ظهور ملكوت الله في الصليب والقيامة
كان مزود بيت لحم هو العرش الأول للملك، ملك الملكوت، على الأرض، وكان الصليب الذي كان رُفع عليه في الجلجثة هو عرش التتويج الذي توج من عليه ملكًا يجذب إليه الجميع "وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت (225)". كان بعض اليونانيين يريدون أن يروا المسيح وسألوا تلاميذه من أجل ذلك فقال لهم "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" وأخذ يتكلم عن موته الوشيك على الصليب والذي سيكون سببًا لانضمام الكثيرين إلى الملكوت " الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير (226)". فهو ذاته البذرة التي كان يبج أن يموت لكي بموته يجذب الكثيرين إلى ملكوته. قال ليوحنا ويعقوب ابن زبدي عندما طلبت أمهما من السيد أن يجلسا واحد عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها أنا.. كما أن ابن الإنسان لم يأتي ليُخدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (227)"، فقد جاء ليبذل نفسه على الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. قال في العشاء الرباني "هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا (228)" وقال القديس بولس بالروح "هكذا المسيح أيضًا بعدما قُدّم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه (229)" وأيضا "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة (230)".
وكما كان موته على الصليب هو مجده والصليب هو العرش الذي يتجه إليه الجميع كانت القيامة، التي لم يتحدث أبدًا عن آلامه وصلبه دون ذكرها، هي برهان الحياة الأبدية في الملكوت وقد تحدث بعدها السيد مدة أربعين يومًا عن "الأمور المختصة بملكوت الله (231)"، وبعدها صعد الملك إلى السماء وجلس عن يمين الآب يقول بطرس الرسول بالروح "فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك. وإذا أرتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي أنتم تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول قال الرب لربى أجلس عن يميني. حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك. فليعلم جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا (232)".
من على الصليب أجتذب المسيح، الملك المتوج على الصليب، الجميع إليه وبالقيامة والصعود والجلوس عن يمين العظمة في السموات صار موضوع عبادة الجميع باعتباره رب المجد، ملك الملكوت، المعبود الذي يجب أن تقدم له العبادة:
"الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله وأعطاه أسمًا فوق كل اسم. لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (233)".