رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لقد خلق الله الإنسان طاهراً، لأنَّه على صورته ومثاله قد خلقه، ووضعه في جنّة عدن وكل مكان فيها يشهد بعناية الله وحبّه له، ولكن الإنسان سرعان ما أخطأ فامتلأ إثماً وكل شهوة ردية.. وبالإجمال قد صار ملوثاً بالخطية.. وكما قال ميخا النبيّ: " مِنْ أَجْلِ نَجَاسَةٍ تُهْلِكُ وَالْهَلاَكُ شَدِيدٌ " (مي10:2). فجاء ابن الإنسان الذي لم يفعل خطية واحدة ولم يوجد في فمه غش، وقد قال مرَّة لليهود: " مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ " (يو46:8) وحمل خطايا البشرية كلها وحرقها على مذبح الصليب المقدس، فعتقنا من عبودية الخطية المرّة، وحررنا من نيرها القاسيّ، وأصبح الآن " لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ " (رو1:8). وهكذا ارتفعت البشرية الساقطة وعادت إلى رتبتها الأولى، والتقت السماء والأرض وتعانقا في شخص المسيح يوم ميلاده، وأصبحنا الآن نخاطب الله بدالة البنين قائلين: (أبانا)، وأصبح كل إنسان مؤمن يُعاين في داخله مسيحاً جديداً، يُعلن أنه يستطيع أن يغفر للبشر خطاياهم فهو يحبهم ويرعاهم، ولا يريد لقطيعه الصغير أن يهيم فوق الصحراء الجرداء، بل تحيا وسط المراعى الخضراء! وهكذا مَنْ انسكبت محبّة الله في قلبه يصير كالبحر الواسع فيه تُصبْ ضعفات البشر فيُسر بتنقيتها، يتلقّى همومهم فيخفيها في لُججه العميقة. فإلى الله نرفع صلواتنا، طالبين من قداسته أن يُحقق هذا الكتاب الهدف الذي ننشده ألا وهو: جذب النفوس التي ضلت الطريق، وأغوتها شهوات العالم ولذاته ومادياته.. إلى الأحضان الأبوية مرّة أُخرى، لكي تحيا مع الله في سلام، ومع الناس في هدوء واطمئنان.. فبدون الله لا حياة ولا أمل في حياة، إلى الأبد سنظل نزرع ونحصد بين الأشواك والأحجار إلى أن تمتليء قلوبنا بحب الله. ونحن إذ نقدم باكورة كتابتنا للقرَّاء الأعزّاء، نتقدم بخالص الشكر والدعاء لكل من ساعدونا في إخراج هذا الكتاب، الرب يحفظ حياتهم، ويعوض تعب محبتهم في ملكوته الأبديّ، ويبارك هذا العمل المتواضع لمجد اسمه القدوس.. بصلوات والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، وجميع مصاف الشهداء والقديسين.. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين. الراهب كاراس المحرقيّ |
10 - 05 - 2014, 12:36 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
الفصل الأول ماهى الخطيـة ؟ الخطية كما عرَّفها لنا الكتاب المقدّس هى التعدّي على شرائع الله وأوامره، يقول القديس يوحنَّا الحبيب: " كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً، وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي " (1يو4:3). في عالمنا يُعد المعتدي على قوانين أرضية وضعها بشر مجرماً، فكم يكون إجرام من يتعدّى على قوانين السماء التي وضعها ملك السماء والأرض وسيّد كل البشر؟! فالخاطيء إذن مجرماً لأنّه تعدَّى على ناموس الله. وليس هذا فقط بل استبدل ناموس الله بناموس إبليس حتى تلُذ له خطاياه، ويجد لنفسه مسلكاً ليبرر به أفعاله الأثيمة، نعم لقد أبدل الخطاة ناموس المحبة والصفح والغفران.. بناموس الكراهية والحقد والخصام والحسد.. زعماً منهم بأنَّ الحياة تتطلب أن يعامل الإنسان الآخرين بالمثل، وإلاَّ انقضوا عليه كوحوش وافترسوه. وأبدلوا ناموس التواضع بالكبرياء والسعي وراء العظمة العالمية، قائلين: إن هذا يليق بمركزهم الاجتماعيّ، ومدَّعين أنّه يجب أن يكون هناك تفاوت في المعاملات، كما أنَّ هناك تفاوتاً في المراكز والثروات.. بين البشر! كما أبدلوا ناموس الحشمة والوقار اللائقين بأولاد وبنات الله، بناموس الموضة الخليعة، التي تجعل الإنسان في صورة تقشعر لها الأبدان، وناموس القداسة بالنجاسة، فامتهنوا حُرمة العفاف، وبدلاً من أن يمتلئوا بالروح القدس وينعموا بثماره، امتلئوا سكراً وأكلاً.. مدَّعين أنَّ في هذا لذة الحياة! والحق إنَّ كل من يحيا بهذا الفكر الشهوانيّ العقيم، لم يدرك أنَّ الله لم يُعطِ الإنسان الوصايا إلاَّ لسعادته، وأنَّ كل تصرّف ضد هذه الوصايا يكون ضد سعادته، وأفضل تشبيه له هو المجنون الذي يحيا وسط الآلام ويقول: إنَّها ينابيع السعادة!! ويحتضن النار معتقداً أنَّها النور!! ويسير في طريق الهاوية ظاناً منه أنَّها طريق الحياة!! إنَّ كل من يرجع إلى التاريخ، يعرف أنَّ الخطية هى التي كانت السبب في كل المصائب التي حلّت على العالم، منذ أن وجد إلى وقتنا هذا: + فما الذي طرح المحبّة من قلب آدم وملأه بالخوف، وطرده من جنّة عدن، وجعله يشعر بعُريه؟! + وما السبب الذي جعل قايين يخرج هائماً على وجهه، هارباً من مكان إلى آخر، وقلبه مضطرباً خوفاً من أن يحصد ما قد زرعته يداه؟! + بل ما الذي جعل الله يغضب على خليقته، ويُلاشيها مرّة بالطوفان ومرّة بالنار والكبريت؟! + هل تستطيع أن تقول لي ما الذي جلب الشقاء على العالم أجمع، إذ الجميع بدون استثناء يأكلون خبزهم بعرق جبينهم؟! إنَّها الخطية.. ولهذا يقول مار إسحق السريانيّ: لماذا أغرق الله جيل كامل بالطوفان أيام نوح؟ أليس بسبب الفسق! ولماذا احترقت مدينة سدوم؟ أليس لأنّهم أسلموا أعضاءهم إلى الشهوة والنجاسة! لأي سبب سقط شمشون المنذر لله من بطن أُمه؟ أليس لأنّه دنّس أعضائه المقدسة باجتماعه مع فاسقة! وداود الذي استحق بفضائله أن يُشرق المسيح منه. أليس بسبب فسقه مع امرأة نال القصاص! لولا الخطية ما حدث كل ذلك.. ولهذا يصف مُعلّمنا القديس بولس الرسول الخطية بأنَّها: " خَاطئة جداً " (رو13:7)، وحزقيال النبيّ يؤكد أنَّ الموت هو أُجرة كل من يفعلها: " النَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ " (حز4:18). |
||||
10 - 05 - 2014, 12:36 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
" كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَـلْبِ سَقِـيمٌ مِنْ أَسـْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ " ( إش 1 :5 ). الخطية مرض روحيّ وأدبيّ من أخبث الأمراض وأشرها، إذ يفتك بالروح ويقضي على الحياة.. هذا المرض أصاب البشر فأذلّهم وأضنك قواهم.. وإن كان البعض يظنون أنَّ المرض لا يُصيب إلاَّ الجسد فيضعفه ويقضي عليه، لكن الحقيقة إنَّ المرض لا يكون بضعف الجسد فقط بل بالخطية أيضاً، ومرض النفس أشد من مرض الجسد، ومرض الروح أصعب من كلاهما! ولهذا يقول سليمان الحكيم: " رُوحُ الإِنْسَانِ تَحْتَمِلُ مَرَضَهُ أَمَّا الرُّوحُ الْمَكْسُورَةُ فَمَنْ يَحْمِلُهَا " (أم11:18). والحق إنَّ كل من ينظر إلى بني جنسه يدرك أنَّ الجنس البشريّ مريض، وأنَّ في أعماق الإنسان مرضاً أثّر على الحياة، وهذا المرض هو ما ندعوه: الخطية! يقول القديس كيرلس الأورشليميّ " الخطية بشعة والمرض عضال، يبتلي النفس فيشل طاقتها ويجعلها مستحقة للنار الأبدية، إنها الشر المرتكب طوعاً وجرثومة القصد السييء، ونحن إذ نفعل الشر طوعاً نرتكب الخطية ". لقد فعلت الخطية في النفس أشر مما تفعل أخبث الأمراض في الجسم، إذ شوَّهت جماله، وجعلت منظر الإنسان كئيباً، والذاكرة مرضت بالنسيان، والضمير قد صار في إنحطاط، والقلب فقد الشعور بالرحمة والإحساس بالله، وبعد أن كان هيكلاً لله جعلته الخطية مقراً لإبليس وجنوده يأتوا ويسكنون فيه إذ في قلوب الخطاة يجدون راحتهم. قال أحد علماء الغرب " إننا نحيا في عالم يحترق بنار الخطية، وفي كل بلد يموت ألوف البشر وهم مشوهون بنار الإثم، وياليت الإنسان كما يبحث عن الحقيقة العلمية، يبحث أيضاً عن علاج وحل لأخطر مرض أصاب البشرية ألا وهو: مرض الخطية ". الخطية مرض، وأي مرض؟ إنّها مرض مؤلم، تؤلم الجسد إذ تُصيبه بالأمراض التي ربَّما تقضي على حياة الإنسان، وتؤلم الروح إذ تفقدها سلامها فتهيم هنا وهناك، لعلّها تجد مستقراً لها ولكن دون جدوى! ولا تؤلم الخطية الخاطيء وحده، بل تمتد آلامها إلى الأهل والوسط المحيط به.. فكم من الأبناء تحمَّلوا آلام الفقر والأجساد المشوَّهة والصيت الرديء نتيجة خطايا الوالدين؟! وما أكثر الأقارب والأصدقاء والأصحاب الذين تلطّخت سمعتهم، بسبب أصدقاء السوء! هى مرض مؤلم وأيضاً مرض مشوّه، وتستطيع أن تتحقق من هذا لو نظرت إلى وجوه الزناة والسكّيرين، الذين يقضون لياليهم بين جدران مغلقة ومظلمة، وكم من أُناس تشوَّهت خلقتهم وقُطِعت أعضائهم وقضوا حياتهم في عجز تام، بسبب الأمراض الخبيثة التي حلّتْ بهم نتيجة حياة النجاسة التي تمرَّغوا في وحلها؟! |
||||
10 - 05 - 2014, 12:37 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
طُُلِبَ من أحد مُصوّري فرنسا أن يرسم صورة ترمز إلى حياة (الطهارة)، فانتقى طفلاً جميلاً ذا صورة ملائكية، له من العمر خمس سنوات، ورسم صورته وكتب تحتها (الطهارة).. وتمر السنون وبعد عشرين سنة، طُلِبَ من نفس الفنان أن يرسم صورة لتكون رمزاً لحياة (النجاسة)، فماذا فعل؟ ذهب إلى (خمَّارة)، وبعد أن جال ببصره بين الحاضرين، رأى شخصاً له عينان غائرتان كشمس المغيب وهى تُطفأ أنوارها، ووجهه مصفر كأوراق الخريف المتساقطة على بقعة مُلوَّثة من الماء، فاصطحبه إلى بيته بعد أن اتفق معه أن يرسم صورته نظير مبلغ من المال. وحدث أثناء الرسم أنَّهما تجاذبا أطراف الحديث، وكان موضوع حديثهما حياة الرجل المدمن، وبينما كان الرجل يسرد سيرته، انتفضت يد المصور حتى سقطت الريشة على الأرض، وذلك لأنَّه علم أنَّ الشخص الذي يرسمه الآن، لكي يُقدّم صورته كرمز النجاسة، هو ذلك الطفل الذي رسمه من عشرين سنة وكتب تحت صورته الطهارة! وكان سبب التغيير في منظره.. إنّما هو الخطية!! الخطية مرض مؤلم ومشوه، وفي نفس الوقت عسير الشفاء! أقول هذا ليس لتهبيط عزائمكم، أو إدخال اليأس إلى قلوبكم.. ولكن للقضاء على فكر شرير قد سيطر على أُناس كثيرين، يوهمهم بأن يحيوا شبابهم كما يحلوا لهم، فالكنيسة لن تغلق أبوابها في وجوههم متى عادوا إليها، والكاهن لن يمنع عنهم غفران الله، وجسد المسيح موجود كل يوم على المذبح.. وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن من أعلمهم أنَّ حياتهم ستستمر؟! ألا يأتي الموت كلص في ساعة لا نعلمها؟! هنا أتذكر قصة شاب سقط في الخطية حتى إنَّه قد أدمن الزنى، فكانت النتيجة أنَّه أُصيب بمرض في عينيه، فذهب إلى أحد الأطباء فلمَّا كشف عليه، أدرك أنَّ حياة النجاسة التي يتمرغ في وحلها هى سبب مرض عينيه، فقال له: أنا لا أعدك بأنَّ عينيك ستعود كما كانت، ولكن إن كنت تريد أن تبقى كما هى الآن ولا تزداد سوءاً، فعليك أن تبتعد عن حياة النجاسة التي تحيا فيها.. فلمَّا سمع الشاب هذا الكلام أطرق ببصره إلى أسفل ونظر بحزن إلى الأرض، ثم رفع عينيه في ذل واستصغار وقال والألم يتموج في كلامه: أيها الطبيب أيسر لي أن أتخلى عن بصري، من أن أتخلى الجنس الذي قد أصبح كل شيء في حياتي!! ومن هنا جاءت العبارة القائلة: أمام مرض الخطية يعجز الأطباء!! الخطية أيضاً مرض معدٍ، سريع الانتقال من المرضى إلى الأصحاء، ولذلك قال مُعلّمنا القديس بولس الرسول: " لاَ تَضِلُّوا ! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ " (1كو33:15). والحق إنَّ الخطية والمرض يتشابهان في أشياء كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أنَّ المرض والخطية: يُضعان المُصاب بهما فمادام المريض مُلقى على الفراش فقوته إذن لابد أن تكون في ضعف، وهكذا أيضاً الخاطيء، إذا تملَّكت عليه الخطية تُصيبه بضعف تام، وإلى هذا الضعف قد أشار مُعلمنا بولس الرسول قائلاً: " لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ " (رو6:5). وهذا الضعف الذي يشمل الجسد ويتملك الإرادة.. يجعل الإنسان معرّض للسقوط على الدوام أمام أقل تجربة، فمجرد نقد يُثيره، وكلمة جارحة تُغضبه، ورؤية منظر فاسد يُسقطه في الزنى.. يشوّهان جماله ما من مريض إلاَّ ونراه: إمّا فاقد نضارة الوجه، أو مشوّه الأعضاء، وهكذا أيضاً الخطية تشوّه جمال الإنسان، وتجعل وجهه كما لو كان صحيفة باهتة ملتوية، كُتب عليها بقلم معوج يسيل منه حبر شيطاني وبلغة واضحة ذات أحرف بارزة: خاطيء وشرير! لأنَّ إبليس عندما يحل في قلب إنسان، يطبع صورته القبيحة على وجهه، حتى إنَّ كل من يقترب منه ويتعامل معه ينفر منه! إلاَّ إذا كان مثله فالطيور على أشكالها تقع! |
||||
10 - 05 - 2014, 12:37 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
يؤلمـانه المريض هو إنسان لا يعرف طعم الراحة، بل يحيا في آلام مستمرة وعذاب دائم، وهكذا أيضاً الخاطيء، ولهذا يقول مُعلمنا داود النبيّ: " تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي، أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي، أُذَوِّبُ فِرَاشِي " (مز6:6). كما أنَّ الخاطيء يحيا بلا سلام لأنَّه شرير، وقد ابتعد بأعماله الشريرة عن الله القدوس مصدر السلام، وإشعياء النبي يقول: " لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ " (إش21:17)، وها نحن نتساءل: كيف يحيا إنسان بلا سلام ولا يتألم؟! كلاهما يعُم تأثيره باقي الأعضاء فالألم الذي يُصيب عضواً في الإنسان يؤلم الأعضاء الأخرى، والضعف الذي ينشأ عن مرض أحد الأعضاء، يشعر الإنسان بتأثيره على باقي الأعضاء، وقد أشار معلمنا القديس بولس الرسول إلى هذه الحقيقة بقوله: " فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ " (1كو26:12). والخطية التي تُصيب عضواً واحداً يعُم تأثيرها الجسد كله، فالكلمة الرديئة التي يتنجس بها لسانك، لا تنجس الجسد وحده بل سائر أعضاء الجسد " فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ، هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ " (يع6:3)، وهكذا النظرة الفاسدة " إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً " (مت23:6). يفقدان الإنسان شعوره عندما يشتد المرض تكثر الأدوية، التي يمكن أن تجعل الإنسان يفقد شعوره في أوقات كثيرة، كما أنَّ المرض يجعل الإنسان دائم التكفير في ذاته ووسائل شفائه.. وهذا يجعله يتمركّز حول نفسه، مما يدفعه في مواقف كثيرة إلى فقدان الشعور بالآخرين، وعدم التعاطف معهم والسؤال عنهم.. والخاطيء أيضاً يحيا بلا شعور، لأننا نراه يسعي نحو اللذة بكل طاقته، ولكي يُحقق شهوته قد يسرق أو يقتل أو يكذب.. وهذه كلها عوامل تعلن أنَّه فقد التعاطف مع الآخرين، حتى وإن ظهر أمام كأنَّه يُعطي فإنَّ عطائه ليس عن حُب لأنَّ لا يعرفه ولم يختبره، بل من أجل تحقيق أغراض دنيئة وشهوات خبيثة.. كلاهما يؤدي إلى الموت المرض إنْ لم يُعالج حتماً سيؤدي بالإنسان إلى الموت، وهكذا الخطية أيضاً تقود الإنسان إلى الموت الروحيّ إذ تفصله عن خالقة، والموت الأبديّ إذ تلقي به في نار جهنم، وفي هذا يقول معلمنا بولس الرسول: " أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ " (رو23:6). ومعلمنا يعقوب الرسول يقول: " الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً " (يع15:1). وقد جاء في سفر حزقيال النبيّ: " اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ " (حز20:18). |
||||
10 - 05 - 2014, 12:37 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
" الخطية إذا كملت تُنتج موتاً " (يع15:1) ما هو الموت؟ هو خروج الروح من الجسد، وفي هذا يقول مُعلمنا داود النبيّ: " تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ " (مز4:146، إلآَّ أنَّ هناك موتى من نوع آخر وهم موتى الخطية، هؤلاء هم الذين يستحقون أن نبكي عليهم أكثر من موتى الجسد، لأنَّه كما قال القديس أُغسطينوس: " من يبكي على الميت كمن يصرخ بدون جدوى، على نوافذ مسكن ليس فيه من يسمع، أمَّا من يبكي على موتى الخطية فقد يستجيب الله لدموعه ويُقيم تلك النفس الساقطة، ويُنهضها وإن كانت قد ماتت من سنين ". فالخطية هى حالة موت بكل ما تشمله كلمة موت من معنى: أولاً: موت روحيّ ملايين من الناس يُقاسون الموت الروحيّ، فإذا تصفحت أية جريدة يومية، لقرأت عن أولئك الذين تشهد حياتهم بأنهم ضالون، لقد خلقوا ليحيوا مع الله، لكنَّ الخطية فصلتهم عنه، هذا موت روحيّ، ولهذا نجد في مثل الابن الضال عندما عاد الابن إلى أبيه، قال الأب متهللاً: " ابْنِي هَذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ " (لو24:15)، فوصفه في حالة الخطية بأنَّ كان ميتاً، ولم يُصبح حياً إلاَّ بعد رجوعه. والقديس بولس الرسول يقول عن الأرملة المتنعمة أنَّها: " قَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ " (اتي6:5)، كما يقول عنَّا جميعاً: " وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا " (أف1:2)، " وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ " (أف5:2). وعندما أخطأ ملاك (راعي) كنيسة ساردس، أرسل إليه الرب رسالة على فم القديس يوحنا الحبيب، يقول له فيها: " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ " (رؤ1:3)، نعم هو حي بالجسد الذي يأكل ويشرب ويتحرّك.. ولكنَّه ميت بالروح التى انفصلت عن الله بأفعالها الأثيمة، وفي هذا إعلان أنَّ الحياة الحقيقية هى حياة الروح، لأنَّ الجسد سيأتي عليه يوم ويفنى. يقول القديس أُغسطينوس " كما يموت الجسد عندما تفارقه النفس، كذلك تموت النفس عندما تنفصل عن الله، ولكن هناك فرقاً بين موت الجسد وموت النفس، فموت الجسد محتوم أمَّا موت النفس اختياريّ، فالخاطيء إذاً ميت مهما ظن أنَّ حي وأنَّه يتمتع بالحياة ". ولكن بين موت الجسد وموت الروح فرقاً عظيماً! فموت الجسد محتوم لا مفر لإنسان منه، أمَّا موت الروح فهو اختياريّ، بيدي أن أُميت روحي إن عشت فى الخطية، وبيدي أن أُحييها إن عشت مع الله وعملت بوصاياه! لقد فصل الخاطيء نفسه عن الحياة الحقيقية بانفصاله عن الله الذي خلقه، ألم يقل رب المجد يسوع: " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ، مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا " (يو25:11)، وقد قال أيضاً: " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ " (يو6:14). واعتقد أنَّ كل من ينفصـل عن المسيح بالخطية، هو إنسان قد انفصل عن الحياة نفسها فيُعد ميتاً. ثانياً: موت أدبيّ النفس التي تُخطيء هى نفس بلا كرامة، ذات سمعة ردية، لماذا؟ لأنَّ كل الذين يحتقرون الرب بأفعالهم النجسة، ويهينون اسمه القدوس.. يصغرون في نظر أنفسهم وفي نظر الآخرين، ولهذا قيل: يستحيل على من يسلم جسده في يدي زانية أن يحترم نفسه من أجل هذا العمل الرديء. وكان أحد الفلاسفة لا يُبجّل الملك ولا يحترمه كالآخرين.. فلمَّا سألوه قائلين: لماذا تحتقر الملك؟! أجاب: لأنّي مَلَكت الشهوة والغضب وهما ملكاه، فهو عبد لعبدي. يقول سليمان الحكيم: " بِسَبَبِ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ " (أم6: 26)، والمثل الشعبي يقول: " بَشّرْ الزانيّ بالفقر "، ونحن نقول: وهكذا أيضاً المُقامر والمُدمن واللص… فللجميع نتيجة واحدة ألا وهى: الهلاك. فالخطية إذن تفقد الإنسان كرامته وهيبته وأيضاً مركزه الاجتماعي بين الناس وتضيع سمعته.. حتي لو كان هذا الانسان هو الملك، وهذا هو الموت الأدبيّ الذي نتحدث عنه. أمَّا علي مستوي الجماعة، فالخطية كانت ولازالت أهم أسباب إنهيار الحضارة، وتدهور المجتمع، وهلاك الشعوب.. فعندما يفقد الناس طريقهم وأهدافهم وإيمانهم .. ويذهبون وراء الزني الذي يسيل من كل مسام حياتهم، يزول مجدهم وتجف أوراقهم فتسقط وتصبح حياتهم بلا ثمر إلى أن يموتون!! وهذا ما قد دفع أحد علماء الغرب إلى أن يقول: " إنَّ أحد أعراض تدهور الحضارة في الغرب، هو انحلال الجنس البشريَّ خُلُقيّاً وانغماسه في الخطية ". ثالثاً: موت ماديّ أخذ الابن الضال نصيبه من الميراث وذهب إلي كورة بعيدة.. لكي يحيا حياة الخطية، لكن ماذا فعلت به الخطية؟ يقول الكتاب: " بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ " (لو32:15). رابعاً: موت أبديّ تقود الخطية الإنسان إلي الموت الأبديّ الذي عذابه لا ينتهي، حيث الدود لا ينام والنار لا تُطفأ، والبكاء وصرير الأسنان.. هناك أيضاً تأنيبات الضمير القاسية ولكن دون جدوى! وماذا نقول عن أشد عذاب ألا وهو البعد الدائم عن الله؟! عذابات كثيرة قد نعجز عن وصفها، ولو كانت لمدة لكان من الممكن احتمالها، ولكن تكمن قسوتها في أنَّها أبدية، ألم يقل السيد المسيح للخطاة: " اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ " (مت41:25)، وفي نهايه حديثه قال: " فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ " (مت46:25). والخطية أيضاً موت لأنَّها تفقد الخاطيء أحاسيسه وعواطفه وشعوره.. فلا يعود بعد يعرف الخير من الشر!! ولا الحلال من الحرام!! ولا المجد من الخزي! لأنَّه لا يريد أن يعرف سوي الخطية! فيهيم هنا وهناك بحثاً عن نشوة عابرة أو لذة فانية، وهو على استعداد أن يدفع حياته من أجل تحقيق شهواته.. ولو أدي به الأمر أن يُضحي بحياته، أو بزوجته، أو بأولاده.. من أجل هذه الجرثومة، وإليكم قصة من واقع الحياة تؤكد أنَّ الخطية تُميت العواطف من قلب الإنسان!! |
||||
10 - 05 - 2014, 12:38 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
يُحكي أنَّ موظفاً أدمن شرب الخمر، فضعُفت قواه العقلية، ولمَّا ظهرت عليه علامات الاختلال وعدم الدقة، طُرد من العمل فأصبح عاطلا، وإذ كان مسرفا افتقر وساءت حالته.. وقد كان ذلك سبباً لوفاة زوجته، التي تركت له ابنة لا تتجاوز من العمر سنتين.. إلاَّ أنَّها هي الأُخرى توفيت بعد زمن قصير بسبب إهمال والدها لها!! فلمَّا علم كاهن الكنيسة التي كانت بجوار هذه الأسرة أنَّ الطفلة قد ماتت، ذهب مع أحد الأتقياء واشتروا كفناً وذهبا إلي منزلها لتكفينها، فحالة الرجل المادية، وأخلاقه المتدنية، وإهماله لأُسرته لم تعد خافية على أحد!! لكن قبل دفنها رأى الكاهن أنَّه من المستحسن، أن يترك والد الطفلة أمام الجثة وقتاً، لَعَلَّه يتأثر بمنظرها ويتوب، فإهماله لها هو الذي عجَّل بموتها! وبالفعل تركوه وأغلقوا الباب ورائهم.. ثم بعد مضي ربع ساعة عادوا إلى الجثّة وحملوها إلى المقبرة.. لكنّهم لاحظوا وهم يسيرون أنَّ والد الطفلة لو يكن ضمن المشيعين لجنازة ابنته.. فلمَّا رجعوا بحثوا عنه فوجدوه في الخمَّارة مُلقى من السكر! فسألوا صاحب الخمَّارة: من أين أتاك بالنقود التي أعطيته بها خمراً؟ فأراهم حذاء أبيض وهنا كانت المفاجأة المذهلة التي لا يتوقعها إنسان، ففي الوقت الذي ترك الكاهن الوالد أمام جثّه ابنته، كان يقلبها لعله يجد شيئاً ينتفع به! فلمَّا وجد الحذاء الذي كان ضمن أدوات الكفن، انتزعه من رجليها لكي يبيعه ويسكر بثمنه!! إلى هذه الدرجة تُميت الخطية الأحاسيس من قلب الإنسان؟! " وَأُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ " (صفنيا17:1) ماذا يحدُث لو رأيت إنساناً أعمي؟ لابد أنّك ستشفق عليه، أمَّا إذا رأيته وقد عاد إليه البصر، فأعتقد أنَّ قلبك سيمتليء بالفرح والسرور، علي أنَّ هناك عمى من نوع آخر، ويحتاج إلي إشفاق أعظم وعطف أكثر، والخلاص منه يدعو إلى سرور أوفر، ألا وهو: عمى القلوب!! الذي يُصيب كل الذين يعيشون في الخطية. وعن هذا العمى تنبأ الأنبياء، عندما أعلنوا أنَّ السيد المسيح سيأتي ليهب النظر للعميان، فقد قصدوا بذلك العمى الباطني أكثر من عمى العينين الخارجيّ، لأنَّ المسيح لم يهب النظر إلاَّ لقلة من البشر، في حين أنَّه منح بصيرة الروح وأنار قلوب لأعداد لا حصر لها. وإشعياء النبيّ عندما نطق بهذه النبوة: " وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ " (إش6:42،7)، إنَّما كان يتنبأ عن ذلك العمل العجيب، الذي كان المسيا مزمعاً أن يعمله في القلوب التي قد أظلمتها الخطية، وجعلتها غير قادرة أن تري النور. يقول البابا أثناسيوس الرسوليّ " إنَّ الخطية استشرت في جذور الإنسان، والخطية أدّت إلى عمى الإنسان الروحيّ ". فالخطية إذن تُعمي القلوب عن رؤية أشياء كثيرة لَعَلَّ أهمها: رؤية الرب جاء السيد المسيح إلى عالمنا، لكي يقرع أبواب قلوبنا الحديدية، وقد استطاع بمجيئه أن يفتح لنا باب الشركة القلبية بين النفس والله، إذ قال: " إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً " (يو23:14). وعن هذه الشركة قال معلمنا يوحنا الحبيب: " وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ " (1يو3:1). لكن الحياة مع الله تستلزم القداسة، ولهذا كتب مُعلّمنا بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين يقول: " اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ " (عب14:12)، وهو بذلك قد وضع القداسة شرطاً لرؤية الرب. وهل يمكن للنور أن يلتقى مع الظلمة؟! فالخطية ظلمة دامسة، وهى تنسج حجاباً كثيفاً، يفصل بين النفس والله، فتعميها عن رؤية الرب ومجده، وقد أوضح هذه الحقيقة إشعياء النبي: " آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ (إش2:59). وكم تستر الخطايا وجه الرب عن قلوب كثيرين " الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ " (2كو4:4). رؤية الأبدية بعد الموت حياة أبدية " فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ " (مت46:25)، وهذه حقيقة لا ينكرها إلاَّ الملحدين الذين يُنكرون القيامة والحياة بعد الموت!! وأعتقد أن العقل يرفض فناء الإنسان الذي خُلق على صورة الله!! ومع أننا نري الأحياء وهم يُخطَفون من بيننا ويوارون التراب، ورغم أننا نسمع رنين أجراس الكنائس وهي تدق نغمات الحزن، ونشترك في تشييع الموتى إلي مقرُّهم الأبديّ.. إلاَّ أننا لا نتأثر!! لأنَّ الخطية أعمت قلوبنا عن رؤية الأبدية وأمجادها العتيدة. لكنَّ المؤمن الحقيقيَّ هو الذي يعيش علي الأرض، وفي نفس الوقت يضع الحياة الأبدية والأمجاد السماوية أمام عينيه " وَأَيْضاً جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللَّهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ " (جا11:3)، والحق إنَّ التأمل في الأمجاد السمائية، يجعل نفس المؤمن تتعزى وروحه تتهلل، فيحتمل آلام الزمان الحاضر بكل فرح، لأنَّه متيقن أنَّها لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فيه (رو18:8)، وعندما يدنو منه الموت لا يفزع، ولكنه يتهلل ويُشرق وجهه كما تهلل إسطفانوس عند موته، إذ رأي السماء مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الآب فاتحاً له زراعيه لاستقباله (أع 56:7). أمَّا الخطاة فلا يبصرون مجد السماء، ولهذا عندما يسمعون عن الأبدية يرتعبون كما ارتعب فيلكس الوالي أمام بولس الرسول: " ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ مَعَ دُرُوسِلاَّ امْرَأَتِهِ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ، فَاسْتَحْضَرَ بُولُسَ وَسَمِعَ مِنْهُ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ وَأَجَابَ: أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ " (أع24:24،25)، لأنَّ خطاياهم أعمت قلوبهم عن رؤية تلك الأمجاد السماوية، وضمائرهم المثقلة بالشرور اقتلعت من قلوبهم كل رجاء في الأبدية. |
||||
10 - 05 - 2014, 12:38 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
رؤية طريق السلام يقول الوحي الإلهيّ عن الأشرار: " طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ، جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعَوَّجَةً، كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَماً " (إش8:59). وها نحن نتساءل: كيف يعرفون طريق السلام وهم من صغرهم يسيرون في طريق النجاسة، الذي لا يُعطي سلاماً، إنَّما يقضي علي ما في القلب من سلام وفرح..؟! طريق السلام هو مع رب المجد يسوع، الذي قال: " سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ، سلاَمِي أُعْطِيكُمْ، لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا " (يو27:14)، فكيف يرون طريق السلام وقد أعمت الخطية قلوبهم عن رؤية رئيس السلام نفسه؟! وهل نُنكر أنَّ طريق السلام هو ثمرة حياة البر والتقوي وعمل الرحمة مع الآخرين.. فكيف يرونه وخطاياهم فصلتهم عن العيشة الطاهرة، وأعمال الخير والمحبة، وأشغلتهم بأعمال دنيوية، وبحياة كلها دنس..؟! ولهذا يقول إشعياء النبيّ: " لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ" (إش21:57) رؤية شرور الحياة نفوس كثيرة تعيش في الشر ومستعبدة لخطايا كثيرة، وبينما هم غارقون في بحر آثامهم، وقد أتلفت الخطية نفوسهم، وقضت علي حياتهم، لم ينظروا لعيب في حياتهم!! كملاك(راعي) كنيسة اللاودكيين، الذي خاطبه الرب قائلاً: " إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ " (رؤ17:3). وماذا تقول عن المدمنين الذين أفنوا حياتهم وأهلكوا أنفسهم.. ومن أجل حقنة مُخدرة قد يسرقون ويقتلون أو يضحون بأولادهم.. ومع كل هذا لا ينظرون لنتائج شرورهم!! هل لهؤلاء عيون تبصر؟ لو كانت لديهم بصيرة روحية لعرفوا ما هو الخير؟ وما هو الشر؟ ولكن هذا ليس بغريب لأنَّ سليمان الحكيم يقول: " اَلذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى، وَالْحَمْقَى يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ " (أم3:22). وقد يفتخرون بفضائلهم كالفريسيّ، الذي تحوَّلت صلاته إلى إدانة العشار!! يقول مُعلمنا لوقا: " أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هَكَذَا: اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ وَلاَ مِثْلَ هَذَا الْعَشَّارِ " (لو11؛18)، لأنَّ خطاياهم أعمت قلوبهم عن رؤية شرورهم القبيحة التي يعملونها، وأظلمت قلوبهم عن رؤية النور، فلم يدركوا الظلام الذي فيهم. وهكذا يحيا الأشرار فى حالة إدانة دائمة، وإسقاط خطاياهم وضعفاتهم على الآخرين ومحاولة تدميرهم، ولو أنَّهم جلسوا مع ذواتهم وحاسبوا أنفسهم، على ما قد وصلت إليه من إنحطاط وفساد لتغيرت حياتهم. مثل هؤلاء العميان بحاجة ماسة إلي لمسة من يد المخلص، لكي تزول الغشاوة التي علي قلوبهم، ويظهر ما كان مخفياً بالداخل من خطايا، عندئذ سيرددون مع الأعمي، تلك الأُنشودة الجميلة التي نطق بها عندما انفتحت عيناه قائلاً: " أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ " (يو25:9). إنَّ لمسة واحدة من يد المُخلص.. حوَّلت ظلمة حياة الأعمي إلي نور.. ولمسة واحدة من نفس يده تقع علي قلوبنا، فتنقلنا من حياة الظلمة إلي النور.. والرب الآن وفي كل وقت يمد إلينا يده.. يريد أن يلمس قلوبنا حتي نبصر هذا النور.. فلنركض إليه كما ركض الأعمي.. ونطلب منه أن يمد يده لتلمسنا.. حتي نري النور ونسير فيه.. قبل فوات الآوان. |
||||
10 - 05 - 2014, 12:39 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
" ضََُعفَت بشقاوتي قوتي وبليت عظامي " (مز 10:31) قد يخطيء إنسان فيظن أنَّه حقق نصراً! وأنَّه قوي! لماذا؟ لأنَّه استطاع أنَّ يُحقق رغبته وينال شهوته التي سعي إليها.. وهو بهذا يُعبّر عن ضعفه وهزيمته.. لأن القوي هو من يسيطر علي رغباته ويتحكم في شهواته الفاسدة. وها نحن نتساءل: كيف يقول خاطيء أنَّه قوي، وهو لم يستطع أن يصمد أمام منظر مثير يكون قد مر أمامه عابراً؟! أو ما أن يُجرح بكلمة حتي يثور ويغضب؟! ألم يقل سليمان الحكيم: " اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً " (أم 32:16). ونظراً لأنَّ كثيرين يفهمون معني القوة فهماً خاطئاً، ويخلطون بين القوة الحقيقية والقوة الزائفة، رأيت من واجبي أن أُصحح هذا الفهم الخاطيء، وذلك بالحديث عن نوعين من القوة ألا وهما: القوة الزائفة والقوة الحقيقية. أولاً: القوة الزائفة وهي القوة التي لها المظهر الخارجي، فمن الخارج يبدو صاحبها أنه قوياً، لكنه من الداخل ضعيف.. وضعيف جداً.. وغالباً ما تطلب الفخر، والمباهاة، وتُحب الشهرة.. ومن أمثلتها: قوة الجسد ليست القوة الحقيقية هي القوة الجسدانية، لماذا؟ لأنَّ قوة الجسد ليست بدائمة للإنسان، فهي معرّضة للزوال، سواء شاخ الإنسان أو مرض أو مات.. كما أنَّ كثيرين من أقوياء الأجسام مغلوبون من الخطية ومكسورون أمام الشهوات.. فهل أناساً مثل هؤلاء يُعدّوا أقوياء؟ بالطبع لا! فالقوي ليس هو ذلك الإنسان الذي له القدرة علي الضر أو القتل أو سفك الدماء والانتصار علي الآخرين، بل هو الذي ينتصر علي الشر والفساد، ويغلب نفسه ويسيطر علي شهواته، ولدينا علي هذا مثلاً واضحاً ألا وهو: شمشون الجبار، أقوي رجل عرفته البشرية، وأقوي مثال للقوة الجسمانية. هذا الجبَّار كان في يوماً ما قوياً، وكان سر قوته هو الله الذي كان معه، لكن عندما استجاب لنداء الخطية، واستسلم لنباح الشهوة فارقه روح الله، واستطاعت دليلة أن تُخّدره بجمالها، وتجعله كطفل رضيع ينام علي ركبتيها، وبعد أن لفّت بذيل الشهوة رقبته، أجبرته أن يكشف سره، وحلقت شعر رأسه..!! لقد صار القوي ضعيفاً، عديم الإرادة.. وما هو سر ضعفه؟ إنَّها الخطية، تلك اللذة الممنوعة التي أوقدت المرأة الزانية نارها في قلبه! أين ذهبت قوته عندما حل محل الثور وصار يطحن في بيت السجن؟! أو عندما أوثقوه بسلاسل؟! قال أحد الآباء لم يكن من منقذي إسرائيل قوياً كشمشون، وما كان أحد منهم ضعيفاً مثله. إنَّ قصة شمشون أقوي مثال لكل خاطيء، يدَّعي أنه قوي وهو يحيا في الخطية، لأنَّ الخطية لا تُعطي ولن تُعطي بل هى تأخذ كل ما لنا.. وهذا هو قمة الضعف أننا عندما نسقط لا نملك شيئاً ندافع به عن أنفسنا. وأيضاً قايين ربَّما ظن في باديء الأمر أنَّه أقوي، لأنَّه استطاع أن يضرب أخيه ويلقيه علي الأرض.. ويقتله (تك8:4)، لكنَّه في الحقيقة كان ضعيفاً أمام الحسد والحقد والغضب.. هزمه شيطان الغيرة وهزمته خطية القتل. وهذا الذي ظن نفسه قوياً عندما وقف أمام الله ارتجف وارتعب، حتى إنَّه قال للرب: " ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي " (تك4: 13، 14)، وبهذا قد عبّر عن ضعفه الذي لم يستطع أن يخفيه أمام الله. قوة الغنى وليست القوة الحقيقية هي قوة المال أو سلطان الثروة.. لأنَّ كثيرين من الأثرياء ضعفاء أمام تجارب الحياة.. وكثيراً ما يسقطون، والقديس بولس الرسول يقول عن محبي الغني العالمي إنهم: " َيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا انْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ " (اتي 6: 9، 10). لقد كان سليمان الحكيم أغني الأغنياء، له قنية: بقر وغنم أكثر من جميع الذين كانوا في أورشليم، وجمع لنفسه فضة وذهباً.. (جا7:2-8) وها هو الغني العظيم أحب نساء غريبة كثيرة.. أملن قلبه وراء آلهة أخري.. فسقط في عبادة الأوثان!! فهل إنسان غني كسليمان يُعد قوياً؟ بالطبع لا، لأنَّه لو كان قوياً ما كان قد إستجاب لنداء زوجاته الغريبات عن جنس شعبه، ولا ترك عبادة الإله الواحد ليعبد أوثان ويبخّر لهن. لكن علي النقيض الآخر نجد بطرس الرسول، الذي لم يكن يملك شيئاً سوي القوة الحقيقية يقول للأعرج: " لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ وَلَكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ " (أع3: 6،7). والرسول بولس يذهب إلي أبعد من ذلك، فيوضح لنا أنَّ الفقراء أحياناً يكونوا سبب غني الكثيرين فيقول: " كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ " (2كو10:6)، أعتقد أنَّ التعاليم الروحية ودعوة الناس إلى التوبة والحياة مع الله.. هى كنوز روحية لا تضاهيها كل كنوز العالم المادية. قوة السلطة وهذه أيضاً ليست القوة الحقيقية لأنَّ المركز زائل والسلطة لا تدوم، فقد يكون رجل ملكاً اليوم قوياً بسلطته، ولكنَّ الزمان المتقلب الرديء، يحكم عليه بالذل والهوان، فيصير عبداً فقيراً وحقيراً ويزدرى به الناس. كان صدقيا ملكاً علي يهوذا وقد كانت مدة اعتلائه العرش إحدي عشرة سنة (2مل18:24)، لكنّه لم يصغِ هو وشعبه إلي كلمة الرب (2أخ12:36)، فنجّس الهيكل بالعبادات الوثنية (2أخ14:36)، ولم يقض بالعدل (إر21: 11، 12)، لكن هذا الملك العظيم، لم تدم عظمته ولا مُلكه، فقد أسره نبوخذ نصر وقتل أولاده أمامه، واقتلعت عيناه، ورُبط بسلاسل من نحاس، وسيق إلي بابل وحُبس هناك حتي موته.. (إر11:52). وكان هيرودس أيضاً ملكاً وله سلطان ونفوذ، وقد استطاع أن يقبض علي يوحنا المعمدان ويُلقيه في السجن، وإذ أراد أن يُسكت هذا الصوت الصارخ ولم يفلح، أمر بقطع رأسه!! فهل كان هيرودس قوياً عندما قتل يوحنا المعمدان؟ أم بالحري ضعيفاً أمام شهوته وكبريائه وانقياده للنساء؟ إنَّ أكبر دليل علي ضعفه، أنَّه ظل يخاف من يوحنا حتى بعد موته، فلمَّا ظهر السيد المسيح ظن هيرودس أنَّه يوحنا قد قام من الأموات (مت2:14). وأغلب الظن أنَّ يوسف الصديق، كان وهو في السجن وتحت الاغلال وفي ذل القيود والتهمة الكاذبة، أكثر قوة وحرية من داوود وهو يئن علي عرش المُلك من ثقل الخطية، ومن فظاعة الجريمة الشنعاء، التي تسببت في تدنيس امرأة وقتل رجل بريء. |
||||
10 - 05 - 2014, 12:39 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: كتاب شوكة الخطية
قوة المعرفة لقد وصل كثير من البشر علي مر العصور، إلي درجة عالية من المعرفة والثقافة، ولكنهم وصلوا معها إلي الضلال والفساد.. وكثيراً ما استخدموا علومهم في تعذيب الإنسانية!! من جهة المادة العلمية كانوا أقوياء، لكنهم كانوا ضعفاء من حيث إستخدامها، وها أنتم قرأتم وسمعتم عن الذين يبذلون قصارى جهدم، من أجل استنساخ البشر، وكم كنَّا نتمني أن يكونوا كبطرس ويوحنا عديما العلم وعاميان(أع13:4)، ولهم قوة روحية يمجدان بها اسم القدوس الذي وهبهم إيَّاها. ثانياً: القوة الحقيقية أمَّا القوة الحقيقية فهي قوة الروح، تلك القوة المستمدة من الله، والتي بها يستطيع الإنسان أن يمتنع عن الخطية، ويضبط نفسه أمام كل شر، ويقول مع معلمنا داود النبيّ: " إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي " (مز4:23) ومن أمثلتها: قوة الفضيلة الإنسان القوي هو ذاك الذي يحيا في البر والتقوي، ولا يوجد للشر مكان في قلبه.. مثل يوسف الصديق الذي كان يحيا في الفضيلة، وقد استطاعت فضيلة العفة أن تسنده وتنقذه من التجربة، ولحُبّه في حياة الطهارة فضّل أن يُطرح في السجن، علي أن يسقط في الشر ويُغضب الله. وبهذا علمنا أنَّ القوة الحقيقية هي قوة النصرة علي الرغبات الفاسدة، وكبح الشهوات الجامحة، ولَعَلَّ هذا ما كان يقصده معلمنا القديس بولس الرسول عندما قال: " لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ " (2كو 10:12)، فقد تكون ضعيفاً في نظر الناس الذين لا يفهمونك، أو ضعيفاً من الناحية الجسدية، ولكنك من الداخل قوي، لأنك لا تفعل الشر ولا تتدنس بالخطية، ألم يكن يوسف ضعيفاً أمام إخوته لكنه قوياً أمام الخطية؟! قوة الإيمان خرج داود لملاقاة جُليات الجبَّار، وهو يحمل في داخله قوة خفية، هي قوة الإيمان باسم رب الجنود.. وبهذه القوة استطاع وهو بعد فتي صغير أن ينتصر علي الجبَّار المُدجج بالسلاح، وقد وصل إيمان داود إلى قمته عندما دخل على جليات وهو يقول: " هَذَا الْيَوْمَ يَحْبِسُكَ الرَّبُّ فِي يَدِي فَأَقْتُلُكَ وَأَقْطَعُ رَأْسَكَ. وَأُعْطِي جُثَثَ جَيْشِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ هَذَا الْيَوْمَ لِطُيُورِ السَّمَاءِ وَحَيَوَانَاتِ الأَرْضِ, فَتَعْلَمُ كُلُّ الأَرْضِ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ لإِسْرَائِيلَ " (1صم46:17). وبنفس القوة تسلّح دانيال النبيّ، والثلاثة فتية القديسون وهم بعد صغار السن، وقد استطاعوا بقوة إيمانهم أن يمتنعوا عن أكل أطايب الملك والتلذذ بخمر مشروبه. قوة الشهادة علمنا الشهداء أنَّ القوة الحقيقية، هي قوة الصمود أمام التجارب، والاعتراف باسم المسيح وقت الاضطهادات، والشهادة للحق أمام الجميع بكل شجاعة.. بهذه القوة وقف يوحنَّا المعمدان أمام هيرودس موبخآ إياه قائلآ: ” لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ! " (مر18:6)، وبها أيضاً وبّخ بطرس الرسول اليهود قائلاً: " وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذَلِكَ " (أع15:3). المحبة قوية لماذا؟ لأنها تعطي، وقد يصل عطاء المحبة إلي بذل الذات نفسها، كما بذل السيد المسيح نفسه من أجل خلاص العالم: " لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ " (يو16:3)، والمحبة قوية لأنها تحتمل، كما احتملت محبة المسيح إنكار بطرس وشك توما واضطهادات اليهود.. وها نحن نتساءل: أيهما كان الأقوى: المسيح أم اليهود؟ أعتقد أنَّ المسيح كان الأقوى، اليهود هم الأضعف، نعم كانوا ضعفاء أمام الغيرة والحسد والكراهية وحب السلطة والكذب... |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حمل في جسده دينونة الخطية، أبطل شوكة الموت |
لأن شوكة الموت هي الخطية |
كتاب شوكة الخطية للراهب كاراس المحرقي |
شوكة الخطية |
كتاب شوكة الخطية للراهب كاراس المحرقي |