منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 09 - 2013, 02:05 PM
 
بنت معلم الاجيال Female
..::| مشرفة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بنت معلم الاجيال غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 45
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 36
الـــــدولـــــــــــة : القاهرة
المشاركـــــــات : 58,440

صلاة مثالية
توبة وانسحاق باسم الشعب كله!

وصل الفوج الثاني من الراجعين من السبي تحت قيادة عزرا، وبعد حوالي أربعة أشهر تقدم رؤساء الشعب إلى عزرا يخبرونه أن بعض الرجال تزوجوا بوثنيات [1-2]. تحول فرح عزرا إلى حزن ومرارة نفس، إذ لم يحتمل عزرا هذا الخبر، فإنه يحمل خيانة عظمى ضد الله القدوس، بسببها سمح الله بالسبي في بابل 70 عامًا. الزواج المختلط بالوثنيات هو علة انحراف الكثيرين عن الإيمان.

لم يأخذ عزرا موقف القاضي ليحكم، وكان في سلطانه ذلك، لكنه مزق ثيابه، ونتف شعر رأسه ولحيته، وجلس متحيرًا طول اليوم [3-5]. التف حوله كثيرون من رجال ونساء وأطفال، لم يجسر أحد أن ينطق بكلمة. وإذ جاء وقت تقدمة المساء قدم صلاة اعتراف قوية كان لها أثرها القوي على الشعب.

جمع عزرا الشعب لتقديم تقدمه المساء، وقد سكب عزرا قلبه أمام الله معترفًا عن خطايا الشعب الماضية، حاسبًا ما فعله الشعب كما لو كان فعله هو. اعترف باسم الشعب أنه سبق فأخطأ الكل، وكلحيظة أدبهم الرب بالسبي، وها هو قد حررهم ووهبهم نعمة عند الملك واستنارة، لكنهم عادوا فأخطأوا. إنهم يستحقون الفناء، ويخجلون من الوقوف أمامه!


1. أخبار الخيانة
1-2.

2. انسحاق عزرا
3-5.

3. صلاة واعتراف
6-15.
من وحي عزرا 9



1. أخبار الخيانة

وَلَمَّا كَمُلَتْ هَذِهِ تَقَدَّمَ إِلَيَّ الرُّؤَسَاءُ قَائِلِينَ:

لَمْ يَنْفَصِلْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ،

مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي حَسَبَ رَجَاسَاتِهِمْ،

مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ

وَالْعَمُّونِيِّينَ وَالْمُوآبِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ [1].

"ولما كملت هذه"، أي بعد وصول الفوج إلى أورشليم واصعاد محرقات وذبائح الخطية، وتم إبلاغ المرازبة والولاة بأمر الملك، وربما قام عزرا نفسه بالالتقاء معهم وإبلاغهم بأمر الملك، واستقر القادمون، (8: 36).

"ولما كملت هذه" أمور السفر وتسليم الأواني الخ. وكان اجتماع الرؤساء مع عزرا بعد وصوله بأربعة أشهر. فقد وصل في الشهر الخامس (7: 9) والاجتماع مع الرؤساء كان في الشهر التاسع (10: 9).

لأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ،

وَاخْتَلَطَ الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي.

وَكَانَتْ يَدُ الرُّؤَسَاءِ وَالْوُلاَةِ فِي هَذِهِ الْخِيَانَةِ أَوَّلًا [2].

للأسف من بين الذين جاءوا في الفوج الأول مع زربابل ويشوع من نسي أولادهم مذلة السبي، وعوض الاهتمام بتقديس حياتهم ليصيروا خميرة مقدسة للشعب الذي فقد حريته وبلده وسلطانه، انشغلوا بشهواتهم الجسدية، وتزوجوا بفتيات أو نساء وثنيات، متجاهلين الشريعة الإلهية. للأسف سقط في هذه الخيانة أيضًا رؤساء وكهنة ولاويون. عوض أن يكونوا قادة صالحين يحثون الشعب على الحياة المقدسة وحفظ العهد مع الله، صاروا عثرة للشعب.

الآن هم في بلادهم المقدسة في حبٍ ووحدةٍ، وبلا أي مظهر لعبادة الأوثان، لكن الرؤساء بإرشاد الروح القدس اكتشفوا أن هناك زيجات سياسية بين أفراد من الشعب وبين نساء وثنيات ربما للمنفعة العامة، وهذه الزيجات قد تؤدي أن يرتد الشعب إلى العبادة الوثنية، وهذا ما حدث مع سليمان الملك نفسه.

وكانت العبادة الوثنية سببًا في غضب الله الذي بسببه أرسلهم الله للسبي من قبل.

"اختلط الزرع المقدس"، أي سيتعلم الأزواج مع الأبناء من النساء الوثنيات طرقهن وعبادتهن، وكان هناك استثناء لهذا من هن مثل "راعوث الموآبية". لكن لا يجوز أن يتحول الاستثناء إلي قاعدة، فشعب الله يلزم أن يكون مقدسًا، أي مكرس ومخصص للرب، وأن يكون طاهرًا في حياته. كان الشعب الوحيد في كل الأرض الذي يعبد الله. فكان لابد لهم أن يعيشوا منعزلين عن الشعوب الوثنية، ليستمر نقاؤهم ولا يندمجوا مع الأمم، فيضيعوا كما حدث مع أهل السامرة.

"في هذه الخيانة" يُسمى عملهم خيانة، لأنهم تركوا وصية إلههم.

ترجع هذه الضربة الخطيرة إلى أيام نوح حيث قيل: "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون علي الأرض ووُلد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا" (تك 6: 1، 2).

إذ يتحدث القديس أغسطينوس في كتابه "مدينة الله" عن مدينتين إحداهما أرضية وأخري سماوية، الأولي تمثل جماعة الأشرار المرتبطين بالأرضيات، والأخرى جماعة المؤمنين المرتبطين بالسماويات، لذلك عندما تعرض للعبادة التي بين أيدينا رأي في زواج أبناء الله ببنات الناس الخلطة بين المدينتين، الأمر الذي يفسد مواطني المدينة السماوية. هذا الأمر حذرنا منه الرسول بولس بقوله: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟‍! وأية شركة للنور مع الظلمة؟‍! وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟‍" (2 كو 6: 14، 15).

ولأجل حفظ العهد مع الله وعدم السقوط في عبادة الأوثان، جاءت الوصية الإلهية: "احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض، فيزنون وراء آلهتهم، ويذبحون لآلهتهم، فتدعى وتأكل من ذبيحتهم. وتأخذ من بناتهم لبنيك، فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن" (خر 34: 15-16). وأيضًا: "ولا تصاهرهم، بنتك لا تعطي لابنه، وبنته لا تأخذ لابنك. لأنه يرد ابنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى، فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعًا" (تث 7: 3-4).

غاية هذه الوصية هي النقاوة، فإن الله لا يهدف نحو فصل الأمم عن بعضها البعض، لكنه يشتاق أن يصير الكل واحدًا فيه. إنه يريد جيلًا ملوكيًا وشعبًا خاصًا وبشرية متجددة تحت قيادة آدم الجديد كرأس واحد لكل المؤمنين في العالم. وإذ لم تكن البشرية مهيأة بعد لهذه الوحدة المقدسة عزل المؤمنين عن الوثنيين، وحدد حريتهم في الزواج.

* أبناء المؤمنين كانوا بمعنى ما معينين للقداسة والخلاص، وبعربون هذا الرجاء يسند بولس الزيجات التي يود أنها تستمر[91].

العلامة ترتليان

* الزواج عطية روحية، ولكن لا تكون هكذا إن تمت مع غير المؤمنين. لا يُعطى روح الله ليسكن في هؤلاء الذين هم غير مؤمنين[92].

* يلزم أن تتم أسرار الزواج بقدسيةٍ وبتريثٍ وليس بأهواء مشوشة[93].

العلامة أوريجينوس

* الزواج أعظم من أن يكون بشريًا، إنه مملكة مصغّرة هو بيت صغير للرب.

* ذهب مخلّصنا إلى عرس ليقدس أصل الحياة البشريّة.

* من هم الاثنان أو الثلاثة المجتمّعون باسم المسيح، الذين يحل الرب فيهم؟ أليسوا الرجل وزوجته وطفلهما، لأن الرجل وزوجته يتّحدان بالله.

* بمشورات القدّيسين تُدبّر الدول حسنًا، وأيضًا البيوت.

* الزواج صورة مقدّسة يجب حفظها طاهرة مما يدنسها. يليق بنا أن نقوم مع المسيح من سباتنا، ونرجع لننام بشكر وصلاة.

* قلوب الأحبّاء لها أجنحة... الحب يمكن أن يتحوّل إلى بغضة إن زحف إليه أسباب هامة لعدم الاحترام المتبادل.

* من يطلب اللذّة الجسديّة وحدها يحوّل الزواج إلى زنا.

القدّيس إكليمنضس السكندري


2. انسحاق عزرا

فَلَمَّا سَمِعْتُ بِهَذَا الأَمْرِ،

مَزَّقْتُ ثِيَابِي وَرِدَائِي،

وَنَتَّفْتُ شَعْرَ رَأْسِي وَذَقْنِي،

وَجَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا [3].

إلى مجيء عزرا لم نسمع عن أحدٍ أنه صار في رعدةٍ وحيرة أمام هذه الخيانة، بل كانوا يتطلعون إلى هذه التصرفات كأنها أمور عادية، لا يهتز لها أحد. أما عزرا، فإذ سمع بالأمر مزق ثيابه ونتف شعر رأسه ولحيته وجلس في حيرة. فمع ما لديه من سلطان بأمر الملك، لكن هذه الخيانة لا تُعالج بالأوامر، بل بالتوبة الخارجية من القلب. ومن يعطي هؤلاء الساقطين في هذه الخطية التوبة؟

هذا ومن جانب آخر، فإن هؤلاء الساقطين حديثو المعرفة والخبرة الروحية، فقد عاش آباؤهم وأمهاتهم في السبي في جفافٍ روحيٍ شديدٍ. فخشي أن يستخدم الكلمات القاسية والتأديب القاسي فلا يحتمل الشعب ذلك.

وأيضًا كان في حيرة لأن هذا الشعب الذي يُحسب إلى حدٍ ما جديدًا في ممارسته للعبادة في أورشليم لم يتعظ مما حدث مع أجدادهم الذين سقطوا في السبي البابلي بسبب الخطية. لقد تحير عزرا، خائفًا أن يحل غضب الله على الشعب كله!

"مزقت ثيابي" عادة يهودية علامة الحزن الشديد والاشمئزاز.

"نتفت شعر رأسي" عادة يهودية أخرى تعبر عن الحزن.

"وجلست" عمله هذا أثر في الشعب تأثيرًا عظيمًا.

* يوجد انسحاق للقلب، روحي ومفيد، وهذا يلمس القلب في أعماقه. ويوجد انسحاق آخر، مضر ومقلق، هذا يقوده إلى الهزيمة فقط (كاليأس).

القديس مرقس الناسك

فَاجْتَمَعَ إِلَيَّ كُلُّ مَنِ ارْتَعَدَ مِنْ كَلاَمِ إِلَهِ إِسْرَائِيل،َ

مِنْ أَجْلِ خِيَانَةِ الْمَسْبِيِّين،َ

وَأَنَا جَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا إِلَى تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ [4].

سرعان ما تسربت هذه الأخبار إلى الشعب والقادة، منهم من استخف بالأمر، وحسب أنه ما كان يليق بعزرا أن يفعل هذا، متطلعين إليه كمن هو مبالغ في الأمر. وفريق آخر تأثر عندما سمع بما فعله عزرا رجل الله، وحزنوا أن رجلًا كعزرا ترك مركزه في بابل ومكانته وقد حلّ به إحباط لما بلغ إليه الشعب بأورشليم. أما الفريق الثالث الذي يحمل مخافة الرب فشاركوا عزرا رعدته ومرارة نفسه، فاجتمعوا إليه صامتين، ينتظرون منه كلمة أو أمرًا يقومون بتنفيذه أو بمعاونته في التنفيذ.

* إن أراد أحد أن ينال حب الله، فليكن فيه مخافة الرب، لأن الخوف يولِّد بكاء، والبكاء يولد قوة. وإذا ما كملت هذه كلها في النفس، تبدأ النفس تثمر في كل شيء. وإذ يرى الله في النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمها رائحة بخور طيبة، ويفرح بها هو وملائكته، ويشبعها بالفرح، ويحفظها في كل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دون أن يصيبها ضرر.

إذ يرى الشيطان الحارس العلوي العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة.

إذًا، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهي، لأن حلاوة حب الله أشهي من العسل.

حقًا أن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجامع، لم يتذوقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتمًا خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يحابى الوجوه.

فمن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، وينقى قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويقدم لله أصوامًا ودموعًا ليلًا ونهارًا بلا هوادة كصلوات نقية، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة.

اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة وُيسر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، ويهبكم كل ما تطلبونه[94].

القديس الأنبا أنطونيوس الكبير

"إلى تقدمة المساء" كان عزرا قد جلس زمانًا وهو حزين وعند تقدمة المساء انتبه إلى الخدمة، ورفع قلبه بالصلاة لله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). نلاحظ أن تقدمة المساء هي رمز لذبيحة المسيح الذي يرفع خطايانا، وربما كانت عينا عزرا على المسيح المخلص

وَعِنْدَ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ قُمْتُ مِنْ تَذَلُّلِي،

وَفِي ثِيَابِي وَرِدَائِي الْمُمَزَّقَةِ جَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ،

وَبَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِي [5].

غالبًا ما ساد الكل حالة من الصمت حتى جاء وقت تقدمة المساء، حيث قام عزرا من التذلل وجثا بثيابه الممزقة على ركبتيه، وبسط يديه إلى الرب ليصلي.

"جثوت على ركبتي" هكذا تكون الصلاة، إما وقوفًا أو ركوعًا على الركبتين.


3. صلاة واعتراف

وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْجَلُ وَأَخْزَى مِنْ أَنْ أَرْفَعَ يَا إِلَهِي وَجْهِي نَحْوَك،

لأَنَّ ذُنُوبَنَا قَدْ كَثُرَتْ فَوْقَ رُؤُوسِنَا،

وَآثَامَنَا تَعَاظَمَتْ إِلَى السَّمَاءِ [6].

بدأ صلاته بالحديث بصيغة المتكلم، حاسبًا أن كل ما ارتكبه هؤلاء الخونة كأنه قد ارتكبه هو.

لقد تعاظمت الخطية جدًا حتى بلغت إلى السماء؛ فصارت مثل خطايا سدوم وعمورة (تك 18: 20) التي بسببها أرسل الله نارًا وكبريتًا.

نجد هنا صلاة عزرا، وهى ليست صلاة طلبات، بل هي اعتراف بالذنب من قلبٍ نقيٍ يحب الله. وهو يضع نفسه في صف شعبه، ويعترف بخطاياه معهم. فيقول: "ذنوبنا... آثامنا ...فنعود... ونصاهر شعوب هذه الرجاسات". مع أنهُ هو نفسه لم يخطئ في هذه الأمور. لكنه لا يلقي باللوم على الآخرين ويبرر نفسه، بل هو ككاهن محب لشعبه مثل موسى النبي وبولس الرسول (خر ٣٢:٣٢؛ رو ٣:٩) يضع نفسه عن شعبه كأنه هو الذي فعل خطاياهم، وهذا ما صنعه السيد المسيح الذي حمل خطايانا. أثرت صلاة عزرا ومحبته لشعبه ودموعه في الشعب، فتركوا نساءهم الوثنيات.

"تعاظمت إلى السماء"، أي كانت عظيمة جدًا كبرج بابل رأسه بالسماء (تك ٤:١١)، وكصراخ خطايا سدوم وعمورة الذي دخل إلى أذني الرب (تك ٢٠:١٨).

* من يخبر عن خطاياه، مشمئزا منها، يلزمه أن يتكلم في مرارة نفسه، حتى إن المرارة ذاتها تعاقب اتهامات لسانه في تبريره لضميره. لكن يلزمنا أن نضع في ذهننا أنها تجلب نوعًا من الأمان من آلام الندامة التي تسدد ضربة إلى نفسها، وعندئذ ترتفع بثقة أعظم لمواجهة استجواب الديان السماوي.

البابا غريغوريوس (الكبير)

* أية خطايا يمكن للندامة أن تفشل في غسلها؟ أيّة وصمات راسخة لا يمكن لمثل هذه الدموع أن تغسلها؟ باعتراف بطرس الثلاثي مسح إنكاره الثلاثي[95].

القديس جيروم

* الصلاة الممتدَّة والدموع الغزيرة تجتذبان الله للرحمة.

* أراد يسوع أن يُظهر في نفسه كل التطويبات، إذ قال: "طوبى للباكين"، وقد بكى هو نفسه لكي يضع أساس هذا التطويب حسنًا[96].

العلامة أوريجينوس

مُنْذُ أَيَّامِ آبَائِنَا نَحْنُ فِي إِثْمٍ عَظِيمٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.

وَلأَجْلِ ذُنُوبِنَا قَدْ دُفِعْنَا نَحْنُ وَمُلُوكُنَا وَكَهَنَتُنَا لِيَدِ مُلُوكِ الأَرَاضِي،

لِلسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَخِزْيِ الْوُجُوهِ كَهَذَا الْيَوْمِ [7].

"ملوكنا وكهنتنا"، أي رؤساؤنا المدنيون والروحيون.

"ملوك الأراضي"، ولاسيما ملوك أشور وملوك بابل.

يعترف عزرا أن الخطية ليست أمرًا طارئًا في حياة شعبه، إنما تأصلت منهم منذ آبائهم، لهذا فإنهم عن استحقاق تأهلوا للتأديب بالسيف والسبي والنهب والعار.

* لتفرح وأنت تحت الجلدات، فإن الميراث محفوظ لك، لأنه لا يطرد شعبه. هو يؤدب إلى حين، ولا يدين إلى الأبد[97].

القديس أغسطينوس

* يحتمل الله كل ضعفات البشر، لكنه لن يسمح بترك الإنسان الدائم التذمر بدون تأديب[98].

القديس مار اسحق السرياني

وَالآنَ كَلُحَيْظَةٍ كَانَتْ رَأْفَةٌ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ إِلَهِنَا،

لِيُبْقِيَ لَنَا نَجَاةً،

وَيُعْطِيَنَا وَتَدًا فِي مَكَانِ قُدْسِهِ،

لِيُنِيرَ إِلَهُنَا أَعْيُنَنَا،

وَيُعْطِيَنَا حَيَاةً قَلِيلَةً فِي عُبُودِيَّتِنَا [8].

مع ما نتأهل به للغضب بسبب خطايانا، غير أن غضب الله يعبر كما إلى لحيظة، ليسكب رحمته، ويثبتنا فيها كما بوتدٍ في مكان قدسه. يُستخدم الوتد لتثبيت الخيمة، هكذا يود الله أن يثبتنا في بيته المقدس كما بوتدٍ لننعم بمراحمه الإلهية. بمراحمه ينير أعيننا فنعيش معه في النور، وندرك قسوة ظلمة عبودية الخطية.

"كلحيظة": كانت سنوات السبي كحياة قليلة مظلمة أشبه بلحيظة. هذه اللحيظة من التأديب كانت حوالي 70 سنة.

"ليبقى لنا نجاة" من خراب أورشليم، ومن بابل وشرورها.

"لينير إلهنا أعيننا" كانت أيام السبي كأيام ظلمة والرجوع كأيام نور. أيام السبي مشبهة أيضًا بالموت وأيام الرجوع كحياة قليلة.

* "لقد ضربتني" ليس كديانٍ، بل كأب تصلحني!

* من يقدر أن يرفع عصا الله، أي غضبه الإلهي، فلا يعود يرتعب الإنسان منه؟ إنه ربنا يسوع المسيح الذي وضع إثمنا عليه، ودخل بنا إلى الحب الإلهي فصرنا بروحه القدوس أبناء لله، لنا من الدالة عليه.

" ليرفع عني عصاه" [34]، فإنه إذ تجسد وصار مثلنا فلا يضربنا بالعصا ولا بالخوف، بشرط أن نهرب إلى نعمته وإلي الإيمان، نهرب إلى ذاك الذي قام من الأموات: قال الملاك للنسوة: "لا تخفن" (مت 28: 5، 10). وعندما ظهر للتلاميذ استخدم ذات اللغة مرة أخرى... هذا ما كتبه يوحنا اللاهوتي: "المحبة الكاملة تطرد خوفنا" (راجع 1 يو 4: 18).

الأب هيسيخيوس الأورشليمي

* يدعو بولس عقوبتنا تأديبًا، لأنها هي تحذير أكثر منها إدانة، إنها للشفاء أكثر منها للانتقام، للتصليح أكثر منها للعقوبة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

لأَنَّنَا عَبِيدٌ نَحْنُ، وَفِي عُبُودِيَّتِنَا لَمْ يَتْرُكْنَا إِلَهُنَا،

بَلْ بَسَطَ عَلَيْنَا رَحْمَةً أَمَامَ مُلُوكِ فَارِسَ،

لِيُعْطِيَنَا حَيَاةً لِنَرْفَعَ بَيْتَ إِلَهِنَا،

وَنُقِيمَ خَرَائِبَهُ،

وَلْيُعْطِيَنَا حَائِطًا فِي يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ [9].

لن ينسى عزرا أن الله الذي سمح لشعبه بالتأديب بالسبي، حرك قلوب ملوك فارس لبناء بيته ورد شعبه إلى أورشليم.

"لأننا عبيد"، كانوا عبيدًا في بابل، ولم يزالوا عبيدًا لملك فارس.

"ليعطينا حائطًا"، مسرة الله وحمايته كانت لهم كحائطٍ، "أكون لهم سور من نار" (زك 2: 5)، ولكن الله لهُ أدواته، والأداة هنا هي الملك الذي سخره الله لحماية شعب إسرائيل. على أن سور أورشليم بدأ العمل فيه أيام عزرا.

وَالآنَ فَمَاذَا نَقُولُ يَا إِلَهَنَا بَعْدَ هَذَا،

لأَنَّنَا قَدْ تَرَكْنَا وَصَايَاكَ [10].

"وبعد هذا"، بعد كل مراحم الله عادوا وخانوه.

الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ، قَائِلًا:

إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي تَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا،

هِيَ أَرْضٌ مُتَنَجِّسَةٌ بِنَجَاسَةِ شُعُوبِ الأَرَاضِي بِرَجَاسَاتِهِم،

الَّتِي مَلأُوهَا بِهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ بِنَجَاسَتِهِمْ [11].

"عن يد عبيدك الأنبياء"، ليس من نبوة للأنبياء بهذه الألفاظ، ولكن موسى في تثنية 7: 1-3 منع الزواج بالوثنيات، وما يورده عزرا هو روح التشريع، وهو الفكر الذي نادى به الأنبياء بالانعزال عن الشر.

وَالآنَ فَلاَ تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِبَنِيهِمْ،

وَلاَ تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ،

وَلاَ تَطْلُبُوا سَلاَمَتَهُمْ وَخَيْرَهُمْ إِلَى الأَبَدِ،

لِتَتَشَدَّدُوا وَتَأْكُلُوا خَيْرَ الأَرْض،ِ

وَتُورِثُوا بَنِيكُمْ إِيَّاهَا إِلَى الأَبَدِ [12].

"لا تطلبوا سلامتهم"، لا تقيموا معهم معاهدات سلام وأمن وتحالفات سياسية عسكرية، حتى لا تسقطوا في شراك وثنيتهم.

وَبَعْدَ كُلِّ مَا جَاءَ عَلَيْنَا لأَجْلِ أَعْمَالِنَا الرَّدِيئَةِ وَآثَامِنَا الْعَظِيمَةِ،

لأَنَّكَ قَدْ جَازَيْتَنَا يَا إِلَهَنَا أَقَلَّ مِنْ آثَامِنَا،

وَأَعْطَيْتَنَا نَجَاةً كَهَذِهِ [13].

يعترف عزرا بأن التأديب أقل مما تستوجبه خطايا الشعب، وكان يليق بالشعب أن يضع المراحم الإلهية موضع اعتبار.

أَفَنَعُودُ وَنَتَعَدَّى وَصَايَاك،

وَنُصَاهِرُ شُعُوبَ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ؟

أَمَا تَسْخَطُ عَلَيْنَا حَتَّى تُفْنِيَنَا،

فَلاَ تَكُونُ بَقِيَّةٌ وَلاَ نَجَاةٌ؟ [14]

إذ تعدوا الوصية الإلهية فقدوا علاقتهم بالحق الإلهي. فبكسر الوصية فقد آدم مفهوم الوصية، وبكسرها فقد الفريسيون قدرتهم على التعرف على الله ومحبته. لذلك يؤكد الرب: "إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم" (يو 8: 31-32)، "الكلام الذي أكلمكم به روح وحياة" (يو 6: 63). "لأن كلمة الله حيَّة وفعالة" (عب 4: 12).

* الشخص الذي لا يحفظ الوصايا ليس فيه حب للرب.

القديس ديديموس الضرير

* يختفي الله في وصاياه، فمن يطلبه يجده فيها (بتنفيذه إيَّاها).

لا تقل إنني أتممت الوصايا ولم أجد الرب، لأن من يبحث عنه بحق يجد سلامًا!

* يظن البعض أنهم يؤمنون بالحق وهم لا ينفذون الوصايا، والبعض بينما ينفذون الوصايا يتوقعون الملكوت كجزاء عادل (لاستحقاقاتهم الذاتية)؛ كلاهما يخطئان ضد الحق.

القدِّيس مرقس الناسك

* برهان الحب هو إعلانه خلال العمل. هذا هو السبب الذي لأجله يقول يوحنا في رسالته: "من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب" (1 يو 2: 4). حبنا حقيقي إن حفظنا إرادتنا متناغمة مع وصاياه. من يجول هنا وهناك خلال شهواته الشريرة لا يحب الله بالحق، لأنه يضاد الله في إرادته[99].

البابا غريغوريوس (الكبير)

* لا يكفينا أن نقتني الوصايا فقط، لكننا نحتاج إلى حفظ مستقصى وبليغ لها.

القديس يوحنا الذهبي الفم

* الذي عنده (وصاياي) في ذاكرته ويحفظها في حياته؛ الذي عنده في شفتيه ويحفظها سلوكيًا؛ الذي عنده في أذنيه ويحفظها في العمل؛ الذي عنده في الأعمال ويحفظها بالمثابرة، مثل هذا "يحبني". بالعمل يعلن الحب، وبالتطبيق بغير ثمر يكون مجرد الاسم (للحب)[100].

القديس أغسطينوس

أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَنْتَ بَارٌّ،

لأَنَّنَا بَقِينَا نَاجِينَ كَهَذَا الْيَوْمِ.

هَا نَحْنُ أَمَامَكَ فِي آثَامِنَا،

لأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَقِفَ أَمَامَكَ مِنْ أَجْلِ هَذَا [15].

يخجل عزرا من طلب الصفح عن خطايا ما كان يليق السقوط فيها، إنما يطلب من الله العون حتى يقيمهم من الخطية.

"أنت بار، لأننا بقينا ناجين"، فمن مراحم الله حفظهم، فبقوا ناجين مع أنهم استحقوا الموت، ولولا رحمة الله لما بقت لهم بقية.

"ها نحن أمامك"، سلم الأمر للرب، ولم يقدر أن يقول شيئًا أمام رحمة الله.


من وحي عزرا 9
هب لي قلبًا متسعًا للعالم كله!



* أشرقت بشريعتك على عبدك عزرا،

فصار كاتبًا ماهرًا، يعشق وصيتك.

التهب قلبه بالحب لك،

واتسع ليحتضن فيه إخوته.

هب لي قلبًا متسعًا للعالم كله.

فأحب بالحق كل خليقتك.

أشتهي قداسة كل الجنس البشري،

وأترقب يوم عرسهم الأبدي.

* لم يحتمل عزرا خيانة إخوته لك.

حسب نفسه كأنه هو الخائن!

انسحقت نفسه في داخله،

ولم يكف عن البكاء أمامك.

مَّزق ثيابه ورداءه ونتف شعر رأسه وذقنه.

صرخ وجلس في حيرة.

* كان في إمكانه أن يصدر أحكامًا قاسية.

وكان في قدرته أن يوبخ بعنفٍ، وينتهر!

لكنه ارتعد في داخله، إذ يحمل مخافتك.

لم يحتمل قلبه كسر الوصية الإلهية.

ولا احتمل حبه هلاك إخوته كاسري الوصية.

* تشَّبه بموسى، فوقف يشفع في إخوته:

اغفر لهم وإلا امحي اسمي من كتابك.

وكأنه يشارك الرسول بولس في أبوته الحانية، فيقول:

من يضعف، وأنا لا أضعف؟

من يعثر، وأنا لا أحترق؟

من يصير مقيدًا، ولا أحسب نفسي كأني مقيد معه؟

* في تقدمه المساء رفع وجهه إليك.

جثا على ركبتيه وصرخ إليك.

تطلع كما إلى ذبيحة الصليب، فصرخ:

ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا،

وآثامنا تعاظمت إلى السماء!

* ألقى باللوم على نفسه مع إخوته,

وحسب تأديباتك للشعب كأنها إلى لحيظة عابرة.

اعترف أنه بدون رحمتك لما بقيت بقية لشعبك.

اعترف أنه مع بقية الشعب قد كسر وصيتك واهبة الحياة.

لم يعد له وجه حتى للوقوف أمامك!

فصار بالحق عظيمًا في عينيك!

فأنت قابل التوبة وغافر الخطايا.

لا تشاء موت الخطاة،

بل أن يرجعوا إليك ويحيوا.

هب لي توبة عزرا وحبه لك.

هب لي تواضعه أمامك!

املأ قلبي بالمحبة لك ولإخوتي!
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
تفسير الأصحاح العاشر من سفر عزرا
تفسير الأصحاح السابع من سفر عزرا
تفسير الأصحاح الخامس من سفر عزرا
تفسير الآصحاح الرابع من سفر عزرا
تفسير الأصحاح الأول من سفر عزرا


الساعة الآن 09:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024