أختي العروس جنة مغلقة (نش 4: 12)
أختي العروس:
إنه تواضع من الرب أن يقول عن النفس البشرية " أختي " بينما ترد النفس قائلة " هوذا أنا أمة الرب" (لو 1: 28) أي عبدته وخادمته.
لقد دعانا الرب أخوته حينما " أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد، وصار في الهيئة كإنسان" (في 2: 7).
"لذلك لا يستحي أن يدعوهم أخوة " "إذ قد تشارك معهم في اللحم والدم" (عب 2: 11, 14), عندما تجسد وتأنس.
و النفس البشرية هي أيضا عروس للرب، وكذلك الكنيسة.
كما شرح الرسول في الإصحاح الخامس من الرسالة إلي أفسس. وهناك أتحاد روحي، وليس اتحادا جسديا كما في الزواج.
وفي هذا يقول الرسول "وأما من التصق بالرب، فهو روح واحد" (1كو 6: 17). أما كيف يصير هكذا مع الله. فهذا ما قال عنه الكتاب " هذا السر عظيم" (أف 5: 32). وفي روحانية هذا الارتباط يقول الكتاب "أختي العروس".
جنة مغلقة:
يقول "أختي العروس جنة مغلقة, ينبوع مختوم" (نش 4: 12). فهي جنة, من حيث فيها كل ثمار الروح (غل 5: 22, 23). وفيها "كل شجرة تعطي ثمرا جيدا" (مت 3: 10). وتقدم "ثلاثين وستين ومائة" (مت 13: 23). في عمل الرب.
ولكنها جنة مغلقة. لم تفتح بابها لكل طارق، وليست سائبة بلا سور..
ولذلك قال لها المرنم في المزمور " سبحي الرب يا أورشليم.. لأنه قوي مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك" (مز 147: 13, 14).
إنها جنة مغلقة لم يدخلها حيوان ردئ. لم يدنسها بأقدامه, ولم يطأ زهورها الجميلة, ولم يعبث بأثمارها الحلوة. إنها جنة. فردوس من الفضائل. ولكنها مغلقة, محصنة. والله في داخلها, ولم تفتح أبوابها لعدو خارجي.
و هي أيضا عين مقفلة, وينبوع مختوم.
هي عين ماء، ينبوع من المياه. فيها الماء الحي الذي قال الرب عنه "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع حياة ينبع إلي حياة أبدية" (يو4: 14).
إنها عين ماء , من النوع الذي قال عنه الرب: من أمن بي –كما قال الكتاب- تجري في بطنه أنهار ماء حي". قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو 7: 38, 39).
الكنيسة إذن ينبوع ماء حي, وهكذا النفس البشرية.
كما قال المزمور "سواقي الله مملوءة ماء" (مز65: 9). والماء رمز للحياة. إذن هي مرتوية, وتستطيع أن تروي. ولكنها ينبوع مختوم وعين مقفلة. ليست مفتوحة للتلوث ولا للحشرات. لكنها ينبوع نقي مختوم. هي عين ماء حلو، ولكنها عين مقفلة.
غير أنها ليست مقفولة علي أحد, بل تنفتح حين تعطي الحياة.
و مفتاحها في يد الرب " الذي يفتح ولا أحد يغلق, ويغلق ولا أحد يفتح" (رؤ 3: 7). كما يقول "افتح يا رب شفتي, لينطق فمي بتسبحتك" (مز 51: 15). ولكنها حينما يحسن الصمت تراها ينبوعا مختوما. تفتح فمها بحكمة, وتفتح حواسها بحكمة. وفي غير لك عي عين مقفلة..
تحترس من خطايا اللسان, فتغلق هذا الفم. بل تقول للرب في توسل.. "ضع يا رب حارسا لفمي, بابا حصينا لشفتي!" (مز 141: 3). وأمام حكمة الله التي فوق الفحص, تقول هذه النفس "وضعت يدي علي فمي وسكت, لأنك أنت فعلت"..
أختي العروس ينبوع مختوم, لكنه ينفتح للفائدة الروحية.
ينفتح فيروي الغير بالمعرفة, وبكلمة منفعة وكلمة تعزية وكلمة نصح. وينفتح أمام الله بالصلاة والتسبيح. أقول هذا عن اللسان وعن القلب أيضا الذي ينفتح بالحب والعطف والإشفاق لكل الناس. وينفتح بالدعاء للناس وبالصلاة لله أما أمام الأخطاء، فالنفس مغلقة مختومة ومقفلة.
يا اخي الحبيب, عندما تنظر إلي نفسك, فتجد أن كل كلمة تسمعها, تدخل إلي قلبك وفكرك بلا ضابط. فتشغلك, وتنفعل بها أحاسيسك وشاعرك, وقد تطيش فيها أفكارك متي أثناء الصلاة.. وهكذا كل نظرة تنظرها، وكل لمسة تلمسها.. أعرف إذن أنك لست جنة مغلقة. بل أنت مدينة غير محصنة. مفتوحة لكل عدو خارجي بلا رقيب! جنتك يمكن أن تدخلها الثعالب المفسدة للكروم! (نش2: 15). وحينئذ لا تكون أنت المقصود بكلمة الرب: أختي العروس جنة مغلقة, عين مقفلة, ينبوع مختوم".
أيضا هذه العبارة يمكن أن تقال عن بتولية النفس, التي وهبت ذاتها للرب, وصارت عذراء مخطوبة له.
أما إن كانت النفس تغلق أبوابها, فلا تفتح حتى للرب نفسه, تكون خائنة لحبه, وناكرة لجميله, بل إنه لا يتركها لأخطائها, وإنما يقول لها:
"إفتحي لي يا أختي, يا حبيبتي, يا حمامتي, يا كاملتي" (نش 5: 2).
والواقع إنه في هذه الصفات الأربع التي توصف بها العروس من الرب. تكمن كل أحداث قصة خلاص البشرية كلها: سواء ما عمله الله لأجل خلاصنا, أما ما ينبغي أن نعمله نحن.