القديس جيروم
JEROME
وُلد ايرينيموس يوسابيوس Hieronymus Eusebius في مدينة صغيرة تُدعى ستريدون Stridonia بالقرب من أكويلا Aquileia، ويرى بعض الدارسين أن ميلاده كان نحو عام 321 م. بينما يرى آخرون أن ذلك كان عام 342 م.
وكان لجيروم أخ أصغر يُدعى بولينان Paulinian وأخت صغرى، وسلك كلاهما مسلك جيروم في اختيار الحياة الرهبانية دربًا لحياتهما، مما يدل على أن والده يوسابيوس كان مسيحيًا تقيًا.
ونحو عام 360 م. – 367 م. بينما كان لا يزال صغيرًا جدًا، درس جيروم مجموعة من الدراسات الممتازة في النحو والبلاغة في روما، وكان تلميذًا لدوناتوس Donatus، والذي كان يفتخر دومًا بتلمذته له، وفي شبابه المبكر قام بنسخ مكتبة قيمة تضم أعظم الأعمال الأدبية الشهيرة، وصار لهذه المكتبة فيما بعد قيمة عظيمة، ورغم افتخاره بأنه نال صبغة المعمودية المقدسة في روما، إلا أنه لا يتحدث عن الظروف التي صاحبت معموديته، ثم ترك روما وذهب إلى مدينة تريف، وهناك جذبه النموذج الشرقي للرهبانية وللحياة النسكية التقوية، وكان يقضى وقت فراغه في نسخ أعمال القديس هيلارى أسقف بواتييه، وبعد ذلك عاد إلى موطنه نحو عام 370 م. مع صديقه بونوسوس Bonosus، وعاش بضعة سنوات في شركة رهبانية نسكية مع روفينوس وكروماتيوس Chromatius وهليودورس Heliodrus.
وفى عام 374 م. انطلق إلى فلسطين، لكنه تأخر في الطريق قليلًا في أنطاكية ليستمع إلى مواعظ أوليناريوس أسقف لادوكية، وهناك في حلم رأى نفسه مُدانًا أمام كرسي المسيح لأنه استمر فيلسوفًا ينتمي لسيسرو Cicero الفيلسوف أكثر منه مسيحيًا، وقد روى هذه الرؤية في رسالة إلى استوكيوم Eustochiumلكي يشجعها على دراسة الكتاب المقدس.
وبعد هذه الرؤية مضى وتوحد في صحراء خالكيس بسوريا وظل بها مدة تتراوح ما بين أربعة إلى خمسة أعوام، وفي فترة خلوته هذه انتفع بوجود أحد اليهود الذين قبلوا الإيمان حديثًا لكي يتعلم منه اللغة العبرية.
ثم عاد إلى أنطاكية حيث رسمه بولينوس كاهنًا، وفي سنة 480 م. ذهب إلى القسطنطينية حيث تتلمذ على يدي القديس أغريغوريوس النزنيزى.
ومن القسطنطينية رحل إلى روما حيث عينه البابا داماسوس Damasus سكرتيرًا له، ولم يمنعه هذا العمل من خدمته للأرامل مارسيلا Marcella وبولا Paula والدة استوكيوم، واضطرته متطلبات دراساته الكتابية إلى تحسين لغته العبرية بمساعدة أحد الرابيين (معلمي اليهود) الذي وفر له الكتب والدروس، وفي روما ترجم جيروم الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، ولولا هذه الترجمة لما عرف الغرب الكتاب المقدس.
بعد نياحة داماسوس، قدم جيروم ومعه بولا إلى مصر عام 385 م. حيث تعرف عن كثب على فردوس رهبان مصر لقديسين، وتتلمذ على يدي القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، كما زار أنطاكية وفلسطين.
وفى عام 386 م. عاد جيروم إلى أورشليم واستقر في بيت لحم حيث أسس ديرًا للرهبان وآخر للعذارى، وكرس حياته للدراسة والبحث والترجمة.
وقد واجه جيروم العديد من البدع والهرطقات مثل الآريوسية والبيلاجية التي اشترك مع أغسطينوس في مواجهة تعاليمها، كما كان له موقفه المقاوم بشدة للتعاليم الأوريجانية والذي اختلف بسببه مع صديق روفينوس ودخل في العديد من الجدالات، وفي عام 414 م. وقف جيروم ضد بيلاجيوس المبتدع في أورشليم مدافعًا عن العقيدة الصحيحة، وفي عام 416 م. انتقم البيلاجيون من جيروم وأحرقوا ديره، وبعد أربعة أعوام تنيح جيروم أي في عام 420 م. ودفُن في أورشليم في بيت لحم.
وتتمثل إسهامة جيروم التاريخية في كتابه "مشاهير الرجال De Visis Illustribus" وهو تأريخ لسير وأعمال الكُتاب الكنسيين، ويقول في مقدمة هذا العمل "سأكتب أولًا عن هؤلاء الرجال المشاهير ورسائلهم إلى الأمم وعن كل الذين لهم مؤلفات وتأملات عن الإنجيل المقدس، بداية من آلام السيد المسيح وحتى السنة الرابعة عشر من عهد الإمبراطور ثيودوسيوس".
وقد كتب هذا العمل في بيت لحم عام 392 م. استجابة لطلب صديقه دكستر Dexter، وكان يهدف بذلك إلى الرد على الوثنين والهراطقة الذين اتهموا المسيحيين بالجهل وبأنه ليس بينهم علماء ولا دارسين.
ولأن جيروم عقد اعتمد على "التاريخ الكنسي" ليوسابيوس القيصرى، لذلك وقع في نفس أخطائه لكنه على أيه حال قدم لنا في عمله هذا مرجعًا هامًا وثمينًا في دراسة علم الباترولوجى.
كما يذكر التاريخ لجيروم ترجمته لكتاب "التاريخ Chronicle" ليوسابيوس القيصرى، وأيضًا ترجماته للأعمال الجدلية ذات القيمة التاريخية الفائقة، كما ونجد بين رسائل جيروم وثائق هامة خاصة بالقديس ثيوفيلس السكندري، ومضابط مجمع مكاني عقُد في أورشليم، ونصوص شرقية أخرى ترجمتها ونُشرت في الغرب بهدف جدلي، ومن هذه الوثائق نذكر:
- الرسالة رقم 51 من أبيفانيوس (انظر كتابنا "القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس.. صائد الهرطقات" ضمن هذه السلسلة اخثوس) ΙΧΘΥΣ إلى يوحنا أسقف أورشليم.
- الرسالة رقم 87 و89 من ثيوفيلس إلى جيروم.
- الرسالة رقم 90 من ثيوفيلس إلى أبيفانيوس اسقف سلاميس
- الرسالة رقم 91 من إبيفانيروس إلى جيروم.
- الرسالة رقم 92 و93 وهما رسالة مجمعية أرسلها ثيوفيلس، ورد ديونيسيوس أسقف Lydda عليها.
- الرسالة رقم 96 و98 وهما رسالتان فصحيتان كتبهما ثيوفيلس.
- الرسالة رقم 113 من ثيوفيلس إلى جيروم.
وبجانب هذه الأعمال العديدة ذات القيمة التاريخية الثمينة، كان لجيروم أعماله الأخرى، فترجم الأناجيل والأسفار القانونية الثانية، ونسخة منقحة من الهكسابلا (السداسيات)، ونسخة منقحة من المزامير، وترجم عظات أوريجين وديديموس الضرير، ووضع الكثير من التفاسير الكتابية والرسائل.