منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 15 - 04 - 2014, 04:36 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
عبادة الأسرة المباركة



في المزمور السابق تطلع المرتل إلى بيت الرب، فانجذب إلى الرب باني البيت المقدس، وحافظ مدينته المقدسة، واهب الراحة الحقيقية لأحبائه مع ثمار فائقة. الآن يتطلع المرتل إلى المتعبدين للرب أنفسهم، فيراهم أسرة واحدة ذات سمات معينة، تمارس حياة مطوَّبة، أي لها سمة سماوية.
في هذا المزمور تتهلل نفس المؤمن مسبحًا الله، الذي أقام أسرة بهذه الصورة الشبه سماوية، وفي نفس الوقت يتمتع المؤمن نفسه بأسرة مقدسة في الرب.
هنا يقدم المرتل وصفًا رائعًا للأسرة السعيدة التي تقوم على خوف الرب، ومن ثم تسلك في سيرة صالحة، في طريق الرب. هنا يتمتع المؤمن بما حققه من عمله وثماره فيكون على صورة سيده ومخلصه رب أسرة متهللة وهو نفسه مطوب ومغبوط.
يصير المؤمن أشبه بالسيد المسيح الذي له عروسه الكنيسة تكرمه تحمل أغصانًا مثمرة (أي أولادها). هذا بالنسبة للرجل كما المرأة حيث يصير الكل كنيسة صغيرة مقدسة مملوءة من ثمر الروح.

1. أعضاء الأسرة المطوّبة
1.
2. أسرة عاملة
2.
3. أسرة مثمرة
3-4.
4. حياة كنسية سماوية
5.
5. حياة ممتدة مملوءة سلامًا
6.
من وحي المزمور 128
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
1. أعضاء الأسرة المطوّبة
تَرْنِيمَةُ الْمَصَاعِدِ
طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ،
وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ [1].
يصعب جدًا ترجمة كلمة "طوبى"، فإنها لا تعني مجرد: "يا لسعادة"، وإنما تعني تذوق عربون الحياة السماوية المطوَّبة، التي تقدم فرحًا داخليًا، وسلامًا فائقًا، لا يعتمد على عطايا أو إمكانيات زمنية، بل على الدخول في دائرة الأبدية.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كلمة "مطوّب" فيها كل الكفاية، لأنها تمثل حالًا مستقرًا، أما العطايا الأخرى، أيا كانت من غنى أو كرامة أو كثرة الإنجاب الخ.، فجميعها يمكن أن تزول. من جانب آخر كان يوسف الشاب مطوبًا تحت كل الظروف، حينما بيع وصار غريبًا، كما صار عبدًا ثم سجينًا. هذه جميعها لم تفقد سمة الطوبى، إذ كان يتقي الله، يسلك في طرق الله. فلا يكفي الإيمان وحده دون مخافة الرب والسلوك في وصاياه.

سمة أعضاء هذه الأسرة مخافة الرب أو ما ندعوه بالتقوى، وهي سمة تمس الأعماق الداخلية، حيث يدرك المؤمن بنوته لله، فيحمل نوعًا من مخافة الابن أو الابنة نحو الأب المحبوب جدًا. هذه المخافة تُترجم خلال السلوك العملي والطاعة للوصية الإلهية.
علامة مخافة الرب أن يسلك المؤمن في طرق الرب. وكما قيل: "قفوا على الطرق، واسألوا عن السبل القديمة: أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه" (إر 6:16) فمع كثرة الطرق أو السبل المستقيمة يحمل الكل روحًا واحدًا، فتدعى جميعها "الطريق الواحد الصالح" إذ هي إتحاد في المسيح "الطريق" الواحد.
لكن المسيح الواحد وهو طريقنا للدخول إلى حضن الآب قدم طرقًا كثيرة للحياة معه، فيستطيع الإنسان التقي المتزوج أن يتمتع به، وأيضًا البتول. كما أن لكل مؤمنٍ موهبة خاصة، هذا في التعليم، وذاك في العطاء، وثالث في الصلوات الدائمة الخ.
بقوله "كل" يرى المرتل بعين النبوة ما تحقق في العهد الجديد حيث انفتح باب الإيمان لكل الأمم، فالدعوة موجهة للجميع كي يقبلوا السيد المسيح واهب المخافة الربانية، وحاملنا في الطريق السماوي.
بقوله "الكل" يفتح الباب لكل إنسانٍ، بغض النظر عن مركزه أو إمكانياته أو عمره أو ظروفه الاجتماعية. فالله محب كل البشر، يود أن يضم كل إنسانٍ إلى هذه الأسرة الممتدة من آدم إلى آخر الدهور.
* الشخص الذي يخاف الله هو متحرر من هجمات الموجات العظيمة، ويستريح في هدوءٍ، في ميناءٍ آمنٍ، يحصد مكافآت التطويب الحقيقي. لهذا فإن الكاتب الملهم بوحي إلهي تجاهل كل هذه الأمور الأخرى ليعلن فقط أنه مطوّب.
* لاحظوا أنه يبدأ هنا من حيث انتهى هناك (في المزمور السابق)، إذ يعلن أنهم مطوبون في هذه النقطة حيث لا يخزون، لأن الله حليف لهم، يقف في جانبهم، هكذا يبدأ هنا أيضًا بهذا بالقول: "طوبى لكل من يتقي (يخاف) الرب". مرة أخرى يضع ملاحظاته في تطبيقه العملي، مبتدأ بأن "الكل حسن". إن كنت عبدًا، سيدًا، فقيرًا، مقعدًا، أيا كان حالك، ليس شيء من هذه الظروف يحرمك من الطوباوية المُشار إليها[1].
* كثيرون لهم إيمان حقيقي لكن حياتهم فاسدة، وهم بالأكثر بائسون أكثر من كل أحدٍ[2].
* "يسلك في طرقه"... بهذا الطريق في الحقيقة يمكنه أن يرتفع إلى السماء، ويقتني المدينة الأم، ويرى الله نفسه قدر ما يمكن للإنسان أن يراه. هذه تدعى طُرق الله، لأن خلالها يمكن البلوغ إلى الله.
لم يقل "طريق" بل "طرق" مظهرًا أنها كثيرة ومتنوعة. جعلها كثيرة بقصد أن يجعل اقترابنا سهلًا بطرق كثيرة عظيمة، أقصد أن البعض بارزون في البتولية، وآخرون في السمو في الحياة الزوجية، وآخرون يحتملون الترمل كزينة لهم، وآخرون يجردون أنفسهم من كل شيءٍ، وآخرون من نصف الأمور، وآخرون يسلكون حياة بلا لوم (عادية)، وآخرون بالتوبة، جعل هناك طرق كثيرة حتى يمكن السفر بسهولة...
احتمل هذا كله بشكرٍ، فتحصد مكافأة عظيمة[3].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يلخص لنا الكتاب المقدس رغباتنا الحرة في درجات مختلفة من الكمال، حسب حالة كل ذهنٍ وقياسه، لأنه لا يُتوج كل البشر بتاجٍ موحد من الكمال، إذ ليس للكل نفس الفضيلة ولا نفس الهدف أو الغيرة. هكذا أشارت الكلمة الإلهية بطريق ما إلى درجات الكمال المختلفة وقياساته المتنوعة...
طبقًا لهذا المبدأ يمدح الكتاب المقدس من يخاف الله قائلًا: "طوبى لكل مَن يتَّقى (يخاف) الرب، ويسلك في طرقهِ" (مز 1:128)، واعدًا إياهم بسعادة سماوية. ومع هذا يرجع فيقول: "لا خوفَ في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمَّل في المحبَّة" (1 يو18:4).
مرة أخرى بالرغم من أن عبادة الله بخوفٍ شيء عظيم وقد قيل: "اعبدوا الربَّ بخوفٍ" (مز 11:2)، و"طوبى لذلك العبد الذي إذا جاءَ سيّدهُ يجدهُ يفعل هكذا" (مت 46:24)، إلا أنه قيل للرسل: "لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ، لكني قد سمَّيتكم أحبَّاءَ، لأني أَعلمتكم بكلّ ما سمعتهُ من أبي" (يو 15:15). مرة أخرى يقول: "أنتم أحبَّائي إن فعلتم ما أوصيكم بهِ" (يو 14:15).
ترون إذن أن هناك درجات مختلفة من الكمال، وأن الرب يدعونا من الأشياء السامية إلى الأسمى بطريقة تجعل ذاك الذي صار مطوبًا وكاملًا في مخافة الله يسير كما هو مكتوب من قوَّةٍ إلى قوَّةٍ (مز 7:84)، أي من كمالٍ إلى آخر. بمعنى أن يصعد بغيرة الروح من الخوف إلى الرجاء، وأخيرًا إلى المحبة التي هي آخر مرحلة. فهذا الذي كان "العبد الأمين الحكيم" (مت 45:24)، يبلغ إلى مرحلة الصداقة ثم التبني كابن.
من ثم يمكن فهم كلامنا بالمعنى التالي: إننا لا نقول إن الخوف من العقوبة المنتظرة أو رجاء الجزاء المبارك الذي وعد به القديسين ليس بذي قيمة، لكن وإن كان هذا نافعًا، إذ يدفع أولئك الذين يتبعونها للتقدم خطوة مباركة، إلا أنه في المحبة ثقة كاملة وفرح دائم، تبعدهم عن خوف العبيد ورجاء الأجير إلى محبة الله، وتجعلهم أبناء وتنقلهم من كمالٍ إلى كمالٍ أعظم[4].
الأب شيريمون
كثيرًا ما يكرر القديس أغسطينوس في تفسيره لسفر المزامير، خاصة مزامير المصاعد أن المرتل تارة يستخدم صيغة الجمع وأخرى صيغة المفرد، وفي كلتا الحالتين يتحدث عن الكنيسة التي تضم الكثيرين، وفي نفس الوقت هي جسد واحد للرأس الواحد، ربنا يسوع.
* عندما أتحدث عن المسيحيين بصيغة الجمع أنهم واحد في المسيح الواحد. أنتم كثيرون ومع ذلك أنتم واحد. نحن كثيرون، ولكننا نحن واحد... لأننا نلتصق بالواحد، كأعضاء له، وإذ رأسنا في السماء، يمكن لأعضائه أن تتبعه... ليتنا نحن جميعًا الملتصقون بجسد المسيح نسلك في طرق الرب[5].
القديس أغسطينوس
* كما أن مصباحًا يضيء حجرة مظلمة، هكذا مخافة الرب إذ تخترق قلب إنسان تنيره، معلِّمة إياه كل الفضائل ووصايا الله.
أحد آباء البرية
* خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس.
* ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطرٍ عظيمةٍ في وقت الشتاء.
الأب دوروثيؤس
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
2. أسرة عاملة
لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ.
طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ [2].
جاءت في الترجمة السبعينية: "ستأكل ثمار أتعابك"، وكلمة أتعاب هنا تعني أعمال الإنسان، فإن ما يزرعه إياه يحصد (غل 6: 7).
* في الوقت الحاضر لنا أتعاب، أما الثمار فستأتي فيما بعد. ولما كانت الأتعاب نفسها ليست بدون فرحٍ، وذلك من أجل الرجاء، الذي تحدثنا عنه منذ قليل. "فرحين في الرجاء" (رو 12: 12)، هذه الأتعاب عينها حاليًا تبهجنا، وتجعلنا فرحين في الرجاء... يوجد فارق بين الرجاء وتحقيقه. إن كان الرجاء عذبًا هكذا، فكم بالأكثر يكون تحقيقه أكثر عذوبة؟[6]

القديس أغسطينوس
* لماذا يضاعف البركة؟ لأنه يعرف عظمتها لهذا يجد مرحًا في الحقيقة[7].
* "من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا، ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 8)... من يزرع في الجسد عهارة وسكرًا وشهوة بلا ضابط، يحصد ثمار هذه الأمور. ما هي ثمارها؟ عقوبة وجزاء وخزي وهزء وتحطيم... أما ثمار الروح فهي مضادة لذلك تمامًا.
تأمل، هل بذرت صدقات؟ كنوز السماء ومجد أبدي تنتظرك! هل بذرت الاعتدال؟ تنتظرك الكرامة والمكافأة وتهليل الملائكة وإكليل من قبل الديان[8].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* تأمل الأسلوب الأرثوذكسي في المعركة وقدر إنجازات المعارك الروحية، كيف أن المناضل المسيحي وقد انتصر على جسده الثائر ووضعه تحت وطأة قدميه يُحمل إلى الأمام كمنتصرٍ في الأعالي. ولذلك فإنه لا يركض كأنه عن غير يقين، لأنه يثق بدخوله توًا إلى المدينة المقدسة، أورشليم السمائية[9].
القديس يوحنا كاسيان
* نحن الذين وُهب لنا الحياة الأبدية ، نصنع الأعمال الصالحة، لا لأجل الجزاء، بل لحفظ النقاوة التي وُهبت لنا[10].
القديس مرقس الناسك
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
3. أسرة مثمرة

امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ.
بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ [3].

يشبه المرتل الإنسان المؤمن في أسرته المقدسة بغروس الزيتون الصغيرة المحيطة بالشجرة الأصل. فشجرة الزيتون تنتج ثمارًا طيلة خمسين عامًا تقريبًا، وتنبت أشبه بشجيرات أو فروع عند الجذر تحيط بها فتعينها وتزيد تماسكها وإنتاجها. ففي وقت الأزهار تمتلئ الشجرة بالزهر الأبيض، فتصير كرجل أشيب الشعر وتحيط حولها الأشجار الصغيرة. صورة جميلة جذابة للمؤمن، وقد أحاط حوله أولاده يسندونه ويعملون معه، ويعينون والديهم في عمرهم المتقدم[11].
يقول القديس جيروم يجب أن تفهم الزوجة والأبناء روحيًا، وإلا نتوهم أن الملائكة لا ينعمون بمثل هذه البركات، لأن ليس لهم زوجات ولا أبناء. فمن هي الزوجة الروحية؟ لقد تاق سليمان أن تكون له الحكمة زوجة (أم 4: 6، 8).
* فلنتخذها نحن أيضًا زوجة لنا، ولنحتضنها (جا 2:8). لا ندعها تفارق أحضاننا، ولا تهرب من بين أذرعنا. فإن تلك العروس دائمًا في حضننا، فسننجب منها أبناء... أعني ما يقوله هنا: "بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك"... فالذي يتخذ الحكمة زوجة له ينجب منها أولادًا...
كما تحمل الكرمة عناقيد كثيرة ولها جذر واحد، تضرب بأغصانها في اتساعٍ وازدهارٍ... هكذا الحكمة التي هي زوجتنا، إن لم ندعها تتركنا ولا تولد فينا عناقيد كثيرة أي فضائل عدة، وإرادة قوية مقدسة وأعمال شريفة كثيرة[12].
* من طبيعة زيت الزيتون أن يحفظ الأطعمة، ويشعل اللهب وينعش الجسم ويجدده بعد رحلة طويلة مرهقة، ويصلح ما فسد ويجدد ما قد تهلهل، فيرد الأصل عمليًا إلى ما كان عليه بعد دهنه بالزيت[13].
القديس جيروم
* امرأته هنا قيلت بخصوص المسيح، وهي الكنيسة. امرأته هي نحن "مثل كرمة مثمرة"[14].
القديس أغسطينوس
* في عبارات كثيرة للتعليم الإلهي... يشار إلى النساء من الجانب الإيجابي كما من الجانب السلبي. كمثال قيل... "امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون" (مز 128: 3)... من الجانب السلبي يُقال: "لأن شفتي المرأة الشريرة تقطران عسلًا، وخدها أنعم من الزيت. لكن عاقبتها مُرة كالأفسنتين" (أم 5: 4)[15].
القديس ديديموس الضرير
* دعنا نستمع ما تقوله الكرمة المزدهرة عن ثمارها، الكرمة الموضوعة في جوانب بيت الله، التي يقول النبي إنها مثمرة (مز 128: 3).
إن الحياة الطاهرة الإلهية تمتزج بالحب. "طاقة فاغية حبيبي في كروم عين جدي".

مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
من هو هذا المبارك هكذا؟ بل بالحري من ذا الذي يسمو فوق كل بركة حتى أنه إذا ما نظر إلى ثمرته يرى في كرمه أي في نفسه الداخلية رب الكرمة؟ لاحظ كيف نمت العروس حتى أفاح ناردينها رائحة العريس الذكية. لقد جعلت منه مرًا نقيًا، ووضعت هذا العطر في صُرَّة، وخبَّأته في قلبها حتى لا تفارقها عذوبته ولا تفقدها أبدًا، وهكذا قد صارت العروس أُمًا لعنقود العنب المقدس الذي أزهر، أي الذي أزدهر وقت آلام الرب وأثناء هذه الآلام سكب عصيره. الخمر الذي يفرح القلب (مز 103: 15) يسمى دم العنب بعد الآلام[16].
* سمع الكرام باِهتمام إلى الأوامر الإلهية مثل المرأة التي قال عنها داود، "امرأتك مثل كرمة مثمرة" (مز 128: 3). إنها رأت نفسها بعيدة عن القوة المدمرة لهذه الوحوش بواسطة قوة من أمرها، وفي الحال وهبت نفسها لراعيها الذي أزال الحائط الحاجز. فلا يحجز حائط الوصايا الاتحاد بينها وبين الواحد الذي ترغبه. وهي تقول: "أنا لحبيبي وحبيبي لي، الراعي بين السَوْسن. إلى أن يفيح النهار، وتنهزم الظلال أرجع وأشبه يا حبيبي الظبيْ أو غفر الأيائل على الجبال المشبعة" (نش 2: 17)، أي أنها عرفته وجهًا لوجه، الواحد الذي يعيش منذ الأزل، ومن أجل خلاصي جاء في صورة إنسان إني أستريح فيه وأسكن. لأنه هو الراعي الصالح الذي يرعى غنمه ليس بالعُشب بل بالنرجس النقي.
حقيقة إنهم لا يتغذون على العشب، فالعشب هو الغذاء الصحيح للحيوانات الغير عاقلة، ولكن الإنسان عاقل ويتغذَّى على الكلمة الحقيقي. أما إذا اكتفى الإنسان بالعشب، فسوف يتحول إلى عشب "كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل" (إش 40: 6)، طالما هو جسد. أما إذا تحول الشخص إلى روح وولد من الروح، فلا يتغذى بعد ذلك على العشب، بل يتغذى على الروح، التي ترمز إليها بنقاء النرجس ورائحته الذكية. وسيتحول إلى نرجسة نقية وعَطرة، فلقد تغيّر حسب المادة الطيبة التي يأكلها. هذا هو اليوم الذي أرسل فيه أشعته إلى الأنام... وبواسطة نوره تختفي ظلال الحياة. ويُسرع هؤلاء الذين لم تُضأ عيون نفوسهم بواسطة نور الحق، وراء تلك الظلال. وهم يعتبرون الظلال، الباطلة كأنها حقيقة بينما ينظرون إلى الحق على أنه غير موجود. ولكن هؤلاء الذين تغذوا على النرجس، أي الذين نمت وترعرعت نفوسهم على تغذية عطره ونقائه، قد خلَّصوا أنفسهم من كل مظاهر الظلال والخداع التي يسعى الناس إليها أثناء هذه الحياة. لقد أصبحوا أولاد النور والنهار، وسوف يتعرفون على المادة الحقيقية للأشياء[17].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* الحقل مملوء بالزهور. إنه مملوء بثمار متنوعةٍ. لتحرث حقلك إن أردت أن تُرسل إلى ملكوت الله. دع حقلك يزهر، ويثمر بالمكافاءات الصالحة. لتوجد كرمة مثمرة على جوانب بيتك وغروس زيتون حول مائدتك (مز 128: 3). لتدرك خصوبتها، دع نفسك يغرسها كلمة الله، ويحرسها مزارع روحي. قل للمسيح: "تعال يا أخي، لنخرج إلى الحقل" (راجع نش 7: 11). دعه يجيب: "دخلت جنتي يا أختي العروس، قطفت مري" (نش 5: 1). أي شيء أفضل من قطف الإيمان الذي به تُُخزن ثمرة القيامة ونبع الفرح الأبدي يتدفق؟[18].
القديس أمبروسيوس
يُدهن المعمد حديثًا بمسحة الميرون، فليس من حق الطفل فقط في العائلة المسيحية أن ينعم بالانضمام إلى جسد السيد المسيح المصلوب والمقدم للإنسانية كلها، وإنما من حق الكنيسة أيضًا أن تضم إلى شركتها في الرب جماعة الأطفال كجزء حيّ وأساسي في الجماعة، فيتحقق فيها قول المرتل: "امرأَتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 128: 3).

مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
إن كنا نفرح بولادتهم الجسدية، فنقدم للرب تسبحة شكر لأجل هذه العطية، فكم بالأحرى تتهلل الكنيسة الجامعة وكنيسة البيت بضمهم خلال الولادة الروحية؟!
هَكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ [4].
* تحيا الفضيلة مع الإنسان الحكيم في اتحاد شرعي، حتى يمكن أن يلد منها ذرية مقدسة. ففي الحقيقة تلد الحكمة رجل تمييز (أم 10: 23). الإنسان الورع والمقدَّس يوجه إليه في الكتاب المقدس الكلمات: "امرأتك مثل كرمة مخصبة... بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك. هكذا يُبارك الرجل المتقي الرب" (مز 128: 3-4)[19].
القديس ديديموس الضرير
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
[ 4. حياة كنسية سماوية ]

يُبَارِكُكَ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ،
وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ [5].
إذ يختبر المؤمن عضويته في الأسرة السماوية، لا يقدر العالم بكل أحزانه ومتاعبه أن ينزع عنه بركات الرب وصلاحه، بل تبقى مراحمه جديدة في كل صباح.
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
[ 5. حياة ممتدة مملوءة سلامًا
وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ.
سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ [6].
* إن كنتم قد تعلمتم شيئًا من عظتي أكون قد اعتنيت بأبنائي، وإن كنت قد علمت آخرين، فلنصلِ إلى الرب ليكون لنا أبناء وأحفاد، وأن تكون ذريتنا وفيرة. فلنسرع لننجب مثل هؤلاء الأبناء، فهذا اتحاد مقدس. وأنني أخبركم بما هو غريب، أن يولد مثل هؤلاء الأبناء بدون زوجة[20].
القديس جيروم
مزمور 128 (127 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - عبادة الأسرة المباركة
من وحي المزمور 128

عجيب أنت في حبك للأسرة البشرية


* أعطت البشرية ظهرها لك،
وحملت فيها روح العداوة لك، والتغرب عنك،
حسبت وصيتك قيدًا،
والحياة معك حرمانًا!
* ونحن أعداء، نزلت يا مخلصي لمصالحتنا.
حملتنا فيك كطريقٍ عجيبٍ يحملنا إلى السماء.
صيرتنا أسرة متهللة نمارس الحياة السماوية.
عوض اللعنة التي حلت بنا، صرنا بك مطوبين.
* حولت تعب العمل إلى العذوبة.
وقدمت لنا خيرات من عندك يا إلهي.
قدمت لنا الحكمة السماوية قرينةً لنا،
تملأ جوانب البيت بثمار الروح العجيبة.
* وهبتنا بنين مولودين لا من الجسد،
بل بالروح، صاروا مغروسين في بيتك.
قدمت لنا أبناء للبنين،
وتبقى الأسرة ممتدة إلى يوم مجيئك.
لك المجد يا من أقمت من المؤمنين أسرة مطوّبة
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 127(126 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير -عبادة الله باني البيت وحافظه
مزمور 127 (126 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 126 (125 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 67 (66 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير
مزمور 63 (62 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير


الساعة الآن 10:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024