معاق

[Mary Naeem]

معاق

هل تعيش مع فتاة .. جميلة .. فاتنة .. ناضجة جسديا
كيف هى حياتك مع فتاة كهذه ..
عندما يترك لك القدر ما تبقى من أبيك و أمك ..
عندما يترك لك ... أختك ..

جميلة هى الحياة مع اختى .. جميلة فعلا .. هذا قد يكون رأيك يا من تقرأ قصتى .. لكن حين تعلم انها معاقة .. ربما .. تتعاطف معى .. عندما اتمنى ... موتها

تبدأ القصة .. و يتكرر المشهد يوميا

استيقظ يوميا على صوتها و هى تلعب مع ابن الجيران .. طفلة 30 سنة تلعب مع طفل 10 سنوات .. !! منظر سخيف فى حياتها اللعينة ..

- حاسب يا على .. هتكسر الشباك .. مش هلعب معاك
- وردة انا اللى كسبتك و معرفتيش تمسكى الكورة ..

كسرت كرتها زجاج نافذة حجرتى .. فأنتفضت من سريرى لتغرز قدمى اليسرى فى الزجاج المنثور على الارضية .. ااااه .. اطلع برا يا على .

اسرعت هى و علامات الرعب و البلاهه على وجهها و صاحت
- دم , احمد دم .. اتعورت

ساعدتنى لأعود الى سريرى .. امسكت ذراعى و نهضت لأرتمى مرة اخرى على السرير ..
- عاجبك كدا .. قلتلك متلعبيش مع الواد دا ... اااه



ربما على ان اشرح الحالة ..



تكبرنى اختى وردة بثلاث سنوات .. و لأننا نعيش فى بلد متخلف حضاريا و لا معنى لحقوق الانسان فيه .. فلم تجد عائلتنا المال ولا المكان المناسب للانفاق على اعاقتها فى مراكز الرعاية .. فقط ذهبت الى مدرسة تربية فكرية

اهتمت بها والدتى و كانت ترعاها فى منزلنا .. لم يكن لها صديقات .. كل من كان يتعامل معها .. كان ينظر لها بعين الشفقة و العطف !
كنت اخجل من ذكرها .. حتى لأصدقائى .. الى ان نضجت انا فكريا و فهمت انه لا ذنب لها ..

ذنب من اذن ؟؟
ذنب من اذن ؟؟


كنت دائما اسأل حنان .. ذنب من اذن يا حنان ؟؟

حنان .. جارتنا .. تعيش مع والدتها .. تعمل مدرسة فى مدرسة ابتدائية .. امرأة لطيفة و جميلة .. اغازلها كثيرا و بيننا علاقة قوية .. و كذلك علاقتى بوالدتها .. اما دودى .. الكلب الذى يعيش معهما .. فلا عمار بينى و بينه ..
اما وردة .. فيوميا تلعب معه و تطعمه بنفسها .. تلعب معه و تتحدث اليه .. لا ادرى اى اتصال هذا حدث بينهما !!
كان يقضى معظم وقته فى شقتنا ...

منذ ان اتيا هى و والدتها لتأجير الشقة المجاورة لشقتنا .. و انا سعيد بوجودهما ..

- ذنب مين يا حنان ؟
- احمد ، دى نعمة .. انت مش حاسس بيها .. دا ملاك عايش معاك فى البيت .
- ملاك ! انتى بتهرجى .. انا عايش فى جحيم .
- انت بالنسبة لها عالمها كله .
- انتى متخيلة .. انا بعمل لها كل حاجة .. زهقت و تعبت .. انا بلعب معاها و بأكلها و اساعدها فى حاجات كتير بتكسف سعات منها .

ابتسمت ( كانت ابتسامتها صافية و جميلة )
- احمد .. انت انسان جميل بأمانة .. يا سيدى سيبلى انا احتياجاتها الانثوية دى ..
- دا حل يعنى ؟
- يا سيدى انت مالك .. انا مبسوطة كدا

فعلا .. حنان كانت بتساعدنى فى العناية بــ وردة ..
اذهب انا الى عملى و اتركها مع والدة حنان .. لتعتنى بها ..

الى ان اتى يوم صعب .. صعب جدا عليا .. يوم صارحت خطيبتى بأن اختى الوحيدة .. معاقة ..
الحقيقة لم اجد فى ردها اى كلام جارح .. بالعكس .. كانت مبتسمة و لطيفة .. و اعتذرت لأنهاء علاقتنا .. انها ليست المرة الاولى لانهاء الخطبة ... سئمت

انهن لا يردن الحياة مع رجل قد يحمل بعض الجينات التى من الممكن ان تتسبب فى اعاقة اطفالهن فى المستقبل .

- احمد انا اسفة ..
- لا ولا يهمك ..
- بجد انت انسان جميل .. خد بالك من اختك و ارعاها كويس ..
- هو مفيش ولو امل بسيط ان علاقتنا تستمر ؟
- انت اكيد فاهم و مقدر ..

جمل تتكرر .. قبل انهاء العلاقة ..

يوم الجمعة قررت ان اخذها لنزهة .. ايقظتنى هى لأحضر لها الفطور .. كانت بعيون ناعسة تشاهد التليفزيون ( كرتون ) .. و كانت تشاهد قنوات تعليمية للاطفال و للكبار احيانا .. اكتشفت فيها قدرة غريبة على الحفظ و التكرار .. من صغرها كانت قادرة على حفظ ما تراه او تسمعه ..
و كثيرا ما كانت تمثل لى مشاهد تراها ..
انا ايضا .. علمتها بعض الكلمات الصعبة و حاولت اشرح لها بعض المعانى ..

بعد الفطار كانت تلعب و تتحدث الى العصفورة صديقتها .. و تبتسم لها ... سمعتها مرة تتحدث
- عصفورتى انا بحب احمد اوى .. انتى بتحبيه .. لا انا بحبه اكتر .. انتى فين اخوكى سابك ليه وحدك ؟؟ ها متزعليش هو اكيد يدور عليكى

فضحتنى فى يوم الجمعة .. خرجنا نتمشى قليلا .. و كانت تدندن بصوت عالى ملفت للنظر و تحرك يدها و تقوم باداء حركات .. تشعرنى بالحرج .. كان المارة يتفحصونها و سرعان ما يتبين لهم انها .......... و سرعان ايضا ما الاحظ نظرة الاشمئزاز او الشفقة .. حتى الجيران .. يشفقون علينا ..

عدنا فى المساء .. كنت فى حاجة الى الراحة و لكنها ارغمتنى على اللعب معها .. نظرت لى فى كسوف .. ملابسها كانت مبللة .. حقا انا اعانى !

لم استطع النوم .. يزعجنى دائما صوت ارجوحتها الصغيرة و هى تلعب بها ليلا .. !!

هل حقا لن يكون لى بيت هادئ مع امرأة ! هل دوما سيرفضننى بسبب بعض الجينات الوراثية .. هل لن يكون لى بيت ولا اطفاااال ؟؟

فكرت .. فكرت فى حل لمشكلتى .. اشعلت سيجارة .. و فجأة جذبت وردة السيجارة من فمى بعد ان سعلت بشدة
- احمد غلط
- انتى مالك ( قلتها بعصبية )
- - انا شفت تليفزيون دا غلط


دار رعاية .. تقبل كبار السن .. !!
قرأت فى الصحيفة هذا العنوان .. سأفعلها .
تم الموضوع بسهولة .. ايقظتها كالعادة و ساعدتها فى تغيير ملابسها .. تحدثت الى عصفورتها .. و جاء الكلب دودى و ناولته طعامه و اخذ ينبح و ينبح و يلعب معها .. استطعت تدبير مبلغ ( سلفة ) من مديرى فى العمل .. اتجهنا الى دار الرعاية ..

فى الطريق الى هناك .. مررنا ببائع ورود .. اوقفتنى وردة و طلبت منى وردة .. دخلنا الى المحل .. و ما ان رأها بائع الورد حتى تغيرت نظرات وجهه ( كالعادة .. رسمت ملامح العطف على وجهه الملتحى .. رجل قذر )

- اتفضلى يا حبيبتى ..... ( ناولها وردة حمراء )
- شكرا

رفض ان يأخذ حقه فى الوردة .

حين عدت الى البيت .. بلا وردة ..
- اخيرا .. واااو
هدوووء تام .. هدوووء تام

خلعت قميصى و مددت جسدى على الاريكة .. سرحت بخيالى .. انا عملت الصح .

فى المساء خرجت لأعيش حياتى و استمتع بوقتى .. ذهبت الى ملهى ليلى مع صديقى فى العمل .. قضينا وقتا لطيفا ..
خلال طريق عودتى الى المنزل ( بعد منتصف الليل ) .. برز فجأة 3 رجال يحملون اسلحة بيضاء ..
اوقفونى ..
- اطلع باللى معاك من غير دوشه
- اهدوا بس و انا هديكم كل الفلوس اللى معايا
- اخلص يلا
خلعت حزامى بسرعة و لكننى لم اتمكن من ضربهم .. الكثرة تغلب الشجاعة .. امسكنى احدهم من الخلف و ضربنى الاخر من الامام .. اخذوا المحفظة بعد ان انهالوا على ضربا ..
خيم الهدوء على البيت صباح اليوم التالى .. رن جرس الباب .. فتحت .. على !
- عمو .. فين وردة .. مش هنلعب سوا النهارده .

سمعت زقزقة العصفورة .. هى الاخرى تسأل عن وردة !
بعدها جاءت حنان و معها الكلب .. الذى اندفع الى داخل البيت يبحث عن وردة ..
- صباح الخير يا احمد .. مالك فيه ايه ؟
- لا دول شويه بلطجية ضربونى امبارح .
- الف سلامة عليك ..
نبح الكلب .. اخذ ينبح و ينبح ... سألتنى حنان
- وردة فين ؟ انا عملالها النهاردة المحشى اللى بتحبه . كل سنة و انتوا طيبين .. النهاردة عيد العمال .
- وردة مش هنا يا حنان .. وردة عند عمتها .
تعجبت حنان ..

مرت 3 ايام .. و انا انام فى هدووء .. لا زقزقة لعصفورة و لا صوت للأرجوحة المزعجة .. و لا نباح الكلب .. و لا ضوضاء من على !



فى بيت حنان و والدتها .. جلست لأتحدث معهن .. قلت لهن ما فعلته ..

انتفضت حنان من مكانها .. امسكت الصليب المعلق على صدرها .. Jesus .. قالتها بعصبية ..
نظرت لى بذهول تام .. و بصوتها الانثوى الرقيق
- ايه ؟؟ وديتها فين .. ؟؟
- زى ما قلتلكم كدا ..
- ازاى ؟؟ ازاى سبتها هناك .. 3 ايام لحد دلوقتى !!!
- ايوه
- ايوه ؟ انت ايه ..
- انا ايه .. انا ايه .. اقولك انا ايه ... انا اللى صابر عليها كل العمر دا .. كلكم بتعاملونا انا و هى بعطف و شفقة .. اكيد انتى مش حاسة بنظراتك و انتى بتبصى لها ..
- و كدا .. بعد اللى عملته .. تفتكر الناس هتشوفك ازاى .. ها .. انا شايفاك ازاى دلوقتى . انا لما بتعامل معاكم بحب و انسانية مش عشان عطف ولا شفقة .. عشان كلنا بشر .. لازم نحب بعض .. و انت ولا هتفهم معنى حب الناس لبعضيها .. انت انانى
- اسكتى .. كلامك كله كدب
- كدب !! متشكرة جدا ياسيدى ..
- ايوا .. انا عندى حق .. انا مش قادر استحمل حياتى معاها بالشكل دا ..
- و هناك فى دار الرعاية .. هيستحملوها ازاى ؟ انت ياللى من لحمها و دمها .. مش طايقها .. هما هيعملوا ايه ..
- اسكتى
- حاضر انا هسكت .. احمد انا مش عايزه اشوفك تانى
انهت جملتها و غادرت المكان ..

نظرت طويلا الى والدتها .. هادئة الى ابعد حد .. باردة تنظر لى مبتسمة ..
- اتكلمى من فضلك ؟ انا جاى هنا عشان اسمعك انتى .
- اقول ايه
- قوليلى انا صح .. مش كدا ؟
- انت انسان كبير و عاقل .
- انا صح مش كدا ؟
- انت شايف ايه .. شايف انك صح .. خلاص يبقى انت صح .. مفيش مشكلة .

زاد انفعالى .. توترت اعصابى .. هل هذا الكلام كل ما لديها ..
عادت لتنظر لى بهدووء شديد .. عكس ابنتها ..
تحركت لأغادر المكان .. سمعت صوتها يحدثنى ..
- بعد اذنك يا ابنى .. يا ريت لو تحاول ترجع لنا الكلب .. مش عارفة ماله حزين .. مش راضى ياكل .. على طول هو عندك فى البيت .

امرأة باردة !

الى اين على ان اذهب .. اين الروح فى منزلنا ؟ هل هما على حق ؟ هل انا مخطئ فى حق اختى .. انا لى حق فى الحياة .. اريد ان اصنع حياتى بنفسى .. حياة جديدة .

هل ما افعله الان صحيحا .. هل بهذا الفعل .. ستنتهى وردة ؟ ثم ماذا ... هل هذا مكانها الطبيعى ..




ذهبت الى دار الرعاية .. تحدثت الى المديرة .. انا عايز اختى لازم تمشى من هنا ..
- انت اختك دى مشكلة كبيرة .
- انا عايزها
- مبطلتش دوشه و جنان طول الــ 3 ايام .

دخلت وردة مع احدى النساء و هى تجرها بالعافية .. كنت اسمع صوتها خارج الغرفة تصرخ " احمد .. احمد اخويا "

- سامع .. مبطلتش الكلمة دى من ساعة ما جبتها هنا .. انا يتهيألى ان حالتها مش .. سيئة .. بقالها 3 ايام مش بتنام

نظرت الى وردة .. كان العرق يغطى جبينها و التصقت خصلات شعرها بوجهها الابيض الناعم .. نظرت الى فى انفعال و ضربات قلبها تتسارع .. اندفعت نحوى .. تلقيتها بين ذراعى .. اخذت تدفعنى بيدها الرقيقة فى صدرى .. كأنها تعاتبنى و هى تبكى .. توقفت ضربات يدها و بصوت هادئ متقطع من كثرة بكاءها " احم د .. انا.. م..مش ..هد..هداي..ق تانى " .. انساب جسدها الرخو بين ضلوعى ..














من هو المعاق حقا ؟ هل تعتقد ان المعاق الحقيقى هو من بلا يد او هو من فقد نظره او هو من يعرج .. او هو المصاب بمرض عقلى .. هل تعتقد ان أمى القعيدة كانت معاقة حقا قبل وفاتها ؟؟ هل عقلك يصور لك ان هذه هى الاعاقة ... اللعنة

ربما عليك ان تنظر حولك و تبصر جيدا .. الاعاقة الحقيقية هى فى من لديه العقل و ... يفقده بارادته .. فلتعيد اولوياتك و تبا لتضحياتك الفاشلة التى تقتنع بصدقها ..


انا لست متأكدا من هو المعاق حقا
لكننى متأكد من ان وردة ليست معاقة ..
متأكد ايضا .. ان الاصحاء هم ليسوا اناسا لديهم 5 او 6 حواس و قلب سليم و عقل خالى من الامراض .. بل هم من يعلموك كيف تتغلب على مرضك العقيم

[بنت معلم الاجيال]

ميرسي كتير ربنا يعوض تعبك

[Mary Naeem]

شكرا على المرور