18 - 01 - 2014, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 71 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
لماذا نعيش للرب؟ أولًا: لأننا خليقته. هو الذي منحنا هذه الحياة: وهكذا أصبحنا له. وهذه الحياة هي أيضًا له. كان يمكن أن لا نوجد، ولكنه أوجدنًا. ومنحنا هذا الوجود، فصرنا له.. إن عشنا فللرب نعيش.. وبخاصة لأنه خلقنا، كشبهه، وعلى صورته ومثاله (تك 1: 26).. ولا يمكن أن نحتفظ بهذه الصورة، إلا إذا عشنا له ومعه. ثانيًا: لأنه فدانا، واشترانا بثمن، فصرنا له. وفى هذا يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدوس الذي فيكم، الذي لكم من الله. وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 19، 20). ثالثًا: لأننا أولاده.. دعى علينا اسمه.. فينبغى أن نعيش له، لأنه بهذا "أولاد الله ظاهرون" (1يو 3: 10). يعيشون له، وبهذا لا يخطئون. لأن "كل من هو مولود من لله لا يخطئ"، "لا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو3: 9)، ك . إن لم نعش له، وعشنا لأنفسنا أو العالم أو الجسد أو للمادة، حينئذ سنخطئ، ولا نصير أولادًا لله.. فنحن نعيش لله، لكي نحتفظ ببنوتنا له، ولكي نحتفظ بصورته. فالإبن الضال قال له "لست مستحقًا مستحقًا أن أدعى لك إبنا" (لو 15: 19). رابعًا: نعيش للرب، لأن هذه هي الحياة الحقيقية. الله هو الحياة (يو 11: 25) (يو 14: 6). من يلتصق به، يلتصق بالحياة، ويكون حيًا بالحقيقة. ومن ينفصل عنه يعتبر ميتًا، مهما كانت له حياة بالحقيقة.. وقد قيل عن الابن الضال أنه –فى حالة خطيته – "كان ميتًا" (يو 15: 24). وقال الرب لراعى كنيسة ساردس "أن لك أسمًا أنك حى، وأنت ميت" (رؤ 3: 1). المفروض إذن أن نفهم المعنى الحقيقى للحياة، وأنه هو أن نعيش للرب. في هذا أتذكر أننى وأنا شاب صغير متبت مرة قصيدة عنوانها "حقًا نحن أحياء"؟ ليتنا إذن نذوق الحياة مع الرب.. كما قال المرتل في المزمور "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). الذي يذوق هذه الحياة، يشعر بلذتها، ويرى أنه حينما يعيش للرب، إنما يحيا الحياة الطيبة المثلى المشتهاة، وأن ذاك أفضل جدًا (فى 1: 23). بل أن هذه الحياة مع الرب هي عربون الحياة الأبدية السعيدة. نعيش للرب هنا، لكي نستحق أن نعيش معه في الأبدية السعيدة. |
||||
18 - 01 - 2014, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 72 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
الأشياء التي لا ترى فما هي إذن الأشياء التي لا ترى؟ نذكر منها الأبدية! الذى يفكر في أبديته إنما يفكر ما لا يرى، لأنه لا يرى هذه الأبدية بعينيه. ولأن هذه الأبدية كما قال بولس الرسول هي "ما لم تره عين، وما لم يسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر". والذي ينظر إلى أبديته، لاشك أنه سوف لا يهتم بهذا العالم الحاضر، بل يزهده ولا يتمسك به. وفى الأبدية ننظر الله بالروح. الله الذي قال عنه الكتاب "الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذي في حضن الاب، هو خبر" (يو 1: 18). والمتعة بالله شيء لا يدخل تحت نطاق الحواس، لذلك فهى أبدية. هي فرح لا ينطق به وعجيب، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منا.. ليتنا ننشغل بالله، المحيط بنا، الحال في وسطنا، القارع على أبوابنا، الذي قال لنا "ها أنا معكم كل اليام وإلى انقضاء الدهر "والذى قال "إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20). هو إذن معنا وفي وسطنا، إن كنا لا نراه، ولكننا نحس وجوده. وفي الأبدية سنراه "وجها لوجه "كما قال الرسول (1كو 13: 12). سنراه ونرى ملائكته وأرواح قديسيه، الذين لا نراهم الآن. ملائكة الرب حالة حول خائفيه وتنجيهم، وتملأ الكنيسة، وكلهم "أرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14)،ومع ذلك فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية، ولكننا سنراهم في الأبدية، وكذلك أرواح القديسين. أما الآن، فنحن ننظر إلى هؤلاء بالروح ونراهم بالإيمان، ونستحي من حضرتهم معنا إن فعلنا خطية. الروح من الأشياء التي لا يرى. أما الجسد فإنه من المرئيات.. لذلك فالشخص الروحي المحب لله، لا يعيش ناظرًا إلى الجسد وطلباته، إنما إلى الروح التي لا ترى. بهتم بها وبغذائها الروحي، وبمصيرها الأبدي وبكل ما يريطها بالله الذي لا يرى، ويجعلها ملتصقة به.. والذي ينظر إلى ما لا يرى، يهتم بالمعنويات وبالإيمان والخير. فالإيمان هو "الثقة بما يرجى، الإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 1). والإنسان الروحي الذي يعيش في الإيمان، إنما يعيش ناظرًا دائمًا إلى ما لا يرى، لأن الأمور التي لا ترى هي خاصة بالعيان وليس بالإيمان. وقد قال الرسول "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو 5: 7). وبالروح نعيش في المعنويات التي لا ترى، السلام الذي نحسه ولا نراه، الخير الذي نتبعه ولا نراه.. وكذلك كل الفضائل غير المرئية. وفى كل أمورنا، ننظر إلى قوة الله غير المنظورة العاملة معنا. ولا ننظر إلى ضعفنا الظاهر.. وإلى المشاكل التي أمامنا.. وإنما ننظر إلى معونة الله، كما صلى أليشع النبى من أجل تلميذه جيحزي "إفتح يا رب عينى الغلام ليرى أن الذين معنا أكثر من الذين علينا". وأهم شيء معنا هو قوة الله، التي نراها بالإيمان عاملة في الكون. وبهذه القوة نفرح ونغنى مع الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني".. فما هي هذه الأشياء التي ترى، التي ينبغى على الإنسان الروحي ألا ينظر إليها. |
||||
18 - 01 - 2014, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 73 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
كيف نعيش للرب؟ ليس معنى ذلك حياة التكريس الكامل. مثل حياة الرهبان والراهبات، ورجال الكهنوت، وكل المكرسين والمكرسات.. فليس الجميع مكرسين للرب، بينما هذه الآية "إن عشنا فللرب نعيش "هى للجميع، لكل مؤمن، لكل عضو في مدينة الله، لكل مؤهل للملكوت. وأيضًا لا نعيش للرب، بالعبادة الشكلية.. فكثيرون يواطبون على الصلاة والصوم والقراءة والإجتماعات الدينية.. ولهم علاقة بالكنيسة، ولكن ليست لهم علاقة بالله. لا يعيشون معه ولا يعيشون له.. وكأن كل عبادتهم مجرد مظاهر خارجية لا ترقى إلى مستوى المعيشة مع الله. وعن هؤلاء قال الرب "هذا الشعب يكرمنى بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" (متى 15: 8) (اش 29: 13). عليك إذن أن تعيش للرب، بالقلب والعمل، وبالروح والحق (يو 4: 23). فتشعر في عبادتك بوجود الله في حياتك، وبوجودك في حضرته، وصلتك به.. إن الذي يعيش للرب، يظهر ذلك في فضائل كثيرة يحياها، أو تتميز به حياته: إنه يحيا حياة التسليم وحياة الطاعة. لأنه معيشته للرب، يسلم له حياته ومشيئته. وبالتالى يحيا حياة الطهارة والنقاوة، وحياة الحب التي ينفذ فيها وصايا الرب عن حب لا عن تغصب. فيقول للرب مع المرتل "فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" (مز 117) "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" (مز 122: 1). وهكذا يعيش في حياة الفرح بالله. والذي يعيش للرب، يحيا في العالم كغريب. إنه "ليس من هذا العالم" (يو 15: 15). يضع أمامه قول الرسول: (.. والذين يستعملون العالم كأنهم لا يستعملونه، لأن هيئة العالم تزول" (1كو 7: 31)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا عاش آباؤنا "أقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض" (عب 11: 13).. إنهم يعيشون للرب. أما العالم فيبيد وشهوت معه (1يو 2: 17). ما شأنهم إذن به؟! قال أحد الآباء: خير الناس من لا يبالى بالدنيا في يد من كانت. وهكذا فإن الذي يعيش للرب، سيصل بالضرورة إلى الزهد في الدنيا (1يو 2: 15، 16). والناس في هذا الزهد على درجات متفاوتة.. والذي يعيش للرب لا يهتم ويضطرب لأجل أمور كثيرة، كما كانت تفعل مرثا (لو 10: 41). متيقنًا أن الحاجة إلى واحد وهو الله. والبعض الذي يختار هذا النصيب الصالح، قد يصل إلى حياة التكريس. والذي يعيش للرب، لا يخاف الموت، بل يقابله بفرح: وهذا النقطة تنقلنا إلى الجزء الثاني من الآية وهو "وإن متنا، فللرب نموت".. |
||||
18 - 01 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 74 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
ما معنى: للرب نموت؟ نموت له، لكي نلتقى به، و"ونكون كل حين مع الرب" (1تس 4: 17).. لذلك فالذى يعيش للرب، يسر أن يخلع هذا الجسد، ويلبس عدم الفساد، يلبس الجسد الروحاني السماوي (1كو 15: 44، 49). ويكون كل حين مع الرب. وهذا هو الذي اشتهاء القديس بولس الرسول حينما قال "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23).. نكون معه في الفردوس، وفي أورشليم السمائية، في الملكوت، حسب وعده الصادق "حيث أكون أنا، تكونو أنتم أيضًا" (يو 14: 3). نموت له، لكي نراه وجها لوجه (1كو 13: 12). وكما قال الرسول "إننا ننظر الآن في مرآة في الغز، ولكن حينئذ وجها لوجه. الآن اعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 12: 12). نموت له، تعنى أيضًا أن نموت من أجله. كما مات الشهداء وكل المدافعين عن الإيمان. وأيضًا كما قال الرسول "لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت. إذن الموت يعمل فينا" (2كو 4: 11، 12)،ى. أو كما قال الكتاب "لتمت نفسى موت الأبرار. ولتكن آخرتى كآخرتهم" (عد 23: 10). أخيرًا، ليتنا نجرب أن نعيش للرب، لكي نموت أيضًا له. نجرب أن نعيش للرب، ولو يومًا كتداريب (اليوم المثالى) الذي كان يعطى لنا ونحن شباب. وإن نجحنا في هذا التدريب نكثر منه. ولنتأمل مثال اللص اليمين. إنها ساعات عاشها مع الرب. ثم مات معه، ونال الفردوس. كذلك مثال القديسة بائيسة. لعلها ساعات أو أقل عاشتها معه في توبتها، ونالت الحياة. فلنبدأ إذن أن نعيش للرب. |
||||
18 - 01 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 75 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
حياة الغلبة والانتصار نحن أعضاء الكنيسة المجاهدة على الأرض، نجتاز هنا فترة اختبار نتعرض فيها لحروب روحية كثيرة، شرحها القديس بولس الرسول فقال "إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم، بل.. مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12).. وقال إنها حرب تحتاج إلى "سلاح الله الكامل، لكي نقدر أن نثبت ضد مكايد إبليس" (أف 6: 11). إن الله يريدنا أن ننتصر في هذه الحرب. والسماء كلها ترقب جهادنا، وتفرح إذ ترانًا غالبين. الملائكة وأرواح القديسين في السماء، يصلون لأجلنا لكي ننتصر، "ويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7). كذلك نعمة الله تعيننا لكي ننتصر، وروح الله يعمل فينا لكي نغلب.. أما إن سقطنا وانهزمنا، فإننا بهذا نحزن روح الله القدوس الذي ختمنا به" (أف 4: 30). الإنسان الروحي هو إنسان منتصر. لأن روحه قد انتصرت على شهوات الجسد، وقد انتصرت في حروب الشياطين. وقد غلبت العالم والمادة. روحه تزفها الملائكة بتهليل إلى السماء، حينما تأتى ساعته. ةالإنسان الروحي ينتصر، لأنه إنسان قوى، يعمل فيه روح الله بقوة. وقد صارت إرادته في تسليم كامل لإرادة الله. الإنسان الروحي لا يحاول أن ينتصر على غيره. لأنه يحب غيره، ويقدمه على نفسه في الكرامة (رو 12: 10)، بينما يأخذ هو المتكأ الأخير (لو 14: 10). إنه يحب أن ينتصر على الشر، وليس على الأشرار. يحب أن ينتصر على نفسه، وليس على الآخرين. وهو لا يحب أن ينتصر على الضعفاء والمخطئين، بل بالأكثر أن يحتملهم. كما قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات" (رو 15: 1).هناك مجالات كثيرة ينتصر فيها الإنسان الروحي: *إنه ينتصر أولًا على نفسه. ينتصر في الداخل أولا، لأن أنتصاره الداخلى هو الذي يساعده في الأنتصار على الحروب الخارجية. الابن الضال (لو 15) لم يستطع أن يرجع إلى أبيه، إلا بعد أن انتصر من الداخلى، ولم تعد له شهوة في الكورة البعيدة، بل شعر فيها بسوء حالته.. ومن أعظم الأمثلة على الانتصار الداخلى، يوسف الصديق. لقد كانت الاغراءات من الخارج قوية جدًا، وكانت تلح عليه كل (تك 39: 10). كانت الخطية هي التي تسعى إليه. ومع ذلك رفض كل تلك الإغراءات، لأن كان منتصرًا من الداخل، فاستطاع في نقاوة قلبه أن يقول "كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9). صدق القديس ذهبي الفم حينما قال: لا يستطيع أحد أن يضر إنسانًا، ما لم يضر هذا الإنسان نفسه. أى أن العوامل الخارجية لا تهزمه إلا إذا كان مهزومًا من الداخل أولًا. ولهذا يقول الرب "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخازج الحياة" (أم 4: 23). إن القديس أوغسطينوس كان يعيش في الخطية حينما كان مغلوبًا منها، أي حينما كان يشتهيها. ولكنه حينما انتصر على نفسه من الداخل، حينئذ قال عبارته الجميلة "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسى إنى لا أشتهى شيئًا ولا أخاف شيئًا". فإن تعبت يا أخى يومًا، تأكد أنك متعب من الداخل. هناك ثقب في نفسك تدخل منه المتاعب الخارجية. لذلك قال الرب عن الإنسان الروحي المنتصر إنه "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 4: 12). الخطية الخارجية، تبحث عن خطية داخلك، لكي تتحد معها، وتفتح لها أبواب القلب وأبواب الفكر. والإنسان الروحي الذي يود داخله روح الله، هذا لا تجد الخطية التي في الخارج مكانًا لها في داخله. تطرق على بابه فلا يفتح لها، فتتركه وترحل.. عدو مثلًا يريد أن يثيرك لكي تخطئ، فيجدك غير قابل للاستثارة لأنك قوى في الداخل. ماذا يفعل إذن؟ أما أن يخجل ويتركك، أو أن يعتذر لك، أو يكف عن استخدام هذا الأسلوب معك.. *الإنسان الروحي ينتصر على الخطية والشيطان.. مادام قد انتصر على شهوة القلب من الداخل، فلابد أن ينتصر على الخطية من الخارج، على كل حروبها وكل أفكارها. ولا تخدعه مطلقًا حيل الشيطان نبل كما قال القديس بولس الرسول عنه: لا يطمع فينا الشيطان، لأنن لا نجهل أفكاره (2 كو 2: 11). والإنسان الروحي إن حاربته الخطية، يقاومها بكل قوة. مستفيدًا بذلك من توبيخ القديس بولس الرسول للعبرانيين "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). ومستمعًا إلى قول القديس بطرس الرسول "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر.. فقاوموه راسخين في الإيمان"،. إن الإنسان الأول انخدع من حديث الحية (تك 3)، وفقد صورته الإلهية، منهزمًا أمام الخطية. أما الإنسان الروحي فليس كذلك. إنه يحب أن ينتصر، مستفيدًا من دروس الماضي. إن أسوأ ما في هزيمة الأشرار، افتخارهم بخطاياهم: هؤلاء الذين قال عنهم القديس بولس "والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (فى 3: 18، 19). أما الإنسان الروحي، فإن مجده في الآلام التي يتحملها لأجل الرب، منتصرًا على ذلك الخزي الذي يفرح به الخطاة. * الإنسان الروحي ينتصر على العوائق التي تقف في طريق حياته الروحية. وينتصر أيضًا على العوائق التي تعترض نموه الروحي. إنه لا يسمح لشئ أن يعطله لغيره انظروا ماذا قال القديس بولس: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟! أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عرى، أم خطر أم سيف؟! ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا. فإنى متيقن أنه لا موت، ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 35-39). الإنسان الروحي لا يقدم أعذارًا إذا لم ينتصر. بل يقدم اعترافا بالخطأ وتوبة. إن الأعذار لا تبرر الهزيمة أمام العدو. لقد لجأ كل من آدم وحواء إلى تقديم الأعذار، فلم تكن مقبولة منهم الله. فالله قد وضع أمامنا كل وسائل النصرة وهو مستعد أن يقودنا في موكب نصرته" (2كو2: 14).. العيب إذن إرادتنا. وكل محاولة لتبرير هزيمتنا في حروبنا الروحية، هي خطية أخرى تضاف إلى هذه الهزيمة.. الإنسان الروحي ينتصر أيضًا على الضيقات والمشاكل المشكلة لا تهزه، ولا تهزمه، ولا تضعف معنوناته، ولا تعكر نفسيته، ولا يستطيع أن تلقيه في دوامات القلق والاضطراب والشك. إنما هو ينتصر على المشكلة ولا يضيق قلبه به، ولا يفقد سلامه بسببها. إنه ينتصر على المشاكل بالإيمان وبالصلاة والصبر. ولعل من الأمثلة البارزة في هذا المجال: أيوب الصديق. كانت المشاكل التي حلت عليه، أصعب من أن يحتملها قلب إنسان عادى. من ذا الذي يستطيع أن يحتمل فقد كل بنيه وبناته في يوم احد؟ ويفقد معهم كل ثروته وغناه؟! ولكن هذا الإنسان الروحي لما سمع هذه الأخبار المحزنة قال "الرب أعطى، الر أخذ فليكن اسم الرب مباركًا"، "عريانًا خرجت من بطن أمى وعريانًا أعود إلى هناك" (أى 1: 21). لذلك حسنًا قال الله عنه إنه "ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم" (أى 2: 3). الإنسان الروحي، لا ينتصر فقط على الضيقة، بالاحتمال، بل أكثر من هذا يفرح بها. كما قال القديس يعقوب الرسول "احسبوه كل فرح يا أخوتى، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). كما قال القديس بولس الرسول "بكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتى، لكي تحل على قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح.." (2كو 12: 9، 10). وما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن سجنوهم، ثم جلدوهم وأطلقوهم.. قيل "وأما فذهبوا فرحين.. لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41). الإنسان الروحي إذا حلت به ضيقة، يقول في إيمان: إنها للخير: متذكرًا قول الرسول "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو 8: 28). لذلك فالضيقة لا تهزه، بل تقوى إيمانه، لأنه يعرف تمامًا أن الطريق الموصل إلى الله، هو طريق ضيق (مت 7: 14). فهو يتوقع إذن هذا الضيق، ويسر به لأنه دليل على أنه سائر في طريق الله. ثم هو بالإيمان ينتظر تدخل الله لإخراجه من الضيقة. وعلى أية الحالات فإنها تحمل له أكليلًا.. وبهذه المشاعر كلها ينتصر على الضيقة... *و الإنسان الروحي لا يجد لذته في العالم، بل يفرح بالانتصار على العالم وما فيه من المادة والشهوات.. وما أجمل ما قاله أحد الأدباء "افرحوا لا لشهوة ونلتموها، بل لشهوة أذللتموها". وبالانتصار على الشهوات يثبت الإنسان الروحي إنه ابن لله، لأن "كل الذين ينقادون بروح الله، أولئك هم أولاد الله" (رو 8: 14). إذا ينقادون بروح الله ينتصرون على الخطية ويفعلون البر، "المولود من الله لا يخطئ" (1يو 4، 5). وحياة الإنتصار مفرحة، لأن الإنسان الروحي يصبح بها قدرة لغيره. ويقدم للناس مثالًا على إمكانية حياة البر، وعلى أن حياة الانتصار هي واقع عملي يلمسونه أمامهم. كما يعطى مثالًا عن قوة أولاد الله التي ساعدتهم على الانتصار، كما قال القديس يوحنا للشباب "كتبت إليكم أيهًا الشباب "كتبت إليكم أيها الشباب، لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 1). وكرر أيضًا تلك العبارة "وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 13). *وحياة الانتصار مفرحة من أجل الوعود التي أعطاها الرب للغالبين. وقد سجلت في الرسائل التي أرسلها الرب إلى الكنائس السبع التي في آسيا (رؤ2، 3). فقال لملاك كنيسة أفسس "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ2: 7). وقال لملاك كنيسة سميرنا "من يغلب فلا يؤذيه الموت الثانى (رؤ2: 11). والمعروف أن الموت الأول هو مفارقة الروح للجسد. أما الموت الثانى فهو الموت الأبدى، أو هو الحرمان من الله، والإلقاء في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان (مت 13: 42). وقال لملاك كنيسة برغامس "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفى.. وأعطيه اسما جديًا" (رؤ 2: 17). وقال لملاك كنيسة ثياترا "من يغلب ويحفظ أعمالى إلى النهاية، فسأعطيه سلطانًا على الأمم.. آخذت أنا أيضًا من عند أبى، وأعطيه كوكب الصبح" (رؤ 2: 26 – 28). وقال لملاك كنيسة ساردس "وم يغلب سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته" (رؤ 3: 5). وقال لملاك كنيسة فيلادلفيا "من يغلب فسأجعله عمودًا، في هيكل إلهى" (رؤ 3: 12). وقال لملاك كنيسة لاوديكية "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى في عرش، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبى في عرشه" (رؤ 3: 21). ما أجمل هذا.. السيد المسيح يريدك أن تغلب، وأن تجلس معه في عرشه، في الملكوت الأبدى. وإن كنت من الغالبين، تأكل من شجرة الحياة، ومن المن المخفى، وتلبس ثيابًا بيضًا، وتصير عمودًا في هيكل الله ويصبح لك سلطان، وأسمك في سفر الحياة، بل يكون لك اسم جديد.. وإن غلبت تسكن في مدينة الله، في أورشليم السمائية مع الله والملائكة والقديسين (رؤ21)، وترث الملك المعد للأبرار منذ تاسيس العالم (مت 25: 34)، وحيث يكون المسيح، تكون المسيح، تكون أنت أيضًا (يو 14: 3)، وتتمتع بما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على قلب بشر (1كو 2: 9). ولا يقوى عليك الموت الثانى، بل تقوم في مجد، بجسد سماوى روحانى (1كو15: 43، 44، 49). كل هذه الأمجاد للغالبين |
||||
18 - 01 - 2014, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 76 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
حياة النصرة.. والحرب للرب موكب المنتصرين لقد قدم لنا السيد المسيح في تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والانتصار إذ كان منتصرا في كل شيء: لقد انتصر في كل كل حروب الشيطان، كما في التجربة على الجبل (مت 4) وانتصر في كل حوار له مع الكتبة والفريسيين والصدوقيين وكل قيادات اليهود (مت 21-23). وانتصر وهو على الصليب، إذ أمكنه أن يقدم فداء وخلاصًا للعالم كله، وداس على الموت بموته ((عب 2: 14، 15). كما انتصر على الموت بقيامته. وانتصر على العالم، إذ قال: "ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33) ومن جهة البر كان منتصرًا، فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 4: 15). وقد تحدى اليهود قائلًا "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو8: 46). وانتصر في كسب محبة الناس، فقيل عنه "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). ودخل أورشليم منتصرًا كملك، وارتجت المدينة كلها (يو 21: 10). وقيل عن مجمل انتصاراته: "هوذا قد غلب السد الذي من سبط يهوذا" (رؤ 5: 5). وقيل أنه يغلب كل الموك الذين يحاربونه "لأنه رب الأرباب وملك الملوك (رؤ 17: 14). وإذ قد انتصر باستمرار وعدنا الكتاب أنه "يقودنا في موكب نصرته" (يه 114) "بقوة ومجد كثير" (مت 24: 30). وكما قدم لنا الكتاب مثالية انتصارات ربنا يسوع المسيح، كذلك قدم لنا الكتاب وتاريخ الكنيسة أمثلة لانتصار القديسين: نذكر في مقدمة هؤلاء المنتصرين أبا الآباء إبراهيم: لقد انتصر انتصارًا عميقًا وعجيبًا، حينما أخذ ابنه وحيده إسحق ليقدمه محرقة لله (تك 22). انتصر على مشاعر الأبوة، وعلى آماله في نجوم السماء ورمل البحر (تك 15: 5). و(تك 13: 16). بل انتصر من جهة الإيمان أيضًا "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات" (عب 11: 17 – 19). وانتصر إبراهيم أيضًا على مشاعر القرابة والوطن، حينما قال له الله "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تك 12: 1). فأطاع "وخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب" (عب 11: 8). نذكر مثالًا آخر في الأنتصار هو أبونا يعقوب: أنتصار من نوع آخر، هو الصراع مع الله، إذ أمسك به، وصارعه حتى الفجر، وقال له "لا أطلقك إن لم تباركنى" (تك 32: 26) ونال البركة فعلًا، وقال له الرب "لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 28). كان يعقوب خائفًا من أخيه عيسو. ولكنه لم يعتبر أن الصراع قائم بينه وبين عيسو. وإنما صارع مع الله، مؤمنًا أنه إذا انتصر في صراعه مع الله، ونال منه البركة والوعد والقوة، حينئذ لابد سينتصر في علاقته مع أخيه، وقد كان.. كان في صراعه مع الله، قد أخذ الإيمان الذي يقابل به عيسو. إنه درس لنا في الصراع مع الله، حتى ننال منه وعده "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك –يقول الرب – لأنقذك" (أر 1: 19). مثال ثالث في النصرة، هو أبطال الإيمال. بولس الرسول الذي قال "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعى، حفظت الإيمان. وأخيرًا وضع لي أكليل البر" (2تى 4: 7). بولس الذي وقف أمام ولاة وملوك، وخرج منتصرًا (أع 21: 28). أثناسيوس الرسولى الذي بكل قوة انتصر على أريوس والأريوسية، ورد على كل هرطقاتهم. وقيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس "فقال "وأنا ضد العالم". مثال رابع للانتصار، هو الشهداء والمعترفون: انتصروا على كل التهديدات، وعلى السجون، وعلى العذابات التي تفوق احتمال البشر. وثبتوا على الإيمان، وقابلوا الموت ببسالة عجيبة. وكانوا مثالًا رائعًا جذب الكثيرين إلىالإيمان. لذلك تكرمهم الكنيسة تكريمًا عظيمًا، ونقول إن دماء الشهداء هي بذار الإيمان. مثال خامس في النصرة، هو قديسو الرهبنة والنسّاك. القديس الأنبا ألأنطونيوس مثلًا، كيف انتصر على محبة المال، ووزع كل أمواله على الفقراء. وانتصر في حروب الشكوك وفي كل المخاوف والمفزعات التي وضعها الشيطان في طريقه. وانتصر في احتمال الوحدة والفقر والنسك، وفي بقائه في البرية بلا مرشد أو أنيس لعشرات السنوات. وانتصر أيضًا في قيادته لكثيرين في هذا الطريق الملائكى، حتى أصبح نورًا للعالم ونضع مع القديس انطونيوس في موكب المنتصرين، كل آباء الرهبنة الكبار، والنساك والمتوحدين والسواح والعموديين. وكل صفوف هؤلاء "الملائكة الأرضيين أو البشر السمائيين" كما سماهم التاريخ.. هؤلاء الذين انتصروا ثابتين في حياة الوحدة والصلاة والتأمل والموت عن العالم، والبعد عن المناصب والشهرة.. كيف ننتصر كل هذه وغيرها أمثلة من نوعيات عاشت حياة الغلبة والنصرة، وتركوا لنا مثالًا لنتبع خطواتهم. بقى علينا أن نسأل: كيف يمكننا نحن أيضًا أن نغلب وننتصر. لا يمكننا إطلاقًا أن ننتصر، إلا إذا حارب الرب عنا.. إذا اعتمدنا على مجرد إرادتنا، وقوتنا، وخبرتنا، وذكائنا فلا يمكن أن ننتصر، لأن العدو أكثر قوة وخبرة وحيلة، والرب نفسه قال "بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). إذن لا بد أن يحارب عنا، هو الذي يدافع عنا وينتصر. وكما قال الكتاب "الحرب للرب.. والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل" (1صم 14: 6). وأما النصرة فهى من الرب (أم 21: 31). أما أنتصار فكقول الرسول "يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37). الرب ينتصر فيها، حينما نسلمه إرادتنا، نسلمه تدبير أمورنا، وحينئذ "يقودنا في موكب نصرته" (2كو 2: 14). قال السيد المسيح "في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم". لم يقل "ثقوا أنكم ستغلبون "وإنما "أنا قد غلبت "فما فما بمعنى هذا؟ معناه إنى أنا الذي سأغلب (فيكم) هذا العالم مرة أخرى إن سكنت فيكم. كما قال بولس الرسول "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى" (.. غل 2: 20). إذن إن أردت أن تنتصر، التصق بالمسيح، اجعله يحارب عنك خذ منه القوة التي بها غلب العالم، فتغلب.. (بدونى لا تقدورن أن تعلموا شيئًا) بدونى لا تنتصرون (يو 12:5). إذن تمسك بالرب، بكل قوتك. قل له: لا تتركنى ولا تتخل عنى. أنا بدونك لا أستطيع أن أقاتل اصغرهم، كما قال القديس انطونيوس، ولكننى بك أقول مع القديس بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى". إذن الغلبة الحقيقية هي التصاقك بالرب كل حين. مشكلتنا الكبرى، هي أننا نريد أن ننتصر بقوتنا الخاصة، بارادتنا بخبرتنا، بذكائنا، دون أن ندخل ربنا في المعركة.. وفى كل ذلك ننسى قول الرسول "شكرًا الله، الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو 15: 57). نعم، هذا هو سر الغلبة، ربنا يسوع المسيح، إن قاتل معك، ولهذا يقول بولس أيضًا "يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37). ما أجمل قول الكتاب "الحرب للرب، والرب قادر أن يغلب بالقليل وبالكثير" (1صم 14: 6). مادامت الحرب للرب، إذن هو الذي سيقابل وليس أنت. يجب إذن أن تسلمه قيادة المعركة في قتالاتك مع العدو، مع العالم، مع الخطية، مع ذاتك.. عبارة رائعة قيلت في حروب موسى "للرب حرب مع عماليق" (خر 17: 16)،إذن موسى لم يكن هو الذي يحارب عماليق، ولا يشوع، بل الرب.. لا تقل: أتركنى يا رب أحارب عماليق، كلا. بل قل تواضع، أنا لا أستطيع فحاربه أنت.. نفس الوضع رأيناه واضحًا في الحرب بين داود وجليات.. قال داود لذلك الجبار "اليوم يحبسك الرب في يدى" (1صم 17: 46). لست أنا الذي يغلبك، وإنما الرب. الرب هو الذي سيحبسك في يدى. وعندئذ أستطيع أن أجعل لحمك طعامًا لطيور ال السماء.. هذه هي الغلبة.. "أنت تأتينى بسيف ورمح، وأنا آتيك باسم رب الجنود" (1صم 17: 45). لقد فهم داود السر، فأدخل الله إلى ميدان المعركة. قبل مجئ داود، كان الناس يتحدثون عن "الرجل الصاعد "عن الجبار وقوته، ومكافأة من يغلبه. فلما وصل داود، بدأ يتحدث عن الرب ويدخل الرب إلى ميدان القتال... هل انتصر داود إذن لأن يده كانت ماهر في القتال، أم لأن الرب حبس جليات في يد داود؟ السر كله في الرب نفسه. لذلك ما أجمل قول داود في كل حروبه "مبارك الرب الذي علم يدى القتال، وأصابعى الحرب" (مز 144: 1). وأنت يا أخى، هل تحارب وحدك، أم الله يحارب عنك؟ مسكين أنت، إن حاربت وحدك. لأن الشيطان أكثر منك خبرة. له أكثر من سبعة آلاف سنة يحارب البشر. وهو أيضًا أكثر منك حيلة ومعرفة وقوة، فحذار أن تجاربه بمفردك. خذ معك إذن سلاح الله الكامل، الذي تستطيع به أن ترد كل سهام العدو الملتهبة (أف 6: 13، 16). وإن كان قائد الجيش لم يستطع أن يخرج للحرب وحده، دون أن تخرج معه دبورة النبية (قض 4: 8). فأنت لا تخرج للحرب بدون الله معك.. وقبل أن تحارب، أطلب من الرب أن يدربك، أن يعلم يديك القتال، وأصابعك الحرب.. تتلمذ على الرب، فيستطيع مقلاعك أن يفعل الأعاجيب. وبحصاة واحدة تكسب الحرب. وفي كل حروبك، استمع إلى قول نبى بطل كموسى: قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14). الرب يقاتل عنك في كل حروبك: في الحروب الذي هي داخل القلب، وداخل القلب، وداخل الفكر، وفي الحروب الخارجية أيضًا.. والروح يشفع فيك بأنات لا ينطق بها. الله يرسل ملاكه إليك في كل جب، فيسد أفواه الأسود. الإنسان الروحي الذي يختبر الصلاة القوية، لا يعرف الهزيمة إطلاقًا.. لأنه بالصلاة يأتى بالرب، ويدخله الميدان، ويسلمه المعركة. لهذا قال داود "جعلت الرب أمامى في كل حين، لأنه عن يمينى فلا أتزعزع.. لا أتزعزع طالما الرب عن يمينى.. كان في كل معاركه يصرخ إلى الرب: إلى متى يا رب تنسانى؟ يا رب لماذا كثر الذين يحزنونى؟ أسرع وأعنى.. (مز 3: 69). أنك تتعب إن قمت بمفردك، تحارب عدوك بقوتك.. ولكنك تغلب إن قلت (الله يغلبه لا الإنسان) (أى 32: 13). كذلك نرى خبرة روحية عميقة في قصة أبينا القديس أنطونيوس الذي حاربته الشياطين بقوة وعنف، وزلزلت المقبرة التي كان يعيش فيها في بدء نسكه. فقال لهم القديس "إن كان الله قد أعطاكم سلطانًا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟ وإن لم يكن الرب قد أعطاكم سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبنى".. إذن الحرب ليست بينك وبين الأعداء، وإنما هي أولا وقبل كل شيء مع الله. إن صارعته حتى الفجر، وأخذت منه القوة، فلن يستطيع عدو أن يغلبك.. الحرب أولًا في قلبك. هل أنت واثق أن الله واقف معك، يحارب ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبي "إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى، وإن قام على قتال، ففى هذا أنا مطمئن" (مز 26). الله يحارب عنك، هذا حق –ولكن ينبغى أن تجاهد. عمل الله معك، ليس معناه أن تكسل. بل جاهد بكل قوتك. قاوم كل شهوة وكل رغبة خاطئة. كما قال الرسول "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 4: 7) وأيضًا "قاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 9). إن مقاومتك تدل على رفضك للخطية. وبذلك تستحق معونة النعمة.. قاوم نقط الضعف التي فيك ولا تستسلم لها.. واثبت في الجهاد، إلى أن تنتشلك يد الله. ولا تيأس أبدًا في جهادك، مهما بذت الحرب صعبة، ومهما كثرت الفخاخ من حولك. وثق أن السماء ترقب جهادك، وملائكة وقديسون كثيرون يشفعون فيك.. وليكن جهادك مسنودًا بالإيمان بيد الله القوية وذراعه الحصينة، التي تغنى بها داود قائلًا: "دفعت لأسقط والرب عضدنى. قوتى وتسبحتى هو الرب وقد الرب وقد صار لي خلاصًا"، "يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتنى". جاهد إذن مع الله، وجاهد مع نفسك، وجاهد الشيطان. وكن قوى القلب. وتذكر أن الله كان يختار جبابرة البأس لحروبه، مثلما استخدام جدعون (قض 6: 12) وداود (1صم 16: 18). وكما قال عن الكنيسة في سفر النشيد إنها "مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 10)، وهكذا النفس البشرية أيضًا.. واستخدام أيضًا كل وسائط النعمة: التصق باستمرار بمزاميرك، بصلواتك، وبقراءاتك الروحية وتأملاتك، بالترانيم والتسابيح، والتداريب ومحاسبة النفس واليقظة الروحية. التصق بالكنيسة، بأب الاعتراف، بالتناول، بالاجتماعات الروحية. فإن هذه كلها توقد الحرارة في قلبك، وتعمق محبة الله فيك، وتمنحك قوة للانتصار. أما إن بعدت عن هذه الوسائط الروحية، فما أسهل أن تفتر، ويجد العدو مدخلًا إليك.. ! ثق أن كلمة الله سلاح قوى يساعدك على الغلبة. وما أصدق وأعمق قول داود النبي في اختباراته: "لو لم تكن شريعتك هي تلاوتى، لهكت حينئذ في مذلتى"، "لأن قولك أحيانى" (مز 119). تذكر أن السيد في تجربته علىالجبل، كان يرد على الشيطان بآيات من الكتاب، فأرانا أم كلمات الكتاب تصلح سلاحًا للرد على افكار العدو. وكما قال داود النبي "كلمة الرب مضيئة تنير العينين من بعد" (مز 19). ردد المزامير والآيات التي تشجعك وتقويك. مثل المزمور التسعين، ومزمور الراعى (23) وتغنى مع الرسول في قوله "يعظم أنتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37). وتذكر وعود الله وتشجيعه لأولاده، وقوله لزربابل "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أما زربابل تصير سهلًا" (زك 4: 7)، وقوله للقديس بولس "لا تخف.. لأنى أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وقوله من قبل لأرميا "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك، يقول الرب، لأنقذك" (أر 1: 19). وقوله كذلك ليشوع "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1:5).. عش في محبة الله، فتنتصر. وعلى الأقل عش في وخافته. واستعن في جهادك بالصبر والصمود. وإن اخافك عدو الخير، تذكر قول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح. الذي يقوينى" (فى 4: 13). وثق أنك كلما نلت خبرة في حروبك الروحية، سوف تزداد قوة وإيمانًا بالانتصار. وحاول أن نعيش باستمرار في جو روحى، وأن تبعد عن الأجواء التي تبرد محبة الله في قلبك. بهذا سوف تحتفظ بحراراتك الروحية، وتقوى على محاربات العدو. وليكن الرب معك. |
||||
|