أحبائي، نريد أن نتحدث اليوم عن موضوع يهم ويلمس حياة كل شخص فينا. فالرب القدير الذي يحبك يريد أن يحلك من الأحمال والقيود التي في حياتك، يريدك أن تمضي فرحاً منتصراً على كل الضغوط والأثقال التي تتعرض لها، ويريد أن يزيل عنك كل آثار قديمة في نفسيتك مازلت تحملها على كتفيك وفي أعماقك ولم تستطع الأيام أو السنين أن تجعلها تفقد تاثيرها عليك. ولكن قبل أن ندخل إلى تفاصيل هذه الأمور، أريد أن نـتأمل معاً أولاً في أية مفتاحية تعتبر هي الطريق والإعداد للتمتع بهذه الحرية.
يقول الرسول بولس في رسالته الثمينة لكنيسة رومية "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح، الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون" (رو5: 1،2). فيا لها من أية هامة جداً ومحورية في حياة كل شخص، إذ أن الكثير - بل وكل البركات الروحية - مرتبطة بهذه الأية وبإيمانك وفهمك لهذا الحق.
عزيزي القارئ، أفرح وأشكر الرب لأن يسوع وهو البار الوحيد والذي لم يعرف خطية البتة صار في الصليب بديلاً لي ولك لك يتمم الفداء ويعطينا راحة، شفاء وسلام مع الله. "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21). وكلمة "بالإيمان" تعني أنك قد وضعت ثقتك في الرب يسوع الفادي والمخلص، وثقت في حبه وآمنت بموته على الصليب لأجلك أنت. وما أثمن وأعظم هذا الحب الإلهي إذ حسبك باراً.. فبالإيمان بالرب يسوع المخلص، يراك الله باراً وبلا لوم. وما معنى أن تكون باراً أمام الله؟؟ معناه أن الله لم يعد يراك خاطئاً ومذنباً أمامه، بل بديلاً عن خطاياك صار يحسب لك بر المسيح. وهذا يعني أنك بلا لوم قدامه ولا تشعر بالذنب بسبب أخطائك بل تتمتع بالسلام مع الله.
صديقي، هل ما زلت لا تشعر أن لك سلام مع الله؟ هل تشعر أن الله غير راضٍ عنك وعن عبادتك حتى وإن كنت تظن أنك تقدمها كاملة وفي كل صورها من صلاة، صوم، تسبيح وحضور الاجتماعات الكنسية؟ هل دائماً تشعر أنه هناك حاجزاً وشعوراً بالرفض من الله لك؟ صلِ معي وأنت تقرأ هذه الكلمات كي يستنير ذهنك وفهمك الروحي. فأنت لا تحتاج أن تفعل شيئاً أبداً لإرضاء الله، فهذه تعاليم مضلة، ولكن إذا كنت تقف أمام الله من خلال ابنه يسوع المسيح، فقط على حساب دم يسوع المسيح المسفوك على الصليب والنعمة الغنية المجانية، فأنت مرضي أمام الله، ولا شيء يقف بينك وبينه. لا مشاعر غضب، لوم أو رفض من الله لك بل يكون لك سلام مع الله.. لا عداوة. "كونوا أنتم أيضاً مبنيين.... لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط2: 5).
افرح لأن الرب راضٍ عنك حتى ولو كانت هناك عيوب في حياتك، خطايا، نقاط ضعف مادمت بالفعل تعترف له بخطاياك تائباً عنها وتؤمن أن دم يسوع سيطهرك من كل خطية. وافرح أكثر جداً لأن عبادتك وصلاتك ليست فقط مقبولة عند الآب في ابنه يسوع وبره الذي يغطيك، بل هي رائحة سرور يشتمها الرب ويفرح بها.
انظر أيضاً ماذا يقول الرسول بولس بعد ذلك "به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة".
أحبائي، لنتعلم كيف نبني علاقتنا مع الرب تحت النعمة. وماذا تعني تلك الكلمة؟.. النعمة ببساطة تعني أن كل شيء مجاناً وبلا مقابل.. الخلاص والحياة الأبدية، الشفاء والحرية، الفرح والبركات كلها مجاناً لك بالنعمة. فهل تشعر وأنت تقرأ هذا الحق أنك لا تستحق وليس فيك شيئاً صالحاً بل هناك نقائص كثيرة في حياتك؟ تلك المشاعر والهمسات التي يملأ إبليس بها ذهنك هي أكاذيبه وخداعاته.. فارفضها ولا تستسلم لها. "فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر" (أف6: 14). احمِ قلبك من شكايات إبليس واتهاماته لك باللوم، الذنب والتقصير فأنت محبوب ومرضي أمام الرب. لا لأنك في ذاتك رائع وتستحق، ولكن لأن الرب حسبك باراً.
تلذذ وأفرح بالرب فهو دفع ثمن فرحك، حمل أحزانك. وإن كنت تعاني من قيود، ثق أنها سريعاً ستنكسر بسبب الدم الثمين. " الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح" (أف1: 3). خذ كل شيئٍ مجاناً ولا تشك في عطاء إلهك الغني؛ فلك الحرية، الشفاء، الانطلاق والقوة.
أحبائي، إن الرب يريد أن نحيا في ملء خطته والصورة الكاملة الناضجة التي رسمها لكل شخص. فهو يريد أن يطلق حياتك من الانحناء والضعف. لذا فكلمة الله تكشف لنا عن الأمور التي تسبب الانحناء والتي سنتحدث عنها في هذا المقال كي نتحرر ونطلق منها بقوة:
1- الشعور بالخزي والضعف:
"وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة فلما رأها يسوع دعاها وقال لها يا امرأة إنك محلولة من ضعفك" (لو13: 11، 12).
امرأة معاقة، منحنية تشعر بالضعف منذ زمن طويل أعاقها أن ترفع رأسها وتنتصب. فهل تستطيع أن تتخيل تلك المشاعر والألام النفسية التي كانت تمر بها؟ وماذا فعل معها الرب يسوع؟ لقد وضع يديه المحررة عليها وأعلن لها أنها صارت حرة وتستطيع أن تنتصب وترفع رأسها. لقد أعاد لها الرب حريتها وشفاءها الجسدي والنفسي أيضاً. قال لها أنت محلولة من ضعفك.
وماذا عنك أنت؟ ماذا يحنيك ويسبب كسرة قلبك؟ هل نفسيتك حزينة ومنحنية؟ الرب يريد أن يحلك أنت أيضاً. ثق الآن أن الرب يفك نفسك وأعلن إيمانك أن كل ربط تقيدك تُفك، وأن يد الرب الشديدة توضع على كل قيد حتى وإن كانت سلسلة من القيود فتنكسر. الرب يريد أن يحررك من الإحساس بالمهانة وصغر النفس.. لا تنحني ولا تشعر أنك أقل مهما كانت الأسباب التي تدفعك لهذا الشعور سواء كانت الأسرة، الحالة الاجتماعية والماديات، مستوى تعليمك، أو بنيان جسدك الخارجي ومستوى جمالك الظاهري. ارفض هذا الشعور الذي يكسر قلبك وثق أنك غالٍ وثمين جداً في عيني الرب وأنه سيستخدمك في ملكوته بل منك أنت يبني الخرب أيضاً.
صلِ من أجل شفاءك الداخلي.. شفاء نفسك من كل مرارة وذكريات مؤلمة حتى لو كانت من سنين طويلة.. شفاء من كل كلمات الإهانة والعجز التي قد تكون سمعتها في طفولتك وثق أنك ستنتصب بقوة الرب وتُحل من ضعفك فهو يستطيع أن يشفيك ويداوي كل جروحك.
2- إنحناء بسبب المخاوف:
"استيقظي استيقظي ألبسي قوة يا ذراع الرب استيقظي كما في أيام القدم.. ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم وعلى رؤوسهم فرح أبدي ابتهاج وفرح يدركانهم يهرب الحزن والتنهد.. أنا أنا هو معزيكم من أنت حتى تخافي من إنسان يموت.. وتنسي الرب صانعك باسط السماوات ومؤسس الأرض وتفزع دائماً كل يوم من غضب المضايق عندما هيأ للإهلاك.. سريعاً يطلق المنحني" (إش51: 9-14).
نعم، الرب حي، هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. مثلما كانت قوته للإطلاق والشفاء عبر كل الأزمان.. مع موسى وكل رجال الله والمرأة المنحنية، تكون قوته لك أنت أيضاً لإطلاقك.
لا تخاف أبداً. فحتى إذا كانت في حياتك أمور تأتي لك بالمخاوف والانزعاجات، مثل أشخاص تخاف منهم سواء في العائلة.. ابن يخاف دائماً من والديه بسبب سوء معاملتهم له ولا يشعر بحبهما له، زوجة تخاف من زوجها بسبب عنفه وتسلطه المستمر، الخوف من رؤساء العمل أو حتى قادة الكنيسة. ولكن هل تنسى الرب صانعك كلي القدرة والسلطان ولا ترى سوى مصادر الخوف؟
هل مَنْ يهدد حياتك وأمان عائلتك؟ "فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان لأنه هكذا أوصى به الملك وأما مردخاي فلم يجث ولم يسجد" (أس3: 2). هل في حياتك هامان مثلما كان مع مردخاي؟ هامان يمثل شخصية في وجودها تتلاشى شخصيتك أنت، وتشعر بضعفك وعجزك أمامها. المحبة تشجع وتبني، فهل لك قائد أو مرشد روحي لا يشجعك بل يلغي حريتك.. ولا تستطيع أن تقاوم قراراته بل لا تملك حتى حق مناقشته؟ فالمحبة والخضوع لا يمحوان شخصيتك. مردخاي يعلم أن الرب قال له لا تنحني، وأنت أيضاً عزيزى القارئ لا تنحني أمام الظروف، الرب يريدك شخصاً ناضجاً، مستريحاً وغير منزعج.. إبتهاج وفرح يكللان رأسك عوضاً عن الرأس المنحنية أمام الخوف.
3- إنحناء بسبب نير عبودية:
"استيقظي استيقظي البسي عزك يا صهيون البسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة لأنه لا يعود يدخلك فيما بعد أغلف ولا نجس. انتفضي من التراب. قومي اجلسي يا أورشليم انحلي من ربط عنقك أيتها المسبية" (إش52: 1، 2).
أحبائي، هذه هي دعوة الرب يسوع لكل مؤمن حقيقي، البس عزك وثياب جمالك. كفاك ضعفاً وهواناً، الرب يريد مؤمنين أشداء، أقوياء. انحل بقوة الرب من كل ربط عنقك وكل نير عبودية، اخضع للرب ليكشف لك عن الأمر الذي يسبب لك الكسرة والانحناء؟ هل أنت متحير من أمور تخص عملك، مستقبلك، ارتباطك أو عائلتك. لا تستسلم لمشاعر الحيرة لأنها تسبب كسرة القلب. تذكر المريمات عند القبر "وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الأموات ليس هو ههنا لكنه قام.. (لو24: 4-6).
فهذه حقيقة. مشاعر الحيرة والقلق عادة ما يصاحبها خوف عميق يسبب تنكيس الرأس، الحزن والكسرة. ولكن هناك حقيقة أخرى أعظم بكثير وهي أن يسوع قام.. قام منتصراً على مخاوفك وأحزانك، قام غالباً كل أمراضك النفسية والجسدية، قام ساحقاً كل أعدائك، قام شافياً جراحك، قام ليحررك من كل قيودك.
كُن حراً في الرب، عش شخصيتك، أحلامك وأفكارك، عبر عن نفسك ورؤيتك بلا قيود. لا تستسلم للانحناء والأحمال فقديماً تكلم يعقوب بالنبوة عن حياة ابنائه، وقال عن يساكر "يساكر حمار جسيم رابض بين الحظائر فرأى المحل أنه حسن والأرض أنها نزهة فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبداً" (تك49: 14، 15). يساكر ابن الملك ولكنه حمار جسيم، أنحصر دوره فقط في الاستسلام للأحمال التي توضع عليه، مستسلماً بين الحظائر للأحمال والظروف، مكتفياً بالأوضاع المهينة.
وأنت صديقي هل تدرك مكانتك في المسيح؟ أنت ملك وابن ملك الملوك ورب الأرباب فلا تستسلم مثل يساكر للأحمال بل ليكن لك الإيمان والجرأة أن ترفض تلك الأحمال وأنطلق كابن الملك في ملء الحرية لتحيا في مشيئة الآب متمماً دعوتك وخدمتك.
وإن كنت تشعر في ذاتك بالضعف والمذلة مثل جدعون الذي قال الرب له "الرب معك يا جبار البأس... اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان أما أرسلتك.. فقال له اسألك يا سيدي بماذا أخلص إسرائيل ها عشيرتي هي الذلى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي" (قض 6: 12- 15). فهيا تحدث مع الرب بكل ما يدور في قلبك وأعماقك تماماً مثلما فعل جدعون رجل الله الذي دعاه الرب جبار البأس ليخلص شعبه ولكن جدعون كانت مشاعره منحنية، مكسور في أعماقه بسبب صغر النفس وكل الظروف التي نشأ فيها وتحيط به من كل جهة. وعندما كشف كل تلك المخاوف والجراح أمام الرب، احتوى الرب في حبه كل تلك المشاعر وغمره بنعمته وألبسه قوته "ولبس روح الرب جدعون.." (قض6: 34).
صديقي، إن الرب يستطيع أن يشفي ذكرياتك مهما كانت مريرة ومؤلمة، فبجلدته شفينا. يستطيع أن يبدل كل مشاعر الانكسار والخزي بمشاعر القوة والفخر، لتقول مع داود النبي الرب عزي وترسي. لا تنحنى للأحمال بل دع الرب يحملها عنك "قد نزع الرب الاقضية عليك أزال عدوك" (صف3: 15) لتنطلق أنت في الفرح والحرية الكاملة لتعيش مع الرب من مجد لمجد كل أيام حياتك.. أمين.