فَٱسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ
كل يوم
"الموت ومكان الأموات"
٧ - كيف يُدان الذين لم يسمعوا الإنجيل؟
في كثير من الأحيان، نتساءل:
ما هو مصير الذين عاشوا قبل المسيح، وما هي مسؤوليتهم؟ ونتساءل أيضاً ما هو مصير الذين لم يسمعوا كلمة الحق إنجيل الخلاص؟
الكتاب المقدس لم يتركنا بدون جواب على هذه النقاط الهامة، فقد قال:
أ - «لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ فَبِدُونِ ٱلنَّامُوسِ يَهْلِكُ» (رومية ٢: ١٢). فالذي يقوله الرسول الكريم هنا ينطبق أيضاً على الإنجيل. فالذين سمعوه هم في تقدير الله أكثر مسؤولية. بمعنى أن الجيل، الذي رفض رسالة وآيات يسوع المسيح سيُدان. لقد قال في حواره مع جماعة من اليهود:
«مَلِكَةُ ٱلتَّيْمَنِ (سبا) سَتَقُومُ فِي ٱلدِّينِ مَعَ رِجَالِ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هٰهُنَا. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا!». (لوقا ١١: ٣١ و٣٢) «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكُمَا» (متّى ١١: ٢١ و٢٢). وأيضاً قال يسوع لتلاميذه:
«وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَٱخْرُجُوا خَارِجاً مِنْ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، وَٱنْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ» (متّى ١٠: ١٤ و١٥).
وقال أيضاً:
«وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيراً. وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ» (لوقا ١٢: ٤٧ و٤٨).
ب - إن مسؤولية الوثنيين الذين لم يتلقوا الإنجيل فهي أمام الله. وتقول الكلمة الرسولية ببولس، إن الرب منح البشر ثلاثة إعلانات:
1- منذ بدء الخليقة، كانت «مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رومية ١: ١٩ و٢٠).
2- الضمير الذي طبع الله فيه مبادئ الشريعة العظمى بمعرفة الخير والشر «لأَنَّهُ ٱلأُمَمُ ٱلَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ ٱلنَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِٱلطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي ٱلنَّامُوسِ، فَهٰؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ ٱلنَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، ٱلَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ ٱلنَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً» (رومية ٢: ١٤ و١٥).
3- إن الكتب المقدسة، التي هي الذروة تظهر محبة الله وبر الله وخلاصه ودينونته العادلة. وهذه أعلنت للخطاة (رومية ٢: ١٧ - ٢٠).
فالوثنيون بدون استثناء يفيدون من الإعلانين الأولين. ولكن الذين عصوا على الأنوار التي تلقوها، فهم بلا عذر، ولا بد أن يُدانوا (رومية ١: ٢٠ و٢١). وأيضاً جماعة اليهود، والمدعوون مسيحيين، هم بلا عذر، إن كانوا لا يضعون الإعلانات التي تلقّوها موضع التنّفيذ (رومية ٢: ١).
ج - إن الله لا يترك أياً من مخلوقاته بدون إعلان
يخبرنا المسيح أن أقانيم الثالوث الأقدس، تعمل معاً لكي ينال كل البشر خلاص الله:
الآب - قال يسوع:
«لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ ٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ ٱلْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ ٱللّٰهِ» (يوحنا ٦: ٤٤ و٤٥).
الابن - قال يسوع:
«وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» .(يوحنا ١٢: ٣٢) «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا ٣: ٢٠).
الروح القدس - قال يسوع:
«وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ... ويُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ» (يوحنا ١٤: ٢٦ و١٦: ٨).
لقد تأكد بالاختبار أن الإنسان المخلَّص إن كان مخلَّصاً لا بد أن تأتيه اللحظة التي فيها يصرخ مثل سحرة مصر:
هذا إصبع الله (خروج ٨: ١٩). فبديهيات الأمور تكلّمت إليه، وضميره بكّته على الخطية. والروح القدس، طرق باب قلبه لكي يضع فيه الحنين إلى الحياة الأبدية. ولكن المؤسف في الأمر هو أن غالبية الناس حتى حين يصلون إلى هذه النقطة يتعثّرون لأنهم لم يريدوا ترك خطاياهم.
هكذا قال المسيح:
«وَهٰذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا ٣: ١٩ و٢٠).
أما النفوس المستقيمة، فلها هذا الوعد المبارك القائل:
« نُورٌ أَشْرَقَ فِي ٱلظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ» (مزمور ١١٢: ٤).
وكثيراً ما يعلن الله ذاته لبعض الناس بصورة عجيبة، أو يضع في طريقهم أحد سفرائه، كما حدث لكرنيليوس والوزير الحبشي (أعمال ١٠: ١٩ و٢٠، ٨: ٢٦ - ٢٩). هذه الإعلانات، تؤكّد أنه حين تدقّ الساعة لمغادرة هذا العالم يكون كل إنسان قد تلقّى كفاية من النور لكي يقبل أو يرفض الله. وعلى ضوء هذا النور، تتقرر مسؤوليته.
د - مصير الوثني الجاهل المخلص
والسؤال المطروح هو:
ماذا يحدث لوثني مبكّت على خطاياه وتائب بإخلاص، ولكن لم تكن له فرصة لسماع الإنجيل؟
في اعتقادي أن الله العالم بكل شيء يعرف إن كان هذا الإنسان قد واجه الحقيقة فقبلها أو رفضها. ولكن ليس لي أن أقرر ماذا يعمل الله لأجل خاطئ كهذا لكي يتمّم له الوعود المتضمّنة في الإنجيل بحسب يوحنا ٣: ٣٦ و١٢: ٣٢ - على أي حال إن غفر الله لهذا الإنسان، فلن يكون هذا لأجل مجرّد إخلاصه، بل لأجل يسوع المسيح الذي قدّم نفسه كفارة، « لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ » (١ يوحنا ٢: ٢).
وبصورة مماثلة، كان خطاة العهد القديم، يحصلون على الغفران، لأجل المسيا، الذي سيأتي في ملء الزمان، لكي يموت عوضاً عنهم. مثالاً على ذلك داود الزاني والقاتل، الذي أعلن له أن الله غفر له إثمه وستر خطيته (مزمور ٣٢: ١ - ٥). ولكن قد يبدو هذا الغفران، غير متّفق مع نص الشريعة. ويمكن للبعض أن يتساءل إن كان الله في غفران إثم داود لم يشجع البشر؟
بيد أن هذا التساؤل يتوقف حين نذكر أن الله بذل ابنه الوحيد على الصليب لأجل خلاصنا جميعاً. وهذا يعني أن ذبيحة المسيح أوفت عدل الله وشهدت أن الشريعة عادلة ومقدسة. وفي ذات الوقت أبطلت ذبيحة القصاص عن المؤمنين التائبين، قبل موت المسيح وبعده، كما هو مكتوب:
«مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ» (رومية ٣: ٢٤ و٢٥). والواقع إن كانت ذبيحة المسيح، قد خلصت رجال العهد القديم المستنيرين قليلاً، أفليس في وسعها أن تفعل شيئاً لأجل الوثني الجاهل، الذي يطيع بكل نفسه النور الذي تلقّاه؟
ورب معترض يقول:
إن كان الأمر كذلك فما فائدة الذهاب للكرازة بالإنجيل للوثنيين، لأن المخلّصين بينهم سينالون الخلاص؟
إن الذي يقول هكذا، يجهل أمرين مهمين جداً:
الأول: المعروف عن الوثنيين أنهم بسبب الظلمات المرعبة التي يعيشون فيها، يندر وجود المخلصين بينهم. لأن أجسادهم مدنسة، وضمائرهم مفسدة، وقلوبهم مسكونة بالأرواح الشريرة. فلنترأف بهم، ولنرحم عذابهم، ولنتجاوب مع حاجتهم الروحية، ولنسرع بنقل النور إليهم! إن لسان حالهم يستصرخ ضمائر المخلّصين، لكي يهبوا لإنقاذهم من ظلمات جهلهم. فهل نحجب عنهم نور الإنجيل، الذي حباه الله لنا ؟
وهل نضع وقراً في آذاننا، لكي لا نسمع ذلك النداء الذي أطلقه الرسول بولس:
«فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟
وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟...
إِذاً ٱلإِيمَانُ بِٱلْخَبَرِ، وَٱلْخَبَرُ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ» .(رومية ١٠: ١٤ و١٧) «فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هٰذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ٱبْتَدَأَ ٱلرَّبُّ بِٱلتَّكَلُّمِ بِهِ» (عبرانيين ٢: ٣).
الثاني: أن الوثني مهما كان مخلصاً، فحياته رازحة تحت ثقل الخطية، وخالية من أي يقين سماوي، يدفعها نحو البر. فكيف يتمكن إنسان كهذا أن يتذوّق السلام والفرح الذي يتأتّى عن الخلاص المعلن في إنجيل الله؟
ونحن العالمين بآلامه وبؤسه، هل يصح أن تحتفظ أنانيتنا بهذه البركات، فلا نشعر بالرغبة الملحة في أن نشركه فيها؟... كلا!
إن لا شيء يستطيع أن يحررنا من هذا الواجب العظيم، واجب الكرازة بالإنجيل، لكل نفس واقعة تحت سيطرة الشيطان، ومهدّدة بالقصاص الأبدي.
لنتذكر دائماً الطريق ضيق والمدعون كثيرون وقليل هم الذين يخلصون فمن هم هؤلاء القليلون...؟
فهل نحن منهم ؟
وكيف هو الضمان الأكيد لنكون منهم...!
شكراً لك... والمرة القادمة سيكون الحديث عن
سفر الحياة
وللحديث بقية... وكلام كثير
أشكرك أحبك كثيراً
يسوع المسيح ينبوع الحياة
يحبكم جميعاً