في مقدمة من نذكرهم, أبوانا الأول آدم وحواء: هما أول إنسان وإنسانة, وأول خاطئ وخاطئة وأول من عوقب من جنس البشر, وهما أيضا أول أب وأول أم وأول جد وأول جدة.. وبهذا استطاعا أن يكونا أول أسرة لأنهما أول زوجين.
وعلاقة أمنا حواء بأبينا آدم اتصفت بالآتي:
فهي من نفس طبيعته, بل هي لحم من لحمه, وعظم من عظامه (تك 2: 23). ولهذا دعيت امرأة لأنها من امرء أخذت هي أيضا معين نظيره (تك 2: 18) نظيره في الطبيعة, في العقل, في الروح, في أنها علي صورة الله ومثاله, وهي نظيره في المسئولية الأدبية عن كل ما تعمله.. ومع ذلك فهو الرأس, وهي معين له.
وقد قال لها الله عن آدم وهو يسود عليك (تك 3: 16). وقد قال الكتاب إن الرجل هو رأس المرأة (1كو 11:3) (أف 5: 23). وأمر النساء قائلا: اخضعن لرجالكن كما للرب (أف5: 22).
وعلي الرغم من ذلك قدم لنا الكتاب نساء لهن قوة شخصية استطعن أن يؤثرن في الرجال.
* مثال ذلك دبورة التي كانت نبية وقاضية للشعب., وكن باراق رئيس الجيش تجت تأثيرها وتحت قيادتها, ولما قالت له إن الله يأمره بأن يذهب لمحاربة سيسرا, أجابها: إن ذهبت معي أذهب, وإن لم تذهبي معي فلا أذهب. فقالت له: إني أذهب معك, غير أنه لا يكون لك فخر في الطريق التي أنت سائر فيها, لأن الرب يبيع سيسرا بيد امرأة (قض4: 4- 9).
* ومثل دبورة في تأثيرها, كانت أبيجايل
استطاعت أن تؤثر في داود النبي, وأن تمنعه من الانتقام لنفسه, ومن عزمه علي قتل نابال الكرملي وكل ماله. حتي إنه قال لها: مبارك عقلك ومباركة أنت لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي (1صم 25: 33).
* وكما كانت أبيجايل بحكمتها لها تأثير خير في دواد, كانت إيزابل بدهائها لها تأثير قيادي سئ علي آخاب الملك زوجها لما رأته مهموما لأنه لم يستطع الحصول علي كرم نابوت اليزرعيلي, حينئذ تولت بنفسها إدارة الموقف, وقالت له: أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي (1مل 21: 7). ودبرت مؤامرة اتهمت فيها نابوت بالتجديف, وأتت بشهود زور علي ذلك. وانتهي الأمر برجم نابوت فمات. وقالت إيزابل لآخاب: قم لترث كرم نابوت (1مل 21: 15).
إيزابل وأبيجايل كانت كل منهما في منتهي الذكاء. ولكن ذكاء أبيجايل كان للخير بينما كان ذكاء إيزابل للشر, لذلك استطاعت أبيجايل أن تنقذ داود, بينما إيزابل أضاعت آخاب.. فقاسي وقاست من نتائج ظلمهما, ولحست الكلاب دماءهما حسب حكم الرب عليهما (1مل 21: 19).
* كذلك كان لدليلة تأثير في شمشون الجبار, ولكنه كان تأثيرا ممزوجا بالخيانة.
ظلت تلح علي هذا الرجل الذي أحبها ودخل تحت تأثيرها العاطفي, حتي باح لها بسر قوته, وكشف لها نذره. فأنامته علي ركبتيها ودعت رجلا وحلقت سبع خصل من رأسه, وابتدأت بإذلاله, وفارقته قوته.. فقلعوا عينيه.. وأوثقوه بسلاسل نحاس. وكان يطحن في بيت السجن (قض16: 19- 21).. وإذا بهذا الجبار الذي لم يقو عليه أحد في زمانه, قويت عليه امرأة خائنة..
* قلنا إن إيزابل كان لها تأثير في آخاب الملك. ولكن ياهو بن يهوشافاط كان أقوي منها..
فلما بدأ ياهو في تطهير الأرض من كل آثار آخاب, ووصل إلي يزرعيل حيث كانت إيزابل, كحلت إيزابل بالأثمد عينيها, وزينت نفسها, وتطلعت من الكوة للقاء ياهو, فأمر اثنين من رجاله فقتلاها حسب أمر الرب انتقاما لعبيده الأنبياء الذين قتلتهم إيزابل (2مل9: 7, 30- 36). ولحست الكلاب دمها حسب حكم الرب عليها..
لم تكن زينتها أمام ياهو. إنما كان أمامه شرها..
* ما أكثر النساء اللائي أسقط تأثيرهن رجالا عظماء, ومن أشهر الأمثلة سليمان الحكيم:
نعم, سليمان أحكم أهل الأرض (1مل 4: 29- 31) سليمان الذي تراءي له الرب مرتين (1مل 9: 2). هذا الرجل العظيم الحكيم, قال الكتاب عنه: وكان في زمان شيخوخة سليمان, أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخري. ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه..! (1مل 11: 5) واستحق لذلك عقوبة من الله, ومزق الله مملكته..
* علي أننا نجد حادثين متضادين, من جهة موقف الرجال من النساء..
داود الملك مسيح الرب, لم يستطع مقاومة تأثير جمال بثشبع, فاستدعاها وزني بها, وكان هو صاحب المبادرة في الخطية التي جرته إلي خطايا أخري غيرها (2صم 11). واستحق بذلك توبيخ وعقوبة من الرب علي فم ناثان النبي.
وعكس داود, كان يوسف الصديق الذي سعت إليه الخطية بضغط وإلحاح, فتسامي عنها ولم يسقط, بل قال في إباء كيف أفعل هذا الشر العظيم, وأخطئ إلي الله؟! (تك 39: 9).
* هناك حدثان أيضا متضادان, يرويهما الكتاب في موقف الابن من أمه إزاء الوصية
رفقة دفعت ابنها يعقوب إلي خداع أبيه إسحق, لكي يحصل علي بركته قبل وفاته, فخاف أولا, لئلا يجلب علي نفسه لعنة لا بركة. فقالت له أمه لعنتك علي يا ابني (تك 27: 12, 13). فأعطاها, وفعل كما أوصته, وخدع أباه.. ومع أنه نال البركة, إلا أن الخديعة تابعته في حياته, فخدعه خاله لابان لما زوجه ليئة بدلا من راحيل (تك 29:25). وخدعه في أجرته فغيرها عشر مرات (تك 31: 41). كما خدعه أولاده لما أشعروه أن وحشا افترس ابنه يوسف (تك 37: 33).
عكس يعقوب كان سليمان الملك لما طلبت منه أمه أن يعطي أبيشج الشونمية زوجه لأخيه أدونيا (1مل 2: 21).
وكانت أبيشج بمثابة زوجة لأبيهما داود وإن كان لم يعرفها (1مل 1: 4).
لما جاءت أم سليمان إليه, احترمها جدا, وقام عن كرسيه وسجد لها, ثم أجلسها علي كرسي عن يمينه.. ولكنها لما طلبت منه ذلك الطلب الخاطئ رفض ذلك بشدة, وقال : إنه قد تكلم أدونيا بهذا الكلام ضد نفسه, وأمر بقتله (1مل2: 19- 25) فعل ذلك مع أنه كان قد وعد أمه بأنه لا يرد سؤالها. ولكنه رجع عن هذا الوعد, لأنه لا يستطيع أن يستجيب لسؤال خاطئ, فيما بعد نفذ هيرودس وعده لهيروديا, وقدم لها رأس يوحنا علي طبق (مر6: 22- 28). وهكذا في تنفيذه لوعد, ارتكب جريمة أبشع بكثير مما لو أخلف وعده ورفض طلب هيروديا..
* يعطينا الكتاب أيضا أكثر من مثل عن زوجة انتهرها زوجها لما أخطأت في كلامها:
لما اشتدت التجربة علي أيوب الصديق, قالت له امرأته: أنت متمسك بعد بكمالك! بارك الله ومت وكانت تقصد أن يجدف علي الله! فانتهرها أيوب قائلا: تتكلمين كلاما كإحدي الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله, والشر لا نقبل؟! (أي 2: 9, 10). وهكذا أسكتها.
* ويشبه أيوب أيضا موقف داود الملك من زوجته ميكال لما رقص أمام تابوت العهد.
فرح داود لما دخل تابوت الرب إلي مدينة داود, فرقص أمامه فرحا, فرأته زوجته ميكال بنت شاول الملك من الكوة فاحتقرته في قلبها ولم تكتف بالاحتقار القلبي, بل قالت له في هزء ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم, حيث تكشف في أعين إماء عبيده كما يتكشف أحد السفهاء (2 صم6: 16, 20).
فوبخها داود قائلا: إنما أمام الرب الذي اختارني دون أبيك وكل بيته ليقيمني علي شعب الرب.. فلعبت أمام الرب وإني اتصاغر دون ذلك وأكون وضيعا في عيني نفسي, وأما عند الإماء اللائي ذكرت فإني أتمجد ونتيجة لغضب داود علي ميكال قال الكتاب: ولم يكن لميكال ولد إلي يوم موتها (2صم 6: 21- 23).
* نذكر إلي جوار هؤلاء النسوة اللائي أخطأن, نسوة أخريات, أنقذن رجالا وشعوبا.
من بينهن أستير الملكة, التي أنقذت شعبها كله, وليس مردخاي فقط, بعد أن قادت الشعب في الصوم أيام أحشويرش الملك (إس8).
كذلك دبورة القاضية والنبية التي قادت القائد باراق في حربه ضد قادش كما ذكرنا.
وأيضا راحاب التي أحسنت إلي الجاسوسين, وكانت سببا في بدء الانتصار علي أريحا (1 ش 2).
* نذكر أيضا نسوة قديسات جعلن بيوتهن كنائس في بدء العصر الرسولي.
في مقدمتهن مريم أم يوحنا الملقب مرقس أم مرقس الرسول (1ع 12: 12).
وقيل كذلك عن بيت ليديا بائعة الأرجوان (أع16) ولا ننسي ما قاله القديس بولس الرسول عن الزوجين أكيلا وبريسكلا والكنيسة التي في بيتهما (رو16: 5).
نذكر أيضا أن كثيرا من النساء كن رموزا:
من أمثلة أولئك, عذراء النشيد التي قالت: أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم (نش 1: 5). كانت رمزا لكنيسة الأمم: سوداء, لأنها بلا آباء ولا أنبياء, بلا عهد سابق مع الله, بلا حياة سابقة معه, ولكنها جميلة, لأنها طعمت في الزيتونة الأصلية, فصارت شريكة في أصل الزيتونة ودسمها (رو 11: 17).
وكذلك كانت رمزا لكنيسة الأمم أيضا: المرأة الكوشية التي تزوجها موسي النبي. وقد تقول عليه هارون ومريم بسبب ذلك, لكن الله دافع عنه..
ورمزت لكنيسة الأمم كذلك: ملكة سبأ التي جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان (1مل 10) وقد طوبها السيد المسيح (مت 12: 42).
وكانت ترمز لكنيسة الأمم كذلك, تلك العاقر التي تنبأ عنها إشعياء قائلا: ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد.. أوسعي مكان خيمتك.. لأنك تمتدين من اليمين إلي اليسار ويرث نسلك أمما, ويعمر مدنا خربة.. (إش 54: 1- 3) وحسنا وردت هذه البنوة بعد الحديث عن آلام المسيح في الإصحاح السابق.
* ومن النساء اللائي كن رموزا مريم ومرثا (لو 10: 38- 42) مريم كانت رمزا لحياة التأمل ومرثا كانت رمزا لحياة الخدمة.
* يحدثنا الكتاب أيضا عن نسوة كثيرات كن عواقر ومنحهن الرب أبناء صالحين.
ولعلهن أيضا كن رمزا لكنيسة الأمم التي كانت عاقرا, لم تلد بنين لله في ذلك الزمان, ثم منحها الله كل هذا العدد الضخم من القديسين.
نذكر من أولئك العاقر سارة امرأة أبينا إبراهيم, التي منحها الله إسحق أبا الآباء.. وحنة زوجة القانه التي منحها الله ابنها صموئيل الذي مسح داود النبي ملكا. وكذلك زوجة منوح التي منحها الله شمشون ابنا وأيضا إليصابات التي منحها الرب أن تلد يوحنا المعمدان
لا ننسي أيضا النسوة اللائي خدمن المسيح
مثل مريم المجدلية التي أخرج منها الرب سبعة شياطين, ويؤانا امرأة خوزي وكيل هيرودس, وسوسنة وآخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن (لو8: 2, 3) ومريم أم مرقس التي وهبت بها ليكون كنيسة وكذلك أم ابني زبدي التي صار ابناها تلميذين للسيد المسيح, ومريم زوجة كلوبا التي وقفت مع السيدة العذراء إلي جوار الصليب والنسوة القديسات اللائي ذهبن مبكرات إلي القبر.
وفوق الكل السيدة العذراء مريم
حقا إن نساء كثيرات نلن كرامات..
ونساء امتلأن من الروح القدس مثل القديسة أليصابات لما سمعت سلام مريم (لو 1: 41)
حقا إن التاريخ مملوء بأمثلة كثيرة..