رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سأبدأ تأمُّلي هذا بعبارات هامَّة للغاية، أريدها أن تتغلغل إلى أعماق أعماقك.. تسكن في داخلك على الدوام.. تتأصَّل فيك.. لكي تُصبح جزءًا لا يتجزَّأ من كيانك: " الله.. خالق الكون.. كلِّي القدرة.. لن يتحرَّك ولن يقوم بأي عمل على هذه الأرض.. إلاَّ من خلالك أنت بالتحديد.. إلاَّ من خلال الكنيسة.. من خلال جسد الرب.. فالرأس الذي هوَ الرب يسوع المسيح، لن يفعل أي شيء إطلاقًا.. إلاَّ من خلال أعضائه.. سيرى من خلال عينيه.. سيسمع من خلال أُذنيه.. سيمشي من خلال رجليه.. سيتنفَّس من خلال رئتيه.. و.. و... ". هذا هوَ الامتياز العظيم الذي خصَّنا الله فيه كمؤمنين.. لكن المشكلة تقع، عندما تكون هذه الأعضاء مريضة.. مُعاقة.. غير متجاوبة.. غير مطيعة.. منشغلة بأمور كثيرة... إلخ.. وبالتالي فإنَّ الرأس الذي خطَّط ويُخطِّط على الدوام، بطريقة صائبة مئة بالمئة.. سيجد أنَّ الأوامر والخطط التي يُصدرها، ستتعطَّل وستبقى دون تنفيذ، للأسباب التي عدَّدنا قسمًا منها !!! ٱختارَ الرب ٱثني عشرَ تلميذًا، وسمَّاهم أيضًا رسلاً.. وعندما دعى الرب سمعان بن يونا أي الرسول بطرس، قالَ لهُ أمران مهمَّان: 1 – " ... فقال يسوع لسمعان: لا تخف، من الآن تكون تصطاد الناس " (لوقا 5 : 10). 2 – " ... فنظر إليه يسوع وقال: أنت سمعان بن يونا، أنتَ تُدعى صفا، الذي تفسيره بطرس (أي صخر) " (يوحنا 1 : 42). طلب الرب بوضوح من بطرس أن يترك صيد السمك، وينصرف إلى صيد الناس.. وبدَّل الرب ٱسم سمعان بن يونا، الذي وفي أحد معانيه يعني " التقلُّب " ليُصبح صخر والذي يرمز إلى " الحزم والثبات ". وفي موقعة أُخرى قال الرب لبطرس: " ... سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يُغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبِّت إخوتك، فقال لهُ: يا رب إنِّي مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت " (لوقا 22 : 31 – 33). هنا نرى أنَّ الرب، طلب من بطرس أن يُثبِّت إخوته.. حيثُ أظهر بطرس عندها حماسة كبيرة، إذ قال للرب، بأنَّهُ مستعد أن يذهب معهُ إلى السجن.. وإلى الموت أيضًا.. نعم.. هذا ما أرادهُ الرب.. الرأس.. من بطرس العضو الهام في جسد الرب.. وهذا ما عملَ الرب عليه خلال السنوات الثلاث والنصف، التي أمضاها مع تلاميذه.. وهوَ الذي كانَ مثالاً حيًّا لما أراد منهم أن يفعلوا، وقد شاهدوا بالعين المُجرَّدة المعجزات والآيات التي صنعها الرب.. لكن ما الذي حصلَ فعليًا؟ أنكرَ بطرس الرب.. ولم يبدو حينها مستعدًّا لا إلى الذهاب إلى السجن ولا إلى الموت.. ولا حتَّى إلى ما هوَ أقل من ذلكَ كلفةً.. وهذا ما نراه في هذا المقطع الهام والمصيري في حياة بطرس: " كان سمعان بطرس وتوما الذي يُقال له التوأم، ونثنائيل الذي من قانا الجليل، وٱبنا زبدي وٱثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم (7 تلاميذ من أصل 11 تلميذ)، قال لهم سمعان بطرس: أنا أذهب لأتصيَّد، قالوا لهُ: نذهب نحن أيضًا معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت، وفي تلك الليلة لم يُمسكوا شيئًا... فبعدما تغدُّوا قال يسوع لسمعان بطرس: يا سمعان بن يونا أتُحبّني أكثر من هؤلاء، قال لهُ: نعم يا رب، أنت تعلم أني أُحبّك، قال لهُ: إرعَ خرافي. قال لهُ أيضًا ثانيةً: يا سمعان بن يونا أُتحبني، قال لهُ: نعم يا رب، أنتَ تعلم أنّي أُحبّك، قال لهُ: إرعَ غنمي. قال لهُ ثالثةً: يا سمعان بن يونا أتُحبّني، فحزن بطرس لأنَّهُ قال لهُ ثالثةً أتحبّني، فقال لهُ: يا رب أنتَ تعلم كل شيء، أنتَ تعرف أنّي أُحبّك، قال لهُ يسوع: إرعَ غنمي " (يوحنا 21 : 2 – 17). ثبِّت إخوتك يا بطرس.. لكن بطرس يُشجِّع إخوته الرسل للعودة إلى صيد السمك.. الصيد الذي طلب منهُ الرب منذُ بداية دعوته لهُ أن يتخلَّى عنهُ.. لكي يغدو صيَّاد ناس.. ما أخطر هذا الأمر يا أحبائي.. ٱنتبه.. لأنَّهُ عندما تكون خادمًا بارزًا.. أو موضع ثقة عند من يخدمون معك.. ولا تكن حريصًا على دعوتك وخدمتك كما يُريدها الرب، فقد تُضيِّع غيرك معك، وتجعلهم ينصرفون عن خدمتهم أو ينشغلون بأمور أُخرى قد تجعل خدمتهم تفتر أو لا تُثمر.. بطرس جذبَ معه ستة آخرين إلى صيد السمك مُجدَّدًا !!! وجاء دور الرب، ليُواجه بطرس.. ليُذكَّر بطرس بما قالهُ لهُ قبل موته وقيامته.. وليُذكِّر بطرس بتعهداته للرب.. وتقول الكلمة أن الرب قالَ " لسمعان بطرس ". قالَ للمتقلِّب وللصخر.. وكأنَّ الوحي يُريد أن يقول لنا أنَّ بطرس كانَ ما زالَ يعرج بين الفرقتين.. " التقلُّب " و" الحزم والثبات " !!! نادى الرب بطرس بٱسم " سمعان بن يونا " بعدَ أن كانَ في بداية دعوته لهُ، قد بدَّل لهُ ذلكَ الاسم.. لكنَّهُ رأى أن بطرس ما زالَ " مُتقلِّب " لم يحسم أمرهُ بعد.. وقالَ لهُ ثلاث مرَّات: أتحبني أكثر من هؤلاء.. والترجمات المختلفة تحمل معنيين لكلمة " هؤلاء "، فهيَ تحمل أتحبني أكثر من " البحر، والقارب، وصيد السمك "، وتحمل معنى آخر، أتحبنـي أكثـر مـن " هؤلاء الرسل الذين برفقتك ". وفي المرات الثلاث، بطرس يقول للرب نعم أحبك.. وفي المرات الثلاث أيضًا، الرب يقول لبطرس، إن كانَ ما تقوله حقيقي وواقعي.. ينبغي أن ترعى غنمي.. ينبغي أن تحسم أمرك.. أن تتخلَّى عن صيد السمك.. وتتفرَّغ لصيد الناس.. تتخلَّى عن ٱسمك القديم " سمعان بن يونا المتقلِّب " و " سمعان بطرس المتقلِّب والحازم معًا " وتغدو فقط " بطرس الصخر الثابت والحازم ". وكلنا يعرف ما أضحى عليه الرسول بطرس بعد هذا اللقاء.. والخدمة التي قامَ بها.. والميتة التي مجَّدَ الرب بها.. والآن.. ماذا عنَّا نحن اليوم؟ أحبائي.. جميعنا ودون ٱستثناء مدعوين لكي نخدم الرب.. والرسول بولس يقول: " لأنَّنا نحنُ عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبقَ الله فأعدَّها لكي نسلك فيها " (أفسس 2 : 10). الله قسم لكل واحد منَّا مواهب ووزنات لكي نستخدمها ونتاجر بها، بأمانة وبٱجتهاد لصالحه.. سبقَ وأعدَّ لنا أعمال صالحة لكي نقوم بها ونسلك فيها.. لكنهُ لن يُرغمنا إطلاقًا على القيام بها.. فالقرار يعود لكل واحد منَّا بكل تأكيد.. وهذه ليست دعوة للتفرغ الكامل لكل مؤمن في وسط كنيسة الرب، ولا للتخلي أو التقصير في أعمالنا التي نقوم بها على حساب خدمة الرب.. بل السؤال يبقى، هل أنتَ موجود اليوم في المكان الذي دعاك الرب أن تكون فيه، وتقوم بدورك بأمانة وشغف وحماسة وٱجتهاد؟ أم أنَّكَ في عرض البحر تصطاد السمك.. عوضًا عن الناس؟ الرسول بولس قال: " فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فٱفعلوا كل شيء لمجد الله " (كورنثوس الأولى 10 : 31). كل شيء.. كل شيء لمجد الله.. مهما كان موقعك في جسد الرب، ومهما كان عملك في الحياة.. ومهما كانت خدمتك صغيرة أم كبيرة.. ينبغي أن تعمل كل شيء لمجد الله !!! أنتَ مدعو اليوم، لمقابلة مع الرب، كتلكَ التي جرت بينهُ وبين بطرس على شاطئ البحر.. تُعطيه من خلالها الفرصة لكي يسألك أقلَّهُ ثلاث مرَّات: أتحبني أكثر من هؤلاء؟ وتطلب من الروح القدس أن يقودك ويساعدك لكي تُجيب الجواب الصحيح.. ولكي أُساعدك دعني أضع بين يديك هذا الكلام: " لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض، حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل ٱكنزوا لكم كنوزًا في السماء، حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لأنَّهُ حيثُ يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا " (متى 6 : 19 – 21). هل تُريد أن تعرف ما هوَ كنزك في هذه الحياة؟ هل هوَ الرب.. أم أمر آخر؟ تواجه اليوم مع هذا السؤال: ما هوَ الأمر الذي تنشغل فيه كل الوقت.. تُفكِّر فيه بٱستمرار.. تعمل لتحقيقه بٱستمرار.. تنام وأنتَ مشغول فيه.. تصحو وهوَ أول شيء يتبادر إلى ذهنك.. تُمضي يومك وأنت تعمل من أجله، بشغف وٱجتهاد؟ ليسَ صعبًا أن تكتشفه.. وعندما تكتشفهُ.. إعرف أنهُ هذا هوَ كنزك.. لأنَّ الرب قال: حيثُ يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا.. والآن.. إن لم يكن الرب هوَ هذا الكنز.. ٱطلب من الروح القدس أن يحملك إلى شاطئ البحر، ويجعلك تتقابل مع الرب يسوع.. وتدعهُ يقول لكَ أقلَّهُ لثلاث مرَّات: أتحبني أكثر من... ؟؟؟ وثق أنَّك بعد هذه المواجهة.. إن كنتَ ترغب بها من كل قلبك.. ستسقط كل الأمور أمام حضوره.. وسوف يُصحَّح لكَ المسار.. ويُرتِّب لكَ أولوياتك من جديد، أينما كان موقعك وعملك وخدمتك.. لكي يغدو هوَ كنزك الوحيد الذي سينشغل فيه قلبك بالتمام.. الكنز الذي لا يفنى ولا يُفسده السوس والصدأ، ولا يسرقهُ السارقون.. لا تُهمل هذه الدعوة أبدًا.. بل تجاوب معها بكل صدق وأمانة.. الرأس يحتاجك لكي تعمل معهُ من أجل تحقيق خطته لحياتك.. لعائلتك.. لمحيطك.. لبلدك.. وللملكوت !!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إرعَ الأمانة، فالتقوى الحقيقية هي نعم الرصيد |
ارع غنمي |
ارعى غنمي |
ارع غنمي |
أتحبني ؟ ارع َ غنمي . |