فضيلة الاتضاع تتعلق بالشكر
لكي تستطيع أن تحيا حياة الشكر في عمقها، يلزمك أن تحيا حياة الاتضاع وانسحاق القلب.
الإنسان المتضع يشعر أنه لا يستحق شيئا..
لذلك فهو يشكر على كل شيء..
كل ما يعطى له من الله -مهما كان قليلًا- يشكر عليه ويفرح به، شاعرا في عمق أعماقه أنه لا يستحقه..
أما المتكبر، فانه على العكس ذلك، يظن في نفسه أنه يستحق أشياء كثيرة، أكثر مما عنده، فيتذمر على ما هو فيه.. إن نال منصبًا كبيرًا، ربما لا يشكر، لأن يعتقد في نفسه أنه أهل لمنصب أكبر وأكبر. وان مدحه البعض، ربما يظن أن هذا المديح أقل من مستواه. أما المتضع فانه يخجل من أقل كلمة مديح يوصف بها لأنه يعرف ذاته..
المتضع لا يشعر فقط أنه لا يستحق شيئا من الخير، بل أكثر من هذا يرى أنه مستحق لعقوبات شديدة من الله وتأديبات عنيفة..
لذلك إن أصابته البلايا، فيقول أنا أستحق أكثر من هذا بسبب خطاياي. ويشكر قائلًا إنها رحمة من الله أن يعاقبني بأقل مما أستحق. وخير لي أن أُعاَقَب هنا على الأرض أفضل من العقوبة الأبدية).
مثال ذلك: لو أن مجرما أرتكب جريمة قتل بشعة، وحكم عليه القاضي -نظرًا لظروفه النفسية- بالأشغال الشاقة المؤبدة. مثل هذا المجرم، وما أن يسمع الحكم عليه، حتى يرفع صوته بالشكر، لأنه في يقينه يرى أنه مستحق للإعدام، وقد عامله القاضي بكل رحمة بل أنه يشد على يد محاميه بحرارة ويقول له: أشكرك يا أستاذ على المجهود الكبير الذي بذلته من أجلى، حتى حكم على بالأشغال الشاقة المؤبدة. كانت رأسي على وشك الدخول في حبل المشنقة. ولكنك أنقذتني..
هكذا المتضع يرى باستمرار أن عقوباته أقل من استحقاقه.
كلما تأتيه الضيقة أو مشقة أو بلية، يقول: أشكرك يا رب لأنك حنون جدا وتعاملني بأقل من عقوبة خطاياي. يا لشفقتك العجيبة! حقًا يا رب إن يدك على لا عصاك..
يقول هذا من يعرف نفسه جيدا، ومن يدرك ثقل خطاياه، وما تستحقه من العدل الإلهي.
وقد يعترض البعض ويقول: ماذا لو أعطيت له عقوبة لا تحتمل؟!
مثل مرض من الأمراض المؤلمة التي لا تحتمل..
كيف يشكر الله إذن، وهو في شدة الألم؟!
نقول إن عذابات الأرض مهما كانت شديدة، إلا أنها محدودة ومؤقتة،وهى أفضل من العذاب الأبدي في شدته وديمومته. ومع ذلك حتى في مثل هذه الأمراض، يعطى الرب احتمالًا وصبرًا..