بين النظرة البسيطة العابرة والنظرة الثابتة الفاحصة
البصر و البصيرة
إن لفظة انظروا الواردة في الآية هنا، لا تعني مجرد النظرة السريعة العابرة، بل تعنى المراقبة والملاحظة الدقيقة، وفي اللغة القبطية هناك لفظتان تعبران عن النظر، الأولى "سومس" وتعنى مجرد النظر والأخرى "جوشت" وتعنى التطلع والمراقبة عن كثب. نقول في مرد ثيئوطوكية الأربعاء qeotokia "تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك" والمقصود أن الله بحث وفتَّش حتى وجد السيدة العذراء "هي الأفضل" ليتجسد منها.
عين حاسدة
لذلك فعندما ينصح القديس بولس قائلًا: انظروا ... فهو يقصد راقبوا باستمرار ... وعندما طلب الله من إرميا النبى أن يبحث عن شخص بار في أورشليم ليرحم الشعب بسببه من السبى، قال له: "طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا " (إر5: 1) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا) أي مّروا ولاحظوا وادرسوا...
انظر .... تدبّر الأمر: يأتي النظر هنا أيضًا بمعنى "تدبّر الأمر" لإتخاذ قرار، ونقرأ في محاكمة السيد لمسيح قول بيلاطس البنطى لليهود "أنا برئ من دم هذا البار، أبصروا أنتم"(مت27: 24) أي ادرسوا الأمر وقرروا ما ترونه، وهو القول ذاته الذى وجهه اليهود أنفسهم ليهوذا عندما أراد إعادة الفضة التي أُسلم بها سيده "ماذا علينا أنت أبصر"(مت4:27) ولم يكن بيلاطس يقصد مجرد النظر فهم لهم أعين ويرون الموقف كله، ولكنه قصد تدبر الأمر والخروج بقرار، ولكن اليهود كان لهم أعين ولكنها لا تبصر "ألكم أعين ولا تبصرون"(مر18:8). ومن هنا فإن هناك فرق بين البصر والبصيرة... مثل الفرق بين السمع والفهم والطاعة، فعندما يطلب أب من إبنه أن يسمع الكلام، فهو يقصد الفهم والطاعة، عندما يقول سليمان الحكيم" الحكيم عيناه في رأسه"(جا2: 14) فهو يقصد أن الحكيم هو شخص واعٍ ويقظ يمسك بزمام الأمر، أما الجاهل فيسلك في الظلام...