رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في الدينونة الرهيبةوالعذاب الدائم للقديس أفرام السرياني أيها الإخوة الأحباء بالمسيح- إنّ سليمَانالحكيم قال: “باطلة هي الأباطيل كل شيء باطل” (جامعة 1: 2) والملك داود رنَّم: “إنما يسلك الإنسان في الظل باطلاً يعجون” (مز 38: 7) حقاً ان الذين يحبّون الأشياءالباطلة يعجون والذين يحرصون على المال وغيره سرعان ما يزولون ولا يقدرون أن يأخذوامعهم شيئاً من حطام الدنيا، ولذلك لا يرتاحون. سنترك كل شيء هنا ونذهب عراة كماخلقنا، سنذهب إلى الأبدية، إلى أمام الديّان الرهيب، سننتقل إلى الحياة الآتية،عُراة بكآبة قلب، وبانسحاق النفس، وبرعدة وخوف، وبالتنهّدات العميقة، نقف أمامالمحكمة المخيفة حيث لا محاباة، ولا استرحام ولا شفاعة ولا دفاع، حيث يتحتّم على كلمنا أن يؤدّي الحساب عن أعماله وأقواله وأفكاره. حقاً! أيها الإخوة سيكون خوف ورهبة لم يسبقمثيلهما منذ بدء العالم. القوات والسارافيم والشاروبيم وكل ما في السماوات وماتحتها يظهر. وكل من على الأرض ومن فيها يهتزّ ويرتجف. القبور تنفتح والأموات تنهض،والأحياء تنتصب. وإذا كان في الله دانيال قد ارتعد خوفاً لما رأى الدينونة الآتيةفماذا يحدث لنا نحن، عندما نقف جميعاً للدينونة الرهيبة من شروق الشمس إلى غروبهامثقلين بخطايانا؟ أين الأصدقاء والأقرباء حينئذٍ؟ أين الذخائر الغالية الثمن؟ أينأولئك الذين ازدروا الفقراء وطردوا الأيتام والبؤساء ونسبوا كل حسنة لنفوسهم مدّعينأنهم المتّقون المفضّلون؟ أين أولئك الذين لم يكن خوف الله في قلوبهم ولم يؤمنوابالعذاب الآتي ووعدوا أنفسهم بالخلود على الأرض؟ أين أولئك القائلون: “لنأكل ونشربفإناً غداً نموت” (أشعيا 22: 13) لنلتذّ بخيرات هذه الحياة ونشاهد ماذا يكون بعد؟إن الله رحيم فهل يسامح الخطأة؟ إن الذين يُدانون يُطردون من المحكمة العادلةويُساقون إلى محل العذاب حيث البكاء وصرير الأسنان فيلتفتون إلى الوراء ليرواالصديقين المفصولين عنهم فيبصرون نوراً سماوياً لا يوصف وجمال الفردوس والهباتالعظيمة التي نالوها من ملك المجد مقابل جهادهم في أعمال البر. ثم يبتعد الخطأة،رويداً رويداً، عن الجميع، عن الأبرار، عن الأقارب، عن الأصحاب والمعارف، حتىيتواروا عن الله تعالى فاقدين كل إمكان وأمل بأن يروا السعادة والنور الحقيقي غيرالمسائي. حينئذٍ يرون أنهم تركوا نهائياً، وأن كل أمللهم قد هلك، فلا أحد يقدر أن ينفعهم، أو يشفع بهم فيبكون بمرارة ويقولون: آه! كم منالزمن أضعناه بالتهامل! وكم خدعنا قلبنا الأعمى! إن الله كلَّمنا بالكتاب المقدّسفلم نسمع له. لذلك نصرخ الآن وهو يحوِّل وجهه عنا. فنحن الذين قُدنا نفوسنا إلى هذهالتعاسة لأننا عرفنا هذا ولم نسمع، وأُنذِرنا ولم نرتدع، ووُعِظنا ولم نهتدِ،وأُسمِعنا كلام الله ولم نصدّق. فما أعدل حكم السيّد. إننا نُدان الآن بحق وعدل. اننا نُكافأ حسب أعمالنا. اننا نقاسي العذاب عن الملذّات الوقتية، ونُدان عنالإهمال بالنار التي لا تُطفأ، حُرمنا من المجد الحقيقي لأجل اهتمامنا بالمجدالباطل، وحُرمنا من مسرات الفردوس إلى الأبد لاندفاعنا وراء الملاهي الوقتية. وحُرمنا من الفخر الدائم من أجل الغنى الزائل فلا سبيل لنا إلى المعونة. لقد تركَناالجميع: الله والقديسون، وفات وقت التوبة، ولا منفعة بعد من الدموع. أنصرخ خلِّصونا أيها الأبرار! خلِّصونا أيهاالرسل، أيها الأنبياء، أيها الشهداء! خلصنا أيها الصليب الطاهر المحيي “خلصيناأيتها السيّدة والدة الإله! يا أُم الله المحب البشر! نصرخ، ولكن لا أحد يسمعنا. وإذا سمع فلا منفعة لنا، لأن كل شفاعة قد انتهت. ولذلك يوجّه الخطأة إلى جهنم حيث “النار الدائمة وحيث الدود الذي لا يموت” (مرقس 9: 43). تمرُّ الأجيال وكل ساعة هناك كأنها جيل. وصوتالله الحق يدوي فوق سكان جهنم- انني لم أزل ساخطاً. تمرُّ الأجيال، والكلمات نفسها: -انني لم أزل ساخطاً- تطرق مسامع أولئك التعساء. ان أذهان الملائكة تعجز عن إحصاءالأجيال والمعذّبون ينسون متى كان بدء عذابهم. وسيبقى الصوت من لدن الحق مسموعاً: إني لا أزال ساخطاً! ان الأنبياء والرسل القديسين تنبّأُوا عن يومالدينونة الرهيب. والكتاب المقدّس، ما زال ينذر بيوم الدينونة وساعته في جميع أنحاءالمسكونة، وفي جميع الهياكل، حتى تلين قلوب الجميع. “فتأملوا واسهروا وانتبهواواعتدلوا وصلُّوا وتوبوا وكونوا على استعداد تام لأنكم لا تعلمون اليوم والساعةالتي يأتي فيها ابن البشر” (متى 25: 13) واحترسوا لأنفسكم حتى لا تثقل قلوبكم فيالخلاعة والسكر والهموم المعاشية فيقبل عليكم بغتة ذلك اليوم (توما 21: 34). انالقديس النبي والملك داود كان يذكر دائماً يوم الدينونة الرهيب فيبلّل مضجعهبالدموع كل ليلة مبتهلاً إلى الله وقائلاً: “ولا تأخذ عبدك إلى القضاء إن شئت أنتفعل هذا فانه لا يبرّر أمامك أحد من الأحياء” (مز 142: 2). لنقبل نحن على هذا الجهاد قبل أن يأتي ذلكاليوم، لنهتم لنفوسنا حتى نقف في المحكمة الرهيبة في تلك الساعة الهائلة بدوندينونة. لنبادر إلى وجه ربنا بالاعتراف والصوم والصلاة والدموع! لنبادر قبل أنيأتي. ستفاجئنا بغتة ساعة الموت المحتومة التي يخافها الجميع والكل في انتظارها،وقلّمَا يفكّرون فيها. ان تلك الدقيقة التي تفارق فيها النفس الجسد لهائلة. وذلكاليوم رهيب جداً عندما يقف الكلام على الشفاه ويخرس اللسان. انه لمنظر يدعو إلىالبكاء، عندما يحتضر الإنسان: نقلب الطرف وقتئذٍ فلا نعرف أصدقاءنا ولا اخوتنا، وإنعرفناهم فلا نستطيع أن نكلِّمهم. نرى حولنا الأولاد يشتكون، ونفارقهم بقلب ملؤهالحزن. لا يهمّنا في تلك الساعة لا أصحاب ولا أقارب. إن الخطايا تعذِّب ضميرناوالذي يقلقنا بنوع خاص كيفية ظهورنا أمام وجه الديّان العظيم كيف نتبرّر؟ وكيف نحصلعلى المسامحة، وإلى أين يكون مصيرنا؟ إذن! ألا نخدع نفوسنا لنؤمن بأنه توجد دينونةويوجد قصاص دائم. توجد نار لا تُطفأ، ودود لا يموت، وظلام وجحيم، وصرير أسنان،وبكاء أبدي. فإن الله تعالى قال في إنجيله: “السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول” (متى 24: 35) لنُبعِد عنا الهلاك الأبدي، لنفطن لعدوّ نفوسنا، لنهتم بإصلاح ذواتناقبل فوات الوقت، لنذرف دموع التوبة، لننهض من خمول الكسل، لنرفع أيدينا. ان من يقدرأن ينقذنا هو الرب فلنصرخ إليه من أعماق القلب، يا رب نجِّنا فقد هلكنا (متى 8: 25) لنسرع إليه قبل أن تغرب الشمس وقبل أن توصد أبواب رحمة السيّد، لِنَسِرْ بنشاط نحوجهادنا حتى لا نسمع ذلك الصوت الهائل “إني لا أعرفكن” (متى 25: 12) سوف يأتي الوقت،سوف يقترب اليوم الذي فيه نؤدّي الحساب عن كل حياتنا، وسرعان ما نفتش عن الوقت ولانجده. لنمقت حياة الخطيئة. ولنذكر غالباً يوم الدينونة الحقّة، حتى نستحق أن نكونفي مصفّ الملائكة بواسطة التوبة ولنمسك نفوسنا عن الأشياء غير المشروعة حتى لا نبكيبحرارة. لنتعب طوال الحياة حتى لا نعرِّض ذواتنا للعذاب الدائم، لنجاهد قليلاً حتىنتخلَّص من القصاص الأبدي! احذروا أن يقول أحدكم خطيئتي عظيمة فلا عفوَ ليإنني قاتل والله لا يقبلني. إنني زانٍ والله لا يسمع لي: ألا يعلم من يقول هذا أنالسيد قد “أتى على الأرض ليدعو الخطأة إلى التوبة وليس الصدّيقين” (لوقا 5: 32) احذروا أن يتجاسر أحد فيقول: أنا لم أُخطئ إن من يقول هذا أعمى لأنه ليس أحد سالماًمن الرجس أو منزَّهاً عن الخطيئة إلا الله الصالح وحده. لذلك لا يجوز أن نبرّرأنفسنا أو نيأس من الخلاص إذا كنا نعترف بخطايانا. إذا خطئنا فلنتب، وإن تعدّدتالخطيئة فلتتعدَّد التوبة. إن الله يفرح بكل عمل مبرور وخاصة بالنفوس التائبة لأنمن يأتيه بحمله الثقيل يتقبَّله بيديه ويدعوه قائلاً: “تعالوا إليَّ يا جميعالمُتعبين والمُثقلين وأنا أُريحكم” (متى 11: 28) في الأخدار السماوية حيث يرتاحجميع أبراري. تعالوا إليَّ أيها المُثقلون، أسقطوا عنكم الخطايا وانبذوها لأنكم إذاالتجأتم إليَّ فلا يبقى مثقل فيكم. اطرحوا كل عادة شريرة واتركوا الشرّ الذي سبّبهالشيطان وتعلّموا الصلاح مني. إن المجوس لما أتوا أليَّ تركوا السحروتعلَّموا معرفة الخالق. إن العشّارين تركوا عملهم وجعلوا منهم كنيسة. المضطهدونتركوا الاضطهاد وأرادوا أن يكونوا مضطهَدين. الزناة أبغضوا الزنى وأحبّوا العفاف. اللص ترك القتل وقبل الإيمان الحق وصار من سكان الفردوس. “تعالوا إليَّ لأن منيُقبل عليَّ لا أخرجه خارجاً” (يوحنا 6: 37) فمن رأى أباً محباً بهذا المقدار؟ منرأى طبيباً صالحاً مثلي؟ إذاً لا نتهاون أيها الأحباء بل لنتب ونصرخ إلى السيّد،خلِّصنا أيها السيّد، نحن الخطأة غير المستحقين لأجل اسمك المقدس، وافتح لنا أبوابرحمتك وأهِّلنا لمجدك وملكوتك السماوي فإنك أنت إله التائبين ورجاء الذين لا رجاءلهم. ولك نرسل المجد أيها الآب والإبن والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهرالداهرين آمين |
|