياتهم وعهودهم وذبائحهم رموز ما نراه، وليس الشعب اليهودي بأسره إلاَّ نبيًا عظيمًا ليسوع المسيح وكنيسته" (1) فيجب ملاحظة أن الله قد أودع هذه النبؤات لدى الشعب اليهودي ومازالت باقية لديهم، ولا يمكن أن يتصوَّر إنسان عاقل أن المسيحيين قد استطاعوا بطريقة أو بأخرى إضافة هذه النبؤات إلى أسفار العهد القديم التي هي في صورة الشعب اليهودي، ولذلك يلوم القديس أثناسيوس اليهود على عدم إيمانهم فيقول " فاليهود يُوبَخون على عدم إيمانهم من نفس كتبهم التي يقرأونها، فهذه الآية أو تلك أو بالإجمال كل الكتاب الموحى به، يطلق الصوت عاليًا، مناديًا بتلك الحقائق. كما تُبيّن كلماته الصريحة مرارًا كثيرة. لأن الأنبياء أذاعوا مُقدمًا عجيبة العذراء وولادتها قائلين {هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا} (مت 1: 23، اش 7: 14) أما موسى العظيم حقًا، والذي يعتقدون فيه أنه ينطق بالصدق، فإنه إذ اعتبر ما قيل عن تأنس المخلص هامًا وجوهريًا، وإذ وثق من حقيقته، دونه في هذه الكلمات {يقوم كوكب من يعقوب وإنسان من إسرائيل فيحطم رؤساء موآب}.. إذًا فقد اتضح ما ورد في هذه الآيات، انه سبق التنبؤ بظهور إنسان. إما أن ذاك الذي كان سوف يأتي هو رب الكل فقد تنبأ عنه أيضًا فيما يلي {هوذا الرب جالس على سحابة خفيفة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر المنحوتة}" (تجسد الكلمة 33: 3، 4). ويضرب القديس كيرلس الأورشليمي مثلًا على دقة هذه النبؤات فيعلق على نبؤة زكريا النبي "هوذا ملكك يأتي إليك " فيقول " ولكن الملوك كثيرين، فعمن تتكلم أيها النبي؟ أعطنا علامة تميزه عن باقي الملوك، فإذا قلت انه ملك يرتدي الأرجوان، فان كثيرين يشاركونه في هذه الكرامة، وإذا قلت أن الجند يحرسونه، وانه يجلس في مركبة ذهبية، ففي هذا أيضًا يشترك معه آخرون، فأعطنا علامة مميزة للملك الذي تتنبأ عن مجيئه، فيجيب النبي قائلًا {هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور. وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان}.. وليس على مركبة، وهذه علامة فريدة للملك الذي يأتي، يسوع وحده من بين الملوك هو الذي جلس على جحش جديد في هتاف.. ولكن من المحتمل أن يجلس الملك على أتان، من قبيل المصادفة، فأعطنا بالأحرى علامة أخرى.. أين يقف هذا الملك الذي يدخل.. ولكن هذه العلامة قريبة من المدينة (أورشليم) حتى تكون مألوفة لدينا. فلتعطنا العلامة واضحة جلية أمام عيوننا حتى نشاهد المكان وقتما نكون في المدينة. فيجيب النبي مرة أخرى ويقول {وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق} (زك 14: 4) فهل يمكن لأي إنسان أن يقف في المدينة، أن يخطئ النظر إلى هذا المكان؟ ولن نكتفِ بالعلامتين السابقتين بل نريد علامة ثالثة. ماذا يفعل الرب عندما يأتي؟ يجيب نبي آخر ويقول {هو يأتي ويخلصكم. حينئذ تنفتح عيون العمي. وآذان الصم تنفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الأخرس} (أش 34: 4-6) (1). |
||||
30 - 06 - 2014, 03:01 PM | رقم المشاركة : ( 46 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
من النبوءات عن ميلاد المسيح ونتعرض باختصار شديد لأهم النبؤات التي حدثتنا عن التجسد الإلهي مبتدئين بنبؤات إشعياء النبي الإنجيلي: 1- "ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (اش 7: 14) وقد استشهد متى الإنجيلي بهذه النبؤة (مت 1: 23) ويقول القديس أثناسيوس " لأنه مَن مِن الأبرار والأنبياء القديسين والآباء البطاركة الأولين، المدوَّنة أسماؤهم في الكتب الإلهية، وُلِد جسديًا من عذراء فقط؟ أو أية امرأة كانت كافية لحمل إنسان بشري بدون رجل؟.. إذًا فمن ذا الذي وُلِد من عذراء فقط؟" (تجسد الكلمة 35: 7) ويقول القديس كيرلس الكبير "فكيف -خبروني- يُدعى الذي وُلِد من العذراء عمانوئيل؟ .. عمانوئيل تعني كلمة الله الذي هو بالحقيقة الله صار مثلنا بسبب الجسد. وقد دعى عمانوئيل لأنه أخلى ذاته، وولد مثلنا وتحدث معنا، لذلك هو الله في الجسد، والتي ولدته بالحقيقة هي والدة الإله، لأنها ولدته حسب الجسد" (1). ويلوم القديس كيرلس الأورشليمي اليهود لعدم تصديقهم هذه النبوة فيقول " العلة من النافع أن نوجه لهم (لليهود) هذا السؤال: إن أشعياء النبي القائل إن عمانوئيل سوف يولد من عذراء هل هو نبي حقيقي أم نبي كاذب؟.. إن اعترفوا بأنه كان نبيًا حقيقيًا، فإننا نسأل: أليس من الضروري للمسيا إن كان قد أتى أو لم يأتِ بعد أن يُولَد من عذراء؟ فإن قالوا أنه لا يُولَد من عذراء فقد صار النبي كاذبًا أما إن كان لابد أن يُولَد من عذراء فلماذا يرفضون الذي قد أتى بالفعل هكذا؟!!" (2) وما أجمل قول القديس أغسطينوس " فإذا كنا لا نستطيع أن ندرك ميلادك البشري، فكيف نستطيع إدراك ميلادك الإلهي..! من يستطيع أن يدرك أعجوبة الأعاجيب هذه. عذراء تحبل! عذراء تلد! عذراء تبقى عذراء بعد الولادة!!! ولكن مالا يستطيع العقل أن يفهمه، يستطيع الإيمان أن يدركه، وحينما يقف العقل فان الإيمان يتقدم" (3). 2- " لأنه يُولَد لنا ولد ونُعطى تبنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا. مشيرًا إلهًا قديرًا. أبًا أبديًا رئيس السلام" (اش 9: 6). ويقول الأب متى المسكين أن البشرية كانت تمثل أم ثكلى " مصابة في كل أولادها الذين تلدهم، فإنهم يموتون ولا يعيشون، أو كأنهم يولدون ليموتوا سريعًا، أو ربما بأقصى عمق في التعبير أن البشرية كانت تلد أمواتًا أو تلد الموت ذات عنصر اللعنة الأولى!! فكان الفرح بميلاد الإنسان، كل إنسان، فرحًا عابرًا أو كاذبًا يكذبه نواح الموت الشديد والسواد الذي يغطي كل البيت ولكن جاء اليوم السعيد حقًا في عمر البشرية الذي فيه يولد لنا ولد ونعطى تبنًا من السماء يبقى لنا إلى الأبد.." (4). يولد لنا ولد ونعطى تبنًا إشارة للناسوت، ويدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا إلهًا قديرًا إشارة للاهوت، فالرب يسوع ليس مجرد ناسوت بدون لاهوت، وليس هو لاهوتًا بدون ناسوت، ولكنه لاهوت متحد بالناسوت، وناسوت متحد باللاهوت.. هو الله المتأنس، ويقول القديس كيرلس الكبير " ها نحن نسمع أنه يُسمى ولدًا لأنه وُلِد مثلنا. لكنه عندما وُلِد أشارت إليه السماء بنجم لامع فجاء المجوس ليسجدوا له من أقاصي الأرض، وحمل الملائكة الأخبار السارة للرعاة وقالوا لهم {وُلِد لكم مخلص}.. وهو أيضًا المشير الإلهي الذي أعلن لنا عن إرادة الآب الصالحة لأن فيه (في الإبن) سرَّ (الآب) أن يخلص الأرض كلها.. هو بالحقيقة الله وابن الله .." (1). 3- " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب" (اش 11: 1، 2) وكتب البابا كيرلس السادس يقول " في سكينة الليل، وفي الوقت المحدد من السنة حيث تصبح مُرُوج الربيع الناضجة أكداسًا، وتضحى الأعشاب الخضراء اللامعة بقطرات الندى وأضواء الشمس قشًا مخزونًا لأيام الشتاء، وقد فارقها جمالها وولت عنها عطورها، في هذا الوقت الذي يتجدد فيه الوادي من وروده الزاهية وأعشابه المتموجة نبت فجأة.. الغصن.. الذي من أصل يسى ومن عذراء تكللت بالطهر وتذرعت بالنقاء" (2). 4- " قولوا لخائفي القلوب تشدَّدوا لا تخافوا. هوذا إلهكم. الانتقام يأتي جزاء الله. هو يأتي ويخلصكم. حينئذ تتفقَّح عيون العمي وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الأخرس" (اش 35: 4-6). وعندما أرسل يوحنا المعمدان تلميذيه للسيد المسيح ليؤكد لهما أنه هو المسيا المنتظر قال الرب يسوع لهما " أذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. إن العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهَّرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشَّرون وطوبى لمن لا يعثر فيّ" (لو 7: 22، 23). ويعلق القديس أثناسيوس على هذه النبؤة قائلًا "فالنبوة لا توضح فقط أن الله يحل هنا، ولكنها تعلن أيضًا علامات ووقت مجيئه فهي تقرن تفتيح أعين العميان وشفاء العرج ليمشوا، والصم ليسمعوا، ولسان الأخرس ليصير فصيحًا، بمجيء الله الذي كان مزمعًا أن يتم. فليقولوا إذًا متى تمت هذه العلامات في إسرائيل، أو في أي مكان من اليهودية حدث أمر كهذا.. إذًا متى حصلت هذه إلاَّ عندما جاء كلمة الله نفسه في الجسد. حينئذ مشى العرج، وتكلم البكم فصيحًا، والصم سمعوا، والعمي منذ ولادتهم استعادوا بصرهم لأن هذا هو نفس ما قاله اليهود الذين شهدوا تلك الأمور إذ لم يسمعوا أنها حدثت في أي وقت آخر {منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا} (يو 9: 32، 33)" (تجسد الكلمة 38: 4، 6). 5- قال موسى "أغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب" (عد 21: 8) وقال الرب "هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأني فديتك" (اش 43: 1) "أرجع إلىَّ لأني فديتك. ترنمي أيتها السموات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا أسافل الأرض أشيدي أيتها الجبال ترنمًا الوعر وكل شجرة فيه لأن الرب قد فدى يعقوب وفي إسرائيل تمجد. هكذا يقول الرب فاديك وجابلك من البطن" (اش 44: 22-24) " فادينا رب الجنود اسمه. قدوس إسرائيل" (اش 47: 4) فمن هو الفادي؟ هو رب الجنود قدوس إسرائيل، وكيف تم الفداء الذي ترنَّمت به الخليقة؟ انه تم بالتجسد. 6- وفي عقوبة الله للحية أعطى الله الوعد بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية قائلًا "واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك 3: 15) ومن هو نسل المرأة هذا إلاَّ الرب يسوع الذي وُلِد بدون زرع بشر؟ |
||||
30 - 06 - 2014, 03:06 PM | رقم المشاركة : ( 47 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
نبوات العهد القديم عن الميلاد 7- حدَّدت النبؤات النسب الجسدي للإله المتأنس الذي به تتبارك كل الأمم، فصرَّحت بأنه من نسل إبراهيم " فيتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18) وانه من نسل إسحق وليس إسماعيل "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 26: 4) وانه من نسل يعقوب وليس عيسو " ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 28: 14) وانه من سبط يهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنه ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه" (تك 49: 10، 11) وفعلًا وُلِد السيد المسيح عندما زال سلطان الحكم من يهوذا وصارت اليهودية كلها تحت الحكم الروماني الذي جرَّدهم من كل سلطان بينما الاحتلال البابلي والفارسي كان يقيم منهم واليا يحكمهم ويُصّرف أمورهم. أما عندما تولى هيرودوس الأدومي الرئاسة فقد صار الحكم لقيصر روما، وزال الحكم عن يهوذا، وفقد مجمع السنهدريم سلطته في الحكم على أحد بالموت، ولذلك سلَّم يسوع إلى بيلاطس الحاكم الروماني ليحكم عليه بالموت صلبًا، ومعنى "شيلون" الذي له السلام ، ودعاه أشعياء "رئيس السلام" (اش 9: 6). وحدَّد أرميا انه يأتي من نسل داود "ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن برّ فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض. وفي أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برُّنا" ( ار 23: 5، 6). وبكَّت القديس أثناسيوس اليهود الذين لم يؤمنوا بهذه النبوات الصريحة قائلًا "فلو كان لليهود الآن ملك أو رؤيا لجاز لهم أن ينكروا المسيح الذي أتى، أما أن لم يوجد ملك ولا رؤيا بل من ذلك الوقت إلى الآن ختمت كل نبؤة، وأُخذت المدينة والهيكل، فلماذا يجحدون ويتمردون لهذا الحد، إذ وهم ينظرون ما حصل ينكرون المسيح الذي تمم كل شيء؟.. لو كانت الأمم تعبد إلهًا آخر، ولا تعترف بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، لجاز لهم مرة أخرى أن يدَّعوا بأن الله لم يأتِ.. لماذا يتجاهلون أن الرب الذي تنبأت عنه الكتب قد أشرق على العالم، وظهر له متجسدًا.. لم يبق بعد ذلك ولا نبي ولا أورشليم ولا ذبيحة ولا رؤيا بينهم، بل امتلأت الأرض كلها من معرفة الله.. فيجب أن يكون واضحًا حينئذ حتى لأشد الناس عنادًا أن المسيح قد أتى .. هكذا يستطيع المرء أن يُوبخ اليهود بحق بهذه الحجج وغيرها من الكتب الإلهية" (تجسد الكلمة 40: 4-8). 8- نبؤة بلعام " أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغا" (عد 24: 17) وهذه النبوة هي التي حركت المجوس من أرض المشرق عندما رأوا نجمه. 9- التمس المرنم وجه الله قائلًا "يا رب طأطئ سمواتك وانزل والمس" (مز 144: 5).. " يا جالسًا على الكروبيم أشرق. قدام افرايم وبنيامين ومنسى أيقظ جبروتك وهلمَّ لخلاصنا" (مز 80: 1، 2) بل أن المرنم رأى بعين النبؤة تنازل الرب وتجسده فصرخ قائلًا: " طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه" (مز 18: 9). 10- "ينزل مثل الطل على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6) والجزاز هو صوف الخراف ، وهو يرمز للأمة اليهودية التي ارتبطت بالذبائح، والأرض إشارة للأمم، فبعد أن كان الطل أي نعمة الله قاصرة على الأمة اليهودية، فقد امتدت بالتجسد إلى جميع الشعوب والألسنة والأمم، وأيضًا أن كانت جرّة الصوف تشير للناسوت فان المطر يشير للاهوت. 11- "أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم" (مز 107: 20) والمقصود بالكلمة هنا أقنوم الكلمة. 12- "ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلِد فيها وهو العليُّ يثبتها. الرب يُعَد في كتاب الشعوب أن هذا وُلِد هناك" (مز 87: 5، 6) وهي نبؤة واضحة وصريحة عن التجسد، فالمولود هو الله العلي، وأيضًا تشير النبؤة للاكتتاب، فيقول القديس غريغوريوس " لماذا اكتتبت كل المسكونة في نفس الوقت الذي وُلِد فيه مخلصنا؟ كان ينبغي أن يُكتَب إسمه مع أسماء البشر ليكون اكتتابه معنا إعلانًا صريحًا عن ظهوره في الجسد وهو الذي يكتب أسماء مختاريه في الأبدية، وضد ذلك يتكلم النبي عن الأشرار قائلًا {ليُمحَوا من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا} (مر 69: 28) (1). 13- "ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم ويكونون لي شعبًا. فاسكن في وسطكِ فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليكِ" (زك 2: 10، 11). ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "فسمع الرب لتنهدات الأنبياء ولم يتوان عن أمر خلاص البشر من الهلاك، وأرسل ابنه، الرب من السماء ليخلص.. وها هو أحد الأنبياء يقول " يأتي بغتة.. السيد الذي تطلبونه" (ملا 3:1) إلى أين؟ سوف يأتي الرب إلى هيكله، وإذ يسمع نبي آخر هذا الكلام فيجيبه ويقول: هل تتكلم بصوت خفيض عندما تتحدث عن خلاص الله، وهل تتحدث في الخفاء عندما تكرز مبشرًا بمجيئ الله للخلاص؟ كلا. بل "على جبلٍ عالٍ اصعدي يا مبشرة صهيون.. قولي لمدن يهوذا" وماذا أقول؟ "هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي" (اش 40: 9، 10) ثم يقول الرب نفسه "هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب" (زك 2: 10، 11)" (مقالة 12 للموعوظين) (2). 14- وتنبأ عن تنازله وتجسده ميخا النبي قائلًا " اسمعوا أيها الشعوب جميعكم أصغي أيتها الأرض وملأُها وليكن السيد الرب الشاهد عليكم السيد من هيكل قدسه. فإنه هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض" (مي 1: 2، 3). 15- " ولكم أيها المتَّقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2) وشمس البر إشارة للسيد المسيح الذي أشرق بأرضنا فحمل الشفاء لطبيعتنا الفاسدة. 16- وحدَّد دانيال الزمن الذي يتجسد فيه الله قدوس القدوسين، وربط هذا الزمن بإصدار الأمر الملكي لتجديد أورشليم فقال "سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليُؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا ولمسح قدوس القدوسين فأعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا" (دا 9: 24، 25). وقال المؤرخ يوسيفوس " إن دانيال أحد الأنبياء العظماء لم يتنبأ قط عن الحوادث المستقبلية كما تنبأ غيره من الأنبياء بل أيضًا عن وقت تمامها" (1) وقال القديس كيرلس الأورشليمي " وإذ نبحث بأكثر تدقيق عن شهادة خاصة بزمان مجيئه، إذ يصعب إقناع الشخص ما لم يقدم له حساب دقيق للزمان بالنبؤات. فما هو وقت وحال وزمان مجيئه؟ انه في زمان انحلال ملوك يهوذا وسقوطهم. حيث بلغ هيرودوس الأجنبي المُلك. لهذا قال الملاك الذي خاطب دانيال.. {فاعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا} (دا 9: 25) والتسعة وستون أسبوعًا يحملون 483 سنة (69 × 7) فكأنه يقول انه بعد بناء أورشليم بـ 483 سنة حيث يسقط الحكام ويأتي عوضًا عنهم ملك من جنس آخر في زمانه يولد المسيح" (2). وقال القديس أثناسيوس "وفي هذه الناحية بنوع خاص، يحق توبيخهم توبيخًا أشد لا بواسطتنا، بل من قِبل دانيال المتزايد في الحكمة الذي حدَّد كلا من التاريخ الفعلي لمجيء المخلص، وحلوله الإلهي بيننا، إذ قال {سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك} (دا 9: 24، 25) لعلهم ( اليهود) في النبؤات الأخرى يستطيعون أن يتلمسوا المعاذير لأنفسهم، أو يحيلوا المكتوب إلى المستقبل ولكن ما عساهم يقولون عن هذه النبؤة، أو هل يستطيعون مواجهتها بأي حال من الأحوال؟ ففيها لا نجد إشارة إلى المسيح فحسب، ولكنها تعلن صراحة أن الذي سيُسمح ليس مجرد إنسان بل "قدوس القدوسين" وان الرؤيا والنبؤة تبقى قائمة في أورشليم إلى مجيئه، ومن ثم تبطل النبؤة والرؤيا من إسرائيل" (تجسد الكلمة 39: 2، 3). 17 - حدَّد ميخا النبي مكان الميلاد "أما أنت يا بيت لحم افراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم. منذ أيام الأزل" (مي 5: 2 ) وكانت بيت لحم قرية صغيرة لا يميزها شيء غير قبر راحيل، وكانت تدعى افراته، وتميزت بالأشجار الكثيفة "هوذا قد سمعنا في افراته. ووجدناه في حقول الوعر" (مز 132: 6) وقال حبقوق "الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3) وتيمان بمعنى الجنوب، وبيت لحم تقع جنوبي أورشليم، ويقول البابا كيرلس الكبير "عندما عرف (داود) بالروح مكان ميلاد الابن الوحيد بالجسد أبْشَر به وقال: ها قد وجدناه في افراته" (مز 132: 6) أي في بيت لحم.. وفي موضع آخر يسميه داود " إله إبراهيم" عندما يقول " رؤساء الشعوب اجتمعوا مع إله ابراهيم" (مز 47: 9).. "رؤساء الشعوب" أي الرسل والقديسين.. وهكذا دُعى إله إبراهيم وإله يعقوب ذاك الذي وُلِد من امرأة. فلماذا لا تدعى العذراء والدة الإله؟ (1) |
||||
30 - 06 - 2014, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 48 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي أهم رموز التجسد في العهد القديم؟ وما هي دلالتها؟ ج: نكتفي هنا بذكر عشرة رموز للتجسد الإلهي وهي: 1- شجرة الحياة: "وشجرة الحياة في وسط الجنة" (تك 2: 9) وكانت هذه الشجرة رمزًا للكلمة المتجسد " قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14:6). 2- ملكي صادق: كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم بعد انتصاره على كدر لعومر والملوك الذين معه، فبارك ملكي صادق إبراهيم، وقدم إبراهيم له العشور، فكان ملكي صادق رمزًا للإله المتأنس واهب البركات وقابل العشور، والذي يقدم ذبيحته من الخبز والخمر (تك 14: 17-20) ويعلق بولس الرسول قائلًا عنه انه شبَّه بابن الله المتجسد الذي بلا أب من حيث الجسد، وبلا أم من حيث اللاهوت، أزلي أبدي. "المُترجَم أولًا ملك البر ثم أيضًا ملك ساليم أي ملك السلام. بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبَّه بابن الله.." (عب 7: 2، 3). 3- العليقة: (خر 3: 2، 3) كما إن النار لم تحرق العليقة إنما كانت تتآلف تلاطف اللاهوت مع الناسوت ليس على سبيل التقارب أو المصاحبة ولكن على مستوى الإتحاد الكامل، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي "أن المسيح الواحد هو من شيئين، نار جوهر الكلمة الخالق وجوهر الناسوت، المتحدين معًا بغير اختلاط ولا تحول، على قياس العليقة المشتعلة، فقد أورى الله لموسى نارًا تلتهب في شجرة عليق على جبل سيناء.. خلطة بين نار تحرق وشجرة تقبل الاحتراق، من غير أن تتحول النار عن نورها وحرقتها، ولا تتحول الشجرة عن ثقلها.. ليس لأن النار فقدت خاصيتها وتحوَّلت عن جوهرها. بل لأنها منعت نفسها بقوة قدرتها أن تحرق، وصارت مشتعلة في الشجرة، والشجرة قائمة على حالها في الخضرة لا تحترق ولا تتغير" (1) وقال القديس كيرلس الكبير " إن الله نزل في البرية بمنظر النار، وكان يضئ في العوسج ولا يحرقه، وكان موسى يتعجب من هذا المنظر لأن الخشب لا يحتمل النار فكيف استطاعت هذه المادة القابلة للاحتراق أن تحتمل اشتعال النار فيها بدون أن تحترق. لقد كان هذا مثالًا للسر الذي فيه استطاعت طبيعة اللوغوس الإلهية أن تخضع نفسها لحدود البشرية، وكما كانت النار تضئ العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضًا اللوغوس لما تجسد لم يحرق الجسد الذي اتحد به بل على العكس جعله جسدًا محييًا" (1). 4- تابوت العهد: "فيصنعون تابوتًا من خشب السنط. وتغشّه بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشّه" (خر 25: 10، 11) فخشب السنط الذي لا يسوس يشير للناسوت الخالي من سوس الخطية، والذهب النقي يشير للاهوت، وهكذا اتحد اللاهوت بالناسوت، فصار الناسوت غنيًا بمجد اللاهوت من الداخل ومن الخارج. 5- خيمة الاجتماع: أوصى الرب موسى ليقدم بنو إسرائيل تقدماتهم لعمل خيمة الاجتماع ومحتوياتها ليحل فيها وليسكن في وسطهم قائلًا " فيصنعون لي مَقدِسًا لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أُريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر 25: 8، 9). 6- المن: (خر 16: 13-16) وقد أوضح رب المجد ذاته أن المن الذي نزل من السماء كان رمزًا له قائلًا " لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.. فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلىَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا" (يو 6: 33-35). 7- الصخرة: عندما عطش بنو إسرائيل وتعرضوا للهلاك قال الرب لموسى "ها أنا أقف أمامك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب" (خر 17: 6) وقال الرب يسوع "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو 4: 14) وأوضح معلمنا بولس أن هذه الصخرة كانت تشير للمسيح قائلًا "وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًّا. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). 8- جمرة أشعياء: "فطار إلىَّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقطٍ من على المذبح" (اش 6: 6) وقال القديس أثناسيوس "إن الجوهر الإلهي الخالق قد اتحد بجوهر الناسوت في نسيج واحد، بلا خلط بين الجوهرية ولا تحوُّل ولا فساد ولا فرقة بينهما، على مثال جمرة إشعياء المتألقة من طبيعتين وجوهرين أحدهما النار والأخرى العود (الخشب) الذي تجسَّمت فيه النار، ولولا ذلك ما رؤيت النار بمفردها لكونها لطيفة، وان السارفيم إنما أخذها من فوق المذبح بملقط لكي لا يحترق بنارها، ومع أن النار قد التحمت بالعود في جمرة واحدة فلم يختلط احدهما في الآخر، ولا تحوَّل أحد الجوهرين عن طبيعته، فلم تتحول النار عن خاصية النور والإحراق، ولا العود عن غلظه وثقله" (1) وقال البابا كيرلس الكبير "السيد المسيح يشبه جمرة أشعياء لأنه يمثل شيئين قد أُجمعا إلى واحد، وكما إن النار حينما تتصل بالخشب تحوله بنوع ما إلى مجدها الخاص ومع ذلك يبقى الخشب على ما كان عليه، هكذا الله المتحد بالناسوت بصورة لا ينطق بها قد حفظ لناسوته صفاته الخاصة (الصفات البشرية) وهو نفسه بقى إلهًا كما كان (قبل تجسده)" (2). وقال البابا كيرلس الكبير أيضًا "فكما أن النار عندما تتحد بالفحم تستحوذ على كيانه وتحوله إلى مظهر النار وقوتها وتضع فيه جميع صفاتها حتى انه يعتبر واحد معها هكذا في المسيح الله المتحد بالناسوت.. وهو نفسه قد بقى إلهًا كما كان.. غير انه من بعد الإتحاد يعتبر واحدًا مع ناسوته لأنه اقتنى لنفسه ما لهذا الناسوت كما أشاع في هذا الناسوت أيضًا قوة طبيعته الإلهية الخاصة "(3) 9- حجر دانيال (دا 2: 44، 45): وهو الحجر الذي رآه نبوخذ نصر وقد قطع بدون يدين فسحق التمثال العظيم المصنوع من الذهب والفضة والنحاس والحديد والخزف ثم صار جبلًا ضخمًا ملأ الأرض كلها (دا 2: 31-35) هو إشارة لمولود العذراء الذي وُلدِ بدون زرع بشر. 10- كلمة الله: التي تجسمت كتابةً على لوحي العهد بيد الله كانت إشارة لتجسد كلمة الله في ملء الزمان كقول بولس الحكيم "الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة. كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 1، 2) وكما صام موسى أربعين يوما قبل أن يستلم كلمة الله، هكذا نحن نصوم أربعين يومًا قبل الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى ثلاثة أيام هي تذكار معجزة نقل جبل المقطم. |
||||
30 - 06 - 2014, 03:10 PM | رقم المشاركة : ( 49 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هو الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد؟ ج: تعددت ظهورات الله في العهد القديم بقصد تهيئة الذهن البشري لقبول فكرة التجسد الإلهي، ومن هذه الظهورات ما يلي: 1- كان آدم وحواء يسمعان صوت الله "وسمعا صوت الله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار" (تك 3: 8) أما في التجسد فقد رأت البشرية ناسوته وسمعت صوته وتلامست معه. 2- ظهر على شكل ملاك لهاجر "وقال لها ملاك الرب تكثيرًا أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة.. فدعت اسم الرب الذي تكلَّم معها أنت إيل رئى" (تك 16: 10، 13) أي إله رؤية لأنها رأت الله. 3- ظهر لإبراهيم "وقال له أنا الله القدير. سرّ أمامي وكن كاملًا.." (تك 17: 1-8). 4- وظهر لإبراهيم على شكل رجل مع ملاكين في شكل رجلين عند بلوطات ممرا "فقال الرب لإبراهيم لماذا ضحكت سارة.. هل يستحيل على الرب شيء.. فقال الرب هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله" (تك 18: 13 - 17). 5- وظهر لإبراهيم على شكل ملاك عند ذبح إسحق "ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء، وقال بذاتي أقسمت يقول الرب.. أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرًا.." (تك 22: 15-17). 6- ظهر ليعقوب وصارعه حتى مطلع الفجر "فدعى يعقوب اسم المكان فينيئيل. قائلًا لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي "(تك 32: 30). 7- ظهر لموسى في العليقة " فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة. وقال موسى موسى.. أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" (خر 3: 4، 6). 8- ظهر ليشوع في شكل رئيس جند " أنا رئيس جند الرب.. اخلع نعليك من رجلك لأن المكان الذي أنت واقف عليه مقدَّس" (يش 5: 14، 15). 9- ظهر لجدعون وهو يخبط الحنطة على شكلا ملاك " فالتفت إليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان. أما أرسلتك.. فقال جدعون آه يا سيدي الرب لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه. فقال له الرب السلام لك. لا تخف لا تموت" (قض 6: 14-23). 10- ظهر لمنوح وامرأته على شكل ملاك وبشرهما بولادة شمشون "فقال منوح لملاك الرب ما اسمك.. فقال له ملاك الرب لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب.. فقال منوح لامرأته نموت موتًا لأننا قد رأينا الله" (قض 13: 17-22). 11- ظهر لأشعياء النبي "في سنة وفاة عزّيا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (اش 6: 1) 12- ظهر لحزقيال "وعلى شبه العرش كمنظر إنسان عليه من فوق.. هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت على وجهي" (حز 1: 26-28). 13- ظهر لدانيال النبي "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحُب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأُعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سُلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) ويقول البابا كيرلس الكبير "اسمع كيف يخبرنا دانيال انه لم ير مجرد إنسان.. بل قال بتدقيق " مثل ابن الإنسان " لأن كلمة الله هو الله لكنه صار في شبه الناس وإذ وُجِد في الهيئة كإنسان" (في 2: 7، 8) لكيما نعرف انه هو نفسه الله المتأنس، وانه ليس إنسانًا فقط ولا هو بدون ناسوت. لذلك يقول دانيال انه قد أُعطى الرئاسة والكرامة التي له منذ الأزل، لأنه يقول " وكل الشعوب والأمم والألسنة تتعبد له".. فإذا ولدته العذراء مريم بالجسد فكيف لا تكون والدة الإله؟!" (1) 14- ظهر لبني إسرائيل على شكل ملاك الرب وعمود سحاب نهارًا وعمود نار ليلًا " وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نارً ليضئ لهم" (خر 13: 20) " فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم" (خر 14: 19) 15- ظهر لموسى ولأشراف بني إسرائيل " وأُروا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعةٍ من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمدَّ يده إلى أشراف بني إسرائيل. فرأوا الله وأكلوا وشربوا" (خر 24: 10، 11). 16- ظهر للثلاث فتية في أتون النار فقال نبوخذ نصر "ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشَّون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بأن الآلهة" (دا 3: 25). أما عن الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد فيقول قداسة البابا شنودة الثالث: " يجب أن نفرق تمامًا بين التجسد والظهورات. عبارة تجَسَّد، معناها أخذ جسدًا. أما الظهورات فمعناها أخذ شكلًا ظهر به. وقد أخذ الرب شكلا ملاك الرب ظهر به لموسى في العليقة (خر 3: 2، 3) وأخذ أيضًا شكل ملاك الرب ظهر به لمنوح حينما بشره بميلاد شمشون (قض 13: 3). وظهر أيضًا على عرشه وحوله السارافيم، كما ظهر لأشعياء (أش 6: 1، 2) وظهر بشكل ابن إنسان كما رآه دانيال (دا 7: 13). وظهر أيضًا لأبينا إبراهيم كإنسان ومعه رجلان عند بلوطة ممرا (تك 18: 2). كذلك ظهر لأبينا يعقوب بهيئة إنسان صارعه حتى الفجر (تك 32: 24، 30). ولكن هذه كلها ظهورات.. أما تجسده من العذراء مريم فهو ناسوت كامل، أخذ كل مراحل الحمل. وبعد الولادة أخذ كل مراحل النمو كإنسان (لو 2: 52). وهذا لم يحدث بالنسبة إلى ظهورات لأحد من الآباء والأنبياء. وإنما هو شكل ظهر له ثم اختفى. أما كون الشكل له وجه أو يد أو ما إلى ذلك، هذا من لوازم الشكل الذي ظهر به... أما عن كيف صارع يعقوب، فهذه قوة من الله شعر بها يعقوب، ولكنها ليست تجسدًا. أما من جهة تجسده من العذراء، فكان له طبيعة التجسد: ومنها تألمه وسفك دمه، وموته، وقيامته وصعوده. وأيضًا بعد قيامته رآه تلاميذه، وجسّوه كما في (لو 24: 39)، (يو 20: 27). وهكذا تظهر الطبيعة البشرية كاملة. كما إن هذا الناسوت عاش مع الناس سنوات طويلة، وليس مثل ظهورات كان يبدو فيها أمام الناس لمدة لحظات أو دقائق ثم يختفي ولا يرونه بعد... كذلك فتجسده من العذراء باقٍ لم يفنَ ولم يزل.. وقد قال للص اليمين "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). وقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 2: 23). وقد رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا أكثر من مرة. أما الظهورات فقد انتهت بوقتها، وليست لها استمرارية كالتجسد. لعله قد وضح بعد كل هذا، إن هناك فرقًا أو فروقًا عديدة بين التجسد والظهورات التي في العهد القديم" (1). |
||||
30 - 06 - 2014, 03:13 PM | رقم المشاركة : ( 50 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي التشبيهات التي تقرب لنا معنى التجسد؟ ج: هناك تشبيهات كثيرة تقرب لنا معنى التجسد مثل: 1- العليقة. 8-تابوت العهد. 2- جمرة أشعياء. 8-سوسنة الأودية. 3- الروح والجسد. 10-إتحاد الحديد بالنار. 4- إتحاد الماء بالنار. 11- الملك المُنقِذ. 5- إنقاذ الغريق. 12-مدينة الملك. 6- الفنان العظيم والفخاري الكريم. 13- المعلم. 7- القشة المغلَّفة بالاسبستوس. 14- الفأس والشجرة المشمسة. 1- العليقة: إنها شجرة العوسج الخضراء (الناسوت) التي اشتعلت فيها النيران الإلهية (اللاهوت) ومع هذا فإنها لم تحترق، فيقول البابا كيرلس الكبير "الكتاب المقدس يُشبّه الطبيعة الإلهيَّة بالنار بسبب قدرة هذا العنصر الذي يغلب بسهولة كل ما يعترضه، وأما طبيعة الإنسان الترابي فهي على عكس ذلك تشبَّه بالزرع وبنبات الحقل، فالكتب المقدسة تقول من جهة "إن إلهنا نار آكلة" ومن جهة أخرى "الإنسان كالعشب وأيامه تفنى كزهر الحقل" فكما أن العوسج (الشوك) بطبعه لا يحتمل النار هكذا أيضًا الناسوت بطبعه لا يحتمل اللاهوت. وأما في المسيح فقد حلَّ كل ملء اللاهوت جسديًا.. لذلك فالنار (التي رآها موسى) ما كانت تحرق العوسج بل كانت تتلاطف وتتآلف مع طبيعته الخشب الضعيفة، وهكذا اللاهوت كان يتآلف مع الناسوت، وهذا هو السر الذي تم في المسيح" (1) وقال أيضًا "كما أن النار كانت تضئ العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضًا اللوغوس لما تجسَّد لم يحرق الجسد الذي اتحد به بل على العكس جعله جسدًا محيّيًا" (عظة فصحية 17) (2). وردًا على القائلين بأن الطبيعة الإنسانية تلاشئت في الطبيعة الإلهية قال "فان الله قد نزل في العليقة في البرية بمنظر النار وكان يضئ العوسج ولا يحرقه، وكان موسى يتعجب من هذا المنظر، لأن الخشب (بطبعه) لا يحتمل النار، فكيف استطاعت هذه المادة القابلة للاحتراق أن تحتمل اشتعال النار فيها (بدون أن تحترق)؟ لقد كان هذا كما قلت مثلًا للسر الذي به استطاعت طبيعة اللوغوس الإلهيَّة أن تُخضِع نفسها لحدود البشرية، لأنه أراد ذلك ولأنه لا يستحيل عليه شيء قط" ( المسيح واحد) (3). 2- تابوت العهد: الذي أمر الله موسى بأن يصنعه من خشب السنط الذي لا يُسّوس (إشارة للناسوت الخالي من الخطية) ويغشيه بالذهب (إشارة لللاهوت) وكما أن كل من الخشب والذهب ظل محتفظًا بطبيعته هكذا الناسوت واللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير " الخشب الذي لا يُسّوس هو رمز للجسد الذي لم يفسد لأن الأرز لا يُسّوس. أما الذهب وهو يفوق كل الأشياء فهو يشير إلى جوهر اللاهوت الفائق. لكن لاحظ كيف غطى التابوت كله بالذهب النقي من الداخل ومن الخارج، لأن الله الكلمة اتحد بجسد مقدس.. وحسب ما اعتقد فان هذا ما يشير إليه تغشية التابوت بالذهب من الخارج، والنفس العاقلة التي في جسده هي نفسه، وهذا ما يشير إليه تغشية التابوت من الداخل، وهكذا لم يحدث تشويش للطبيعتين، لأن الذهب الذي غُطى به الخشب ظل كما هو ذهبًا. أما الخشب فقد صار غنيًا بمجد اللاهوت، لكنه لم يفقد خصائصه كخشب" (1). 3- جمرة أشعياء: عندما نظر أشعياء الله جالسًا على كرسي عالٍ وشعر بخطيته وخطية شعبه أخذ واحد من السيرافيم بملقط جمرة من على المذبح ومسَّ بها فمه فانتزع إثمه وكفر عن خطيته (اش 6: 1-7) وإذا تأملنا في هذه الجمرة الناتجة عن إتحاد الفحم بالنار فإننا نجد فيها إشارة واضحة لإتحاد الناسوت باللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير "ويمكننا أن نرى أيضًا الجمرة مثالًا لكلمة الله المتحد بالطبيعة البشرية دون أن يفقد خواصه النار عندما تتصل بالخشب تستحوذ عليه، لكن الخشب يظل خشبًا.. فقد يتغير إلى شكل النار وقوتها، بل يصبح له صفات النار وطاقتها ويعتبر واحدًا معها. هكذا أيضًا يجب أن يكون اعتقادنا في المسيح، لأن الله اتحد بالإنسانية بطريقة لا ينطق بها، ولكنه ابقى على خواص الناسوت على النحو الذي نعرفه، وهو نفسه لم يفقد خواص اللاهوت عندما اتحد به (الناسوت) بل جعله واحدًا معه، وجعل خواص (الناسوت) خواصه بل هو نفسه قام بكل أعمال اللاهوت فيه (في الناسوت) (2). 4- سوسنه الأودية: اقتبس هذا التشبيه القديس كيرلس الكبير من سفر الأناشيد فقال "قدم أناشيد الأناشيد ربنا يسوع المسيح قائلًا {أنا وردة السفوح وسوسنة الأودية} (نش 2: 1) وفي السوسنة الرائحة غير المجسَّمة (غير ظاهرة للعين) ولكنها لا توجد خارج السوسنة، لذلك فالسوسنة واحدة من أثنين (الرائحة وجسم السوسنة) وغياب رائحة السوسنة لا يجعلها سوسنة، وكذلك غياب جسم السوسنة لا يفسر وجود رائحة السوسنة لأن في جسم السوسنة رائحتها. هكذا أيضًا يجب أن يكون اعتقادنا في ألوهية المسيح الذي يعطر العالم برائحته الذكية ومجده الذي يفوق مجد الأرضيات، ولكي يعطر العالم كله استخدم (اللاهوت) الطبيعة البشرية، وتلك التي بطبيعتها غير جسمانية، صارت بالتدبير وعلى قدر ما نفهم متجسدة. لأنه عندما أراد أن يعلن عن ذاته من خلال الجسد جعل فيه (أي في الجسد) كل ما يخص اللاهوت. لذلك من الصواب أن نعتقد أن الذي بطبيعته غير جسماني اتحد بجسده وأصبح الإتحاد مثل السوسنة لأن الرائحة العطرة وجسم السوسنة هما واحد ويسميان السوسنة" (1). 5- الروح والجسد: كما إن الإنسان يتكون من جسد ترابي قابل للفساد والموت ونفس حية خالدة طبيعتها تختلف عن طبيعة الجسد، ومع هذا فبإتحاد الجسد والنفس يتكون الإنسان الواحد، دون أن تختلط الطبيعتان أو تتغير أحداهما إلى الأخرى، هكذا كان إتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح. غير إن إتحاد اللاهوت بالناسوت إتحاد أبدي لا يمكن أن يحدث فيه افتراق ولا انفصال لحظة واحدة أو طرفة عين، بينما الروح تفارق الجسد في لحظة الموت وتعود إليه يوم القيامة. وكما رأينا في الإنسان من قبل صورة التثليث والتوحيد، فإننا نرى فيه الآن صورة إتحاد الطبيعتين، حتى صار الإنسان الواحد طبيعة واحدة من طبيعتين مختلفتين متباينتين، فقال البابا كيرلس الكبير في رسالته إلى فاليريان "إن طبيعة الإنسان يُعترف بها انها واحدة، وانها اقنوم (هيبوستاسيس hypostasis) واحد، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها ( مكوَّنة) من عناصر realities مختلفة متباينة الأنواع، لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد بالنفس، ويُكمّل اقنوم الإنسان الواحد" (2). وقال أيضًا في رسالته إلى سوكنس " نحن مخلوقون من نفس وجسد ونحن نرى الطبيعتين واحدة في الجسد وواحدة في النفس، بل واحد هو الإنسان بالإتحاد من اثنين، ولا نقول انه رجلان لهذا الواحد، وإن كان صار من طبيعتين، ولكن مثلما قلت انه واحد هو الإنسان الذي كان من نفس وجسد، وإذا رأينا هذا أن المسيح واحد كان من طبيعتين مختلفتين بعضهما من بعض، فهو غير مفترق من بعد الإتحاد" (1). كما قال البابا كيرلس الكبير في رسالته إلى لوكيطس اسقف قيسارية "يجب أن نأخذ لنا مثالًا من طبعنا نحن البشر لأننا مخلوقون من نفس وجسد، وهما طبيعتان مختلفتان مثل الإتحاد، وبإتحادهما صار إنسانًا واحدًا بطبع واحد، لم تتغير النفس عن طبعها بإتحادها بالجسد فصارت جسدًا، ولا الجسد صار نفسًا، بل النفس والجسد طبع واحد وإنسان واحد" (الباب الرابع من كتاب المجامع لإبن المقفع) (2). وقال يوليوس أسقف روما في القرن الرابع في رسالته الخامسة "انه إن دُعي إلهًا فليس أحد ينكر ناسوته الذي هو متحد بلاهوته، وإن دُعي بناسوته من أجل الجسد الذي أخذه فليس أحد يجحد ربوبيته، ولا يُقسَّم أصلًا لطبيعتين من بعد الإتحاد كما إن الإنسان من خاصتين كاملتين بنفس وجسد، طبيعتين مختلفتين ومن بعد الإتحاد طبع واحد يُعرف وباسم واحد، وإذا دُعي جسداني فليس تفارقه النفس، وإذا دُعي نفساني فليس يفارقه الجسد" (3). في الإنسان نرى الروح متحدة بالجسد والجسد بالروح، ومع هذا فان الروح لا تتحوَّل إلى جسد، لأنها لو تحوَّلت إلى جسد لفقدت النطق والعقل والخلود ولتحول الإنسان إلى حيوان، والجسد لا يتحوَّل إلى روح، وإلاَّ تحوَّل الإنسان إلى ملاك، وقال القديس بطرس السدمنتي "كما قد جُعِل الإتحاد الصائر بين النفس الملائكية الروحانية، وبين الجسد الترابي الحيواني إنسانًا واحدًا طبيعة واحدة، وجوهرًا واحدًا، ليس في الملائكة من هو لابس جسدًا مثله، ولا في سائر الحيوان من هو متجسدًا بنفس عاقلة مثله، يوصف بصفتين مختلفتين. من جهة نفسه مساوًا للجواهر العقلية، ومن جهة جسده مساوًا للحيوان، ولا ينبغي أن يقال بعد إتحادهما وصيرورتهما إنسانًا واحدًا إنهما إثنان، ملاك وحيوان، وإن كان فيه جوهرا الملائكة والحيوان موجودين لم تنتقل النفس فتصير جسمًا، ولا الجسم فيصير نفسًا، بل كل منهما حافظ ما يخصه، وأبدع لهما الإتحاد إسمًا يخصهما الذي هو الإنسان، فلا النفس بمفردها تدعى إنسانًا، ولا الجسد بمفرده يُدعى إنسانًا، بل بالإتحاد دُعي مجموعهما إنسانًا، ذا طبيعة واحدة خاصة متقوّمة من طبيعتين عامتين، وهكذا في المسيح له المجد. انه لا يجوز أن يقال فيه بعد الإتحاد انه من طبيعتين مفترقتين، وإن كان اللاهوت لا يستحيل فيصير ناسوتًا، ولا الناسوت انبسط فصار لاهوتًا، بل كل منهما حافظ ما يخصه، من غير اختلاط، ولا امتزاج، ولا استحالة" (1). وإن كان يصعب علينا فهم الإتحاد في الإنسان فكيف ندرك إتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح؟! وكما إن الأمور التي تخص إحدى طبيعتي الإنسان تُنسب للإنسان ككل فهكذا ما يخص إحدى طبيعتي السيد المسيح ينسب للإله المتأنس، ويشرح هذه الحقائق القديس كيرلس الكبير فيقول "أي غرابة في أن يفوق (إتحاد اللاهوت بالناسوت) إدراك (العقل)؟ فنحن عندما نبحث بدقة عن أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم الذي فينا. فما هي كيفية إتحاد نفس الإنسان بجسده؟ من يمكنه أن يخبرنا؟!! ونحن بصعوبة نفهم أو بقليل نتحدث عن إتحاد النفس بالجسد. لكن إذا طُلِب منا أن نحدد كيفية إتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جدًا، نقول انه من اللائق أن نعتقد أن إتحاد اللاهوت بالناسوت في عمانوئيل هو مثل إتحاد نفس الإنسان بجسده.. والنفس تجعل الأشياء التي للجسد هي لها رغم إنها (النفس) بطبيعتها لا تشارك الجسد آلامه المادية الطبيعية أو الآلام التي تسببها للجسد.. (النفس) لا تشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تعتبر أن تحقيق الرغبة هو تحقيق لرغبتها هي (النفس) فإذا ضُرِب الجسد أو جُرِح بالحديد مثلًا فإن النفس تحزن مع جسدها، ولكن بطبيعتها لا تتألم بالآلام المادية التي تقع على الجسد. ومع هذا يلزم أن نقول أن الإتحاد في عمانوئيل هو أسمى من أن يُشبَّه بإتحاد النفس بالجسد، لأن النفس المتحدة بجسدها تحزن مع جسدها وهذا حتمي حتى انها عندما تقبل الهوان تتعلَّم كيف تخضع لطاعة الله. أما بخصوص الله الكلمة فانه من الحماقة أن نقول انه كان يشعر -بلاهوته- بالإهانات، لأن اللاهوت لا يشعر بما نشعر به نحن البشر، وعندما اتحد بجسد له نفس عاقلة وتألم لم ينفعل اللاهوت بما تألم به، لكنه كان يعرف ما يحدث له، وأباد كإله كل ضعفات الجسد، رغم انه جعلها ضعفاته هو فهي تخص جسده.. لأنه كما إن الجسد في طبيعة مختلفة عن النفس، لكن الإنسان واحد من أثنين (النفس والجسد) هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل، والألوهة نفسها والناسوت نفسه في الواحد بعينه الأقنوم الواحد. وكما قلت أن الكلمة يجعل آلام جسده آلامه هو لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه. هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوة، حتى إن جسده قادر أن يقيم الموتى ويبرئ المرضى" (1) 6- إتحاد الحديد بالنار: شبه الآباء إتحاد اللاهوت بالناسوت بإتحاد النار بالحديد، فيقول البابا أثناسيوس انه بالتحام النار بالحديد نجد جمرة واحدة تشمل الحديد والنار، وكل منهما لم يفقد خاصيته، ولم يتحوَّل إلى الآخر "مثلما تلتحم النار بالحديد فيكوّنان معًا جمرة واحدة من غير أن تكون النار تغيَّرت أو تحوَّلت عن جوهرها مع كونها منيرة محرقة ولا قطعة الحديد تغيَّرت أو تحوَّلت عن أن تكون ثقيلة تُشَج وتُقطَع، هكذا دبَّر كلمة الله الخالق إتحاده بالطبيعة البشرية في قوام واحد جامع للطبيعتين الإلهية التي كُوّنت في آخر الزمان بلا اختلاط ولا تحوُّل ولا فساد ولا فرقة ولا انقطاع بينهما من غير أن تستحيل هذه إلى تلك، وتلك إلى هذه" (1). وقال البابا كيرلس الكبير كما أن الحديد بإتحاده بالنار يكتسب طبيعتها هكذا اغتنى الناسوت بمجد اللاهوت " كما أن الحديد إذا قربناه من نار شديدة يكتسب للوقت مظهر النار ويشترك في صفات ذلك العنصر الغالب، هكذا أيضًا طبيعة الجسد التي اتخذها لنفسه اللوغوس غير الفاسد والمحيي لم تبقى على حالها الأول بل انعتقت من الفساد ومن الفناء وسادت عليهما" ( عظة فصحية 17) (2). وقال أيضًا "إذا وضعتم حديدًا في النار، فانه يمتلئ كذلك بقوة النار.. وهكذا الكلمة المحيي لما وحَّد بذاته جسده الخاص.. بالكيفية التي هو وحده يعلمها جعل هذا الجسد محييًا" (تفسير لوقا 22: 19) (3). وكما إنه في إتحاد النار بالحديد، ووقوع الطرق على كليهما إلاَّ إن الذي يتأثر هو الحديد دون النار، هكذا وقعت الآلام على الناسوت دون اللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير "فأخذنا لنا مثالًا لإتحاد اللاهوت بالناسوت كإتحاد النار بالحديد، وإن كان طبعين مختلفين، فبإتحادهما صارا طبعًا واحدًا. لا أن طبع النار استحال فصار حديدًا، ولا إن طبع الحديد استحال فصار نارًا. بل نار اتحدت بحديد هي النار وهو الحديد.. وإن الحديد إذا ضُرِب بالمرزبة هي النار المضروبة والحديد الذي يتألم، والنار لا تتألم" (الباب الرابع من كتاب الجامع لإبن المقفع) (4). 7- إتحاد الماء بالنار: كما انه بإتحاد الماء بالنار يكتسب الماء المغلي طبيعة النار، هكذا بإتحاد اللاهوت بالناسوت صار جسد المسيح جسدًا محيّيًا، فقال البابا كيرلس الكبير "فان كانت النار المرئية تدخل قوة طبيعتها الخاصة في المواد إذ تتصل بها وتحوّل الماء نفسه البارد وبطبعه إلى ما يخالف طبيعته إذ تجعله حارًا، فكيف لا نؤمن أن الكلمة الذي من الله الآب قد جعل جسده الخاص المتحد به جسدًا محيّيا" (ضد نسطور) (1). 8- الملك المُنقِذ: عندما يجد الملك جيشه قد انهزم أمام الأعداء ولا مخلص، فانه يخلع ثياب الملك ويتزيّ بزي الجنود وينزل في وسطهم متخفيًا يتقدمهم في معركة الخلاص، ويقودهم إلى موكب النصرة ثم يعلن لهم عن ذاته فيفرحون به ويدينون له بالطاعة والخضوع ويقدمون له كل الحب، هكذا إلهنا الجبار عندما رأى بؤسنا وشقاءنا أمام مملكة الظلمة القوية المتسلطة خلع عنه ثياب المجد وتزيّ بزيّنا أي لبس جسدنا، وخاض المعركة الشرسة ضد مملكة ابليس وجنوده وقام ظافرًا وقد نفض عنه تراب الموت الذي قهر البشرية جمعاء وأعلن ذاته للكنيسة، فكم يجب أن يكون حبنا وإخلاصنا له وفرحتنا به؟!!. 9- إنقاذ الغريق: قال القديس يعقوب السروجي "إذا أردت أن تنقذ غريقًا أو تنهض إنسانًا مطروحًا، فلا ينفع أن تقدم له النصيحة. بل عليك أن تخلع ثيابك وتلبس ثياب البحر، وبعد أن تنزل تقيمه معك" (2). هكذا خلع الله ثياب المجد ولبس ثياب البحر أي جسدنا ونزل إلينا وأنقذنا وحملنا معه حيث أجلسنا معه في السماويات، وعلى حد تعبير القديس غريغوريوس في الليتورجيا " أصعدت باكورتي إلى السماء". 10- مدينة الملك: يقول البابا أثناسيوس عندما يقيم الملك في بيت من بيوت إحدى المدن، فانه يرفع من شأن المدينة، وهكذا رفع الله بتجسده من شأننا " وكما إنه لو دخل ملك عظيم مدينة عظيمة، واتخذ إقامته في أحد بيوتها، فان هذه المدينة تتشح بالشرف الرفيع، ولا يعود عدو أو لص ينزل إليها لإخضاعها، بل على العكس، تعتبر مستحقة كل عناية، لأن الملك اتخذ مقره في واحدة من بيوتها، كذلك كانت الحال مع ملك الكل. فانه إذ أتى إلى عالمنا، واتخذ إقامته في جسد واحد بين أترابه فقد بطلت كل مؤامرة العدو ضد الجنس البشري منذ ذلك الحين، وزال عنهم فساد الموت الذي كان سائدًا عليهم من قبل لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع، ابن الله، قد جاء إلينا وحلَّ بيننا ليوفي غاية الموت لكان الجنس البشري قد هلك" (تجسد الكلمة 9: 3، 4) وقال أيضًا إذا أسَّس ملك عظيم منزلًا أو مدينة وسقطت بين اللصوص فانه يسعى لإنقاذها، وهذا ما فعله الله معنا نحن الذين سقطنا بين اللصوص " حقًا لقد كان هذا العمل العظيم متفقًا مع وجود الله بشكل عجيب. لأنه إذا أسَّس ملك منزلًا أو مدينة وأحدق بها اللصوص بسبب إهمال سكانها، فانه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال، بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال بإهمال سكانها، بل بما يليق بذاته. وهكذا الله، كلمة الآب الكلي الصلاح، لم يهمل الجنس البشري صنعة يديه، ولم يتركه للفساد، بل أبطل الموت بتقديم جسده، وعالج إهمالهم بتعاليمه، ورد بسلطانه كل ما كان للإنسان" ( تجسد الكلمة 10: 1). لقد تعهدنا الله بالناموس والأنبياء ثم جاء إلينا بذاته، فيقول البابا أثناسيوس "ومرة أخرى نسوق هذا التشبيه: أي ملك من ملوك الأرض -وهو مجرد إنسان بشري- إذا امتلك بلادًا لا يتركها لآخرين لكي تخدمهم، ولا يتنازل عنها لغيره، ولكنه ينذر أهلها برسائله، ثم يتصل بهم بواسطة الأصدقاء مرارًا، وإذا اقتضى الأمر يذهب إليهم بشخصه كآخر وسيلة يلجأ إليها لتوبيخهم - كل ذلك لكي لا يخدموا آخرين فيذهب عمله هباءًا منثورًا" (تجسد الكلمة 13: 5). 11- الفنان العظيم والفخاري الكريم: شبه القديس أثناسيوس عملية التجسد بالفنان العظيم الذي يستطيع أن يعيد اللوحة البديعة التي رسمها إلى أصلها متى تعرضت للتلف، فيقول إن هذا ما فعله الله معنا، جاء إلينا، وأعاد رسم الصورة على نفس طبيعتنا الساقطة دون أن يفني هذه الخليقة الأولى التي حملت يومًا ما صورته الإلهية. وهكذا أُعيدت خلقة الإنسان.. وقد شبه الله ذلك في العهد القديم بالفخاري الذي صنع إناءًا من طينة وماء، وإذ لم يكن كما يريد، أعاد صنعه ثانية بعد أن فسد، وقال الرب "هوذا كالطين بيد الفخاري، هكذا أنتم بيدي" ( ار 18: 1-10) كذلك المسيحية هي الدين الوحيد الذي يتحدث عن إعادة خلقة الإنسان وتجديد طبيعته، وهذا عمل لا يقدر عليه سوى الخالق (أسئلة حول التجسد ص 26، 27). وقال البابا أثناسيوس أيضًا إننا خلقنا على صورة الله، ثم فسدت هذه الصورة بغواية العدو، فكان لابد من حضور صاحب الصورة لكيما يساعد الفنان على إعادة الصورة إلى حالتها الأولى من الروعة والجمال " وإن تلطخت الصورة المرسومة على الخشب بالأدران من الخارج وأُزيلت، فلابد من حضور صاحب الصورة نفسه ثانية لكي يساعد الرسام على تجديد الصورة على نفس اللوحة الخشبية، لأنه إكرامًا لصورته يعز عليه أن يلقي تلك اللوحة، وهي مجرد قطعة خشبية، بل يجدد عليها الاسم. وعلى هذا المثال أتى إلى عالمنا ابن الآب الكلي القداسة، إذ هو صورة الآب، لكي يجدد خلقة الإنسان الذي خُلِق مرة أخرى على صورته" (تجسد الكلمة 14: 1، 2). 12- المعلم الصالح: كما إن المعلم الصالح يتنازل لمستوى تلاميذه ليرفعهم هكذا تنازل الله إلينا بالتجسد ليرفعنا، فيقول القديس أثناسيوس " وكما إن المعلم الصالح الذي يعتني بتلاميذه يتنازل إلى مستواهم، إن رأى البعض منهم لم يستفيدوا بالعلوم التي تسمو فوق إدراكهم، ويقدم إليهم تعاليم أبسط، هكذا فعل كلمة الله" (تجسد الكلمة 15: 1). وقال أيضًا عندما نظر الله وإذ الإنسان انحط إلى عبادة المخلوقات ظهر له في شكل المخلوقات ليلتقي به ويرفعه " لأنه إذ رأي (الله) إن البشر رفضوا التأمل في الله، وانحطت نظراتهم إلى أسفل كأنهم قد غاصوا في العمق، باحثين عن الله في الطبيعة وفي عالم الحسيَّات، ومخترعين لأنفسهم آلهة من البشر القابلين للفناء ومن الجن، لهذا فان مخلص الكل المحب كلمة الله أخذ لنفسه جسدًا وكإنسان مشى بين الناس، وقابل إحساسات البشر في منتصف الطريق.. ففي الأمور التي ركزوا فيها إحساساتهم وجدوا أنفسهم قد قُوبِلوا في منتصف الطريق وعلموا الحق من كل ناحية" (تجسد الكلمة 15: 2، 3). لقد علمنا السيد المسيح بأعماله المعجزية، فيقول القديس أثناسيوس "فإذا نظروا إلى الخليقة بدهشة ورهبة رأوها تعترف بالمسيح ربًا، وإذ اتجهت عقولهم نحو البشر ليتوهموا أنهم آلهة وجدوا من أعمال المخلص -إن قارنوها بأعمال البشر- قد أظهرته وحده ابن الله دون سائر البشر، لأنه لم يقم بينهم قط من استطاع أن يأتي الأعمال التي عملها كلمة الله. وإن انحرفوا إلى الأرواح الشريرة وجب أن يدركوا بعد إن رأوا (الكلمة) يطردها، انه وحده هو الله، وإن تلك الأرواح لا شيء. وإن انحدرت عقولهم فوصلت إلى الأموات حتى عبدوا الأبطال والآلهة التي تحدث عنها الشعراء، وجب -بعد أن رأوا قيامة المخلص- أن يعترفوا أن تلك آلهة كاذبة، وإن الرب وحده هو الإله الحق كلمة الآب، وهو رب الموت أيضًا. لهذا السبب وُلِد وظهر كإنسان، ومات، وقام ثانية بعد أن غطى بأعماله كل أعمال البشر الذين سبقوه، حتى إذا ما اتجهت أفكار البشر إلى أية ناحية. استطاع أن يستردهم من هذه الناحية ويعلمهم عن أبيه الحقيقي، انه قد جاء كما يقول عن نفسه {لكي أطلب وأخلص ما قد هلك} (لو 19: 10)" (تجسد الكلمة 15: 4-7). 13- القشة والاسبستوس: القش مادة قابلة للاحتراق السريع، ولكن عندما يتم تغليفها بمادة الاسبستوس Asbestos التي لا تحترق فان النار لن تقوى عليه، فيقول القديس أثناسيوس "والمعلوم أن القش تفنيه النار بطبيعة الحال. فلنفترض أولًا: إن إنسانًا أبعد النار عن القش، فان القش ولو لم يحترق يبقى رغمًا عن ذلك مجرد قش يخشى خطر النار، لأن للنار خاصة إحراقه. ثانيًا: بينما لو أحاطه بمادة الاسبستوس -التي يقال عنها أنها تصمد أمام النار- فان القش لا يرهب النار فيما بعد، إذ قد تحصن بإحاطته بمادة غير قابلة للاحتراق. كذلك أيضًا بنفس الطريقة يستطيع المرء أن يقول عن الجسد والموت، انه لو كان الموت قد أُبعد عن الجسد بمجرد إصدار أمر من الله، لبقى رغم ذلك قابلًا للموت والفساد حسب طبيعة الأجساد ولكن، لكي لا يكون هذا حال الجسد، فقد لبس ( الجسد) كلمة الله الخالي من الجسد، ولذلك فانه لا يعود يرهب الموت أو الفساد، لأنه لبس الحياة كثوب، ولأن الفساد قد أُبيد فيه" (تجسد الكلمة 44: 7، 8). 14- الفأس والشجرة المشمسة: قال القديس سلبطرس أسقف روما في مجادلة مع أحد اليهود "إذا كانت شجرة يُراد قطعها بالفأس في نصف النهار والشمس عامة عليها وضُربت بالفأس . أليس ضرب الفأس واقع على الشجرة والشمس عليها؟ قال نوح اليهودي: نعم. قال سلبطرس: فيمكن أن يقطع الفأس الشمس أو يؤثر فيها وهي تعم الفأس والشجرة. قال: لا. قال له: هكذا قولنا في المسيح فالجسد كالشجرة، والألم كالفأس، والشمس كاللاهوت، وهكذا تألم المسيح بالجسد من غير أن ينال اللاهوت شيئًا من الآلام" (1). |
||||
|