عطايا الآب
أكمل السيد المسيح تعاليمه في الموعظة على الجبل بعد أن قدَّم الدعوة لتلاميذه أن يسألوا فيعطوا.. فقال: "أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا؟ وإن سأله سمكة يعطيه حية؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه!" (مت7: 9-11).
الثقة في الصلاة
الصلاة هي التي تبرهن على ثقة الإنسان في الإله الذي يعبده. إنه يثق في قدرته، ويؤمن بوجوده وقدرته على الاستماع إلى الصلاة. ويؤمن كذلك بقدرته على استجابة الصلاة.
إن المؤمن يختبر فاعلية الصلاة في حياته بصورة واضحة تجعله يزداد إيمانًا. ولذلك يقول الرب: "أما البار فبالإيمان يحيا وإن ارتد لا تسر به نفسي" (عب10: 38).
الإنسان البار يعيش في خبرة مستمرة للعمل الإلهي الفائق للطبيعة. والمعجزة بالنسبة له تعتبر شيئًا طبيعيًا لأن حضور الله المستمر في حياته يرفعه فوق مستوى العالم والمادة والمنظور "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية" (2كو 4: 18).
بالصلاة يشعر الإنسان البار أنه يحرك العالم كله، ليس بحسب مشيئته الخاصة، بل بقيادة الروح القدس له في حياته. لذلك يقول الكتاب إن "طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها" (يع 5: 16).
إن الصلاة لا تعرف شيئًا اسمه المستحيل "لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله" (لو1: 37)، ولأن "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر9: 23).
الصلاة تخرج بالإنسان من إطار التوقع البشرى إلى ما يفوق توقعات البشر. لأن الله يعطينا أكثر مما نطلب أو نفتكر.
إن نحن أهملنا الصلاة واتكلنا على أنفسنا، فإننا نعمل بقدرتنا وحدنا. أما بقوة الصلاة فإننا نضيف قوة الله إلى قوتنا. أي تزداد قدرتنا بما لا يقاس.
ولكي يؤكّد لنا السيد المسيح أن الآب السماوي سوف يمنحنا بالصلاة كل ما نحتاج إليه في مسيرتنا نحو الأبدية، فقد قال: "أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا" (مت7: 9). وهذا برهان واضح على أن صلاة المؤمن لا يمكن أن تخيب. لأن من يدّعى ذلك يكون كمن يقول إننا أكثر برًا من الله وحاشا أن يكون ذلك. لهذا قال السيد المسيح: "إن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة" (مت7: 11)،بمعنى أن الآباء من البشر يمنحون الخيرات لأولادهم، وذلك بالرغم من الشر الموجود في البشر. فكم بالحري الرب القدوس الكلى الصلاح ألا يمنح خيرات للذين يسألونه؟
فلماذا نشك في رغبة الآب في الاستجابة لطلباتنا؟.. ولماذا نتجاهل وجوده وقدرته ونهمل في صلواتنا؟.. ولماذا نتجاهل محبته التي أكدّها وأعلنها لنا؟.. لماذا ولماذا يطول غيابنا؟! وهو الذي يدعونا باستمرار إلى الحياة في شركة مقدسة معه.
أمثلة استجابة الصلاة
استخدم السيد المسيح مثلين: الحجر في مقابل الخبز، والحية في مقابل السمكة.
والحجر يرمز إلى الشيطان، أما الخبز فيرمز إلى السيد المسيح.
كما أن الحية ترمز إلى الشيطان، أما السمكة فترمز إلى السيد المسيح.
الحجر الذي استخدم في صناعة الأصنام. وللأسف سجد البشر لهذه الأصنام الحجرية التي لا تسمع ولا تشعر ولا تحس، وكان الشيطان مخفيًا فيها لكي تقدم له العبادة. ولكن هذه العبادة لم تشبع الإنسان ولم تمنحه الحياة.
أما السيد المسيح فقال عن نفسه: "أنا هو خبز الحياة" (يو6: 35).. "لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (يو6: 33). وأعطانا السيد المسيح جسده مأكلًا وقال: "من يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 57) وقال: "والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 51).
فبكل تأكيد إن سألنا الآب خبزًا سمائيًا فلن يعطينا حجرًا، بل بالعكس كلما طلبنا في الصلاة الربانية "خبزنا الآتي أعطِنَا اليوم" (مت 6: 11) فإنه يمنحنا خبز الحياة الأبدية لنحيا إلى الأبد..
ومن المعروف طبعًا أن إبليس قد لُقِّب بلقب "الحية القديمة" (رؤ12: 9)، وهو الذي استخدم الحية لخداع الإنسان.
أما السيد المسيح فلقبه "يسوع المسيح ابن الله المخلّص"، والحروف الأولى لكلمات هذه العبارة باللغة اليونانية هي vIcqujv ومعناها "سمكة". لهذا استخدم المسيحيون الأُول السمكة رمزًا لهم يتعرفون به على بعضهم البعض. وأدخلوه في النقوش الخاصة بهم كرمز للسيد المسيح.
فبكل تأكيد حينما نطلب من الآب السماوي أن يمنحنا السيد المسيح مخلصًا لحياتنا، فلن يعطينا بدلًا من ذلك الشيطان الحية القديمة الذي يقودنا في طريق الضلال. بل إن "الرب قريب" (فى4: 5) على الدوام كما هو مكتوب.