منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25 - 06 - 2014, 12:16 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

اللاّوعي والإدانة

الإدانة هي الحكم على الآخرين من خلال سلوكياتهم
وغضّ البصر عن دوافعهم
والغفران هو التماس العذر للدوافع
وغضّ البصر عن السلوكيات
إن الإنسان يحيا في الوجود من خلال وعيه بما حوله، ويتشكّل سلوكه وتصرفاته بقدر تفتُّح ونُضج وعيه في فهم الأشخاص والأشياء من حوله، إلاّ أنّ هناك عامل آخر شديد الأهمية يؤثِّر على سلوكك ويتحكَّم في تصرفاتك بشكلٍ غير ظاهر؛ إنّه اللاّوعي..
اللاّوعي هو المخزن الذي يتلقَّى كلّ خبرة يمرّ بها الإنسان، وكلّ موقف يجتازه، وكلّ معاملة يلقاها، بل إنّه يتأثّر بطريقة التربية التي يشبُّ عليها الشخص من أيام طفولته المُبكِّرة. وبعد أن يتلقَّى اللاّوعي هذا الكمّ الهائل المتراكم والمستمر من الأحداث والمفاهيم، يبدأ في إعادة تشكيلها ليصل من خلالها إلى رؤيا للحياة، وتتحوّل تلك الرؤيا إلى قوّة دفع غير منظورة تبدأ في ممارسة سلطانها على الإنسان وتصبغه بطابعها الخاص.
يقول أحدهم:
لا تقتصر المعرفة على ما نفكّر به في عقولنا
فليست الأحداث الخارجيّة هي التي تحثّنا على التحرُّك فقط
بل ذلك العالم المُظلِم والسرّي في لاوعينا
فقد تجد إنسانًا ما عدائيًّا، وتكتفي بأن تحكم عليه وتضعه في قائمة العدائيّين في حياتك، دون أن تُدْرِك أنّ عدائَه هذا قد يكون نتيجة خبرات متراكمة في اللاوعي، خبرات ترسّبت في وجدانه تحمل ذكريات الإهانة والسخرية. قد تكون عدوانيّته نتيجة تربية أبٍ قاسٍ استبدادي الرأي. قد تكون نتيجة عيب خِلقي دفعه إلى الهجوم المسبق والاستباقي خشيةً من تهكُّم الآخرين. كلُّ تلك العوامل والدوافع قد لا يعيها الشخص نفسه، ولا يُدركها، إلاّ أنها تظهر كرد فعل تلقائي أثناء علاقته مع الآخرين.
لذا فمن الضروري أن نلتمس العذر دائمًا للآخرين في تصرّفاتهم التي تبدو لنا غريبة وغير منطقيّة في بعض الأحيان، فخلف كلّ تصرُّف هناك تاريخ في اللاّوعي، وخلف كلّ موقف هناك عُقدة ما تدفعه لانتهاج هذا السلوك. من هنا كان تعليم المسيح لنا بعدم الإدانة، لأننا لا يمكننا أن نخترق حواجز النفس البشريّة لنرى دوافعها في العمل، فأي سلوكٍ لا يجب أنْ يُدان دون النظر إلى دوافعه. انطلاقًا من تلك الحقيقة، نقدر أن نعي تبرير المسيح للخطاة الذين دفعتهم ظروفهم القاسية للخطيئة بالرغم من استعدادهم الداخلي للحياة النقيّة. في المقابل كان كثيرًا ما يُلقي بالويلات على الكتبة والفريسيّين وقادة اليهود، الذين يبدون للناس وكأنّهم أبرارٌ، بيد أنْ خطاياهم كانت خفيّة، ودوافعهم كانت شريرة. الله ينظر إلى القلب، بينما لا يرى البشر سوى السلوكيات الخارجيّة التي لا تُعبِّر عن شيء، ولا نستطيع من خلالها الحُكم الصادق الموضوعي على أحدٍ.
ولعلّه إن قُدِّر لأحدٍ أن يعاصر القديس موسى الأسود قبل توبته، فهل كان يمكن أن يرصد في حياته بصيصًا من نورٍ؟! لا أعتقد!! فالجميع سيتعامل معه كمجرمٍ يستحق العقوبة، وليس كإنسانٍ يحتاج لمناخ جيّد ليُظْهِر الاستعداد المُختبِئ خلف مظهر الشرّ. لذا فإنّ أحد القدّيسين أثناء سيره مع تلاميذه، بكَى حينما رأى مجرمًا مساقًا إلى السجن، وحينما سُئل عن السبب، أجاب: “لولا نعمة الله لكنت مكان ذلك المجرم!!”
إنّ ليو تولستوي، الروائي الروسي الشهير، يقول في روايته “البعث”، على لسان بطل الرواية نكليودوف:
إنّ المساجين أحياناً ما يكونون مساكينَ،
وفي الأغلب تكون جناية المجتمع عليهم أفدح من جنايتهم على المجتمع.
فهم في الغالب قومٌ حُرموا من العطف والرعاية في صغرهم.
وكثر عليهم ضغط الظروف، حتى امتلأت قلوبهم بالحقد،
فلماذا يكون هؤلاء في غياهب السجون؟؟ ويكون سواهم طُلقاء، بل يكونون في موضع القضاة لهؤلاء؟!
إنّه الحُكم حسب المظاهر الخادعة، دون محاولة البحث في الدوافع لالتماس العذر للآخرين، ومن ثمّ محاولة تحريرهم من القيود التي يرصفون فيها والمقيدة كيانهم الداخلي.
لذا فإنّ المسيحية تؤمن بـ“خلقة الإنسان علي غير فسادٍ” كما نُصلّي في ليتورجيّة القديس باسيليوس تؤمن بالخير الدفين في أعماقه، تؤمن أن مسلكه الخارجي المحكوم بدفع خبرات اللاّوعي يختلف عن كينونته الحقّة النقيّة التي تشكّلت على الصورة والمثال الإلهي. لذا فإنّ دور الروح القدس هو تحرير الإنسان من سطوة اللاّوعي، ليرى ويبصر نفسه البهيّة المخلوقة على صورة الله. ليُعاين الأصل في الإنسانيّة كحالة من البرّ، وليتيقّن أنّ الدخيل هو الشرّ، الذي “دخل بحسد إبليس”.
ولنتذكّر معًا كيف كان يرى يسوع، الإنسان، حينما نسترجع حادثة المرأة التي أُمسكت في الفعل المُشين، فقد رآها الجميع مدانة وتستحق الموت، بينما كان ينظر المسيح إلى أعماقها، كان يطالع النور الخافت الذي كان يومض بين جدران قلبها، وحينما رأى المسيح هذا النور، قال لها: “ولا أنا أدينك”.
لذا دعنا منذ الآن، ألاّ نحكم على الآخرين بحسب سلوكيّاتهم، فقد يكونون مرضَى بسطوّة اللاّوعي المثقَّل بخبراتٍ سلبيّةٍ. دعنا نرى الإنسان بعيني المسيح التي لا ترى سوى الشوق المُختبئ خلف السلوك الظاهر، وحينما نستطيع أنْ نرتدي منظار المسيح لنرى به الآخرين، نقول حينئذٍ لمن دانهم المجتمع: “أن لا أدينك”. وحينئذ سنسمع صوت المسيح الفَرِح يتردّد صداه في أعماقنا، ويقول:
“ولا أنا أدينَك”
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:17 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

مدرسة الإسكندريّة

1

إنَّ المشهد الذي يتبادر إلى أذهاننا حينما نتحدث عن المدارس والمعاهد اللاهوتية هو المنشآت الضخمة والأبنية المتعدِّدة، بينما لم تكن مدرسة الإسكندرية القديمة سوى مجموعة من الأساتذة العلماء، المختبرين الحياة التي في المسيح، ينتقلون من مكانٍ لآخر، يجتمعون في بيوتهم أو في بيوت تتسع لطلبتهم. لهذا لم تكن المدرسة مؤسسة تعليمية بقدر ما كانت حركة إنارة في المجتمع المسيحي القديم وهذا ما جعلها مضيئة وهَّاجة، بل ومشتعلة بالروح لخدمة ملكوت الله.
ولم تقتصر المدرسة على تلقين العلوم اللاهوتية فقط، بل كانت مدرسة موسوعية encyclopedic؛ أي أنها كانت تُقدِّم مختلف أنواع العلوم. ولكن هذا الانفتاح الفكري على العلوم المختلفة لم يكن ليذيب نبتة المسيحية الوليدة ولكنه كان بمثابة تربة خصبة لصياغة إيمان راسخ وغير متزعزع أمام لُجَج التيارات الفلسفية التي كانت تَلِفُّ العالم القديم آنذاك.
إن منهجية التعليم في المدرسة القديمة لهي شيءٌ مدهشٌ حقًا. فلقد كانت هناك ثلاث مراحل تعليمية في المنهج الذي اتفق عليه عمداء وأساتذة المدرسة وهي؛ دراسة العلوم الطبيعية ثم دراسة الفلسفات الدينية والأخلاقية ثم دراسة التعليم اللاهوتي المسيحي. وكأننا هنا أمام منهج تعليمي تصاعُدي يسمو بالإنسان من المحسوسات (العلوم الطبيعية) إلى المُدرَكات العقلية والذهنية (الفلسفة) حتى يصل بالإنسان إلى المدار الروحي (التعليم اللاهوتي المسيحي). إن تلك المنهجية تحمل إيمانًا بالطبيعة والفكر كأدوات تصل بالإنسان إلى أعتاب معرفة الله. هو ما أكده القديس كليمندس في كتابه المتفرقات، إذ يقول: [إنَّ الفلسفة هي مرحلة إعداد؛ فهي تهيئ الطريق للشخص الذي يجتذبه المسيح نحو الدعوة العليا]. فالمعارف لا تصبح عائقًا أمام معرفة الله إلا حينما تتوقف عند ذاتها وتدور في دائرتها الخاصة وتتقوقع في الزمن الحاضر وتتجاهل التساؤلات الوجودية والأبدية!! إلا أن التعليم السكندري القديم رأى أن الخليقة تشهد لله وتُخبِّر بمجد الله، وأن العقل لا يهدأ إلا حينما يستلقي على أجنحة الروح، فتُحلِّق به في أجواء روحية غير خاضعة للتحليل والمنطق والتجربة والمشاهدة.
فالمدرسة القديمة آمنت بالإنسان الكامل الذي يجب أن يخوض مغامرة المعرفة والتي لن تزيده إلا جوعًا إلى ثمرة الحياة، المسيح يسوع، الذي أمامه تركع الطبيعة وتنحسر أمواج الفكر الجامحة، فيصير هدوءًا وسكينة، يعاين فيها الإنسان، الله، صارخًا: جيد يا رب أن نكون ههنا.
فهل يمكننا في القرن الحادي والعشرين أن نخوض مغامرة المعرفة متمسكين بهُدب ثوب الرب؟ لتصير مغامرتنا شهادة للعالم أن المسيح هو ربُ الحياة وفيه تتلاشَى تساؤلات وحيرة الإنسان؟!..
إنها صلاتنا التي لن تتوقف..
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
2

مدرسة الإسكندرية هو المصطلح الذي يألفه كل قارئ لتاريخ الكنيسة شرقًا وغربًا؛ فهي بحسب وصف Groves كانت:]مركزًا للدراسات المسيحية، دون منافس، في العالم المسيحي[. فالمسيحية التي وجدت لها أرضًا خصبة في الأسكندية لم تجد مدينة تحتضن الفكر المسيحي وترويه من عرق العلماء والباحثين والكارزين الممزوج بالصلاة والعبادة الحارة أفضل من الإسكندريّة. فهي ملتقى الجنسيات والعرقيات والثقافات في العالم القديم مما جعلها مركزًا للفكر الإنساني، تُبدع فكرًا لتلقي بضيائها على العالم المتلهِّف لنتاج الحركة والديناميكية المتفجرة بين معاهدها وأروقتها. ولم تكن المسيحية بأي حال من الأحوال بمنأى عن هذا الحِراك الفكري الجامح؛ فالفلسفات والتيارات الفكرية التي كانت تتوالد آنذاك كانت مصطبغة بلون الهللينية الوثنية تارةً والغنوسية التصوفية تارةً أخرى، لذا كان على مسيحيي الإسكندريّة أن يُقَوُلِبوُا حقيقة الخلاص في تعبيرات وصيغ تتناسب مع العقل الفلسفي النقدي المنتشر حينذاك. لذا لم يكتف المسيحيون بالعبادة ولكنهم كانوا مثقَّلين بِهَمّ الكرازة للمجتمع الذي يحيون فيه، فكل نفس لا تصل إليها حقيقة الخلاص تمثل جرحًا في مسيرة الكرازة والامتداد بالفداء لكل العالم، كوصية الرب بل ورجاؤه من الكنيسة.
من هنا كانت ضرورة الوعي بالإيمان وعيش الإنجيل لإعلانه لكل فئات الشعب من البسطاء إلى الفلاسفة. لذا فقد صارت الإسكندرية، بحسب تعبير الكسندر روبرت:] عقل المسيحية The Brain of Christendom [لأنها لم تحتقر العقل الإنساني ولم تتعال عليه بدعوى الروحانية -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- بل خاطبته من خلال عمق الكلمة وحملته ليركع أمام الكلمة الإلهية ليدرك سر الحكمة الحقيقية المختبأة منذ الدهور والتي أُعلنت للخليقة في المسيح يسوع.
وإن أردنا أن نتوغل في روح مدرسة الإسكندرية القديمة فلنقرأ التعبير الذي وصف به أكليمندس السكندري، معلمه بنتينوس، النحلة الصقلية، إذ يقول عنه:]لقد كانت روحه ممتلئة من العنصر غير المائت الذي للمعرفة الإلهية[.
فالروح الممتلئة من المعرفة الإلهية بالاختبار والحياة والتي انعكست في قوة كلمة التعليم كانت سر مدرسة الإسكندرية القديمة، لذا كانت فعَّالة وفاعلة في المجتمع بل واستطاعت أن تجابه الفلسفات المختلفة وتُخضِعها للروح وتطوِّعها لتفسير الخلاص الذي أبرق في سماء البشرية بميلاد الله الكلمة، اللُّوغوس الحي والحقيقي. فتغيرت خريطة الإيمان في المدينة العريقة وخضعت الفلسفة للحياة وتوقف حكماء هذا الدهر أمام حكمة الله، وقبلوا جهالة الصليب حينما تذوقوا عربون الملكوت.
فالسلام لأرواح أبائنا الغيورين، معلمي المسكونة، وأبواق الإنجيل الذي وصل أصداؤه إلى أقاصي الأرض، الذين أحبوا المسيح بل وأعلنوه حبًا لكل الخليقة.
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:18 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

النهضة المعرفية

لقد لخَّص كليمندس السكندري في متفرقاته (الكتاب الأوّل: الفصل الأوّل) العَلاقة بين الكاتب الذي يبذر بذار الكلمة على صفحات الكتب والمُتلقِّي الذي يسبح بين بطونها آملاً في فهمٍ أعمقٍ للحياة مع الله، قائلاً: “إنّ الذي يتحدّث من خلال الكُتُب المُدوّنة، مُكرِّسًا ذاته أمام الله، صارخًا في كلماته وهو يقول: لا من أجل ربحٍ دنيوي ولا من أجل شهرةٍ، غير مدفوعٍ بتمييزٍ ولا تحت سطوة الخوف ولا في نشوة الابتهاج، أكتب ما أكتب. فقط لكي أحصد خلاص أولئك الذين يقرأونني، دون أن أشترك في [الأجر] الحاضر بل منتظرًا، في توقّعٍ، الجَزَاء الذي يسبغه هو، ذاك الذي وعد العاملين أنْ ينالوا مكافأةً حسنةً”. إنّ خدمةَ الكتابِ والكتابةِ من الأهميّة بمكانٍ ما يجعلنا نسعَى لتوجيه الطّاقات إلى هذا المضمار. فالكتابة فنٌ يصل الروح بالخيال ويُقرِّب الماضي ويستحضره بين دفتي الحاضر ويعيد تجسيم الوصايا في الذهن لتصير قوّة دافعة للحياة المسيحيّة بجملتها. ولعلّ النهضة في أي مجتمعٍ مرهونة بالنمو العلمي والمعرفي فيه، كذا النهضة المسيحيّة لكيما تدوم وتستمر وتنمو يجب أنْ تخلط المعرفةَ بالحياة والكلمةَ بالصلاة والعظةَ بالكتاب، لكيما تدفع الوجدان والعقل المسيحي نحو أحضان الثالوث. ولكن يبقَى أنْ نشير إلى أنّ الكتابةَ هي عملٌ يجب أنْ يُغلَّف بالتقوى والحياة المسيحيّة الصادقة لئلا تصبح، في غفلةٍ روحيّةٍ، عِلْمًا مُجرَّدًا يصيب العقل بتورِّمٍ والروح بضمورٍ. على الجانب الآخر، يجب أنْ تكون التقوى المسيحيّة قائمة على أُسس إيمانيّة تعبُّديّة كتابيّة صحيحة لئلا تُبْذَرَ بذار التقوى على أرضٍ خاطئة مُثمرة لحساب آخرٍ غير المسيح والكنيسة. علينا أنْ نوجّه صرخاتنا الإيمانيّة للعالم قولاً وحرفًا لنجتذب على كلّ حالٍ قومًا لملكوت ابن الله الذي ينتظر جمعًا من كلّ الأمم والشعوب والثقافات والطبقات. فهل ننفضَ غبار الكسل لنعمل في كرم الربّ مادام الوقت نهار؟؟ سؤالٌ جوابه في قلب كلٍّ منّا..
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:22 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

حوار مع القديس كيرلس: العذراء الثيؤطوكوس.. هل من ضرورة

جلس ألفريد على طاولته يقرأ مقال القديس كيرلس عن والدة الإله.. كانت المادة ثقيلة عليه.. تكوّنت لديه تساؤلات.. صلّى لكيما يفتح الربّ بصيرته.. كان حضور القديس كيرلس هو استجابة لصلاته.. بعد لحظات من الدهشة والفرح.. جلسا معًا.. أب مع ابنه.. وبدأت التساؤلات.. وبدأ معها القديس كيرلس في شرح الأمور..
ألفريد: أبي القديس، دعني أسألك بصراحة، لما كلّ هذا الجدل حول مصطلح الثيؤطوكوس، ألم تستطيعوا أن تتفقوا على مصطلح يريح جميع الأطراف.. فتربح الجميع؟
بدت على وجه القديس كيرلس ابتسامه هادئة، وقد اعتدل في جلسته، وقال: إنّ الإيمان هو كنزنا الحقيقي إن ذاب وسط مياه العالم من أجل ربح أشخاص، لمن سنربحهم؟ لأنفسنا!! لقد تركنا كل شيء من أجل المسيح، حتى أحبائنا إن كانوا في كفة الميزان مع المسيح..
ألفريد: اشرح لي يا أبي، ضرورة هذا الاصطلاح، لماذا الثيؤطوكوس؟
القديس كيرلس: يجب أن تعرف أولاً أن القضايا دائمًا لا تكمن في التعبيرات المجرّدة في حد ذاتها، بل ما تحملها من معانٍ وما يمكن أن تؤوّل إليه في أفكار البعض، عن قصد أو عن غير قصد.. لذا فتمسُّكنا بهذا التعبير هو تمسُّك بمفهوم إيماني أساسي في المسيحيّة لا يقبل النقاش ولا الجدل ولا المناورة ولا التوافق.. أمام الإيمان لا يجب أن نتهاون في التعليم والإصرار على المبدأ..
ألفريد: سمعت من البعض أنّ قداستك أوّل من استخدم هذا التعبير، وأدخله في مجمع أفسس (431م)، هل هذا صحيح؟
القديس كيرلس: وما رأيك أنت؟ ألفريد: لا أعرف القديس كيرلس: عندي عليكم أيّها الشباب أنّكم لا تقرأون ولا تبحثون بالقدر الكافي، لذا من السهل إيهامكم على عكس الحقيقة!! ولكن حسنًا.. لقد ورد هذا التعبير في كتابات أوريجانوس العلاّمة السكندري الشهير. وقد استخدمه العديد من باباوات الإسكندريّة السابقين مثل: البابا بطرس الأوّل والبابا ألكسندروس والبابا أثناسيوس. وقد يظن البعض أن هذا التعبير وليد الإسكندريّة فقط، ولكن يمكنك أن تجده عند القديس غريغوريوس النزينزي وكيرلس الأورشليمي وباسيليوس الكبير وهيبوليتُس..
ألفريد: كلّ هذا..
القديس كيرلس: نعم وأكثر.. وليس هذا فقط، ولكنك تجدها في صلاة كان تُردّد في مصر منذ القرن الثالث..
ألفريد: ماذا تقول تلك الصلاة؟
القديس كيرلس: تحت حراسة رحمتك نهرب يا والدة الإله. لا تهملي صلواتنا عندما نكون في ضيق، لكن خلّصينا من الخطر، أيتها الوحيدة الطاهرة، المباركة في النساء
ألفريد: ما أجملها صلاة
القديس كيرلس: نعم
ألفريد: ولكنهم يقولون أن هذا الاصطلاح لم يرد في الكتاب المُقدَّس!!
القديس كيرلس: الكتاب المُقدَّس ليس وثيقة إيمانيّة حصريّة ولكنه يضع الأساس الذي نبني عليه صرح إيماننا بكلمات وتعبيرات عصرنا.. فالإيمان ليس كلمات ولكنه مفاهيم دعني أسوق لك بعض الآيات الكتابيّة التي تفسِّر هذا الأمر.. ولكن عليك أن تنصت جيَّدًا
ألفريد: كلّي آذان صاغية..
القديس كيرلس: لقد دوّن القديس لوقا تلك البشرى المبهجة للرعاة الساهرين ليلاً على حراسة قطيعهم إذ قال لهم: «إنه وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داود مُخَلِّصٌ هو المسيح الرب» (لو2: 11). هل تنصت إلى تلك الكلمات جيَّدًا، فمن وُلِدَ هو المسيح وهو الربّ. لن يكون المسيح مستقبلاً ولن يصير إلهًا لاحقًا، لن يكون مسكنًا للربّ في الغد حينما يظهر تقواه، ولكنه وُلِدَ إلهًا وربًّا ومسيحّا.. فإنّ كان المولود هو الربّ.. هو الله.. ألا يجب أن نسمي مريم والدة الإله؟؟ بل إنّ الملاك حينما أراد أن يوجِّههم إلى الإله المولود.. كانت كلماته المدهشة «تجدون طفلاً مقمطًا مضجعًا في مذود». (لو2: 12) هذا الطفل المقمّط والنائم والرضيع.. هو الله والربّ.. ولكن لا تندهش.. فما لا يستطيعه البشر يستطيعه الله.. وما لا يقدر عليه البشر يقدر عليه الله.. وما يتعثّر فيه البشر هو الحقيقة، عين الحقيقة عند الله، وعند أبناء الله. إن آمنتم أن الطفل هو الله المتجسِّد في شكل البشر، فإنّ الفتاة التي بجواره والتي تسهر عليه وترعاه جسديًّا جديرة بلقب أم الله.
ألفريد: ولكن المصطلح ثقيل على الآذان؛ فالله غير المحدود، غير المحوى، غير الموصوف، غير المدرك.. له أم؟؟ إن الكثير يهزأ بنا بسبب تلك التعبيرات؟؟
القديس كيرلس: لا تحزن لسخرية البشر، فالمسيح نفسه لم يسلم من سخرية وشكوك وملاحقة ذوي العقول الضيقة والقلوب الموصدة، ولكن الحقيقة ستعلن في كمالها في الدهور الآتية، وقتها سيستد كلّ فم قاوم الله، وسيترنم كل فم أعلن تجسُّد الله.
ألفريد: أمين
القديس كيرلس: أمرٌ آخر، لا يجب على من يسمع هذا المصطلح أن يفكِّر أننا نتحدّث عن أمومة للاّهوت منفردًا!! ولا للناسوت منفردًا، ولكن أمومة العذراء ليسوع، هي أمومة لكلمة الله المتجسِّد الذي لم يفارق فيه اللاهوت، الناسوت، لحظة واحدة ولا طرفة عين، كما تصلون في القدّاس. هل تتذكّر ما حدث في اللقاء التاريخي بين مريم العذراء وأليصابات؟
ألفريد: نعم، لقد صرخت أليصابات من هول المفاجأة التي أظهرها لها الروح القدس وقالت: «مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ».
القديس كيرلس: أتدرك ما الذي قلته للتو؟
ألفريد: ماذا؟
القديس كيرلس: أم ربّي The Mother of my Lord
ألفريد: نعم فهمت..
القديس كيرلس: العذراء هي أم الربّ، فكيف يدعي البعض أن المفهوم ليس من صميم الكتاب المُقدَّس، للأسف، فإنّ الكثير يقرأ الكتاب المُقدَّس بقناعاته المسبقة فلا يعي الرسالة التي يبعثها الله إليه، لا يرى سوى فكره في مقتطفات من الآيات من هنا ومن هناك، وهذا أخطر ما في الأمر. هل قرأت رسالة القديس بولس إلى العبرانيين؟
ألفريد: ليس كلّها
القديس كيرلس: عليك بقرائتها، ولكن دعني أقول لك ما قاله القديس بولس: «يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب 13: 8). أمس يشير إلى الأزل، أو بالأحرى مجده الأزلي، واليوم يشير إلى الحاضر، وإلى الأبد تشير إلى ديمومته إلى أبد الدهور. فمن من البشر يمكن أن نقول عليه أزلي وحاضر وأبدي؟ لا أحد. فقط الله هو القائم فوق الزمان بقوائمه؛ الماضي والحاضر والمستقبل. هذا الإله هو يسوع المسيح كما كتب القديس بولس. ألا يدفعنا هذا الأمر سوى أن نؤكِّد على إلوهة المسيح، من خلال إطلاقنا على العذراء، والدة الإله. إنّ هذا اللّقب تأكيد على إلوهة المخلِّص أكثر من أي شيء آخر.. من يرفضه يريد أن يتلاعب بإلوهة المسيح، ويريد أن يضع نظرياته الخاصة عن المسيح.. لن نقبل بهذا.. في الإيمان لا تكفي النوايا الحسنة، فالغد قد يأتي بأصحاب نوايا مغرضة يتلاعبون بالألفاظ. فما عرفناه وفهمناه واختبرناه؛ أنّ المسيح هو إلهنا الحقّ كائن منذ الأزل ودائم إلى الأبد، ومتجسِّد في الزمان، من عذراء بتول بل ودائمة البتوليّة؛ مريم.. إنها حقًا والدة الإله.
ألفريد: هل لي في لقاء آخر
القديس كيرلس: بكلّ تأكيد..
ومضى القديس كيرلس وغادرت معه حيرة ألفريد..
قام ليترنم بثيؤطوكيّة اليوم وهو في ملء الفرح
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:25 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

سقراط (469-399 ق. م.)

لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ
القديس بولس في الرسالة إلى أهل رومية (2: 14)
إن المسيح هو مولود الله البكر، كلمته وفيه يشترك جميع البشر. هذا ما تعلّمناه وهذا ما أعلنّاه. فالذين عاشوا بحسب الكلمة هم مسيحيون وإن حسبوا ملاحدة، كسقراط عند اليونان وهيراقليط وأمثالهم.
الشهيد يوستين الشهيد. (الدفاع الأول. 46)
لنتصوّر أثينا في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد. ترى فيها ساحة السوق التجاري (أجورا). وفي الوسط بناء كبير تتمّ فيه تجارة القمح. وحول الأجورا أُقيمت المباني العامّة.. في الشوارع الملاصقة لبعضها البعض، الضيقة والمتعرّجة، أُنشئت المصانع وأكشاك الصيارفة ودكاكين الحلاقة والعطارين وبائعي المصابيح وأصحاب المكتبات. وأينما تلتفت ترى البانثيون والأكروبول أعلى المدينة. منذ الصباح حتّى الظهيرة، ومن المغرب حتّى العشاء، وساحة الأجورا تعجُّ بالناس. متعطّشين لسماع الجديد واجتماعيين للغاية، يجتمع الأثينيون في حلقات، يناقشون المشاكل السياسيّة اليوميّة ويعلو الضجيج، يتحمّسون للقضايا المطروحة، ويقصّون الطرائف المسليّة، يتطرّقون إلى آخر مجريات الأمور من المدينة والشؤون العائليّة، يستخبرون ما يجري في المدن المجاورة والدول البعيدة. يتندرون بالإشاعات والأقاويل. يمكن أن تصادف رجلاً يجول في المدينة أيامًا بكاملها يحادث المارّة. ويصدف أن نراه في ساحة السوق، في متجر صانع الأسلحة أو النجار أو الإسكافي، في معاهد الرياضة وميادنها، وبكلمة، يكون في كل مكان بإمكانه أن يلتقي الناس ويتحادث معهم. إلاّ أنه يرفض أن يبادر بالحديث في الجمعيّة العامة، أو أمام المحاكم أو في الإدارات الشعبيّة. وإن كان هناك من لا يعرفه، يسأل: من يكون هذا؟ سقراط، ابن سوفرونيسكوس ما هي اهتماماته؟ إنه يتحدّث مع الذين يودّون ذلك. ولأي هدف؟ لكي يساعد العقول على تولّد الحقيقة. أهو واحد من السوفسطائيين الذين يزعمون تعليم الحكمة؟ نعم وهل تعليمه بأجر؟ كلا. كلّ شيء في سقراط يثير الاهتمام: تكوينه، سلوكه، نشاطه، وأفكاره. وخلافًا لهؤلاء الرجال السوفسطائيين، الذين يتباهون بثيابهم الأنيقة، كان سقراط دائمًا يلبس الثياب البسيطة وغالبًا ما يسير حافي القدمين. وبنظر اليونانيين، الذين كانوا يعيرون اهتمامًا بالغًا للجمال الجسدي، كان سقراط بشعًا: ربع القامة، ذا بطن متدلٍّ، له رقبة كرقبة الثور، ورأس كبير أصلع مع جبهة واسعة وحدّبة. بحيث أن مشيته الممتلئة بالعزّة كانت عاجزة بحدّ ذاتها أن تخفّف من الانطباع الذي تولّده العيوب الكثيرة. وبحسب ألسيباد القائد الأثيني فإنّ سقراط يشبه سيلانsilene وسَتير satyre، الآلهة ذات الوبر، أنصاف كائنات بشريّة في الأعلى وأنصاف ماعز في الأسفل،كان النحّاتون يظهرونها تحمل نايًا أو ما يشبه الناي في يدها. كان سقراط يشبههم؛ إذ كما يسحر ويأسر الناي بأنغامه، القلوب، ويحوّلهم عن بشاعة المظهر، هكذا كان سقراط يأسر المستمعين حينما يهمّ بالكلام. يكتب ألسيباد: عندما أسمعه، يخفق قلبي بسرعة، ومواعظه تجعل الدمع يتدفّق من عيني، وأرى أناسًا كثيرون يحسّون بنفس الأحاسيس.. إنّه الوحيد الذي أحمّر أمامه خجلاً.. رجلاً أصيلاً كهذا وأحاديث مشابهة لأحاديثه، لا نجد من يقاربه لا في الماضي ولا في الحاضر.. وُلد سقراط في قصبة وهي إقليم ريفي في آلوباس، التي تشكّل جزءًا من أثينا. كان والده نحاتًا ووالدته قابلة. تعلّم سقراط كما تعلّم الشباب الأثينيون في عصره؛ أي الموسيقى والتربية البدنيّة. كانت الموسيقى تتضمّن العزف والغناء وأيضًا دراسة اللغة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- وحفظ العديد من النصوص الأدبيّة والشعريّة للكتّاب اليونانيين. فقد كان حفظ الأشعار الجميلة غيبًا يجعل الجيل الصاعد يتشرّب المشاعر والأحاسيس الراقية، وبالتالي يتشجّع للقيام بالأعمال الكبيرة. بعدها يبدأ في تعلُّم الحساب والهندسة. كان المواطن المثالي عند الإغريق هو من تجتمع فيه صفة النبل مع الصحّة وجمال الجسد،الذكاء مع المقدرة، العقل مع الشجاعة، التواضع مع عزة النفس والشعور بالكرامة. استفاض سقراط في علوم عصره وخاصة الرياضيات والفلك والرصد الجوّي، وكان شغوفًا بدراسة الطبيعة. كان سقراط يحفّز الشباب على التفكير فأحبّه الشباب، بينا كرهه الشيوخ لأنّ فكره كان يحرج جمود أفكارهم وعقائدهم. كان يخدم في الجيش وهو شاب صغير، كان يمشي فوق الثلج والجليد حافي القدمين، بينما كان يتذمّر الجنود الآخرون من التعب وهم ينتعلون أحذية مبطنة بصوف الغنم. كان متأهبًا دائمًا لخدمة الآخرين إذا سقطوا صرعى المرض، وتضميد جراحهم بل وإنقاذ حيواتهم ولو على حساب حياته. يحكي أفلاطون عنها أنّه أخذ يفكّر يومًا ما في أمرٍ ولم يجد حلاًّ. فبقى واقفًا في حالة من التأمُّل منذ الفجر حتى فجر اليوم التالي، وما إن ظهر النور حتى رفع يديه إلى السماء مبتهلاً، ثم سار في طريقه. كان يعيش حياة بسيطة دون تذمُّر. كان ذلك سببًا في مشاحنات كثيرة مع زوجته الشرسة (أكزانتيب) والتي كانت تصفه بالثرثار والكسول وتطرده هو وأصدقاءه خارجًا وتقلب المائدة التي يتباحثون حولها.. وحينما سُئل سقراط لماذا يقبل بالعيش مع المرأة الأكثر شراسة في العالم؟ أجاب: لكي يصبح المرء خيّالاً جيّدًا فإنه يختار الجياد الأكثر جموحًا، ولهذا فإنّي أنا الذي يرغب في التواصل مع الناس، قد اخترتها مقتنعًا بأنه إذا تحمّلتها سيكون من السهل علّي التعامل مع الجميع ومن أي نوعٍ كانوا. اتُّهم سقراط بأنه لا يعتقد بالآلهة التي تعبدها المدينة وتقدّسها كما إنّه يفسد عقول الشباب. كانت تلك ورقة اتهامه التي كانت معلّقة على حوائط المباني الرئيسيّة في الميدان العام في أثينا. أدين كمذنب بأغلبية 280 صوتًا مقابل 221. قَبِلَ الموت بكأس السمّ بعد حوار رائع مع القضاة، ومات شهيد الفلسفة والحقّ والمبدأ إذ لم يقبل التراجع عن مبادئه مقابل الحياة. مات سقراط وحفر موته إلى الأبد في ذاكرة الأجيال ذكرى شخصيّته المدهشة..
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
من كلمات سقراط:-

  • كان شعار سقراط: أعرف أنني لا أعرف شيئًا.
  • أرجوا أن تكونوا أقل كبرياء وأكثر تواضعًا.
  • تعلموا أن تعرفوا أنكم لا تعرفون إلاّ القليل.
  • إنني أخشى العار ولكنني لا أهاب الموت.
  • أنا أطيع الله بوصفي فيلسوفًا، تمامًا كما كنت أطيع قائدي بوصفي جنديًّا.
  • من العار أن نكدّس الثروة بدلاً من أن نكتسب الحكمة.
  • أن أفضّل أن أموت وقد قلت ما يبدو لي أنه حقٌ، على أن أعيش لأقول مضطرًّا ما ترون أنتم أنه حقٌ.
  • لقد دنت ساعة الرحيل، وليذهب كلٌّ منّا في طريقه؛ أنا للموت وأنتم للحياة. ولكن أي الطريقين أفضل، هذا ما لا يعلمه إلاّ الله.
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:26 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

التبعيّة للمسيح: الماهيّة والغاية

نتبعك بكلّ قلوبنا
ونخافك
ونطلب وجهك
يا الله لا تخزنا
عن مديح الثلاث فتية (تسبحة نصف الليل)
مدخل

هناك فكر سائد الآن في الكثير من بلدان أوروبا وأمريكا وهو فكر new age وهو بمثابة خليط من الأديان المختلفة تدعو لتبعيّة الأخلاقيات عوضًا عن تبعيّة المسيح.. والدعوة إليه تستند على إمكانيّة شخصيّة للوصول إلى نماذج أخلاقيّة كالتي لأتباع المسيح بدون المسيح؟؟
ولقد قالت إحدى المذيعات الشهيرات التي تتبنّى ذلك الاتجاه في العالم وهي oprah winfrey “أنا مسيحيّة ولكني أؤمن أن هناك طرق أخرى إلى الله غير المسيحيّة!!” كانت فكرتها مبنيّة على معيار الأخلاق..
ولكن..
هل تبعيّة المسيح هي تبعيّة أخلاقيّة فقط؟ هل هي محاولة لخلق مجتمع إنساني أفضل؟
قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.
لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي
(يو 14: 6)
إنّ “الأخلاقيات الاجتماعية” في المسيحيّة هي بمثابة الخط الأوّل أو ما يمكن أن نسميه zero level نبدأ من عنده لنمتد إلى “الأخلاقيات المسيحيّة” والقائمة على المحبّة الباذلة والمضحيّة بكلّ شيء من أجل الآخر حتّى وإن كان من الأعداء..
التبعيّة للمخلِّص والتي تظهر في سلوكنا المسيحي، تلقي علينا بمسؤوليّة تجاه العالم.. أن نحبّه دونما شروط.. فالامتياز المسيحي الذي منحه لنا المسيح حينما نتبعه هو أن نكون قادرين على بذل ذواتنا من أجل الآخرين.. وقد يصل الأمر للموت من أجل الآخرين.. تلك هي أخلاقيات أتباع المسيح..
ولكن قبل شرح التبعيّة سنتعرّف على الثلاث دعوات الرقيقة التي يرسلها الله لثلاثة أنماط من البشر، إذ نقرأ كلمات القديس أنطونيوس:
النوع الأوّل هم أولئك الذين دُعوا بناموس المحبّة التي غّرست فيهم من الصلاح الأصلي عند خلقتهم الأولى، وعندما جاءت إليهم كلمة الله، لم يشكّوا مطلقًا، بل قبلوها وتبعوها بكلّ استعداد ونشاط.. هذا أوّل نوع من الدعوة
الدعوة الثانية هي هذه: يوجد أناس يسمعون الكلمة المكتوبة وما تشهد به عن الآلام والعذابات المعدّة للأشرار، والمواعيد المُعدّة لمن يسلكون بلياقة في مخافة الله، وبشهادة الشريعة المكتوبة تتيقّظ نفوسهم وتطلب الدخول إلى الدعوة..
الدعوة الثالثة هي هذه: توجد نفوس كانت سابقًا قاسية القلب مستمرة في أعمال الخطيّة ولكن الله الصالح في رحمته رأى أن يرسل عليهم تأديبات الآلام والضيقات حتّى يتعبوا، فيستفيقون وينتبهون ويتغيّرون ويتقرّبون من الله ويدخلون في معرفته ويتوبون من كلّ قلوبهم..
الدعوة الأولى لمن هم بالفطرة أنقياء، أولئك الذين لم تلوّثهم تعقيدات الحياة، فهم يتبعون المسيح عند أوّل كلمة يتلقونها ويسيرون خلفه..
بينما الدعوة الثانية هي للعقلاء الذي يقيّمون الأمور ويحسبون حساب النفقة، ويزنون ثقل وامتداد أمجاد الحياة الأبديّة بخفّة وقصر الزمان الحاضر، فيقتنعون بأن الربح لصالح الحياة مع المسيح وخلفه، فيسيرون وراءه..
أمّا الدعوة الثالثة هي دعوة لقساة القلوب والمعاندين الذين يجتذبهم الله من خلال تجارب وضيقات وعصا تأديب ممدودة على الدوام، وحينما يدركون ملاحقة الله لهم يأتون ليجرّبوا الحياة مع الله، وقتها يكتشفون عمق وغنى الحياة مع المخلِّص، فيسرون خلفه..
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
قناعة أم مشاعر

لقد ظهر في الآونة الأخيرة نوع جديد من الدعوة لتبعيّة المسيح -تبنتها بعض الكنائس الأخرى- مستندة على المشاعر التي تغلِّف الخطاب الكتابي المسيحي، ولعلّ هذا الخطاب المستحدث يدخلنا في دائرة الخلط بين التبعيّة كقرار مدفوع بالنعمة وبين التبعيّة كحالة من البهجة والفرح على طوال الطريق، وكأنّ الطريق لا يعبر في بعض منحنياته بوادي الألم والدموع..
إن الخطاب القائم على المشاعر يعلم بأن الإنسان المعاصر في جوع لمن يداعب مشاعره لينسيه قسوة الحياة وتحدياتها المتلاحقة؛ فحركة المشاعر أشبه بقطرة المياه التي يشتهيها السائر في طريق قفر. ولكن مياه المشاعر لا تروي ظمأ الإنسان المعاصر طويلاً إذ أنّ المشاعر لا تكوِّن موقف إنساني واضح المعالم يشير إلى غاية الحياة. لذا إن كانت التبعيّة للمسيح مدفوعة بالمشاعر وحدها لن تصمد طويلاً على الطريق وسترتد سريعًا وكأنّها بناء على الرمال، فطبيعة المشاعر أن تكون متقلّبة ومتغيّرة.
في المقابل علينا أن نكوِّن قناعة يوميّة بضرورة تبعيّة المسيح.. أن نجدد تعرُّفنا على الله يومًا بعد يوم لا ليداعب مشاعرنا ولكن ليكون لنا نصيب مع ذلك الكائن الذي يأسر النفس بمحبته؛ فجذب الحبّ الإلهي لنا يتجلّى في انفتاح بصائرنا على مدى محبّة الله لنا وقتها سنسير خلفه لا لأننا نتمرّغ في مشاعر المحبّة بل لأنّه جدير بالمحبّة وبالسير خلفة لأنّه الوحيد الذي يقدِّم حبًّا مجّانيًّا. وإن اختفت المشاعر لبعض الوقت على الطريق لكي ما يختبر الله موقفنا من جهته، سنسير خلفه لأنه هو الطريق والحقّ والحياة.
لذا علينا أن نبني موقفنا من المسيح وملكوت الله على صخر صلد لا يؤثِّر عليه رياح التجارب وعصف الشدائد وأمطار الشكوك وقسوة الوحدة على الطريق.. وحينما تكون قناعتنا بتبعيّة المسيح “قناعة ذهنيّة سرائريّة” حينها سنجد عونًا هائلاً من النعمة يثبِّت قرارنا بالسير على وقع خطوات المخلِّص طوال الطريق.
وقد يتساءل البعض عن خطورة الاعتماد على المشاعر كبوصلة لمعرفة الطريق؟ هنا علينا أن ننتبه أن المشاعر هي هبة إلهيّة على الطريق نتلقاها في تسبيح وشكر وسجود ولكنها ليست وحدها مقياس صحّة الطريق. فقد تختفي المشاعر وتظهر غيوم الحيرة في سماء عالمنا حينها لن يتبقّى لنا سوى التزامنا الذهني المتّكئ على الإيمان الفاعل، بقرار تبعيّة المسيح..
من جهة أخرى، نجد أن المشاعر يمكن أن تُحرَّف، فالكثيرون يخلطون بين الفرح والسعادة.. بين السلام والخنوع.. بين الجرأة والتهوُّر.. الخ. فنحن على الدوام في حالة من التعرُّف على الذات وبالتالي إعادة صياغة تعريفنا لمشاعرنا الذاتيّة وهو أمر مرتبط بنضوجنا. ويبقى السؤال إن تبعنا مشاعرنا وحدها؛ هل يجب أن نتخبّط بين الطرق حتّى نصل إلى النضج؟؟ هنا تظهر قيمة وعينا العقلي وقناعتنا الذهنيّة بالطريق كموقف لا يتغيَّر لأنّه قائم على حسبة منطقية بالروح للعلاقة بين الله والعالم، ودور الروح أن يُذكِّرنا بقرارنا الذي اتخذناه أثناء مسيرتنا، فضلاً عن معونتنا طوال الطريق.
إذن، التبعيّة القائمة على المشاعر وحدها تلقينا في بريّة التيه.
بينما التبعيّة القائمة على موقفنا من الله، الذي يتكوّن يومًا بعد يوم، على الطريق، يصعد بنا إلى جبال الرّب لنعاين من هناك أرض الميعاد.
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
على الطريق

إنّ ما يعنينا اليوم هو المفهوم الباطني لتبعيّة الربّ.. إنه ارتحال من مدينة الإنسان القديم إلى مدينة الإنسان الجديد.. ارتحال في قفرٍ مهيب.. وديان وجبال ودروب محفوفة بالمخاطر..
دعوة المسيح لنا بتبعيّته هي دعوة لأن نكون مغامرين على دروب الربّ.. متّكلين ومستندين على عكاز إيماننا الذي نستند عليه عند الإعياء..
في النهار ستجد الطريق قفر والحرارة شديدة، فالبريّة «مكان حَيَّاتٍ مُحْرِقَةٍ وَعَقَارِبَ وَعَطَشٍ حَيْثُ ليْسَ مَاءٌ» (تث 8: 15).. ستجد أنك تتحرّك بصعوبة شديدة، فلفحات شمس الظهيرة قاسية.. ستفكر في العودة إلى مدينة الإنسان القديم وقد تأخذ بعض الخطوات للخلف ولكنك ستجد مظلّة على جاني الطريق يقطنها شيخ وقور يدعوك للحديث.. وحينما تدخل ستجد وجه حاني يقابلك ويدعوك لأن تشكو آلامك وأتعابك وأفكارك.. وحينما تتحدّث تشعر بارتياح سرائري عجيب.. وحينما تنتهي سيشير عليك بخيمة الحياة.. خيمة مكتوب علي قوائمها “من يأكلني يحيا بي”.. ستدخل لتجد كأسًا وخبزًا في انتظارك ودعوة رقيقة للحياة.. بعد أن ترتشف قطرة من الكأس وتأكل كسرة من الخبز ستجد الحياة تدب في أوصالك من جديد عوضًا عن الإعياء الذي طالك طوال الأيام السابقة.. ستخرج من الخيمة تسير على الطريق بقوة الحياة التي أخذتها.. فالكأس والخبز هما جسد ودم المخلِّص اللذين للحياة..
أثناء سيرك ستجد تفرعات في الطريق ستحتار وحينما تسأل من حولك ستتيه بالأكثر وقتها ستجد علامات إرشاديّة على الطريق هي كلمة الله للسائرين والحائرين، إن وثقت بها سترشدك إلى الطريق الذي تسلكه..
وحينما يلقي الليل بظلاله السوداء الحالكة وتجد أن الطريق أصبح بلون السماء الأسود، ستجد ضوءًا رقيقًا يقودك، لن يراه غيرك، فمن عال شعبه في البريّة قديمًا مازال يرشد بالروح أولئك السائرين على الطريق..
أَنْتَ بِرَحْمَتِكَ الْكَثِيرَةِ لَمْ تَتْرُكْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ
وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُمْ عَمُودُ السَّحَابِ نَهَاراً لِهِدَايَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ
وَلاَ عَمُودُ النَّارِ لَيْلاً لِيُضِيءَ لَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسِيرُونَ فِيهَا
(نح 9: 19)
أثناء مسيرتك، ستجد الجموع العائدة إلى مدينة الإنسان العتيق تسخر منك وتنعتك بالجنون إنه قانون العالم تجاه السائرين على الطريق..
« قَابَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ وَقَالَ بَعْضٌ: «تُرَى مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمِهْذَارُ أَنْ يَقُولَ؟» وَبَعْضٌ: «إِنَّهُ يَظْهَرُ مُنَادِياً بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ» لأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُمْ بِيَسُوعَ وَالْقِيَامَةِ»
(اع 17: 18)
منهم من سيشير عليك بنظرة إلى الوراء نحو مدينة الإنسان القديم البرّاقة لكي ما يستميلك.. وآخر سيرتدي عباءة الناصح الحكيم مؤكِّدًا أن الطريق بلا نهاية وأنه طريق الهلاك لا ينجو منه أحد..
احْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلاَنِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!
(مت 7: 15)
ستجد الجموع المتدافعة تحملك إل الخلف حينما تكون قدماك منهكتان من المسير.. ولكن في كلّ هذا لن تفارق الطريق؛ اللاّفتات أو المظلّات أو خيمة الحياة..
ستجد أثناء الطريق رفقة لا تدرك من أين جاءتك، تسير معك.. ترشدك.. تشهد لك عن جمال مدينة الإنسان الجديد. وحينما تتساءل عن هويّة تلك الرفقة ستجد ملابسهم تتجلّى بضوء وهّاج.. وقتها ستدرك أن المدينة ترسل بمبعوثين لتشديد السائرين على الطريق.. سيزداد شوقك وحبّك لتلك المدينة ولسكّانها..
على الطريق ستجد من رأيتهم يتحرّكون بشوق شديد نحو مدينة الإنسان الجديد ولكنّك ستجدهم عائدين إلى الخلف.. ستحتار.. ستتألّم.. فهناك على الطريق دائمًا يوجد ديماس يحب ويحن للعالم الحاضر..
« لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي اذْ احَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ »
(2تي4: 10)
على الطريق ستجد رسائل تحمل اسمك وحينما تفتحها ستقرأ أن عليك مهمة عظمى وهي تحويل الراجعين إلى مدينة الإنسان القديم إلى طريق الحياة من جديد.. عليك مسؤوليّة عظمى وهي أن تشرح للقافلين إلى الخلف أنّ أمجاد المدينة الجديدة أبديّة بينما المدينة القديمة محوطة بالزمان الفاني إذ ستتلاشى يومًا ما على أنقاضه.. قانون المدينة الجديدة ألاّ يأتي أحد وحده بل عليه أن يدخل برفقة آخر.. فالبوابة لا تنفتح إلى فرد بل إلى جماعة.. وقد يكون جذبك للجماعة فقط من خلال صلاتك.. ولكن عليك أن تهتم بخلاص الجماعة كلّها وتسعى لعونهم..
على الطريق ستمر عليك أوقات ستشعر فيها بوحدة شديدة وكأنك وحدك السائر، ستنظر حولك لن تجد سوى العائدين إلى الخلف.. ستتوقّف وتتساءل هل الطريق حقيقة أم خدعة.. ستعيد طرح مرارتك أمام الله وكأنّك إيليا الجديد..
« وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمَغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا. وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ:
مَا لَكَ هَهُنَا يَا إِيلِيَّا؟
فَقَالَ: قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ الْجُنُودِ،
لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ،
فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي.
وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا. »
(1مل19: 9-10)
ولكنك ستجد لافتة على الطريق مكتوب عليها؛ “ تذكَّر أن هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحن لبعل”.. ستتمنى لو تتاح لك الفرصة لتتعرّف عليهم، ولكن لكلّ شيء تحت السماء وقت، تلك هي أول نصيحة تلقيتها وأنت مبتدئ في المسير.
على الطريق ستجد تساؤلات وحيرة تقبض على قلبك المنهك بالشك، ستطلب من المسيح حلولاً ولكنه سيعطيك المبادئ التي تسير عليها.. فقانون المسير هو أن يزوِّد خواصه بالمبادئ لا الحلول.. المادة الخام لا المنتج النهائي..
ستجد في الكثير من الأحيان جبال عالية تعترض طريقك عليك أن تعبرها.. وستسمع أصوات تقول لك: لم ينجو أحد من تسلُّق تلك المرتفعات.. وحينما تطرح لهم أسماء العابرين سيردون أنها خداعات الماضي وأساطيره والدليل أنه ليس من عابر الآن للجبال..
في ذات الوقت ستسمع صوتًا يقول لك:
هيّا علّق كلاليبك
ثبّت حبالك
شدّ عضلاتك
أوتر روحك
وابدأ، جديًّا، مغامرة حياتك:
ابدأ السير نحو الهدف
كن راسخًا،
ابق متعلّقًا،
رغم ريح الشمال،
رغم لامبالاة الجموع،
رغم أصوات الجموع التي ستدعوك للنزول،
رغم الإعياء الذي سينتابك في منتصف الطريق
رغم الغيوم التي ستحجب عنك، طوال أيام، القمّة
رغم المخاوف التي ستلاحقك حينما تزل قدماك
كن ثابت القدم
على دروب القمم..
وقتها سترفع ناظريك إلى العلاء وتقول مع المزمور:
أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي
(مز 121: 1)
كلمات التشجيع ستدفعك لخوض المغامرة من جديد، وحينما تتحرّك ستجد أنّ مخاوفك تتبدَّد مع تبدُّد الغيوم.. ستجد القمّة أكثر وضوحًا.. ستجد الجبل ينحني لإرادتك وتصميمك.. ستجد رفقاء لم ترهم من قبل، يشاركونك تسلُّق الجبل.. ستجد أن أصوات المشكِّكين تتلاشي مع كلّ حركة إلى أعلى.. وكأنك تولد من جديد كل يوم.. من فوق.. وكأنّ هناك حبال ترفعك إلى القمة.. لا تراها ولكن تستشعرها..
وقتها ستدرك أن أول خطوات التبعيّة هو التصديق وبدء المسير..
لقد كانت تُحكى لنا قصة رمزيّة قديمة عن الآثار التي نراها على الطريق بجانبنا وفجأة نراها وقد انمحت من على الطريق.. لا تبقى سوى آثار قدمين فقط.. ونعلم من الله أنها للنعمة التي تحملنا وقت تجاربنا وآلامنا ومعاناتنا.. هذا ما يحدث ونراه كلّ يوم على طريق ارتحالنا نحو المدينة الجديدة.. أورشليم العليا..
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:28 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

الكنيسة بلدة السلام

إن الكنيسة هي موطن السلام الذي يُصدِّر السلام للعالم أجمع، فهي المكان الذي يتصالح فيه الإنسان مع ذاته حينما يُقدِّم توبته واعترافه، كما أنها المكان الذي يتصالح فيه الإنسان مع الآخرين حينما يُقدِّم صلاته من أجل العالم أجمع وحينما يصير واحدًا مع الكنيسة بالشركة في المائدة الإفخارستيّة، كذلك هي المكان الذي يتصالح فيه الإنسان مع الله حينما يشترك في الذبيحة غير الدمويّة المُقدّمة على المذبح. من هنا فإن الراية التي ترفعها الكنيسة على الدوام هي راية المصالحة والسلام لمن تتقاذفهم لجج الخصومات وأعاصير الانشقاق الهادرة.
لذا يجب أن يكون اشتراكنا في الليتورجيّات الكنسيّة مقرونًا بثمار تلك الشركة التعبديّة؛ فمن تدعوه الكنيسة ليتصالح مع ذاته ومع الآخرين ومع الله عليه أن يُظهِر في تعاملاته وسلوكياته اليوميّة ثمر تلك الشركة وإلاّ كانت اللّيتورجيّة دائرة لا تلمس حياتنا الباطنيّة ولا تغيِّر من اتجاهاتنا الأخلاقيّة!! وكأنّ للإنسان عالمين غير متلاقيين؛ أولهما تعبدي والآخر أخلاقي، وهو المفهوم البعيد كل البُعد عن تكوين الإنسان المسيحي.
لقد كتب القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية قائلاً: «فَلْنَعْكُفْ إِذًا عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ، وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ» (رو14: 19). إنها دعوة رسوليّة لأن نضع نصب أعيننا البناء المسيحي الذي يتطلّب تكريس كلّ جهودنا للعمل على إظهاره ككيان مشرق وجاذب لمن ألقت بهم الخطيئة على ضفاف بركة بيت حسدا طالبين عونًا من عالمٍ لا يقدر أن يهب الشفاء. وتلك الدعوة هي -في جوهرها- أن نثمر ثمر المسيحيّة الحياتي؛ فما من مسيحي كاره للسلام وما من مسيحي هادم للبنيان.. إن الدعوة الرسوليّة تريدنا أن نظهر مسيحيّتنا بأنغام السلام وسواعد البناء.
إنّ علينا مسؤوليّة تجاه العالم يجب ألاّ نغفلها؛ فسلوكنا هو الإنجيل التطبيقي الذي يقرأه العالم قبل أن يتعرَّف على إنجيلنا الكتابي. وحينما نخفق في أن نكون أدوات تغزل أقمشة السلام لستر عري إنسان العالم، يتحوّل العالم ويعبر عنّا وعن مسيحنا ونكون بذلك حجر عثرة يقف في وجه مَنْ يتحسّسون بدايات طريق الحياة.
«طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (مت5: 9)، قالها المسيح قديمًا ولكن صداها يتردَّد حتى الآن، كإعلان أن البنوّة لله مرهونة بالعمل على نشر أريج سلام الله أينما حللنا.
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:29 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

أيها المُصلِّي
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

أيها المصلي،
المطنطن فوق أزهار الروح،
توقف عن الطيران
وانصت إلى موجات السكون السابحة من بين جدران زهرة الروح الربيعية..
فها هي تناجيك شارعة أوراقها
هيا ارتشف من رحيقها،
فبهجتها ملؤك
ونشوتها، أن تراك مترنّحًا من فيض الحبّ..
هيا اعدد أوعيتك لتغترف من رحيقها زادًا
حينما ترتحل في قفرٍ بلا أزهار..
وتشتد عليك حرارة الشمس الصيفية
وتجوع وتعطش وتخور..
وقتها ستدرك قيمة رحيقها الذي كان يناديك
وأنت على قارعة الطريق
وقتها ستدرك،
أنّ رحيق أزهار الربيع كان هو غذائك في قفر الصيف
وقتها ستترجّى لحظةً تهنأ بها بين ذراعي أزهار الروح الربيعية..
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:29 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

كلمات على الطريق
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

1

نتصافح ونتعانق ونتحاور
بينما تبقى قلوبنا أسيرة خلف أسوار قناعاتنا.
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
2

أعجب لجهلٍ ينادي بثوابت العلم،
ولإيمانٍ يصدح بغير تواضع الفضيلة،
ولمسيحيّة تخاطب بغير لُّغة الحبّ،
وبإنسانٍ يقاتل تحت إمرة الحرف!!
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
3

ليس المسيحي هو من يتحمّل الآلام
بل هو من يتحمّلها غافرًا
كسيّده
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
4

قد نتساءل لماذا يأتي الجرح ممّن أحببتهم
ويأتي الصوت الإلهي:
ليكن اتكالك عليّ وحدي
لا غيري
وقتها أعمل فيك وبك لإعلان ملكوتي الحقّ
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 06 - 2014, 12:30 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,258

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

الدين للإنسان
مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي

لابُدّ للروح الدينيّة الصحيحة من أن تعمل على إذابة الأفراد في حياة الجماعة،
وعندئذ يكون في وِسع الفرد أنْ يعلو على فرديّته الضيّقة القائمة على العُزلة والانفصال،
لكي يُشارِك في حياة جماعيّة كُليّة تَكْفَل له الشعور بغبطة الحياة.
هيجل
لقد اعتدنا ترديد مقولة “الدين لله والوطن للجميع”. إلاّ أنّ الدين في حقيقته للإنسان، إنّه وجهة نظر إنسانيّة تجاه الله، واحتياج إنساني وتطلُّع إنساني بالأساس. قد تبدو تلك العبارة للوهلة الأولى صادمة لآذانٍ قد أَلِفَت مأثورات الأقوال وردّدتها، وذلك لأنّنا تعودنا النظر للدين وكأنّه الله ذاته دون أن نضع حدودًا فاصلة بين الله في ذاته والله بمنظار الإنسانيّة النسبي والمُتغيِّر. فالدين هو مجموعة النصوص والشرائع والخبرات المتراكمة والتي من خلالها يحاول الإنسان الاقتراب برؤية الفكر وبصيرة القلب من الله. الدين له صفة الجمعيّة أي أنّه يتشكّل من خلال رؤية الجماعة في مكانٍ ما وزمانٍ ما لنصٍّ من خلال الممارسة، لذا تجد مذاهب وفرق وشيع في المجتمع الواحد، وتخرج من بوتقة النصّ الواحد!! بينما الله يبقى شخصًا للإنسان، لذا فإنّ العلاقة معه تفترض تواصل مباشر حرّ بين الله والإنسان. وبالرجوع للكلمة الفرنسية للدين religion والمشتقّة من جذور لاتينيّة، نجد أنّها مُكوّنة من مقطعيْن: (re) وتعني إعادة، و(lire) وتعني قراءة؛ أي أنّ الدين، من هذا المنظور، هو “إعادة قراءة”.
إنّ تلك القراءة الجديدة لمُعطيات الحياة الإنسانيّة في مسيرتها، في الزمان، وما بعد الزمان، بل وما قبل الوجود، تُشكِّل الاعتقاد، وذلك في ظلّ عاملٍ جديدٍ مُطْلَق وهو الله بصفته الأب / المُحبّ. تلك القراءة الجديدة للحياة إنْ تحوّلَت لعلاقة، فإنّها تفتح آفاقاً رحبة في التعامل مع الله بما يسمو فوق النصِّ، وإنْ انطلق منه، لأنّها تستمد فهمها الباطني من الله غير المحدود ذاته، من خلال الشركة، ممّا يضع خيارات لا نهائيّة في التعامل مع الله، ويُصْبِح الله هو البحرُ الذي تَسْبَح فيه المعارف الإنسانيّة وتَنْهَل منه دون أنْ تجد له نهاية، ودون أنْ تتصادم مع الله أو مع بعضها البعض.
وأمام تلك الخيارات المُتّسعة في التعرُّف على الله واختبار العَلاقة معه في إطار من المحبّة والخيريّة الإلهيّة، يقف البشر متجاورين ومتحاورين، يُثري كلٌّ منهم الآخر في رؤيته لعلاقته بالله، فتتّسع خبرة الإنسانيّة في تذوُّق الله وتقترب بالأكثر من الله الحقيقي وليس الله المُخْتَلَق من وعيٍّ منقوص ومنغلق على ظاهر نصٍّ وأحرف متراصة مُجرّدة من سياقاتها.
ولكن ما يحدث في الواقع غير ذلك؛ فبدلاً من أن يقف البشر متجاورين محُدِّقين ببصيرة قلوبهم الباحثة عن الحقّ في شخص الله غير المرئي للحاسّة الإنسانيّة، نجدهم يقفون متناحرين ومتنازعين ومتخالفين، كلٌّ يريد أن يفرض رؤيته على الآخر، وكلٌّ يريد أنْ يَحصُر الله في خبرته الذاتيّة، ويرفض، بعقلٍ مُتحجِّرٍ، وجود الله، لآخرٍ، خارج دائرة ذاته الإنسانيّة الموصدة، يرفض أنْ يكون الله للبشريّة كلّها، بل ويرفض حقيقة كونه يترك لها الخيار الحُرّ أن تكون له أم لا!! وهنا يبرز دور النصُّ الذي يستحضره البعضُ، لا لشيءٍ إلاّ ليصير مرجعيّة لتشكيل الضمير!! ليتلقّف منه هؤلاء المنغلقين على ذواتهم بعض المقاطع ليُدلِّلون بها على رؤاهم الذاتيّة ومن ثمّ يُجرِّموا خبرات الآخرين وحقوقهم في اكتشاف الله بشكلٍّ شخصي وهنا يتحوّل الدين، فيُصْبِح قراءة قديمة أصوليّة مُنْغلقة!! بدلاً من كونه قراءة مُتجدِّدة مُتّسعة ممتدة فوق الزمان والمكان لصالح الإنسان والحبّ والتعايش الأخوي. فتُشْهَر الأسلحة وتُرفع الرّايات باسم إلهٍ مُنْغَلِق لا يقبل التعدُّديّة والحريّة، فتنشأ الحروب ويموت الإنسان ضحيّة دينٍ وكتابٍ!! ويظهر وكأنّ الله مُحرِّضًا للموت!! فتقوى، في المقابل، شوكة الإلحاد وتزداد حُجَج اللاّدينيّين الذين يرفضون إلهًا تلطّخت يده بالدماء على شاكلة آلهة اليونان التي كانت تخوض الحروب قديمًا، بحسب الأسطورة، ويصبح الدين هو الوقود الذي يُحرِّك قاطرة الإلحاد لترتحل بالبشريّة بعيداً عن الله!! ويقف الله مُتألّماً على الفريقيْن؛ فالأوّل يُدافِع عن ذاتيّته متوهمًا فيها عونًا لله!! ويدافع عن هويّته الكتابيّة متوهّمًا فيها الديانة!!! والآخر، يرفض فكرة الألوهة إجمالاً انطلاقًا من رصده لعقائدٍ تُفرِّق البشريّة وتعود بها إلى جمود وظلمة عصورٍ غابرةٍ. وكلا الفريقان لم يتعرّف بعد على الله الحقّ!!
هنا يأتي دورنا كمسيحيين لتقديم المسيحيّة كعلاقة، بالأساس، قائمة على الحبّ المنفتح على الآخر، لتصرُخ في الأطراف المتحاربة، أنّ الله نبعٌ من الحبّ غير المحدود، يدعونا معًا للحياة، يحترم تعدُّديّتنا واختلافنا وتمايزنا، ولنا في مَثَل السامري، ومعجزة الكنعانيّة، وابن قائد المئة، دليلٌ على الحبّ الذي لا يُفرِّق، حبٌّ لا يرى سوى إنسانٍ دون النظر إلى هويّة أو ديانة أو مذهب أو عرق أو لون أو جنس أو ثقافة.. هذا هو الله الذي لو انضوينا تحت لوائه ملتئمين سنتذوّق بهجة المدينة الفاضلة. إنّها دعوة لإعادة النظر في رؤيتنا لله ورؤيتنا للدين على ضياء الغاية؛ تحرُّر الإنسان، ذاك المخلوق على صورة الله ومثاله.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
نحتفي بك،، أبونا الراهب سارافيم البرموسي
- قام لنقوم.. مقالات أبونا الراهب سارافيم البرموسي
العبث بالعقول ( أبونا الراهب سارافيم البرموسي )
اللاّوعي والإدانة (أبونا الراهب سارافيم البرموسي)
ميلاديات أبونا الراهب سارافيم البرموسي


الساعة الآن 03:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024