يحكى أن مزارعاً صينياً قُتل بضربة منجل عميقة قبل ألفي عام.. وعلى الفور جمع رئيس القرية المزارعين وأمرهم بوضع مناجلهم على الأرض وعدم الاتيان بأي حركة، وما هي إلا دقائق حتى تجمع الذباب على أحد المناجل فعرف الزعيم أن صاحبه هو القاتل ... فالذباب تجذبه رائحة الدم حتى بعد غسل المنجل !
هذه القصة هي أقدم ما وجدت عن الاستعانة بالحشرات لحل الجرائم العويصة ...
أما اليوم فأصبحت علاقة الحشرات بالجريمة علماً يدرس وتخصصاً لا تستغني عنه الشرطة وأصبح علماء الحشرات لا يقلون أهمية عن خبراء الأدلة الجنائية.
والفكرة هنا تعتمد على حقيقة أن جثة الضحية تتحول
فور وفاتها إلى مرتع خصب وبيئة ممتازة لجذب الحشرات وتكاثرها ...
وبدراسة العلاقة بين الطرفين اصبح هناك ما يعرف ببصمة الحشرات التي تؤخذ كدليل دامغ في جرائم
القتل وإدانة المجرمين !
وقد تطور هذا التخصص «الذي لم يكن موجوداً قبل
عام ۱۹۸۰» على يد العالم بيل باس من جامعة تينيسي ...
فقد كانت تستعين به الشرطة بين الحين والآخر لتحديد زمن وظروف الوفاة..
وكونه أساساً عالماً أنثروبولوجياً «متخصصاً بدراسة العظام القديمة» فقد وقف حائراً أمام كثير من الحالات لعدم وجود منهج واضح يسير عليه ...
وهكذا قرر البدء بدراسة تحلل جثث البشر «في مزرعة خاصة» ورصد التغيرات التي تطرأ عليها.. وأول ما لاحظه ان الذباب يحط فوق جثة الميت في الثلاث دقائق الأولى ويعمد لوضع بيوضه في الفم والمناخير وثقوب الجسم النازفة ..
وبعد وقت معلوم تتحول تلك البيوض إلى يرقات تتعمق داخل الجسم بحثاً عن الدفء والغذاء.. وبمقارنة مراحل التوالد والتكاثر مع الطقس والبيئة المحيطة يمكن استنتاج زمن الوفاة وتحديد المكان والفصل الذي حصلت فيه!
وفي يقة الأمر لا يقتصر على الذباب - كما يشير العنوان - لأن كل حشرة قد تساعد في توضيح جانب معين ...
فالنمل يأتي للجثة ليتغذى فقط على بيوض الحشرات
والخنافس تنخر اللحم برسم مميز لتفقس فيه
والبعوض لا يقدم على الجثة ألا وهي طرية
والطيور تلتهم اللحم في وقت محدد،
وحشرة الجراد تنتفخ من الشبع بمراحل يمكن قياسها..!
أضف لذلك يمكن للحشرات أن تنبئ عن طبيعة المكان والبيئة المحيطة ...
فعلى سبيل المثال هناك جثة وجدت في تكساس اكتشف خبراء الحشرات انها قتلت في غابات الينوي لأن بيوض الحشرات الموجودة داخلها لا تعيش إلا في تلك المنطقة ...
كما أدين قس بقتل زوجته لأن الخبراء وجدوا في حذائه نملة عمرها ثلاثة ايام تعود إلى مستوطنة للنمل «وجدت جثة زوجته قربها» قبل ثلاثة ايام بالضبط..
وبالمصادفة وجد رجال الشرطة في فلوريدا كميات
كبيرة من الكوكايين لم يعرف مصدرها ولا من أين أتت
غير انهم وجدوا حشرة صغيرة ميتة في احد الأكياس فاستدعوا أحد الخبراء الذي حدد موطنها في غابات الهندوراس ...
وفي قضيةرابعة ادعى رجل انه وجد شقيقته منتحرة
خنقاً «من خلال ربط رقبتها بحبل ثبت بنافذة غرفتها المفتوحة».. ولكن بفحص الجثة لم يجد الخبراء أثراً للذباب مما دل على أن النوافذ كانت مغلقة في آخر ۲۱ ساعة فاعترف بقتلها..
هذه النماذج تثبت كيف يمكن ل«بصمة الحشرات»
ان تتحول إلى دليل إدانة يضاف لبصمة الأصابع
والحمض النووي .