رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تيموثاوس وحياته ما هى الصورة التى يمكن أن نتخيلها ، ونحن نذكر قصة تيموثاوس عن شخصيته وسماته وصفاته،... أغلب الظن أننا نتصور أول الأمر تيموثاوس الجميل الصغير المعمود ، النحيل الذى تعاوده الأزمات الصحية بين الحين والآخر، والذى لم ير الرسول بدا من النصيحة التى ظلمت فى كل التاريخ ، إذ أضحت ذريعة الكثيرين وحجتهم فى شرب الخمر: «لا تكن فى ما بعد شراب ماء بل استعمل خمراً قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة» ... ( 1 تى 5 : 23 ) وإذا كنا نشفق على الغلام العليل وهو يتلوى من آلامه الكثيرة ، فإننا نعجب أشد العجب للتحريف الذى أخذ شكل التعبير: قليل من الخمر يصلح المعدة » ويتخذ حجة لشربها وإدمانها ، وشتان ما بين السماء والأرض ، بين الخمر وهى تؤخذ فى حالة أقرب إلى الصفة الطبية ، وأولئك الذين يتجرعونها دون توقف أو تحديد ، يبدون كما لو أن بطونهم جميعاً وأجسادهم ملأها المرض والسقم ، ... على أية حال إن الشاب القديم ينتصب أمامنا ، وقد شاء له اللّه فى قصته لحكمة أسمى وأعلى أن يعيش عليلا مريضاً كثيرا الآلام والأسقام ، .. ولست أعلم مدى الأثر الذى تركته هذه الآلام فى حياته ، إلا أنها كانت على الأغلب أحد الأسباب الكثيرة التى جعلت تيموثاوس شاباً من أرق النفوس وأحلاها وأصفاها على هذه الأرض ، وكلنا يعلم أن روبرت لويس استفنسون عانى طوال حياته من علة المرض الذى جعل مربيته والتى كانت تسهر عليه وهو غلام صغير لا يعرف النوم طوال الليل ، وكانت تفتح له النافذة ، لكى يرى بيوتاً أخرى منارة ، بها من يشكو ولا يعرف النوم مثله ، وتعلم الغلام الصغير من نعومة أظفاره ، أن الأرض تحمل مثله ملايين الناس من المعذبين والمتألمين ، وأنه يجمل به أن يكون رقيقاً ودوداً عطوفاً على آلام الآخرين ، ... كان تيموثاوس على الأرجح على هذه الصورة علمه الألم الذى يعانيه ، والدموع التى يسكبها ، كم ينبغى أن يكون رفيقاً رقيقاً بالغ الرقة والرفق بآلام الآخرين من الناس ، كان واحداً من أعظم الناس الذين تكلموا مراراً كثيرة بلغة الدموع ، وقد هز وجدان بولس من الأعماق ، وظلت ذكرى دموعه ماثلة فى ذهنه ومشاعره ، وهو يكتب له فى رسالته الثانية : « مشتاقاً أن أراك ذاكراً دموعك » ... ( 2 تى 1 : 4 ) . إنه ذلك النوع من الناس المحب المخلص العميق فى إخلاصه ، الذى يمتلئ بالحب النقى الصافى ، والذى لا يعرف شبهة أو تردداً فى إخلاصه العميق ، ... قد لا يكون له جبروت بولس ، ولا يمكن أمام المواقف القاسية الشديدة ، أن يتحول إعصاراً عاتياً مثل معلمه الجبار ، ... لكن الجبابرة أنفسهم يحتاجون إلى النسيم الذى يهب على نفوسهم فى معركة الحياة ، ... كان تيموثاوس بالنسبة لبولس وفى حياته يصلح أن يكون ثانياً ، ولا يمكن أن يخطو إلى الصف المتقدم إلى جوار أستاذه ومعلمه ، ... وهو يصلح أن يكون تابعاً مكملا ، ولكنه لا يستطيع أو يقبل أن يكون ندا أو منافساً ، وفى ذلك يصفه دكتور أ. جيرنى فى مؤلفه الثمين عن رسالة تيموثاوس الأولى : «هناك الوحدة الأعمق فى التباين ، إنها ليست التشابه فى التماثل ، بل التشابه مع الاختلاف ، ... إن اللّه يحتاج إلى تيموثاوس جنباً إلى جنب مع بولس ، وكم يبدو مراراً كثيرة ضعيفاً بالنسبة لقوة بولس الشيخ الجبار ، ولكنه مع ذلك كان مصدر قوة عظيمة له ومشجعاً وضرورياً . كان الواحد : الأب الروحى والآخر الابن الحبيب ... لقد ولد أحدهما قائداً بين الناس ، مختاراً ، ورائداً لإيمان عظيم لا يعيا أو يتقهقر ، وعندما بدا غيوراً كان ينفث تهدداً وقتلا على أتباع الرب .... والآخر ولد راغباً فى أن يكون فى المركز الثانى ، غير متأكد على الدوام من نفسه ، إذ كان يميل للاعتماد على الآخرين دون أن يأخذ مركز الرئاسة ، ... كان أحدهما قوياً يملؤه اليقين الذى يجعله بالإيمان أعظم من منتصر ، إذ هو واثق ، مهما تخلى عنه البشر ، بأنه معان باللّه ، وهو لهذا لا ينقص أبداً عن فائقى الرسل ، ولكن الآخر ، وديع فى استخدام مواهبة يتردد بعض الأحايين فى تأكيد سلطانه تجاه الواجبات المفروضة عليه إلى الدرجة التى يقال معها : « ثم إن أتى تيموثاوس فانظروا أن يكون عندكم بلا خوف . لأنه يعمل عمل الرب كما أنا أيضاً . فلا يحتقره أحد بل شيعوه بسلام ليأتى إلىَّ لأنى أنتظره مع الإخوة » ( 1 كو 16 : 10 ، 11 ) ... وقد أضاف دكتور هربرت لوكاير إلى ذلك قوله : «إن تيموثاوس يحمل قلباً وديعاً صادقاً محباً للسلام ، وهو كسيلا يصلح أن يكون ثانياً بصدق وحرارة الصديق الذى يكشف عن روح الراعى والناظر أكثر من المرسل الرحالة،... وهو مع بولس مهما اختلفت المواهب والوزنات ، لكنهما يرتبطان بالإيمان المشترك والتعبد المشترك ليسوع المسيح،... وهما كوترين فى قيثارة يصدران لحناً صافياً لإلههما المخلص ، وكلاهما يحملان حباً لا يموت لسيدهما وإنجيله الذى يريدان نشره فى كل مكان ، ويرغبان بقلب واحد فى إتمام غرض اللّه فى الخلاص»... ولا شبهة فى أن تيموثاوس إلى جانب هذا كله كان يتميز بالصراحة الكاملة التى لا تعرف التواء أو مكراً أو تحفظاً بأية صورة من الصور، إذ ورث عن أمه وجدته الإيمان الصريح العديم الرياء ، فى الأصل اليونانى تعنى التى لا تلبس القناع ، أو فى لغة أخرى إن الصراحة كانت من أهم صفاته وأقواها ، فالظاهر عنده كالباطن والخارج كالداخل سواء بسواء، وهو لا يعرف التمثيل أو يتقنه ، كالكثيرين من الممثلين أو المخادعين أو السياسيين من ذوى الوجهين أو أكثر من الوجهين ، الذين يلبسون لكل حالة الصورة المناسبة لها ، حتى ولو كانت على العكس تماماً من الحقيقة الداخلية عندهم ، ... أو كما يقال إن لهم القدرة على أن يأكلوا الشاة مع الذئب، وينوحوا عليها مع الراعى ، ... ولسنا نعلم كم جلب هذا الخلق على تيموثاوس من آلام ومتاعب، ولعله تعلم ، عندما أوغل فى الخدمة ، أن يجمع بين الصراحة والحكمة فى التصرف ، إذ ليس كل ما يعرف يقال ، بدعوى الصراحة الواجبة اللازمة التى قد تتحول فى بعض الأحايين تعباً وضرراً على صاحبها ، الأمر الذى تعلمه يوسف ، ولكن بعد سنوات قاسية من الألم والتشريد والضيق والغربة، ... عندما تحدث فى صباه عن أحلامه لإخوته ، وعن نميمتهم لأبيه . لم يكن يعلم بأنه يضع الأساس العميق لكراهيتهم له ، والقسوة البالغة التى عاملوها بها، ... وقد عدل عن هذا وهو يتحدث إلى رئيس السقاة، فهو يتحدث إليه عن الظلم الذى عاناه دون أن يشير البتة إلى ما فعل إخوته أو زوجة فوطيفار: «لأنى قد سرقت من أرض العبرانيين . وهنا أيضاً لم أفعل شيئاً حتى وضعونى فى السجن» . ( تك 40 : 15 ) .. على أية حال كانت الصراحة واحدة من السمات الواضحة فى علاقة تيموثاوس باللّه والناس إذ كان يحمل الإيمان الصريح العديم الرياء!! .. وفوق هذا كله كان تيموثاوس الشخص الذى تستطيع أن تثق به ، وتعتمد عليه،... وإذا كان أحد الحكام البيض قد وضع على قبر دكتور أجرى الزنجى الأفريقى هذه العبارة : «تستطيع أن تثق به تماماً»... فإن هذه الكلمة تصلح بكل يقين فى وصف تيموثاوس ، الشاب الذى أحس بولس وهو فى لحظاته الأخيرة بالحاجة إليه : « بادر أن تجئ إلىَّ سريعاً » ( 2 تى 4 : 9 ) وهو الشخص الذى كان يأتمنه ويثق به ويعتمد عليه فى كل الأوضاع والظروف،... ولك أن تتأكد أن أى عمل يعد تيموثاوس بالقيام به فلابد أنه سيفعله مهما واجه من صعاب أو مهما تكلف من مشقات بل لو كلفه الحياة بجملتها،... إذ هو الخادم الذى امتلأ من الإيمان والطاعة مما يجعله صورة من أندر الصور وأعظمها للوفاء العميق الرائع النبيل!!.... |
|