رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العمل الداخلي للصمت عدم الكلام هو المظهر الخارجي للصمت. ولكن الصمت لا يقتصر على هذا الجانب السلبي، إنما له إيجابيات. فالعمل الداخلي للصمت هو أن يغوص الإنسان داخل نفسه، في استفادة روحية للتأمل والتفكير في الإلهيات، وللصلاة. وهكذا ينتفع روحيًا من صمته. إنه لا يتكلم مع الناس، لأنه في نفس الوقت يتكلم مع الله... لذلك هو يجلس وحده، لكي يتمتع بالله. وبهذا لا تكون الوحدة هي مجرد الإنسان وحده... لأنه أية فضيلة في أن يجلس الإنسان وحده؟! وربما يجلس وحده وتسرح الأفكار به هنا وهناك. إن جلوس الإنسان هو مجرد عمل خارجي غايته الجلوس مع الله، أو الانفراد بالله والتمتع بعشرته الإلهية، في صلاة في تأمل، في تسبيح، في اعتراف، في حب... فهذا هو العمل الداخلي للوحدة. لابد أن نهتم بالعمل الداخلي بكل قوتنا، لأن الكتاب يقول: ملكوت الله داخلكم (لو17: 21). إن وصلنا بالعمل الداخلي إلى أن يكون ملكوت الله داخلنا، نكون بهذا قد وصلنا إلى عمق العمل الروحي حيث يملك الله على القلب... وعلى الفكر، وعلى كل ما فينا من مشاعر وأحاسيس... وكل عبادة بنا إلى هذا الهدف، لابد أنها قد أخطأت الطريق. والعمل الداخلي له اتجاهان: عمل مع الله، وعمل مع النفس... أنت تعمل مع نفسك لكي تضبطها حسنًا، وتراقب كل أفكارها وحواسها ورغباتها، وتبكتها إن انحرفت، وتعيد مسارها إلى الوضع السليم، وتقنعها بطريق الرب وجماله، وتذكرها بالأبدية لكي تعد ذاتها لها بكل جدية وجهاد... وعملك مع الله أن تصارع الله لكي يثبت ملكوته في قلبك. كذلك عملك مع الله هو المفاجأة والحب... لاشك أن تكوين علاقة مع الله، وتعميقها يوم بعد يوم، هو عمل داخلي. وهذا العمل الداخلي لا تصلح له المظاهر الخارجية ولا الشكليات، ولا السلوك في الطريق الروحي كمجرد واجب... والحياة الروحية ليست مجرد ممارسات خارجية وقوانين ونواميس، إنما هي محبة لله وللناس. والمحبة عمل داخلي، يحتاج إلى رعاية وحفظ وتنمية... هذا من جهة الذين في العالم. أما الرهبان فعملهم الداخلي يأخذ معني أكثر عمقًا وسموًا... ولهذا نسأل: ما معنى عبارة راهب عمال؟ الراهب العمال هو المنشغل باستمرار بالعمل الجواني، بحيث يكون عقله وفكره يشتغلان باستمرار مع الله. وإن كان قد قيل عن الرهبنة إنها " الانحلال من الكل، للارتباط بالواحد"... يكون العمل الجواني للراهب إذن، هو كيف يربط عقله باستمرار بالله، وكيف يربط كل عواطفه بمحبة الله، ويطرد كل فكر غير ذلك. لهذا عليه أن ينشغل بالصلاة والتأمل والتسبيح والترتيل والقراءة الروحية، حتى يكون عقله مع الله دائمًا. لأنه إن لم يفعل هكذا، سيشرد ذهنه بعيدًا، ويقع في طياشة الأفكار. وعمله الجواني مع الله يدعوه بالضرورة إلى التزام الصمت... وذلك كما كان يقول القديس ارسانيوس " لا استطيع أن أتكلم مع الله والناس في نفس الوقت"... وكما قال أحد الآباء: الراهب الكثير الكلام، يدل على أنه فارغ من الداخل أي فارغ من العمل الجواني. لهذا لجأ الأباء إلى الوحدة، وحصروا على الصمت وحفظ الحواس، لكي يستمروا في عملهم الداخلي مع الله، حتى وصلوا إلى الصلاة الدائمة وإلى صلب العقل فلا يطيش هنا وهناك. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
العمل الداخلي في الصلاة والصوم |
العمل الداخلي في القراءة |
العمل الداخلي في التربية وفي الخدمة |
العمل الداخلي في التوبة |
أهمية العمل الداخلي |