رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
البابا أغاثو (التاسع والثلاثون في عداد البطاركة) اختيار الإيغومانس أغاثو بابا للإسكندرية: بعد نياحة البابا بنيامين سنة 656م، قام الشعب المؤمن الخائف الله وبأمر الرب، أخذوا ذلك الإيغومانس الخائف الله وأقاموه بطريركاً على كرسي الإسكندرية ليكون الخليفة التاسع والثلاثين في عداد البابوات بطاركة الكرسي الإسكندري. أول مهمة صعبة: موقفه تجاه أسرى الحرب بين البيزنطيين والعرب: وقد كانت أول مهمة صعبة قابلها البابا أغاثو غريبة للغاية، وتُعبِّر طريقة مواجهة البابا أغاثو لها عن اتساع قلبه وسيره في إثر خطوات سيده المسيح؛ إذ وجد في مصر عدداً من الأسرى من الجنسيات المختلفة من الروم وأهل جزيرة صقلية والإيطاليين؛ إذ كان قد أسرهم العرب من بلادهم في حربهم مع الملك البيزنطي طيباريوس وأحضروهم إلى مصر. وبالرغم من أن هؤلاء الأسرى كانوا يتبعون المذاهب الغريبة عن الأرثوذكسية (فمنهم جماعة الغيانيين والخلقيدونيين والبرسنوفية)، إلاَّ أن البابا أغاثو - كما وصفه كتاب تاريخ البطاركة لابن المقفع - كان ”حزين القلب“ على هؤلاء الأسرى ”إذ يرى أعضاءه في أيدي الأمم“، فكان ”يشتريهم - أو يفتديهم - ويعتقهم من الأَسْر“ بالفضة والذهب، ويأتي بهم إلى بيوت المسيحيين خوفاً من أن ينكروا مسيحيتهم وهم تحت الأَسْر. وكان إذا ما افتدى أسيراً منهم يُعطيه حرية الاختيار بين البقاء تحت رعايته أو السفر إلى وطنه. فمَن شاء منهم العودة رحَّله على نفقته الخاصة، ومَن شاء أن يبقى ثبَّته على الإيمان بمساعدته على إيجاد عمل يرتزق منه. وهذا النهج الذي انتهجه البابا الإسكندري هو نهج الآباء البطاركة الأقباط، إذ كانوا يُنفِّذون وصية المسيح بحرفيتها معتبرين أنفسهم صورة مجسَّمة للمسيح في محبته حتى للأعداء، حتى لأعداء الإيمان والدين، على نهج المسيح الذي صلَّى على الصليب من أجل صالبيه: «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.» (لو 23: 34) التجربة الثانية: من رئيس الكنيسة الملكية البيزنطية: إذ يقول كتاب ”تاريخ البطاركة“ إن الشيطان ”أوقع عليه تعباً عظيماً من أجل طهارة قلبه وفضيلته“، ذلك أنه تولَّى على الإسكندرية رئيس لجماعة الخلقيدونيين اسمه ثيئودوروس، هذا مضى إلى دمشق وقدَّم رشوة وافرة إلى الخليفة يزيد بن معاوية واستصدر منه أمراً بالتسلُّط على شعب الإسكندرية ومريوط وكل ما يتبعهما. فسعى هذا الرجل في مضايقة البابا أغاثو وأقلقه وطلب منه مالاً جزية سنوية عن تلاميذه 36 ديناراً. كما استولى على المال الذي تعوَّد البابا الإسكندري دفعه للملاحين وبحارة الأسطول المصريين. ولم يُشبع هذا المال جشع ثيئودوروس هذا، إذ كان يستولي على ما يَرِد من مال للأنبا أغاثو. ثم ضيَّق على البابا حتى لا يخرج من مسكنه البابوي، وذلك عن بغضة شديدة له بسبب الإيمان الأرثوذكسي الذي يعتنقه البابا، حتى أنه أمر وقال: ”مَن رأى بابا الثيئودوسيين (كانوا يلقبون الأقباط بهذا الاسم نسبة إلى البابا المعترف ثيئودوسيوس الذي صمد طويلاً أمام البيزنطيين - انظر عدد فبراير 2003، ص 32) يخرج ليلاً أو نهاراً فليرجمه بالحجارة ويقتله، وأنا المسئول“. وكان هذا الرجل قد أخذ امتيازاً من الخليفة في دمشق بأن لا يكون لوالي مصر حُكْم عليه. أما المنهج الذي انتهجه البابا الإسكندري، فكان هذه المرة أيضاً، هو نهج سيده المسيح، إذ يقول كتاب ”تاريخ البطاركة“: ”وكان الأب أغاثون مختبئاً أيام ذلك الملك المنافق، وهو داعٍ (أي مُصلِّياً) له كوصية الإنجيل: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم» (مت 5: 44)“. نهضة روحية نسكية في أديرة برية شيهيت: على أنه بالرغم من هذه الآلام المريرة، فقد ازدادت نعمة الله على الشعب الأرثوذكسي وعلى أديرة برية شيهيت، كما يقول كتاب ”تاريخ البطاركة“، إذ عُمِّرت الكنائس التي على اسم أنبا مقار وكثر الإخوة (النُّسَّاك الرهبان) حتى أنهم بنوا القلالي قرب البهلس، وكانوا ينمون بنعمة المسيح. وكان الإخوة المؤمنون يعضدونهم في عمارة هذه القلالي. وكان هؤلاء القديسون يتضرعون إلى الله بلا انقطاع ليُعيد السلام إلى الكنيسة. تجديد عمارة كنيسة مار مرقس بالإسكندرية: وإذ كان عمرو بن العاص قد عاد إلى مصر ليتولَّى الأمر فيها أثناء خلافة معاوية بن أبي سفيان في دمشق، فقد اتَّبع في هذه الفترة نفس السياسة التي كان قد اتَّبعها في فترة ولايته الأولى، فمنح الأقباط حرية العبادة، وترك الأمر بين يدي باباهم ”أغاثو“ مثلما تركه بين يدي البابا بنيامين من قبل. وقد وجد البابا الإسكندري أن سياسة التسامح هذه فرصة مواتية له لإعادة بناء كنيسة القديس مار مرقس التي كانت قد هُدمت أثناء تدمير مدينة الإسكندرية عند غزوها للمرة الثانية. وبينما كان الفعلة منهمكين في بناء الكنيسة، أمر البابا أغاثون ببناء بيت فسيح مقابلها ليجد فيه الغرباء والنزلاء مكاناً يقضون فيه أيام غربتهم كلما اضطروا للذهاب إلى الإسكندرية. ظهور الراهب التقي يوحنا السمنودي: في سيرة هذا الراهب درس عظيم نتعلَّمه من فم رب المجد يسوع المسيح كما سمعه هذا الإنسان في حلم رآه. فقد كان من بين المؤمنين الذين ذهبوا إلى الصحراء لمعاونة الرهبان في بناء القلالي الجديدة رجل اسمه يوحنا (أو يؤانس) السمنودي. هذا أُصيب بمرض شديد لم يعتقد الرهبان الشيوخ أنه سيبرأ منه. هذا رأى حلماً في إحدى الليالى: كأن إنساناً مضيئاً عظيم المجد جالسٌ على كرسي يحيط به السيرافيم ومعه جماعة كأنهم مسافرون قريباً من موضعه، ونظر جماعة من الشيوخ الآباء القديسين الذين في البرية يتقدَّمون ليأخذوا البركة من الجالس على الكرسي. فقال يوحنا في فكره: لو أن لي إنساناً يمسكني أنا أيضاً لأتقدَّم إلى هذا الملك السمائي العظيم وآخذ البركة منه، فلعلِّي كنت أستريح من هذا المرض والألم. فعند ذلك تقدَّم إليه واحد مِمَّن كانوا حول الكرسي والجالس عليه، وكان هذا الواحد لابساً لباس البطاركة الرسل وعلى صدره كتاب يشبه الإنجيل (هو مار مرقس الإنجيلي)، فقال له: ”هل تريد أن أُقدِّمك لسيدنا المسيح ليُنعم عليك بالعافية“؟ فسجد له بدموع وطلب إليه قائلاً: ”ارحمني يا سيدي وامضِ بي إليه لأنني في تعب عظيم“. فأجاب القديس وقال له: ”يا يوحنا قُلْ لي إنك إذا عوفيتَ من الرب تكون لي ولداً، وأنا أمضي بك إليه“. فعاهده في الرؤيا بأن يكون له ولداً إلى يوم وفاته، فأمسك بيده وقدَّمه إلى مخلِّص العالم. فخرَّ يوحنا ساجداً على رجليه. فقال له المخلِّص هذه الكلمات: ”يا يوحنا، لماذا تحبون الباطل يا بني البشر وترفضون الحق وتطلبون الكذب، إذا ظننت أنك جئت إلى ههنا لتبني لك قلاية من طين وهي تضمحل بعد قليل، فأنت مخطئ؛ بل عليك أن تكنز لك كنوزاً في السماء وتبني لك في أورشليم السمائية المدينة الجديدة بيتاً لا يضمحل“. فوقع على رجليه وطلب منه العفو، فأقامه الرب وقال له: ”الآن قد أنعمتُ عليك بالعافية لأجل مرقس الإنجيلي، فامضِ، وكل ما يأمرك به فافعلْه“. وصعد إلى السماء بمجد وكرامة. واستيقظ يوحنا من الرؤيا وهو معافَى. وفكر قائلاً: ”ما هذا الفعل الذي عليَّ أن أفعله الآن“؟ فمضى من ذلك المكان تاركاً بناء القلالي من الطين، وذهب إلى دير من أعمال الفيوم ومعه تلميذاه واختفى هناك لعدة سنين. وبعد ذلك ظهر للبابا أغاثون مَن قال له: ”أرسل لِمَن يُسمَّى يوحنا السمنودي الذي من سمنود ليُعينك ويساعدك، وهو الذي يجلس بعدك على الكرسي“. فأرسل كهنة إلى أسقف الفيوم أنبا مينا وكتب إليه أن يبعث إليه بيوحنا القس (كان قساً قبل أن يتوجَّه لدير الفيوم). وبالرغم من أن هذا الأسقف كان يحبه وينتفع من كلامه، إلاَّ أنه لم يستطع مخالفة الأب البطريرك، فبعث الرسل إليه، فحملوه في مركب، وأرسلوه إلى الإسكندرية. فلما رآه البابا البطريرك فرح به إذ رآه حكيماً جداً. فأشار عليه البعض أن يرسمه أسقفاً لكنه أَبَى لكي يحفظه لرسامته أسقفاً على الإسكندرية من بعده (إذ لا يصح رسامة شخص أسقفاً مرتين)، لكنه أقامه مدبِّراً (إيغومانساً) لكنيسة القديس مار مرقس بالإسكندرية، كما منحه السلطة للإشراف على كل كنائس الإسكندرية. تدقيق البابا أغاثون في رسامة الأساقفة: يقول كتاب ”تاريخ البطاركة“ إنه لم يكن يدعو أسقفاً للرسامة في أي موضع إلاَّ لكي يردَّ الرعية عن الأضاليل التي كان الشيطان يضلُّ بها الناس. كما أن حرص البابا أغاثون على التدقيق عند اختيار الأشخاص المطلوب رسامتهم لكل درجات الكهنوت، جعل الشعب يزدادون في تقديرهم لباباهم وفي الاقتداء به في الحياة بحسب تعاليم المسيح. ويصف كتاب ”تاريخ البطاركة“ هذا التدقيق بقوله: ”وكان الأب الحقاني أغاثون مهتماً في جميع أيامه بقسمة (رسامة) الكهنة المستحقين للشرطونية الخائفين من الله، وكان الناس يشكرون الله على أقوال البابا البطريرك“. تدبير إلهي غير متوقَّع لينقذ الكنيسة من جور الرئيس البيزنطي ثيئودوروس: يتراءى للبعض أحياناً أن الله ساهٍ عن كنيسته غير ملتفت إلى جَوْر الذين يتعدّون على حق الله ويغتصبونه ويتمادون في غيِّهم ويقلقون رجال الله ويعثرون الشعب كما حدث من هذا الرئيس الخلقيدوني الذي أقلق الكنيسة وأمرَّ نفس البابا أغاثون. لكن تدبيرات الله تدلُّ على أن الله ساهر على كلمته ليُجريها (انظر إر 1: 12)، وعلى كنيسته التي هو رأسها ومدبِّرها وضابط كل ما فيها وكل مَن فيها. وهذا ما حدث. إذ كان والي مصر يومذاك اسمه مَسْلَمة الذي كان رجلاً عادلاً نزيهاً يعامل جميع المصريين معاملة واحدة فلا يُفرِّق بين مسلم ومسيحي، إلى حدِّ أنه سمح للأقباط بأن يبنوا كنيسة خلف جسر عند الفسطاط رغم معارضة رجال ولايته. ثم بلغ مسامع مَسْلَمة أن بعضاً من أهالي سخا قد أشعلوا النيران في عدد من رجال الحُكْم هناك. فطلب سبعة من أساقفة الكرازة المرقسية ورجا منهم أن يذهبوا ليُعالجوا الأمور في تلك المدينة بحكمتهم. فذهبوا لفورهم ونجحوا في إقرار الأمن. وقد منحتهم النعمة الإلهية أن يوقفوا هذا التمرُّد، وعلى شفاء مَن كانوا قد أُصيبوا في الاعتداء، كما منحتهم الحكمة أن يُعاقبوا بالعقاب المناسب مَن هو مستحق للعقاب. وكان في سخا أرخن قبطي اسمه ”إسحق“ من أصحاب الجاه والنفوذ، وله دالة على والي المدينة. فما كاد الأساقفة السبعة ينتهون من المأمورية التي انتدبوا لها حتى أخذوا يتفاوضون مع إسحق فيما يجب اتخاذه من تدابير بإزاء ثيئودوروس الخلقيدوني الذي أقلق البابا. فأشار عليهم إسحق بمقابلة الوالي وذهب هو معهم وقابلوه وأوضحوا له كل أعمال الاستبداد التي لجأ إليها هذا الخلقيدوني الدخيل ضد باباهم، وظفروا بقرارات ضد ثيئودوروس. على أنه من المؤلم أنه بينما كان الأساقفة والأرخن إسحق يتشاورون معاً في أمر ثيئودوروس، أُصيب البابا أغاثون بمرض لم يمهله غير أيام قصيرة، انتقل بعدها إلى بيعة الأبكار. نياحة البابا أغاثون: وتنيح البابا أغاثون بعد أن أكمل كل أيامه بشيخوخة حسنة واعتلَّ، وأقام سبع عشرة سنة وتسعة أشهر على كرسيه، وذلك في 16 بابة سنة 673م (بتقويم ذلك الزمان)، ووُضع جسده مع جسد البابا بنيامين كما ورد في سيرة القديس أنبا مقار. تسلُّط ثيئودوروس الخلقيدوني على الكنيسة ثم موته ميتة سوء بعد نياحة البابا أغاثون: ولما تنيح الأب القديس البابا أغاثون وضع ثيئودوروس الخلقيدوني يده على كل شيء، حتى أن الناس لم يجدوا خبزاً يأكلونه في وليمة الأغابي التي أقاموها يوم وفاة البابا، لأنه ختم على كل ما كان في البطريركية. لكن الرب الإله ضابط الكل العادل القادر على كل شيء ضربه بضربة موجعة في أحشائه وهي علَّة الاستسقاء، وصار يأكل ويشرب كثيراً دون أن يشبع أو يرتوي، فمات ميتة سوء. رواد في عهد البابا أغاثون: إننا لم نعثر على أسماء رواد كثيرين بالرغم من وجودهم في عصر البابا أغاثون. مثل الأرخن إسحق الذي كان في سخا والذي سنرى دوره في مشكلة الرئيس الخلقيدوني ثيئودوروس، وذلك في عهد البابا اللاحق يوحنا. ومما يؤسف له أنه لم يُعثَر على سِيَر الأساقفة الذين حملوا المسئولية مع الأنبا أغاثون، سوى الأنبا مينا أسقف الفيوم الذي ورد اسمه ضمن سيرة الأب يوحنا السمنودي. أما الأساقفة السبعة الذين توجَّهوا إلى سخا وبذلوا جهدهم لحل مشكلة البطريرك الخلقيدوني ثيئودوروس فإننا نجهل أسماءهم. على أنه كلما كانت أعمالهم الجليلة عظيمة مع الجهل بأسمائهم، كلما اطمأننا إلى أن جزاءهم من أبيهم السماوي الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية كان أعظم، وأسماؤهم المجهولة لدينا نحن البشر هي معروفة أمام الله والملائكة والقديسين في السماء. وثمة أسقف آخر، أغلب الظن أنه معاصر لهم، إذ عاش في القرن السابع. وكل ما نعرفه عنه أنه كان أسقفاً على قفط، وترك موعظة قالها في مرضه الأخير. |
|