رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
بطرس "فنظر إليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا، أنت تدعي صفا الذي تفسيره بطرس" (يو 1: 42) مقدمة ما من شك في أن بطرس كان التلميذ الأول من تلاميذ المسيح حتى ظهور بولس، فاسمه يأتي دائماً في الصدارة في قوائم أسماء التلاميذ المدونة في متى ومرقس ولوقا، كما أنه يظهر في الطليعة في كل المناسبات والظروف بين أخوته وزملائه ممن ساروا وراء المسيح، ونحن لا نستطيع أن نعطيه من المركز ما تعطيه إياه الكنيسة الكاثوليكية التي تعتقد أن المسيح منحه مركزًا متميزًا يختلف عن بقية التلاميذ، إذ جعله رئيسًا عليهم، وأعطاه مفاتيح ملكوت السموات ليربط ويحل كما يشاء، وأن له مركزًا أعلى في الشفاعة، لهذا السبب يفخر الباباوات بأنهم خلفاؤه، كما يضع كل واحد منهم صورته هو في ثياب الصيادين على خاتمه، وعندما يموت يتغير هذا الخاتم، لكن صورة تبقى كما هي لا تتغير، ونحن وإن كنا لا نتفق مع هذا الرأي بتاتًا، إلا أ ننا نتفق مع الكاثوليك في أنه كان أقوى شخصية بين التلاميذ. وأنه كان أكثرهم تحمسًا وشجاعة وقوة، وأنه، كما دعاه يوحنا فم الذهب، كان فمهم الذي يتكلم باسمهم ونيابة عنهم، وأنه أضحى مع الأيام القوة البارزة في الكنيسة المسيحية، أما كيف وصل بطرس إلى هذه الحال، وكيف انتهى إلى هذه القوة، فان السر كل السر يرجع إلى السيد الذي اكتشفه وأمسك به، وصاغ عناصره، وحوله من سمعان الذي كان مجموعة من الرمال المتفككة إلى بطرس الصخرة الصلبة المتماسكة.... ولعلنا يمكن أن نراه بعد ذلك فيما يلي: بطرس الذي اكتشفه المسيح عندما جاء أندراوس بأخيه إلى المسيح، يقول الكتاب: «فنظر إليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا، أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس» (يو 1: 42).. وربما لا نجد تحليلاً أبرع من تحليل كامبل مورجان في هذا الصدد عندما قال ما ملخصه: «إنه ينبغي أن نذكر أن هذا الرجل لم يكن اسمه الأصلي بطرس بل سمعان، وما دنوت من دراسة شخصية دون أن أذكر شيئًا قاله هنري وراموند عن دوايت لايمان مودي من أنه أعظم شخصية التقي بها، وهذا الكلام يمكن أن يقال عن بطرس، وليس معنى ذلك أن دراموند يقصد أن مودي الأعظم من حيث عقليته أو قابليتها للتحصيل والاستيعاب، بل يقصد أن مودي هو الأعظم من حيث عناصر الطبيعة البشرية فيه، وهذا ما يمكن أن نتبينه بوضوح إذا درسنا شخصية سمعان، ويمكن أن أطلق عليه رجل العناصر البشرية: فكل العناصر الأساسية التي تقوم عليها الطبيعة البشرية وجود فيه».. إن هذا يقتضينا رجعة إلى تعريف «إيمانويل كانط» للشخصية البشرية والتي صورها بوحدة العقل، والعاطفة والإرادة، وهذا ما كان عليه بطرس في علاقاته بالمسيح وفي الجو المسيحي الذي أحاط به، وقد دعاه دكتور ما كلينز في كتابه الرائع عنه: «الصياد الفيلسوف» وهذا وصف حقيقي صادق، إذ تظهر قدرته العقلية في الحقيقة المسجلة عنه من أنه كان أكثر التلاميذ الذين سألوا أسئلة، والسؤال في العادة علامة مؤكدة على القدرة الذهنية، إذ أن الشخص الذي لا يسأل هو في الحقيقة محدود القدرة الذهنية. وكان بطرس كثير الأسئلة: «إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك» (يو 6: 68) «كم مرة يخطيء إلى أخي وأنا أغفر له» (مت 18: 21) «ياسيد إلى أين تذهب» (يو 13: 36).. «ياسيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن» (يو 6: 37).. وهي أسئلة كبيرة، وإن بدا أنها تنطوي على جهل بأشياء كثيرة!! وليست هناك حاجة إلى اثبات أنه الرجل الذي كان ممتلئًا من العواطف البشرية، أليس هو الصارخ في إحدى المناسبات: «أخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطيء» (لو 5: 8) وفي قيصرية فيلبس: «فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يارب لا يكون لك هذا» (مت 16: 22). «إني أضع نفسي عنك» (يو 13: 37).. وعندما خرج في تلك الليلة الرهيبة: «بكي بكاء مرًا» (لو 22: 62).. ويضيف هربرت لوكاير إلى كلمات مورجان في هذا الصدد بأنه ربما لم يعرف التاريخ البشري إنسانًا بكى كما بكى بطرس في تلك الليلة!! وأكثر من ذلك كان الرجل يملك قوة إرادة هائلة، وقد يبدو الأمر في بعض المواطن على العكس من هذا، لكن النظرة الشاملة لشخصيته تبدو كذلك، لقد ترك كل شيء ليتبع المسيح، وترك القارب ليمشي إليه على الماء، وجرؤ على أن يحتج على المسيح علنًا، وجرد سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة، ومن المناسب أن نفهم معنى قوة الإرادة إذ كثيرًا ما نخطيء فهمها، جاء رجل إلى كامبل مورجان يشكو من ضعف إرادته إزاء خطية إدمان الخمر وهو يقول: «إنه لا يقدر إلا أن يشرب» وأجابه كامبل مورجان، إن نفس شرب الخمر مقدرة، لكنها للأسف في الاتجاه الخاطيء!! بطرس الذي صنعه المسيح في أحد معارض أوربا توجد صورتان للمصور رمبراندت، الصورة الأولى ناقصة مشوهة، وهي صورته في مطلع حياته الفنية، والصورة الثانية عندما بلغ أروع مجده الفني، وقد بدت رائعة فاتنة مذهلة، ونحن عندما نبصر صورة سمعان، وصورة بطرس، نرى في الأولى الرجل الذي اكتشفه يسوع، وفي الثانية الرجل الذي صنعه يسوع، كانت عناصره موجودة، ولكنها كانت مفككة أشبه بحبات الرمال التي بنبغي أن تجمع لتكون صخرًا، وقد جمعها يسوع المسيح، ولعل دراسته من هذه الناحية هي دراسة لما صنعه الفخاري العظيم فيه، وما يصنعه في وفيك! لست أعلم تمامًا كيف يتحول الفحم الهش الذي يسهل أن تتفكك عناصره إلى الماس الصلب الصلد الثمين، والذي يعتبر من أقوى العناصر تماسكًا وصلادة، إنهم يقولون إن السبب يرجع إلى وقوع الفحم تحت ضغط وحرارة شديدين، وقد أمكن للإنسان على هذا الأساس أن يصنع الماس الصناعى من الفحم الأسود!! وأيا كان الأمر في الطبيعة، فإنه في دائرة النعمة يحدث معنا على الدوام أن الفخاري العظيم، يأتي إلى وعائنا الفاسد ليعيد صنعه من جديد، وقد ذكرنا في الحديث عن أندراوس الرأي البيورتاني القائل بأنه سارع إلى الإتيان بأخيه إلى المسيح، لكثرة من كانوا يعانون منه في البيت، ونحن نشك كثيرًا في هذا الرأي، ولكننا لا نشك البتة في أن السيد حول شخصية بطرس المتفككة إلى شخصية الرجل الصلب الأقوى من الحديد والفولاذ! أما كيف فعل ذلك، فإنه قد فعله بوضعه ثقته في بطرس، قبل أن يؤمن بطرس به، وقد يكون هذا التعبير غريبًا، ولكنها الحقيقة الواقعة التي يلزم أن ننبه الأذهان إليها، نحن نؤمن بالسيد لأنه هو وضع ثقته فينا، وانتظر منا ثمر الحياة الجديدة التي وهبنا إياها، كان المسيح قد نظر إلى بطرس قبل أن يقول له: «أنت سمعان بن يونا أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس!! والكلمة «نظر» في الأصل، هي نفس الكلمة التي وردت عندما نظر المسيح إليه في يوم المحاكمة، وتفيد لا مجرد النظرة السطحية العابرة، بل النظرة العميقة النافذة إلى الداخل، وهي التي ترى فينا الإمكانيات التي قد لا يراها فينا الناس أو لا نراها نحن في أنفسنا، هذا موطن العجب، ولكنها الحقيقة العظيمة التي تجمل علاقتنا بيسوع المسيح... ذهب رجل إلى كامبل مورجان، وشد على يديه وهو يقول: إني أصافحك قبل أن أذهب، إذ لم يعد في أمل، إلى الدرجة أن أمي لم تعد تؤمن بي، ونظر إليه رجل الله، ثم قال له: إنه لأمر مؤسف أن تصل إلى هذا الحد، ولكني أعرف شخصًا يؤمن بك، ويؤمن بك لأنه قادر أن يجعلك تمامًا الشخص الذي لست أنت إياه.. ومن الواضح أن السيد وثق ببطرس، في وقت فقد فيه بطرس الثقة بنفسه حتى أوشك على الضياع: «طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك» (لو 22: 32). قال مدرس أديسون له: اذهب وقل لأمك إنك لا تصلح لشيء البتة، ولكن أم أديسون آمنت بابنها، ورفضت رأى المدرس في ولدها العبقري، الذي أصبح من أعظم عباقرة الأمريكيين في الاختراع والصناعة، قد يفقد الإنسان الثقة في نفسه، وقد يفقدها فيه الناس جميعًا، لكن هناك واحدًا عظيمًا لم يفقد الثقة في عودتنا إليه، ومجيئنا إلى شخصه المبارك العظيم!! إن الإيمان المتبادل مع المسيح يرفع الإنسان فوق نفسه إلى أعلى الذري ويشحذ طاقاته الساكنة، ويفجر فيه قوى غير مألوفة للبشر، وهذا ما حدث مع بطرس بالذات، عندما فعل شيئًا من المستحيل أن يفعله مخلوق بشري غيره، لقد رأى المسيح ماشيًا على الماء، وكان المنظر أمامه مثيرًا وعجيبًا ومذهلا، فلماذا لا يفعل مثلما فعل سيده، ولماذا لا يرتفع بمعونة سيده، وعلى مثاله، ليفعل الشيء الذي لا يجرؤ آخر على تقليده ومحاكاته؟! ورغم تعثر بطرس فوق الماء، إلا أن الإيمان بالمسيح علمه أن يكون محاكيًا للسيد ومقلدًا له، ويكفي أن نذكر أنه كان مع سيده عند إقامة ابنة يايرس وأنه دخل إلى غرفة الصغيرة مع يعقوب ويوحنا وأبويهما، ورأى المسيح وهو يمد يده ليقول لها: «طليثا قومي» (مر 5: 41) ومرت سنوات على هذا المشهد الذي ترك أثره العميق في نفسه، ودعى هو إلى يافا ليرى مشهدًا مماثلاً، لفتاة قد ماتت، وهي تلميذة للرب، وإذا به يفعل ذات الشيء مع فارق وحيد أنه جثا على ركبتيه، لأنه أقل من سيده العظيم ثم التفت إلى الجسد وقال: «يا طابيثا قومي» (أع 9: 40). إن مجد الإيمان المسيحي هو إضافة شخص السيد إلينا، أو بتعبير أصح وأصدق، هو إضافتنا نحن إلى شخص السيد، وإذا بالقوة الإلهية تسرى في كياننا وتلم شعثنا، وتوقفنا على أقدامنا وتنزع منا كل وهن وتردد وخوف وشك!! على أن هناك أمرًا آخر استخدمه السيد في صنع هذا الرجل العظيم، ونعني به الحب المتبادل بينه وبين المسيح، قال الرسول بولس في الكلام عن عظمة الحب: «وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا» (1كو 13: 2). ونحن نعلم أن بطرس أحب المسيح من كل قلبه، وأجاب بعمق على السؤال القائل: «أتحبني أكثر من هؤلاء» «وكان الجواب: أنت تعلم يارب كل شيء، أنت تعرف أني أحبك» (يو 21: 15 و17)، ومع أن بطرس ارتكب الكثير من الأخطاء، وكان به العديد من العيوب، أو على حد قول الكسندر هوايت، «لم بطرس كما تشاء، وقف عند عيوب طباعه، وضعفات شخصيته، وحمق تصرفاته، وقل فيه كما يحلو لك، لكني أتحداك مع هذه كلها أن تنكر أنه كان جذابًا أو محبوبًا، إن أبشع ضعفات الطبيعة البشرية هي البرودة، برودة القلب، ولكنه مع كل ضعفاته، لم يكن القلب البارد واحداً منها» سقط بطرس سقطته العظيمة وخانته شجاعته، لكن حبه لم يخنه وهو يخرج إلى خارج ليبكي كأعظم ما يكون المحبون في الأرض!! كانت أزمته يوم الصليب، نوعًا من الغيبوبة وفقدان الوعي الذي قلبه رأسًا على عقب، فأنكر محبه وحبيبه، ولكنه ما إن استعاد وعيه حتى غسل بدموعه الغزيرة فعلته الشنعاء. على أن حب السيد كان أوفى وأعلى إذ في قلب الأزمة نظر إليه، ومن المؤكد أن النظرة - وإن كانت تعبر عن قلب المسيح المجروح، إلا أنها - كانت ممتلئة بالحنان والعطف والرقة والرحمة.. ولا أستطيع أن أصدق قط التقليد القديم الذي يقول إن بطرس ما سمع ديكًا يصيح إلا وأحنى رأسه خجلاً، إذ لاشك أنه تمتع بغفران كامل غطى نقصه وضعف بالتمام، غير أني هنا أعود مرة أخرى إلى رغبته في التقليد والمحاكاة، إذ يقال إنه عندما حكم عليه بالموت صلباً، طلب من صالبيه أن يجعلوا قدميه إلى أعلى ورأسه إلى أسفل، لأنه وإن كان يشرفه أن يصلب مثل سيده، لكنه يرى نفسه أقل وأضأل من أن يكون كالسيد، وفي الحقيقة إن الرجل في الحياة والموت بادل سيده حبًا بحب من أعظم وأشرف وأجل ما يمكن أن يتبادله المحبون، وقد صنعه هذا الحب على الصورة الأمجد والأعظم والأجل!! كان هذا الرجل على أي حال، مفتونًا بحب سيده، وهو معجب بهذا السيد فوق كل إعجاب، فهو إذ يراه فوق جبل التجلي، وقد تغيرت هيئته، وبدا منظره على الصورة التي تتجاوز الخيال البشري، ومعه موسى وإيليا، وإذا ببطرس ينسى الأرض وما عليها ومن عليها، فلا يعود يذكر بيته وزوجته والعالم بأكمله ويصبح صارخًا: «يارب جيد أن نكون ههنا» وفي البحر، وكان عاريًا وأبصر السيد على الشاطيء، إذا به يلقي بنفسه متجهًا إليه وعندما خيره السيد أن يذهب كما ذهب الآخرون وارتدوا عنه، لكنه لا يرضى بالمسيح بديلا، ويقول: «إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك»!! إنه الرجل الذي فتن بسيده، سواء في أعلى الجبل أو في البحر أو في الطريق، وأصبح المسيح كنزه الوحيد: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك» (مت 19: 27) إنه مثل رفيقه العظيم الذي عندما أراد أن يعبر عن الحياة والموت قال: «لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح» (في 1: 21). لقد نظر ذات يوم إلى رجل أعرج من بطن أمه.. والكتاب يقول: «فتفرس فيه بطرس مع يوحنا» ولعل بطرس سأل نفسه وهو يتفرس فيه ما الفرق بينه وبين الرجل المشلول؟ شيء واحد فقط، هو الاسم الذي احتوى بطرس وغطاه، فإذا به يصيح: «باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش» (أع 3: 4 و6) وكل من يأخذ هذا الاسم ويسير تحت مظلته، يبدأ نقطة الحياة والخلود، فإذا كان لك أن تسأل، ولكن ألسنا جميعًا نملك هذا الإسم المبارك، فلماذا لا يكون المرء فينا بطرس آخر!!؟ إن السر يكمن في أن بطرس أخذ اسم المسيح، أو بالحري أخذ شخص المسيح ولكن إلى درجة الامتلاء والتشبع، وهو أكثر من معجب بالمسيح يقلده أو يحاكيه من على بعد لم يكتف بطرس بمجرد الإعجاب والمحاكاة. لقد امتلأ بطرس من الروح القدس، عندما استولى المسيح بروحه على كل ذرة فيه، ولم يعد هناك بطرس والمسيح، بل أضحى بطرس في الروح القدس مبتلعًا تمامًا من المسيح. وهل تريد أن تعرف كيف يكون ذلك، رأت القنبرة الصغيرة وهي في العش أمها تطير بجلال وبهاء في السماء، وقالت القنبرة لأمها يا أمي: كيف أتعلم الطيران مثلك!؟ وعادت الأم تتذكر كيف تعلمت هي الطيران، ولكنها لا تعرف كيف تصف ذلك، فقالت للصغيرة: لست أعلم كيف طرت، ولكني أذكر متى حدث ذلك، كان يومًا مطيرًا بلل الماء جناحي فيه، ثم انتهى المطر وأشرقت الشمس، وتطلعت إلى نورها البهي العظيم، ونفضت جناحي مما علق بها من قطرات الماء، وانطلقت في أفق الله العظيم، دون أن أعلم كيف!! كان بطرس أشبه بالقنبرة التي أشرقت عليها شمس البر والشفاء في أجنحتها، وإذ أطل عليه وجه المسيح، أخذ بهذا الوجه في كل شيء، وامتلأ في يوم الخمسين من روح المسيح، وانطلق يطير في أفق الخلود، مأخوذًا بحبه العظيم العجيب!! لقد غنى جورج ماتيسون أغنيته العظيمة التي مطلعها: «أيتها المحبة التي لم تدعني أذهب» عندما فقد بصره وخطيبته التي غدرت به في محنته القاسية، ولكنه وجد المسيح، تعويضًا خالداً عن كل شيء، التعويض الذي أيقظ عبقريته واتجه به في طريق الخالدين! هكذا كان بطرس صياد الجليل، وهو يدين للمسيح بكل شيء في حياته فهو الذي نقله من نكرة مغمور حقير إلى واحد من أعاظم الرجال في كل التاريخ!! عند بحر الجليل أمسك المسيح ببطرس ولم يدعه يذهب، وقد ظن بطرس أنه هو الذي ترك كل شيء وأمسك بالمسيح ولم يدر أن المسيح، هو الذي ترك كل شيء، ليمسك ببطرس وبأخوة بطرس، ويأتي بهم إلى مجده السماوي العتيد، كان يمكن لبطرس أن يذهب بحماقاته المتكررة، كان يمكن أن يذهب عندما انتهر المسيح واراد أن يبعده عن الصليب مأخوذًا بما للناس، وليس بما لله، ورأى المسيح الشيطان يطل في عينيه، ويتكلم بلسانه، فقال له: أذهب عني ياشيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس،» (مت 16: 23).. وعاد الشيطان مرة أخرى ليهزه هزا بالتجربة القاسية بنكران السيد، ومع ذلك فنظره المسيح، وظهوره الانفرادي له بعد القيامة، يؤكدان ما قاله مارتن لوثر. إنك تستطيع أن تكتب على كل شعرة في بطرس «غفران»!! وليس شعر بطرس وحده الذي يشهد بمحبة المسيح. بل أن كل نبضة من نبضات قلبه، وكل قطرة من قطرات دمه، وكل نسمة من نسمات أنفه، وكل ذرة من كيانه وتاريخه وماضيه وحاضره ومستقبله تشهد جميعًا بحب المسيح الذي غير بطرس وصنعه على الصورة التي وصل إليها، في التاريخ والأبدية معًا!!. في الخيال الرائع لدكتور ماكرتني، وهو يتصور أنه صعد إلى السماء ورأى مجموعات متعددة، ووقف يسأل أحد الملائكة عن هذه المجموعات، إذ أنه يريد أن ينضم إلى واحدة منها، قال له الملاك: «هذه مجموعة بولس وإذا ذهبت إليه فإنك ستسمع كلامه عن سيادة الله وتعيينه الأزلي، وأجاب الرجل: إن بولس من أحب الشخصيات إلي وكنت أتوق أن أنضم إلى جماعته لكني رجل بسيط أحس بعدم استحقاقي للانضمام لهذه المجموعة، وتحول به الملاك إلى مجموعة يوحنا ويوحنا مستغرق معهم في الحديث عن طبيعة الله ومحبته، وبينما هو يأخذ سبيله إليهم، توقف وهو يقول: «ان هذه المجموعة أعلى من المستوى الذي استحقه لأنهم عاشوا في الأجواء العالية، وفي سماء المحبة الطاهرة، ويجدر بي أن أبحث عن جماعة تليق بمستواي» وقاده الملاك إلى جماعة بطرس التي فرح بها من الأعماق، لأنها تناسب مستواه في العواطف الجياشة والأسئلة المتتابعة، والتراجع، والتوبة، والتغني بأغنية الفداء الذي صنع العظيم من بين الأوحال والتجارب!! ومع أنني أنا شخصيًا لا استحق الانضمام إلى واحدة من هذه المجموعات المتعددة بما فيها بطرس، وأقول ما قاله يوحنا نيوتن تاجر العبيد، الذي غاص في الحمأة إلى الأعماق، وأخذه السيد من المياه العميقة ليكون الواعظ والشاعر المسيحي الأمين وخادم يسوع المسيح، عندما قالك «ابحثوا عني هناك عند قدمي اللص التائب، إذ تجدونني معه»!! لكني يمكن مع هذا كله أن أنضم إلى قافلة بولس ويوحنا وبطرس ويوحنا نيوتن لأننا أسرى حب المسيح، وصنيعه إحسانه وجوده وحنانه ورفقه، في كل ما نبلغ أو ننتهي إليه!! بطرس الذي مجد المسيح وإن كنا لا نتفق مع بعض من يعتقدون في شفاعة بطرس أو أي قديس آخر، إذ أن الشفيع الوحيد هو الرب يسوع المسيح، لكننا لا نستطيع أن نغفل البتة أن هذا الرسول مجد سيده تمجيدًا عظيمًا ولعنا نتابع ذلك في أكثر من وضع: مجد الاعتراف وهو الاعتراف العظيم الذي اعترف فيه بطرس بلاهوت المسيح، وبشخصيته العجيبة المنقطعة النظير، وقد يكون من المناسب أن نتحدث عن مكان الاعتراف، ونعني به قيصرية فيلبس الواقعة على بعد خمسة وعشرين ميلاً إلى الشمال الشرقي من بحر الجليل، وكانت المدينة قبلاً تدعى بايناس على اسم إله الرعاة عند اليونانيين، ومن المثير أن هيرودس الأكبر الذي بنى هيكل الله في أورشليم، هو الذي بنى في تلك المدينة هيكلاً من الرخام الأبيض لعبادة قيصر، وجاء ابنه فيلبس ليوسع المدينة ويجمل الهيكل، ويطلق عليها قيصرية فيلبس تيمنًا باسم القيصر، ولتمييزها عن مدينة قيصرية القائمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، عند هذا المكان، والوثنية تطل بوجهيها التقليديين، الوجه اليوناني في «بان» إله الرعاة، والوجه الروماني في عبادة قيصر، وفي أربعة عشر هيكلاً وثنيًا كانت منتشرة هنا وهناك، وعلى الخط الفاصل بين الوثنية في قوتها وحماقتها، واليهودية التي توشك شمسها على الأفول ألقى المسيح سؤاله العجيب الخالد: «من يقول الناس إني أنا» وقد أوقف السؤال التلاميذ أمام أعمق تأمل يمكن أن يواجهوه، وعليه تبني المسيحية بأكملها، إلى كل الأجيال، وهنا يأتي اعتراف بطرس عجيبًا ومثيرًا وملهبًا لكل المشاعر. وقد صعد بطرس بهذا الاعتراف إلى ما وراء العقل البشري الذي لا يمكن مهما أوتى من حكمة أو إدراك أن يبلغ كنه المسيح العجيب. قال السيد إنه لا يمكن أن يكون من دم ولحم، أو بمعنى آخر نتاج فكر إنسان، بحكمته البشرية، أو فلسفته العميقة، ففلاسفة الدنيا كلها لا يستطيعون إلا أن يتخبطوا في مفهوم الشخص العجيب. وقد بدا هذا من أقوالهم، فالمسيح إما هو يوحنا المعمدان على حد ما اتجه هيرودس الملك الذي قتله، أو هو واحد من أعظم الأنبياء القدامي كإيليا الذي يعدونه زعيم الأنبياء، وينتظر اليهود إلى اليوم عودته من السماء، أو إرميا وكان الشبه عظيمًا بين نبي الأحزان والمسيح المتألم، أو أنه واحد من أعظم أنبياد العهد القديم يعود مرة أخرى إلى الحياة، كما كان شائعًا عند اليهود!! لم يخط أحد خطوة أخرى وراء هذا، لكن بطرس خطا الخطوة المذهلة، إذ لمع أمام عينيه الإعلان الإلهي البعيد العميق الغائر في بطن الأزل، وصاح «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (مت 16: 16). ومن اللازم أن نشير إلى أن هذا ليس مجرد حديث عن المسيا، فقد قال نثنائيل من قبل عن السيد: «أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل» لكن إعلان الله لبطرس كان أول وأعظم ومضة من النور عن شخص ابن الله العجيب، وكان أشبه بالشعاع الأول من نور الشمس، وهي تأخذ سبيلها إلى الشروق لتخرج الإنسان من الظلام إلى نور النهار الباهر!! لقد رأى بطرس النور واستقبله بالفرح العميق، وتوالت بعد ذلك الأشعة الساطعة حتى جاء بولس ليقول: «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» وما من شك في أن بطرس بلغ القمة هناك، وكانت كلماته هتاف المسيحي في كل العصور والأجيال، وتحيته للسيد الذي جاء ليقوض الوثنية وليخرج باليهودية من منعطفها الصغير المحدود إلى رحاب الأمم في مواكب التاريخ، ومرة أخرى يعود الصراع بين الفكر الكاثوليكي والبروتستانتي حول تطويب المسيح لبطرس، فإذا ذكرنا أن المسيح استعمل لفظ بطرس «بتروس» ولكنه استعمل لفظًا آخر وهو «بترا» والفرق بين اللفظين واضح، قال المسيح: «أنت بطرس Petros ويعني حجرًا أو قطعة صغيرة من الصخرة، وقد جاء في الياذة هوميرس عندما رمى أجاكس حجرًا على هيكتور، أما بترا فمعناها صخرة كما جاءت في الأوديسة Petra وقيل إن بوليفيموس جعلها على باب مغارته، وكانت من الفخامة بحيث أن اثنتين وعشرين عربة كما تقول الأساطير، لم تستطع تحريكها.. وقد قال القديس أوغسطينوس إن الصخرة تشير إلى المسيح وكأنما يقول لبطرس: «أنت بطرس وعلى أنا باعتباري الصخرة سأبني كنيستي وسيأتي اليوم الذي تكون فيه عظيمًا في هذه الكنيسة مكافأة لإيمانك» ومن هنا فإن الفكر البروتستانتي يعتقد أن لاهوت المسيح وإيمان بطرس به هو الصخرة التي تبني عليها الكنيسة فالله هو الصخر الوحيد: «هو الصخر الكامل صنيعه» (تث 32: 4).. «لأنه ليس كصخرنا صخرهم» (تث 32: 31).. «وليس صخرة مثل إلهنا» (1صم 2: 2).. إن بطرس يمكن أن يكون حجرًا في هذه الكنيسة، ولكنه لا يمكن أن يسلب مركز الله فيها: «فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي هو يسوع المسيح» (1كو 3: 11).. وعندما قال المسيح لبطرس: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات (مت 16: 19).. قال نفس الشيء للكنيسة كلها: «الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت 18: 18) ولم يكن «الحل» و«الربط» جديدًا على أذهان التلاميذ إذ كان تعبيرًا شائعًا في حكم الكاهن على النجس والطاهر عندما يتقدم إليه الأبرص مثلا ليحكم بطهارته أو نجاسته، وهو ما تحكم به الكنيسة المسيحية في الخطأ والصواب، كما حكمت في مجمع أورشليم فرفعت نير الناموس الطقسي عن أعناق المؤمنين، والامتناع فقط «عما ذبح للأوثان وعن الدم والمخنوق والزنا» (أع 15: 29).. وهو ما يحكم به في القبول في عضوية الكنيسة أو منعها بالنسبة للمؤمن أو غير المؤمن، والتائب وغير التائب.. أو في لغة أخرى إنه حكم تقرير، وليس حكم إنشاء، فالكاهن قديمًا لم يكن حرًا ليحكم في ضربة البرص كما يشاء، بل هو مأمور بأن يفحص الضربة ليراها تنتشر أو تأخذ في الشفاء إذ هي لسعة كمدت وليست برصًا،.. وخادم الله لهذا ليس حرًا في أن يفتح السماء أو يقفلها في وجه الإنسان، بل هو مأمور أن يطبق قاعدة الإنجيل على كل ما يرى، ويحكم إذا كان متمشيًا مع الحق الإلهي أو مناقضًا له!! ومن المؤسف أن تفسير الكنيسة الذي عاش فترة طويلة خاطئًا بلغ من البشاعة حتى إنه حرق أعظم القديسين أمثال سافونا رولا وجون هس وردلي ولايثمار، وترك الخطاة والأثمة والملوثين ليكونوا القضاة الحاكمين! على أي حال لقد مجد بطرس السيد باعترافه العظيم بلاهوت المسيح، وكان بوقًا ومتحدثًا باسم التلاميذ والكنيسة جميعًا في كل التاريخ!! مجد العطاء وقد أدرك بطرس أن المسيحية قبل وبعد كل شيء مانحة باذلة معطية إذ تدرك كلمة سيدها المبارك القائل: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أع 22: 35)، ومع أن بطرس كان لا يملك حسب الظاهر ما يمكن أن يعطيه أو يقدمه، لكنه كمسيحي أدرك أنه يستطيع أن يقدم ما يعجز عنه الآخرون، وهل رأيت حديثه مع الشحاذ الأعرج المقعد عند باب الجميل: «فتفرس فيه بطرس مع يوحنا وقال انظر إلينا، فلاحظهما منتظرًا أن يأخذ منهما شيء» (أع 3: 4).. لقد رأى بطرس في المشلول المحتاج العالم كله على أبواب خدمته، وهو ينتظر شيئًا. وقد قدم له الشيء الذي لا يملكه آخر، وهو أعظم شيء يمكن أن يقدم للإنسان البائس على الأرض: «فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك. باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش. وأمسكه بيده اليمنى وأقامه ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه، فوثب ووقف وصار يمشي ودخل معهما الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله».. (أع 3: 6-8) لست أعلم من هو الراهب الذي سار مع أحد الباباوات، وكان يريه كنوز الكنيسة العظيمة، وقال البابا: لقد مضى العهد الذي قال فيه بطرس: «ليس لي فضة ولا ذهب»!!.. وقال الراهب على الفور قد تملكون الفضة والذهب، ولكنكم لا تستطيعون أن تقولوا للمقعد: «ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش» كان اسم المسيح عند بطرس أعظم وأجل وأمجد من كل كنوز العالم،... وقد قدمه للرجل المريض فشفاه، وأعطاه الرجاء في حياة حرة كريمة نافعة مناضلة متحركة... وأعطاه أكثر من ذلك إيمانًا قويًا بسر الحياة في الاسم العجيب المبارك اسم المسيح!! مجد الكرازة لقد أدرك من الدقيقة التي ترك فيها شباكه القديمة، أنه أصبح صيادًا من نوع آخر، صيادًا لنفوس الناس ليسوع المسيح، كان رجلاً لا يتعب في استخدام الشبكة، ولكنه أدرك بأن شبكته مرتبطة بكلمة المسيح، لقد تعب ذات مساء الليل كله، ولكن المسيح أمره على غير المألوف أن يلقي الشبكة على الجانب الأيمن، وأطاع، وصرخ مذهولاً - بعد الطاعة - بما يتجاوز فكره وخاطره وهو يقول: «اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطيء» (لو 5: 8).. وما أكثر ما نطق في حضرة المسيح بما لا يعي من فرط ذهوله واندهاشه، ولم يخرج المسيح من سفينة حياته قط، بل سار بها في بحر العالم يرفع علم الصليب فوقها، لأن «ليس بأحد غيره الخلاص» (أع 4: 12).. وكان وفير المحصول، حصد يوم الخمسين مابدا مذهلاً أمامه، إذ كان فوق كل تصور وخيال، لقد كانت الباكورة ثلاث آلاف نفس في يوم واحد، وهو شيء يبدو مهولاً وعجيبًا، إذ أن أي راع لو كسب ثلاثين عضوًا كل عام في كنيسته، بذلك يعتبر نفسه ناجحًا، فإنه في حاجة إلى مائة عام ليصل إلى ما وصل إليه بطرس في يوم واحد!! ولكنه روح الله في قدرته الكاملة والذي يستطيع أن يحقق في يوم واحد. مالا يمكن تحقيقه في مائة عام في مكان واحد، أو كما قال هو في رسالته الثانية: «ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد» (2 بط 3: 8). مجد الشهادة يعد نيومولر من أعظم القادة المسيحين في العصر الحاضر، ولقد تحدى هذا الرجل الجستابو والنازي، وعندما ضيق هتلر الخناق على الكنيسة، كان هو أشجع من وقف في وجهه، ولقد زج به في السجن بعد عظة كان عنوانها: «الله فو هرري» إذ كان الناس قد جعلوا من الفوهرر هتلر سيدهم وإلههم، والكنيسة المسيحية منذ تاريخها الأول تذخر بالشجعان الأبطال الذين لا يخيفهم سجن أو اضطهاد أو تعذيب بل يقولون مع بطرس ويوحنا: «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا» (أع 4: 20).. «فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة هذا رفعه الله بيمينه رئيسًا ومخلصًا ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضًا الذي أعطاه الله للذين يطيعونه» (أع 5: 29-32).. ومع أننا لا نعلم بالضبط الأماكن التي تنقل فيها بطرس كارزًا وشاهدًا ليسوع المسيح، ولكن من الواضح أنه وعظ في أورشليم وأنطاكية، ومن المتصور أنه ذهب إلى كورنثوس حيث كانت هناك جماعة ترتبط به وتتعصب لشخصه عندما انقسمت الكنيسة إلى جماعات وأحزاب، ومن المعتقد أيضًا أنه ذهب إلى روما، والكنيسة الكاثوليكية تعتقد أنه أول أسقف لروما، ولكن الفكر البروتستانتي لا يشاطرها هذا الرأي إذ أن بولس كان تواقًا إلى الذهاب إلى رومية، وكان من عادة بولس الأكيدة أنه لا يعمل على أساس آخر، ومن غير المتصور أن يذهب بولس إلى كنيسة يؤسسها بطرس، ويعيش خادمًا لها حسب الإتجاه الكاثوليكي وتقليده، بل إن الكثيرين يعتقدون أن هذه الكنيسة لم ينشئها رسول أو تلميذ من تلاميذ المسيح الأثنى عشر، بل أنشأها المضطهدون الذي تشتتوا ليجولو مبشرين بالكلمة، وكان عدد كبير منهم يقصد روما، والآخذون بهذا الفكر يرجحون أن بطرس ذهب إلى روما لمدة قصيرة، ويقول القديس مكاريوس إن بطرس صلب في روما بعد أن زارها لمدة شهور لتفقد المسيحيين هناك، وكان ذلك إبان اضطهاد نيرون القاسي الشديد، وقد قيل إن زوجة بطرس استشهدت قبله، وإنه شجعها على الموت من أجل المسيح، كما قيل أيضًا إن المسيحيين شجعوه على الابتعاد عن روما، وإنه أخذ سبيله ذات مساء إلى طريق ابيان الشهير، وظل سائرًا الليل كله، ولكنه في الصباح الباكر، عند شروق الشمس، أبصر شخصًا مهيبًا أمام عينيه، وإذ عرف أنه المسيح صاح: «كوفادس (إلى أين) يا سيد» وجاءه الجواب: «إن لي تلميذًا كان هناك ثم هرب!! وأنا ذاهب لأخذ مكانه، وأصلب مرة ثانية نيابة عنه» وصرخ بطرس: «لا ياسيد أنا عائد».. وعاد ليموت مصلوبًا، وعندما أرادوا أن يصلبوه قال إنه شرف لا أستحقه أن أموت مصلوبًا مثل سيدي، ولكني أرجو أن أصلب وقدماي إلى أعلى ورأسي إلى أسفل، لأني أضأل من أن أكون كسيدي!! ونظر إلى روما وهو يقول: «عما قريب تتحولين أيتها الهياكل الوثنية المتعالية إلى معابد للمسيح» وقال للجماهير المحتشدين: «إن أولادكم سيكونون خدامًا للمسيح.. ها نحن نموت يا روما من أجل أن تخلصي، ويسيطر عليك روح المسيح!! ولسوف يجيء قياصرة ويذهبون ولكن مملكة المسيح ستظل ثابتة صامدة على مدى الأجيال!» وذهب الشاهد ليكون واحدًا من الشهداء الخالدين على مر الأزمان وتوالى الحقب والقرون في كل التاريخ!! |
|