حسد الشياطين
رابعًا: التجربة هنا مصدرها حسد الشيطان:
طبع الشيطان هو هذا: أنه يكره كل من هو بار،وكل من هو ناجح في حياته، وكل من نال عظمة وعلوًا من الله والناس.
وكان المجد الذي ناله السيد المسيح في العماد، مجدًا لم يستطيع الشيطان أن يحتمله:
هوذا السموات قد انفتحت، وروح الله نزل عليه بهيئة حمامة. وصوت من السماء يقول: هذا هو ابنى الحبيب الذي به سررت (مت 3: 16، 17).
فهل يمكن للشيطان أن يسكب على ابن حبيب يسر به الله.. دون أن يتدخل ليرى ما نوع هذه البنوة! ويحاول أن يهز هذا السرور بها..
كذلك أثارت حسد الشيطان، العبارات التي فاه بها القديس يوحنا المعمدان.
.
من هذا الذي يقول له المعمدان "أنا محتاج أن أعتمد منك" (مت 3: 14) أهو حقًا أعظم من يوحنا المعمدان الذي "خرجت إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم" (مت 3: 5، 6) ومن هو هذا الذي قال عنه المعمدان: يأتى بعدى من هو أقوى منى، الذي لست أنا أهلًا أن أحمل حذاءه.. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت 3: 11). بل يقول عنه "في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتى بعدى، الذي صار قدامى الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يو 1: 26، 27).
كل هذا أثار حسد الشيطان، من هذا الذي هو أعظم من المعمدان. وإن كان قد قال عنه لليهود "في وسطكم قائم الذي الذى لستم تعرفونه "فلابد أن أتقدم أنا لكى أعرفه: من هو؟ وماذا قد جاء ليفعل؟
وهنا رأى الشيطان في تجربته للمسيح معركة مثيرة.
فهو يحارب هنا شخصًا غير عادى، شهدت له السماء، وشهد له المعمدان. وهو شخص لم ير الشيطان فيه أية نقطة ضعف على الإطلاق طوال السنوات الماضية. حياته كلها قداسة مطلقة في كل مراحل السن. وهذه القداسة تزعج الشيطان وتثيره، فيريد أن يحاربها...
إن حربه مع هذا القوى، لاشك لها لذتها! حرب تنفذه من الروتين الذي أسقط به كثيرين..
أولئك الذين قال عنهم الكتاب "الكل قد زاغوا معًا وفسدوا "ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مر 14: 3) وكأن الشيطان يقول: فلنجرب إذن مع هذا الذي لا استطيع أن أبكته على خطية...
ضعفات البشر أصبحت كلها معروفة لى.. وكل حروبي أصبحت متكررة ومألوفة ومملة.. فلندخل إذن في حرب مع هذا القوى، نقدم به عرضًا جديدًا. لنصعد إذن معه على الجبل ونختبره..
لقد مرات عليه ثلاثون سنة وهو ساكت، وأنا ساكت. فإن بدأ يعمل، سأعمل أنا أيضًا..
خامسًا: هناك عبارة أزعجت الشيطان جدًا وكانت سببًا رئيسيًا للتجربة:
وهى قول القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1: 29).. أتراه إذن الذي قال عنه أشعياء النبي "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد ألى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 6)؟ أهو إذ إن الفادى المنتظر؟ ثم ما معنى قول المعمدان عنه من قبل "يأتى بعدى رجل صار قدامى، لأنه كان قبلى" (يو 1: 30)،. ماذا يقصد بقوله "كان قبلى "؟ أكان له وجود قبل مولده؟ وهل يرتبط هذا بعبارة "ابنى الحبيب الذي به سررت".
هل هذا إذن هو ابن الله وقد جاء ليرفع خطية العالم كله. وهنا انزعج الشيطان، لأن معنى هذا هو ضياع تعبه الذي تعب فيه منذ البدء. وكأنى به يقول: هذا أمر لا يمكن السكوت عليه. لابد أن تأكد لكى أتصرف بما يلزم. يبدو أن وقت الجد ابتدأ، ونحن داخلون على معركة لا مفر منها. ويبدو أن هذا عدو من نوع خاص، لم أتعود حربه من قبل!!
سادسًا: لم تكن تجربة الشيطان تدور حول نقاط عارضة، إنما كانت تشمل خط الحياة كله..
إنه أراد - كما سنرى - أن يقدم مقترحات تغير الأهداف والوسائل كلها.. تغير المبادئ التي وضعها المسيح أمامه في تنفيذ رسالته..
ولكن السيد المسيح كان راسخًا جدًا في القيم التي وضعها أمامه واستطاع أن يصد الشيطان، وأن يطرده أخيرًا. فما الذي كان يقصده الشيطان؟ وكيف تصرف؟ وكيف تصرف الرب معه؟