نشكر الله على النعم والضيقات
غالبية الناس يشكرون على النعم فقط. وقليلون هم الذين يشكرون في الضيقات.
إنما يشكر في الضيقة، القلب الواسع الذي لا يضيق بالضيقة. ويشكر فيها من يحب الله، لا يمكن أن يتذمر على شيء سمح به، بل يثق بصلاحه وعنايته ورعايته ويشعر أن الضيقة لابد تنتهي بخير.
أعلى من الشكر في الضيقة، الشكر على الضيقة.
الشكر في الضيقة يدخل في فضيلة الاحتمال أو فضيلة التسليم، شاعرين أنها ضيقة ولكن نشكر عليها. لأنه إن كان الله قد رضي بها لنا، فلماذا لا نرضى بها لأنفسنا؟...
أما الشكر على الضيقة، فمعناها محبة الضيقات، والشعور بأنها بركة وليست ضيقة.
ومثال ذلك التلاميذ: الذين لما حبسوهم وجلدوهم ثم اطلقوهم " خرجوا فرحين لأنهم حسبوا متسأهلين أن يهانوا لأجل اسمه" (أع5: 41). ومن أمثلة هذا قول القديس يعقوب الرسول " احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1: 2). طبيعي أن الذي يشكر على الضيقات، لابد يشكر على النعم. وهنا نسأل:
أتراك تشكر على كل نعم الله؟ أم أن هناك نعمًا من الله خفيت عليك فلم تشكر عليها، أو نسيتها فلم تذكرها؟...
ما أكثر إحسانات الله إليك التي لا تعرفها! إنك ربما تشكر لأن الله نجاك من ضيقة معينة تعرفها، ولكن هناك ضيقات أخري كانت في طريقها إليك، ومنعها الله...
ربما دسائس كانت مدبرة ضدك، وأنت لا تدري، ومنعها الله فلم تحدث، وأنت لا تدري، وهذه لا تشكر عليها، عن عدم معرفة...
ربما خطية زاحفة إليك لتسقطك، ومنعها الله من الوصول إليك. ربما شيطان كان سيغريك ليفني إيمانك، وانتهره الرب، فلم يأت إليك إطلاقًا. وأنت لا تدري ولا تشكر.
إن الله كما أمرنا أن نعمل الخير في الخفاء، هو أيضًا يفعل خيرًا لأجلنا في الخفاء.
والخير العلني الذي يعمله معنا، إنما لكي يشعرنا بمحبته، فنحبه لأنه أحبنا قبلًا لذلك مهما شكرنا الله، لا يمكننا أن نوفيه حقه من الشكر.
يكفي أنه جعلنا هياكل لروحه القدوس. وسمح لروحه أن يسكن فينا ويعمل فينا (1كو3: 16 ؛ 1كو6: 19).
يكفي أنه سمح أن يكون لنا أبًا، ونكون نحن أبناء... هذا الأمر الذي قاله عنه القديس يوحنا الرسول " انظروا أية محبة أعطانا الآب، حتى ندعي أولاد الله" (1يو3: 1).
إذن ليتنا نشكر على كل شئ: على النعم الروحية، وعلى النعم المادية. على النعم التي نراها، والتي لا نراها...
ونشكر على الضيقة أيضًا، لأن الضيقة هي أيضًا نعمة...
ربما تقول لنفسك: أشكرك يا رب من أعماق قلبي على هذا المرض، لأنه قرَّبني إليك. جعلني أعود إلى صلواتي، وجعلني أحاسب نفسي وألومها على خطاياها. وأشكرك على المرض من أجل محبة الكثيرين التي تحيطني بها في مرضي...
أشكرك أيضًا على هذا المرض... لأنه أعطاني فرصة أخلو بك فيها، ولأنه أعطاني بركة الألم، وأشعرني بتقصيري السابق في زيارة المرضي. بل أعطاني بالأكثر الاستعداد لأبديتي... حقًا ما أكثر بركات هذا المرض. وما أحق أن أشكر عليه.