إنجيل بطرس المنحول
هذا الكتاب الأبوكريفي لم يعرف عنه أحد شيء خارج ما ذكره عنه آباء الكنيسة ابتداء من نهاية القرن الثاني وإلى نهاية القرن الرابع وبداية الخامس، حتى عثرت عليه بعثة آثار فرنسية في مقبرة قديمة يفترض أنها لراهب في أخميم والتي كانت تدعى قديما بنابوليس panopolis، سنة 1886م، ووُضع في متحف القاهرة، ونُشر سنة 1892م في ذكرى البعثة الأثرية الفرنسية. وترجع المخطوطة التي وجدت لهذا الكتاب لما بين القرن الحادي عشر والقرن الثامن وهي باللغة اليونانية. ويروي هذا الكتاب روايات عن المحاكمة والصلب والقيامة والصعود، ويتفق في الكثير من روايته مع ما جاء الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة وأن كان في المضمون أكثر منه النص الحرفي. ويبدوا واضحًا أن كاتبه أعتمد بدرجة كبيرة على ما سمعه في الكنائس وليس على قراءة الإنجيل المكتوب، ولكنه أضاف إضافات كثيرة تدل على أنه تأثر كثيرا بالفكر الدوسيتي الغنوسي، بل وتبرر بعض المواقف التي نشأت بعد انتشار المسيحية بعشرات السنين، مثل التساؤل حول ظهور المسيح للتلاميذ فقط، فيقول أن الجنود الرومان وشيوخ اليهود الذين كانوا يحرسون القبر مع الجنود الرومان رأوا الملائكة التي نزلت من السماء ورأوا المسيح وهو قائم من الأموات وخارج من القبر. بل ويصور المسيح لحظة القيامة بصورة دوسيتية خيالية فيقول: "رأوا ثانيه ثلاثة رجال خارجين من القبر واثنين منهم يساندان واحدًا وتبعهم صليب. ووصلت رؤوس الاثنين السماء ولكن رأس ذلك المُنقاد منهم باليد تجتاز السموات!!". وهي صورة خيالية تدل على فكر دوسيتي غنوسي.
وقد درس آباء الكنيسة هذا الكتاب الذي كان موجودًا فقط في كنيسة مدينة روسوس السورية في شمال غرب أنطاكية وقد وبخ القديس سيرابيون أسقف إنطاكية شعب هذه الكنيسة لاستخدامهم له وحرم قراءته. وفيما يلي الآباء الذين تكلموا عنه:
(1) سيرابيون أسقف أنطاكية (190-203 م.)؛ والذي يقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كتب العديد من المؤلفات منها: "ومؤلف (λογος) أخر ألفه عما يسمى بإنجيل بطرس. وقد كتب هذا المؤلف الأخير لتفنيد الأباطيل التي يتضمنها (ذلك الإنجيل) نظرا لأن البعض في جماعة روسوس قد انجرفوا في تعاليم هرطوقية (ετεροδοξους - heterodox) بسببه. ويحسن اقتباس بعض فقرات موجزة من مؤلفه لأظهر آراءه عن الكتاب. وقد كتب ما يلي:
لأننا أيها الأخوة نقبل كلا من بطرس وسائر الرسل كالمسيح، ولكننا نرفض بشدة الكتابات المنسوبة إليهم زورًا، عالمين أن مثل هذه لم تسلم إلينا. لما زرتكم كنت اعتقد أنكم متمسكون بالإيمان الصحيح. وإذ كنت لم أقرأ بعد الإنجيل الذي أبرزوه تحت اسم بطرس قلت: أن كان هذا هو المصدر الوحيد للنزاع بينكم فليقرأ. أما الآن وقد علمت مما قيل لي أن أفكارهم قد انحرفت إلى بدعة ما، فإنني سأسرع في الحضور إليكم ثانية، فإنني سأسرع في الحضور إليكم ثانية. لذلك توقعوا مجيئي أيها الأخوة. ولكنكم سوف ترون مما كتب لكم أيها الأخوة أننا قد عرفنا طبيعة بدعة مركيانوس (Μαρκιανος - Marcianus)، وأنه ناقض نفسه بنفسه إذ لم يفهم ما قاله. لأننا إذ حصلنا على هذا الإنجيل من أشخاص آخرين درسوه دراسة وافية، أي من خلفاء أول من استعملوه، الذين نسميهم دوكاتي (Δοκητας - docetics)، (لأن معظم أرائهم تتصل بتعليم هذه العقيدة)، فقد استطعنا قراءته ووجدنا فيه أشياء كثيرة تتفق مع تعاليم المخلص الصحيحة، غير أنه أضيف لتلك التعاليم إضافات أشرنا إليكم عنها فيما بعد" (ك6 ف12).
(2) أوريجانوس (253م)؛ والذي يقول عن أخوة المسيح: "وللتقليل من شأن ما يظهر أنه قريب بدرجة كبيرة من أقاربه يقولون: أليست أمه تدعى مريم، وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أليس كل أخواته معنا؟ ويفترضون لذلك أنه ابن يوسف ومريم، ولكن البعض اعتمادا على ما جاء في الإنجيل المنسوب لبطرس يقولون أن أخوة يسوع كانوا أبناء ليوسف من زوجة سابقة تزوجها قبل مريم" (On Matthew 10.17, commentary on Matthew 13.55).
(3) ويقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري: "أننا نرى أنفسنا مضطرين لتقديم هذه القائمة لنتمكن من معرفة كل من هذه الأسفار (أي الأسفار القانونية) وتلك التي يتحدث عنها الهراطقة تحت اسم الرسل، التي تشتمل مثلا أناجيل بطرس وتوما ومتياس وخلافهم، وأعمال أندراوس ويوحنا وسائر الرسل. هذه لم يحسب واحد من كتاب الكنيسة أنها تستحق الإشارة إليها في كتاباتهم. وعلاوة على هذا فأن أسلوب الكتابة يختلف عن أسلوب الرسل، ثم أن تيار التفكير في محتوياتها والقصد منها يختلفان كل الاختلاف عن التعاليم المستقيمة الحقيقية. مما يبين بكل وضوح أنها من مصنفات الهراطقة. ولهذا فلا يصح وضعها حتى ضمن الأسفار المرفوضة، بل يجب نبذها كلها ككتابات سخيفة ماجنة". (ك3ف25:6و7)