رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأساسيات الكنسية للتفسير الكتابي عند الآباء
* إن الأسرار الإلهية تنتمي للعالم الروحي، بينما الإنسان محدود وإدراكه ضعيف مما يعوق المعاينة الكاملة للمجد الإلهي، ولذلك فأي مفسر يحتاج إلى أساسيات تتعلق بالإيمان والحياة الكنسية، وعلى هذا الأساس يلجأ دائمًا القديس كيرلس إلى التعاليم والخبرة الكنسية ويعتبر التقليد الكنسي هو المرشد الضروري للتفسير الكتابي، والأساسيات الكنسية في نظر كيرلس هي: * الوحي وحضور الروح القدس في الكنيسة. * التقليد الحي في الكنيسة الذي يشمل الإيمان المستقيم والعقيدة الصحيحة، أي التقليد التفسيري والعقيدي. * العمل الليتورجى داخل الكنيسة والحياة الروحية النسكية (حياة الفضيلة). إذن التفسير الصحيح للكتاب والذي ينتهي إلى الرؤية الروحية، إلى جمال الحق هو عطية الله وعطية السيد المسيح وعطية الروح القدس. (شرح يوحنا 2:3، P.G. 73, 412D). (تفسير إشعياء 4:3، P.G. 70, 800B). 2- من أجل فهم صحيح للكتاب، قد اتبع كيرلس، أثناسيوس في أنه لابد أن نعرف الهدف العام للكتاب، الذي هو سر المسيح، أي التأنس. ولكن عند كيرلس يربط الهدف العام أيضًا بالوحدة الغير منفصلة بين الآب والابن (شرح يوحنا 11، P.G. 74, 509). أو بسر الثالوث (شرح يوحنا 9، P.G. 74, 237A). وبناء على ذلك فإن هدف الكتاب المقدس يتطابق مع الإيمان المستقيم وكل ما يتعلق بعمل تدبير الثالوث،هذا الإيمان يسميه القديس كيرلس "المعرفة الكاملة" التي تتقابل مع دقة العقيدة وتتجاوب مع الهدف الداخلي للكتاب الذي نراه باستنارة الروح القدس. وبهذا المعنى فإن المعرفة الكاملة هي ثمرة التفسير الروحي للكتاب. أيضًا يشدد القديس كيرلس على أن استقامة الإيمان أو المعرفة الكاملة ليست هي فقط الهدف الداخلي للكتاب، ولكن يتعلق أيضًا ب "فكر" الآباء (شرح يوحنا 9، P.G. 74,216C). وإن الفكر الآبائي هو المفهوم الأصح للكتب الإلهية فنحن ملتزمون بالتقليد الحي للآباء والذي يرجع إلى استنارة وعمل الروح الذي صيغ في اعترافات الإيمان (P.G. 77, 109D). هذا التقليد يمثل معيار وعلامة محورية للتفسير الكتابي ولذلك من الضروري أن نقتفى آثار "هدف" الحكمة الآبائية. 3- إن هدف الكتاب المقدس يحيا ويعمل داخل الحياة الليتورجية في الكنيسة. الكنيسة ترتبط مباشرة بتدبير التجسد وتبعا لذلك بهدف الكتاب. لذلك يعطى القديس كيرلس تفسيرًا لجبل صهيون، وجبل الجليل وأورشليم.. على أنها الكنيسة (تفسير إشعياء 2:1، P.G. 70, 68D). لأن سر التدبير الإلهي يتمم بطريقة سرية في الكنيسة، لذلك هي "البيت المقدس للمخلص". كل من يجهل هذا البيت ويكتفي بالتفسير الجسدي (الحرفي) للكتاب ليس لديه إمكانية الخلاص. يشدد كيرلس على أن داخل الكنيسة يستطيع المؤمن أن يرى ويشارك ما تممه المخلص، وبذلك يستطيع أن يخلص (شرح يوحنا 1:2، P.G. 73, 217AB). إن حياة الإيمان المعاش في الكنيسة والمشاركة في الأسرار الكنسية واختبار حياة الفضيلة اليومية، أمور ضرورية وأساسية للتفسير الصحيح للكتاب. أخيرًا من كل ما سبق نرى أن القديس كيرلس يرد على التراث غير الأرثوذكسي في التفسير، والمبادئ التي شرحها لنا هي مهمة جدًا لنا اليوم لكي نميز بين التفسير الأرثوذكسي والتفسير غير الأرثوذكسي للكتاب، فالقضية ليست قضية فردية، ولكن هي موضوع الكنيسة الحاملة للإعلان الإلهي والتي بدونها الكتاب المقدس ليس له أي معنى حقيقي إذ يظل لغزًا وظلًا ومثالًا وأمور نظرية مجردة، أما في الكنيسة فيتحقق سر التدبير أي كل ما تممه المسيح عن طريق الأسرار، ويصبح الكتاب متجسدًا ينير العقل ويظهر القلب ويقود الإنسان في مسيرة شركة واتحاد مع الله بواسطة المسيح في الروح القدس حتى يستطيع المؤمن أن يقول مع القديس يوحنا "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو 1:1). _____ (*) المراجع لصفحات هذا الفصل: 1- مدخل إلى علم الآباء مؤسسة القديس أنطونيوس 2- مقالة عن الآباء والكتاب المقدس د. جوزيف موريس فلتس - أ. جورج عوض |
|