رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هذه القصه كتبها البابا شنوده الثالث وهو خادم بمدارس الاحد سنه 1948 ميلادية. القصه تحكى عن روح فارقت الجسد وصعدت الى فوق ورأت مدينه منيره هى مدينه الخدام ؛ وعجزت عن دخولها ؛ وسمعت توبيخات عديده فى حوارها مع الملاك المصاحب لها . وكانت كل تفاصيلها درسا عميقا فى الخدمة . اقرأ معى ماذا حدث فى تلك الليلة؟ الخادم : حدث فى تلك الليلة انى كنت وحيدا فى غرفتى الخاصة ؛ متمددا على مقعدى وناظرا الى لا شىء ؛ وإذ بابتسامة خاطئة تمر على شفتى لعلنى كنت افكر فى نفسى كخادم - وهنا حدث حادث غريب : هل ثقلت راسى فنمت ؛ أم اشتطت أفكارى فتحولت الى احلام ؟ أم أشهر الله لى احدى الرؤى ؟ لست أدرى ؛ ولكننى أدرى شيئا واحدا وهو اننى نظرت فإذا أمامى جماعه من الملائكه النورانين ؛ وإذ بهم يحملوننى على اجنحتهم ويصعدون بى الى فوق ؛ وأنا أنظر الى الدنيا من تحتى فإذا هى تصغر شيئا فشيئا حتى تحولت الى نقطه صغيره مضيئة فى فضاء الكون ؛ وانصت إلى أصوات العالم وضوضائه فإذا هى تاخذ فى الخفوت حتى تحولت الى سكون ؛ واتامل نفسى فإذا بجسمى يخف ويخف حتى أحس كأننى روح من غير جسد - فألتفت فى حيرة حولى لارى أرواحا كثيره سابحة فى الفضاء اللا نهائى . وارى من الملائكة ألوفا وربوات ربوات - ها هم الشاروبيم ذوو السته أجنحة والساروفيم الممتلئون أعيناً - وها هى اصوات الجميع ترتفع فى نغم واحد موسيقى عجيب " قدوس ؛ قدوس ؛ قدوس " ولا اتمالك نفسى فأنشد معهم دون أن أحس " قدوس الله الاب ؛ قدوس ابنه الوحيد ؛ قدوس الروح القدس " وأستيقظ عن انشادى لاسمع نغمة قدسية خافتة لم تسمعها أذن من قبل ؛ فاتجه فى شوق شديد نحو مصدر ال ؛ فإذا أمامى على بعد مدينة جميلة نورانية معلقة فى ملك الله ؛ تموج بالتسبيح والترتيل ؛ كلما أسمع منها نغما يمتلىء قلبى فرحاً ؛ وتهتز نفسى اشتياقاً ؛ ثم أنا أنظر فأرى فى المدينة على بعد أشباحا أجمل من الملائكة هوذا موسى ومعه ايليا وجميع الانبياء والقديسين والاساقفه وأبائى الكهنه وبعض زملائى مدرسين مدارس الاحد واندفعت فى قوه نحو تلك المدينة النورانية ؛ ولكن عجباً - إننى لا استطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلا : الملاك : مكانك قف ! إلى أين أنت ذاهب ؟ الخادم : الى تلك المدينة العظيمة يا سيدى الملاك - إلى حيث زملائى وأخوتى وابائى القديسون . الملاك : ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم ؟ الخادم : وانا من الخدام . الملاك : إنك مخطىء فاسمك ليس فى سجل الخدام . الخادم : فقلت للملاك كيف هذا ؟ لعلك لا تعرفنى يا سيدى الملاك . إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب والكنائس والجمعيات . بل إسأل عنى أيضا فى مدينة الخدام إذ يعرفنى هناك كثير من زملائى مدرسى مدارس الاحد . الملاك : اننى اعرفك جيداً وهم أيضا يعرفونك ؛ ولكنك لست بخادم فهذا حكم الله . الخادم : لم أحتمل تلك الكلمات ؛ فوقعت على قدمى أبكى فى مرارة ولكن ملاكاً اخر أتى ومسح كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق : الملاك : إنك فى المكان الذى هرب منه الحزن والكابة فلماذا تكتئب ؟ تعالى معى ولنتفاهم . إن أولئك الذين تراهم فى مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله ؛ فكانت كل دقيقة من اعمارهم تنفق فى الخدمة . أما انت فلم تكن مكرسا بل كنت تخدم العالم . وكل ما لك من خدمة روحية هو ساعة واحدة فى الاسبوع تقضيها فى مدارس الاحد . واحيانا كانت خدماتك الاخرى تجعلك تعطى الله ساعة ثانية ؛ فهل من أجل ساعتين فى الاسبوع تريد ان تجلس الى جانب الرسل والانبياء والكهنة فى مدينة الخدام ؟ الخادم : خجلت كثيرا من نفسى أثنا ذلك الحديث كله ؛ غير اننى قاومت خجلى وتجرأت وسألت الملاك ولكنى أرى فى مدينة الخدام بعضاً من زملائى مدرسى مدارس الاحد وهم مثلى فى خدمتى . الملاك : كلا انهم ليسوا مثلك ؛ حقيقة انهم كانوا يخدمون ساعة او اكثر فى مدارس الاحد ولكنهم كانوا يقضون الاسبوع كله تمهيدا لتلك الساعة ؛ فكانوا يصرفون وقتا كبيراً فى تحضير الدروس ووسائل الايضاح ؛ وطرق التشويق والصلاة من أجل كل ذلك ؛ وبحث حالات التلاميذ واحدا واحدا ؛ والتفكير فى طريقة لاصلاح كل فرد على حدة ؛ يضاف الى ذلك انشغالهم فى الافتقاد ؛ وفى ابتكار طرق نافعة لشغل أوقات تلاميذهم أثنا الاسبوع . ثم كانت لهم خدمات اخرى مختفية لا تعرفها ؛ وهكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحيه عملهم الرئيسى ؛ ولا أعنى أنهم أهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية ؛ بل كانوا مخلصين لها جدا وناجحين فيها للغاية ؛ وان كان عملهم العالمى أيضا لا يخلو من الخدمة ؛ وهكذا حسبهم الله مكرسين . الخادم : وكيف استطيع ان اكون خادماً وانا مشغول بعملى العالمى ؟ الملاك : لعلك نسيت عمومية الخدمة ! يجب ان تخدم الله فى كل وقت وفى كل مكان . ولا يجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة وعندنا فى مدينة الخدام أطباء و موظفون ومهندسون ومحامون وتجار وصناع . كل اولئك كانوا خداما فى مهنهم فهل كنت أنت كذلك ؟ الخادم : فخجلت من نفسى ولم اجب . الملاك : هذا عن الخدمة فى مكان عملك : ثم ماذا عن خدمتك فى اسرتك فانت لم تخدم بيتك بل كنت على العكس فى نزاع مستمر مع افراد اسرتك ؛ بل فشلت فى ان تكون قدوة لهم وان تجعلهم يقتدون بك . وايضا كان لديك فرصه لخدمة اصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك ولم تستغل الفرصة فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادما ؟ الخادم : وطاطأت رأسى من الخجل ؛ ولكنى مع ذلك احتلت على الاجابة فقلت : ولكنك تعلم يا سيدى الملاك أننى شخص ضعيف المواهب ولم اكن مستطيعا أن أقوم بكل تلك الخدمة . الملاك : ومن قال انك بدون مواهب لا تستطيع ان تخدم ! هناك ما يسمونه العظة الصامتة لم يكن مطلوب منك ان تكون واعظ وإنما تكون عظة ينظر الناس الى وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ؛ ويسمعون حديثك فيتعلمون الطهارة والصدق والامانة ويعاملونك فيرون فيك التسامح والاخلاص والتضحية ومحبة الاخرين فيحبوك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك أتقياء . وكان يجب عليك أيضاً كعظة صامتة ان تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفاً مهما كان بريئا فى مظهره إن كان يفهمه الاخرون على غير حقيقته فيعثرهم . وهكذا تكون { بلا لوم } أمام الله والناس كما يقول الكتاب : جاعلا امام عينيك كخادم قول بولس الرسول " كل الاشياء تحل لى ؛ ولكن ليست كل الاشياء توافق " {1كو 6: 12 } . الخادم : وتأملت حياتى فوجدت اننى فى احوال كثيره جعلت الاخرين يخطئون ولو عن غير قصد . الملاك : إننى أشفق عليك كثيرا وكنت أشفق عليك بالاكثر أثنا وجودك فى العالم ؛ وبخاصه عندما كنت تحسب نفسك مثال للخدمة ؛ بينما لم تكن محسوبا خادما على الاطلاق . ولعلك قد اقترفت اخطاء كثيره اخرى منها ان خدمتك كانت خدمه رسميات ؛ فقد كنت تذهب إلى مدارس الاحد كعادة اسبوعية وكعادة أيضا كنت تصلى بالاولاد ؛ وكنت ترصد الغياب والحضور ؛ فتعطى للمواظب جائزة ؛ وتهمل الغائب كأنك غير مسئول عنه . وهكذا لم تحدث فى خدمتك تأثيرا ؛ وكذلك كنت فى عظاتك فى الكنائس أيضا : تعظ لان الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك ان تنفذ ؛ فكنت تهتم بتقسيم الموضوع وتنسيقه ؛ واخراجه فى صوره تجذب الاعجاب أكثر مما تهتم بخلاص النفوس . وكنت تبتهج بمن يقرظ موضوعك دون ان تهتم هل جدد الموضوع حياه ذلك الشخص أم لا . الا ترى أنك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس . ثم انه نقص من خدمتك أمران هما : حب الخدمة وحب المخدومين .. اما عن حب الخدمة فيتجلى فى قول السيد المسيح " طوبى للجياع والعطاش إلى البر " فهل كنت جوعانا وعطشانا إلى خلاص النفوس ؟ هل كنت تحلم بالساعة التى تقضيها وسط اولادك فى مدارس الاحد ؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب أحدهم ؛ وبشوق كبير إلى رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتى تجده وتعيد عليه شرح الدرس . ثم الامر الاخر وهو حب المخدومين : هل كنت تحب من تخدمهم ؛ وتحبهم الى المنتهى مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه ؟ هل كنت تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان ؟ وهل احبك تلاميذك أيضاً ؟ أم كنت تقضى الوقت كله فى انتهارهم ومعاقبتهم بمان من الصور والجوائز . إن المحبة هى الدعامة الاولى للخدمة . " إن لم تحب مخدوميك لا تستطيع أن تخدمهم ؛ وإن لم يحبوك لا يمكن أن يستفيدوا منك " وكان يجب ان تقضى فترة طويلة فى الاستعداد والامتلاء قبل ان تبدا الخدمة ؛ لانك بدأت مبكرا ولم تكن لك اختبارات روحية كافية ؛ وقعت فى اخطاء كثيرة . وايضا نسيت ان تصلى وتصوم من أجل الخدمة . الخادم : لم أحتمل اكثر من ذلك فصرخت فى ألم كفى يا سيدى الملاك ؛ الان عرفت أننى غير مستحق مطلقاً لدخول مدينة الخدام . فقد كنت مغرورا ومغرورا جداً . أما الان عرفت كل شىء فانى أطلب فرصة أخرى أعمل فيها كخادم حقيقى . الملاك : لقد اعطيت لك الفرصة ولم تستغلها ثم انتهت أيامك على الارض .. الخادم : فالححت عليه بشدة وظللت أبكى وأرجوه ؛ أما هو فنظر إلى فى إشفاق ومحبة وتركنى ومضى وأنا ما أزال أصرخ " أريد فرصة أخرى - أريد فرصة أخرى " . فلما اختفى عن بصرى وقعت على قدمى وانا أصرخ " أريد فرصة أخرى " ثم دار الفضاء أمامى ولم أحس بشىء .. ومرت على مدة وأنا فى غيبوبة طويلة ؛ ثم استفقت أخيراً وفتحت عينى ولكنى دهشت ؛ وازدادت دهشتى جداً .. وظللت أنظر حولى وأنا لا أصدق ؛ ثم دققت النظر إلى نفسى فإذا بى ما أزال وحيدا فى غرفتى الخاصة متمددا على مقعدى .. يا لرحمه الله .. أحقا أعطيت فرصة أخرى لاكون خادما صالحاً . وقمت فقدمت لله صلاة شكر عميقة ؛ ثم عزمت أن أخبر أخوتى الخدام بكل شىء ليستحقوا هم أيضا الدخول إلى مدينة الخدام . وهكذا أمسكت بعض أوراق بيضاء ؛ وأخذت أكتب " حدث فى تلك الليله .. " |
|